ثلاث رسائل حملها وزير الداخلية وشؤون العبادة الفرنسي مانويل فالس أمس إلى مسلمي فرنسا بمناسبة تدشين مسجد مدينة ستراسبورغ (شرق) الكبير باسم الجمهورية الفرنسية. الأولى، طمأنة المسلمين وإفهامهم أنهم جزء من النسيج الوطني والاجتماعي الفرنسي وأن الإسلام مرحب به وبمساجده. والثانية، دعوة المسلمين إلى تحمل مسؤولياتهم لبناء «الإسلام الفرنسي» وكمواطنين يتقبلون قوانين الجمهورية وقيمها وقاعدة العيش المشترك فيها، أي العلمنة. والثالثة، التلويح بالعصا للسلفيين والمتشددين الذين «ينشرون الحقد والظلامية ولا يحترمون القيم والمؤسسات» في البلد الذي يعيشون فيه. وهؤلاء هددهم الوزير فالس بأنه لن يتوانى عن طردهم من الأراضي الفرنسية.
وجاءت كلمة فالس في إطار احتفالي بتدشين المسجد الجديد الذي رأى النور في ستراسبورغ، عاصمة منطقة الألزاس والعاصمة الأوروبية بامتياز لأنها تحتضن البرلمان الأوروبي كما أنها رمز التصالح بين فرنسا وألمانيا فضلا عن أنها تتمتع بوضعية خاصة داخل الجمهورية الفرنسية لأنها الوحيدة التي لها حق مد يد العون للديانات ومؤسساتها ومساعدتها على إشادة دور العبادة.
ومنذ الصباح الباكر، انصبت على المسجد الجديد الواقع على بعد كيلومترين فقط من كاتدرائية نوتردام التاريخية وفود المسلمين ومسؤولو المساجد الرئيسية في فرنسا ووفود رسمية مثلت المغرب والمملكة السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة فضلا عن نواب وشيوخ المدينة والمنطقة والسلطات المحلية والهيئات الروحية وفعاليات المدينة فيما يشبه التلاقي الروحي البعيد كل البعد عن الواقع السياسي والاجتماعي الذي يعيشه المسلمون والذي عانوا منه في الأيام الأخيرة مع فيلم «براءة المسلمين» والرسوم الكاريكاتيرية التي نشرتها أسبوعية «شارلي إبدو» الساخرة.
وخلال ما يزيد على الساعتين من الاحتفال الذي جرى في قاعة الصلاة الكبرى في المسجد من غير مئذنة الذي وصفه رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية بأنه «أحد أجمل مساجد أوروبا» عبر الرسميون الفرنسيون عن «عواطف نبيلة» إزاء المسلمين ورد هؤلاء التحية بأفضل منها. وقال عبد الله بوصوف، أحد الذين كانوا في أساس انطلاق المشروع، إن المسجد «ليس للمسلمين فقط بل لكل سكان ستراسبورغ والمنطقة» شاكرا السلطات المحلية وممثلي الديانتين المسيحية واليهودية على دعمهما. وتوجه بوصوف إلى الفرنسيين داعيا إياهم إلى «عدم الخوف من الإسلام» لأن المسلمين «لا يسعون لأسلمة فرنسا وأوروبا» بل جل ما يريدونه هو «العيش بسلام وانسجام مع كل مكونات المجتمع الفرنسي». وبالمقابل، فقد طالب بوصوف الذي يشغل حاليا منصب وزير الدولة لشؤون المغاربة في الخارج، المسلمين «ببذل الجهود للانخراط في الجمهورية الفرنسية» لأن الإسلام «أصبح إسلاما فرنسيا». ويعد كلام بوصوف ردا على مقولات اليمين المتطرف وتحديدا زعيمته مارين لوبن التي دأبت على التحذير من «الاحتلال الإسلامي» لفرنسا.
أما سعيد علاء، المدير الحالي للمسجد الكبير، فقد اعتبر أن «صفحة جديدة» قد فتحت أمام مسلمي ستراسبورغ وفرنسا لأن الإسلام «انتقل من إسلام الكهوف والشوارع إلى المساجد» حيث يمارس كديانة لها الحقوق نفسها التي تتمتع بها الديانات الأخرى الأمر الذي ثنى عليه حاخام ستراسبورغ رينيه غوتمان وفسليب ريشار، رئيس المجلس الإقليمي لمنطقة الألزاس ورولان رايس، عمدة ستراسبورغ وممثلها في مجلس الشيوخ. واستعاد الأخير المخاض الطويل لمشروع بناء المسجد الذي بدأ نهاية الثمانينات ثم توقف مع وصول اليمين إلى رئاسة البلدية لينطلق بعدها مجددا مع عودة اليسار إليها. أعرب رايس عن توقه لأن تتحول مدينة ستراسبورغ إلى «مدينة نموذجية تتلاقح فيها الحضارات والأديان» مذكرا بمجد الأندلس وبمفكرين كبار من أمثال الفيلسوف العربي ابن رشد والفيلسوف اليهودي الميمونيد الذي كتب باللغة العربية.
غير أن الحضور كانوا ينتظرون كلمة وزير الداخلية «الممثل الرسمي» لرئيس الجمهورية فرنسوا هولاند وفق ما حفر على اللوحة التذكارية لتدشين المسجد بينما كانت السلطات المحلية والهيئات الإسلامية تنتظر أساسا رئيس الحكومة جان مارك أيرولت الذي لم يعرف السبب الحقيقي لتغيبه عن الاحتفال. ولقيت كلمة مانويل فالس الذي يوصف في الحكومة الاشتراكية الحالية بأنه «الأكثر تشددا فيها» و«الأقرب» لطروحات اليمين في موضوع الهجرة والأمن، ترحيبا وتصفيقا من الحضور. واعتبر فالس أن المسجد الجديد «يعطي شموخه وألقه وعظمته» مضيفا أن الإسلام «له مكانه في فرنسا لأنه إسلام فرنسا ولأنه هو أيضا فرنسا».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق