الخرطوم : سراج النعيم
كشف
الدكتور علي الكوباني الطبيب الشرعي قصص مثيرة حول تشريحه للموتى بمشرحة الطب
الشرعي بالخرطوم ومن بينها أول جثمان شرحه مؤكداً أن الدكتور عبدالمطلب الذي كان
يعمل معه مساعداً قد ﺗﻌﺮﺽ ﻟﺤﺎﺩﺙ سير اضطره أن يشد الرحال للاستشفاء خارج البلاد وكانت
الجثامين وقتها تصل إلي المشرحة لذلك لم يكن أمامي بداً سوي أن اشرح تلك الجثامين
بمساعدة العم إسماعيل علماً بأنه لم يكن لدينا مكتب بل كان هنالك (تربيزة) والثلاجة
الخاصة بحفظ الجثث وما أن وصلت المشرحة في ذلك الصباح إلا وبدأت في مراجعة ﺃﺭﺍﻧﻴﻚ
(8) ﻭﺃﻭﺍﻣﺮ ﺍﻟﺘﺸﺮﻳﺢ التي من خلالها أقوم باختيار الجثمان الأهم الذي ابدأ به يومي لذلك
طلبت من العم إسماعيل فتح باب الثلاجة وبدوري اوشر له علي الجثمان الذي أود
البداية به ولكن بعد برهة من ذلك التفت إلي العم إسماعيل فوجدته ضاحكاً الأمر الذي
استدعاني لطرح سؤالي علي العم لأنني حديث عهد وهو في المهنة منذ (33) عاماً؟ فلم
يكن أمامي بداً سوي أن اسأله ما الذي يضحكك يا عم إسماعيل؟ ﻗﺎﻝ : (تخيل ﻳﺎ ﺩﻛﺘﻮﺭ ﻋﻠﻰ
الجثمان الذي أشرت به علي قال ﻟﻲّ ﺗﻌﺎﻝ، ﻓﻀﺤﻜﺖ ﻭﻗﻠﺖ له الجثمان الذي قال لك ذلك احضره
لكي أبداً به وكان أن شرحت الجثة.
الخوف
من التشريح
وعن
هل انتابه إحساس بالخوف وهو يشرح الجثمان لأول مرة؟ قال : لا اخفي أن هنالك بعض
الخوف الذي تملكني في تلك الأثناء خاصة وان العم إسماعيل توفي إلي رحمة مولاه بعد
مرور أسبوعين من تاريخ تشريحي لأول جثمان.
الوقوف
بجوار الجثمان
ما
السبب الذي جعل الخوف يسيطر علي دواخلك؟ قال : السبب الأساسي في هذا الإحساس هو
أنني ربطت بين الجثمان الذي شرحته ووقوف العم إسماعيل بجانبه.
متاهة
الحي الميت
هل
هنالك جثامين لم تصل فيها إلي نتيجة بمعني أن الوصول فيها إلي نتيجة دون تعقيد؟
قال : بكل تأكيد توجد حالات تبدأ بربط السبب الذي أدي إلي وفاة هذا الشخص أو ذاك
ومن تلك الحالات الإنسان الذي يتعرض إلي حادث وهو مازال علي قيد الحياة مثلا هنالك
شخص ما تم إسعافه إلي المستشفي في الطريق إليه وقع الحادث ومثل هذا الحادث يدخلك
في متاهة هل هو حياً أم ميتاً؟ ولكن في الكثير من الأحيان تتعدد الأسباب حول
الحوادث التي تتطلب التدقيق خاصة وأن التقرير الذي تكتبه تتوقف عليه حياة إنسان.
القتل
العمد
وفي
رده علي سؤال حول هل يتذكر أن شرح حالة من الحالات التي نطرح في ظله هذه
التساؤلات؟ قال: نعم فقد وصلني جثمان إنسان تم الاعتداء عليه بعكاز ومن ثم القي به
في النيل وعندما حول إلي كان أن كتبت تقريري إلا أن المتهم بقتل هذا الشخص لم يحكم
تحت المادة ( 130 ) من القانون الجنائي وتفسيرها ( القتل ﺍﻟﻌﻤﺪ) وهذا الحكم صادر
لأن الجاني عندما ضرب المجني عليه بالعكاز اعتقد انه توفي برميه في النيل بقصد
إخفاء معالم الجريمة التي ارتكبها وبالتالي السبب الذي نجمت عنه الوفاة ليس سبباً
واحدا لذلك علي الطبيب الشرعي في مثل هذه الحالة أن يتوخي الدقة في تشريح الجثمان.
التشريح
المعقد
متى
يعجز الطبيب عن فك طلاسم هذا الجثمان أو ذاك؟ قال : عندما يتعرض الجثمان إلي
التحلل فإنه يؤدي إلي تلاشي ﺍلأﻧﺴﺠﺔ علي سبيل المثال وعليه تصبح عملية التشريح
معقدة جدا وإذا لم يصل الطبيب الشرعي في هذه الحالة إلي نتيجة فيجب أن يكون واضحا
ولا يعمد إلي أن يستنتج فرضيات قد تأتي بنتائج غير صحيحة.
نبش
الجثامين
دعني
انتقل بك إلي نبش الجثامين بعد دفنها؟ قال : مثل هذه الحالات تكون صعبة جدا لأن
الاعتماد فيها مبني علي معرفة نتيجة التشريح من خلال العظام والشعر إلا انه بصورة
عامة يجب أن تفترض السبب المؤدي للوفاة.
المهنة
مرتبطة بالمشاكل
هل
يمكن أن يبدل في يوم من الأيام الكوباني مهنته؟ قال : ذكرت أنني أحب المهنة بالرغم
من أنها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالمشاكل التي تحدث بين الناس ما بين الفينة
والاخري خاصة وأننا في ولاية يصل بالتقريب عدد سكانها الي الملايين وبالتالي
المشاكل تحدث بين البعض منهم بصورة مستمرة ربما تكون لأسباب بسيطة ولكن هي مشيئة
الله.
استقبال
الموتي
هل
كنت تستقبل في اليوم الواحد عدد كبير من الموتى بغرض التشريح؟ قال : بكل تأكيد
فالمشرحة تستقبل الكثير من الأشخاص المتوفين في حوادث مرورية أو في جرائم قتل أو
إلي أخره.
الموت
نهاية الدنيا
التشريح
عمل إبداعي
كيف
ينظر الدكتور علي الكوباني لمهنة تشريح الجثامين؟ قال : مهنة فيها الكثير من
الإبداع رغماً عن أنها قائمة علي الفراق والحزن لدي من تربطهم صلة بالمتوفى والعمل
في الحقل الطبي التشريعي يعتمد اعتمادا كليا علي المرحلة النهائية في حياة الناس
بالقتل أو الانتحار أو الغرق أو الحريق والي أخره من الوسائل الاخري لأي سبب من
الأسباب وعندما اخترت هذا التخصص اخترته عن قناعة وحب لمهنة الطب الشرعي.
التعامل
مع الموتى
ما
هو الاعتقاد الذي كنت تعتقده قبل أن تمتهن مهنة الطب الشرعي؟ قال : كنت اعتقد أن
الموت هو نهاية الدنيا التي نعيش فيها الآن إلا أنني اكتشفت أن التعامل مع الموتى
فيه راحة شديدة بالنسبة لي لأن اللغة التي أتخاطب بها مع الإنسان المتوفى لغة سهلة
جدا وهي لغة الطب الشرعي خاصة وأنه أي ﺍﻟﻄﺐ ﺍﻟﺸﺮﻋﻲ دراسة في كلية الطب بالجامعة
وليس دراسات عليا.
تجميع
العظام
هل
من خلال عظام الإنسان المتوفى يمكن أن تعرف أنه ذكر أم أنثي؟ قال : نعم فالعظام في
الإنسان عبارة عن ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ في الإمكان تجميعها ومن ثم الوصول إلي نتيجة هل المتوفى
ذكر أم أنثي كما أنه في الإمكان معرفة المعلومات التي حول في إطارها الجثمان
لمشرحة الطب الشرعي.
جثمان
الإنسان المتوفى
وحول
هل يمكن أن تتوقف لغة التخاطب الخاصة بالطبيب في حال تشريح الجثمان؟ قال : هذا
الأمر قائم علي جثمان الإنسان المتوفى فهو عندما يكون مكتمل جثمانه فإن التخاطب
معه بلغة التشريح تصبح في غاية السهولة.
الموت
والمعطيات
ما
هي اللغة التي يتخاطب بها الطبيب الشرعي مع الإنسان المتوفى أو المتوفاة؟ قال :
تبدأ هذه اللغة من بداية السبب المؤدي للموت والمعطيات الخاصة بهوية الإنسان المتوفى
فهي معطيات تحمل بين طياتها الوضوح الذي لن تجده بأي حال من الأحوال في الإنسان
الذي علي قيد الحياة فأنت حينما توجه سؤالا للإنسان الحي حول أمر ما فإنه قد يجيبك
علي سؤالك بأنه لا يتذكر ولكن عندما تطرح سؤالك علي الإنسان المتوفى فإنه يعطيك
الإجابة التي ترغب فيها
للدرجة
التي تتوصل فيها إلي إجابات بواسطة العظام هل هو يحمل الجنسية العربية أم الأفريقية
أم أي جنسية أخري.
لغة
التخاطب
متى
يحس الطبيب الشرعي بأن لغة التخاطب مع جثمان المتوفى صعبة؟ قال : تتعثر لغة
التخاطب حينما يمضي علي جثمان الشخص المراد تشريحه فترة زمنية طويلة من تاريخ
الوفاة ضف إلي ذلك تحلل الجثمان أو أنه تعرض للحرق أو الغرق لدرجة التحلل إلا أنه
رغماً عن ذلك كله فالطب الشرعي أصبح متطوراً جداً ومن خلال هذا التطور يستطيع
الطبيب الشرعي أن يتخاطب مع الجثمان والوصول إلي نتائج تشريحية توضح الأسباب
المؤدية للوفاة.
عدم
الوصول لنتيجة
حالة
يرثي لها
كيف
تخصصت في الطب الشرعي د. كوباني؟ قال : كون أنني أصبحت طبيباً شرعياً فالأمر إلي أستاذي
في الطب ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻤﻄﻠﺐ ﻣﺤﻤﺪ ﻳﺴﻦ الذي تعلمت منه أبجديات تشريح الجثامين منذ البداية
التي انخرطت فيها في مجال الطب الشرعي ﻭﺍﺫﻛﺮ
إني
حضرت للمشرحة فوجدتها ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﻳﺮﺛﻰ ﻟﻬﺎ.
لم
أندم
هل
ندمت علي انك تخصصت في تشريح الموتى؟ قال : لم اندم بتاتا علي إقدامي علي هذه
الخطوة ولو عاد بي الزمان للوراء سأختار بلا شك مهنة الطب الشرعي.
الإنسان
السوداني
كيف
تنظر لجثمان الإنسان السوداني بحكم أنك شرحت الكثير من الجثث العربية؟ قال :
الإنسان السوداني يمتاز بالوضوح فإذا ارتكب جريمة قتل يعترف بها.
لون
البشرة
هل
للون البشرة اثر في تشريح الجثمان؟ قال : ما في شك في أن لون البشرة له الأثر
الكبير الذي يجعل عملية التشريح يشوبها بعضا من التعقيد وعلي سبيل المثال عندما
امتحنت امتحاناً شفوياً بواسطة البروفسيور البريطاني أتذكر آنذاك الوقت قد إعطاني ﺻﻮﺭﺓ
لسيدة بدون أزياء فنظرت إليها بتمعن ثم وجه إلي سؤالاً هل شاهدت الصورة التي أعطيتك
إياها وما هي وجهة نظرك فيها هل هي جميلة؟ فأجبته بالإيجاب فما كان منه إلا وقال :
هذه السيدة متوفاة ومن ثم أردف في رأيك ما هو السبب الذي أدي إلي وفاتها؟ فقلت :
توفيت نتيجة الاختناق تسمما بأول أكسيد الكربون وهذا الأكسيد يجعل لون البشرة أشبه
بلون الكرز فيما استطعت الوصول لهذه النتيجة لأن السيدة المعنية بالصورة سالفة
الذكر كان لون بشرتها ابيض أما فيما يخص سؤال البروفيسور البريطاني حول لماذا كانت
السيدة لا ترتدي أزياء؟ قلت : السبب في ذلك هو تسممها بأول أكسيد الكربون وهو الأكسيد
الذي يصيب الإنسان بالجنون المؤقت ويبدأ في خلع الأزياء التي كان يرتديها.
أول
جثة
دعني
أعود بك للوراء قليلا ما هو أول جثمان شرحته وأنت تتولي مهمتك بمشرحة الطب الشرعي؟
قال : أول جثمان شرحته كان جثماناً مطعوناً بسكين خمسة طعنات قاتلة تم إحضاره من
منطقة كرتون كسلا
واعتقدت
أنها قضية مرتبطة بالشرف ولكن عبد المطلب قال لي لا تتعجل في الحكم ربما تجدها في (سفه
صعوط) وأنا استبعدت ذلك لان عدد الطعنات كان كثيراً وبالفعل كانت هذه القضية قائمة
علي خلاف في كيس صعوط.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق