الشهداء كانوا في مهمة تمشيطية للمناطق الزراعية بولاية النيل الأزرق
الملازم (مهند) رفض تنفيذ نقله من الدمازين إلى الحرس الجمهوري بالخرطوم.
المتمرد : مالك عقار أشعل فتيل الحرب فدحرته قوات الشعب المسلحة من الولاية
الخرطوم - الدمازين : سراج النعيم :
وبما أن التمرد في السودان قد طال أمده وغطي مساحات شاسعة من البلاد التي تواجه تحديات جسام في ظل ما تقوم به بعض القوى الخارجية من تمويل معنوى ولوجستي للحركات المتمردة على الشرعية في المركز .. وبما أن الامر يأخذ كل هذه الأبعاد في هذه الحروب الدائرة في مناطق الصراع.. فإن الاسلحة المستجلبة من القوى الغربية والاسرائيلية تلعب دوراً اساسياً في قتل ابناء الوطن. خاصة اولئك المنتمين للقوات المسلحة .. وكانت في هذا الإطار الألغام أحد الأسلحة المستخدمة في النزاع .. وهي تمثل آلية القتل القائم على الجبن . الذي دفعنا وفقه ثمناً باهظاً القي على كاهل القوات المسلحة عبئاً ثقيلاً .. فحقول الألغام حصدت الأرواح .. وسط دوي الإنفجارات .. كالذي حدث بالضبط في وقائع استشهاد الملازم مهند فيصل محمد التوم وسبعة من جنود قوات الشعب المسلحة اثناء ادائهم لواجبهم بالمشاريع الزراعية غرب مدينة الدمازين حيث أنه انفجر بهم لغماً بعد أن انجزوا مهمتهم التمشيطية في تلك المناطق الواقعة تحت دائرة حراستهم ..وفي طريق عودتهم إلى نقطة الإرتكاز حدث الإنفجار باللغم الذي زرعه أعداء الوطن من تجار الحرب بزعامة المتمرد مالك عقار الذي اشعل فتيل التمرد في ولاية النيل الأزرق عندما خاطب طلاب وشباب الدمازين في ختام دورة (كأس السلام ) ودعاهم صراحة إلى أن يهيئوا أنفسهم لخوض الحرب والقتال ضد الحكومة السودانية.
عقار بذر بذور الفتنة بالولاية:
وبذلك الخطاب ارسل رسالته الملغومة التي اعتبرها المراقبون إعلاناً مبدئياً للتمرد على السلطة الشرعية وعلى مواطني ولاية النيل الأزرق متحالفاً مع الحركة الشعبية التي تمرد معها قبلاًَ في اطول حروب القرن. ولم تضع السلاح جانباً إلا بتوقيع اتفاقية السلام بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية بالعاصمة الكينية نيروبي في التاسع من يناير 2005م وقبل أن تطوي البلاد هذه الصفحة بعد فترة احتراب دامت لاكثر من (20 عاماً ) .. ها هو المتمرد مالك عقار يحن إلى كاره القديم الذي دحرته منه قوات الشعب المسلحة .. خاصة وأن جهات اجنبية تستغل وتعمل على استغلال حليفها مالك عقار في بذر بذور الفتنة بين ابناء الوطن الواحد .. وبالتالي العمل وفق المخطط الداعي إلى زعزعة الشمال .. حيث أن التمرد الذي قام به المتمرد مالك عقار جاء عقب إعلان دولة جنوب السودان بشهرين من تاريخه .. كما أنه جاء بعد أيام قلائل من الشكوى التي رفعتها وزارة الخارجية السودانية ضد الدولة الوليدة في الجنوب .. وهي الشكوى التي حملت بين طياتها إتهام دولة جنوب السودان بدعم المتمردين في ولاية جنوب كردفان واستقبال البعض منهم في مراكز إيواء مؤقتة قامت بتهيأتها الولايات التي شهدت توافد المتضررين إليها والتي كان غالبها بالمدارس وبعض المرافق العامة الاخرى.
استشهاد الملازم وسبعة من الجنود:
ومن هذه البوابة وهذا المدخل ندلف مباشرة إلى القصة المؤثرة جداً لاستشهاد الملازم مهند فيصل محمد التوم ورفقائه السبعة من جنود الوطن الأوفياء في منطقة تبعد حوالي (30 كيلو ) غربي مدينة الدمازين متأثرين باللغم الذي انفجر بالعربة التي كانت تقلهم من وإلى مناطق المشاريع الزراعية .. بعد أن ولي التمرد من ولاية النيل الأزرق . وعلى ضوء ما الذي شهدته الولاية من مختلف الأصعدة والمستويات .. وما انعكس على ذلك من زراعة حقول الألغام ودعونا نقف وقفة اجلال لشهداء القوات المسلحة وبالتالي نقلب صفحات وصفحات من سيرة الشهيد الملازم مهند الذي كان مسؤولاً عن حراسة اهم القطاعات بتلك الولاية ألا وهو القطاع الزراعي.
وفي ذات السياق كشف الاستاذ ميرغني على محمد التوم عم الشهيد الملازم (مهند) الكيفية التي استشهد بها نجل شقيقه والجنود السبعة الذين كانوا تحت امرته بالمنطقة الزراعية الواقعة غرب مدينة الدمازين .. حيث أنه قال للدار : مهند وزملائه في قوات الشعب المسلحة لعبوا دوراً كبيراً في نجاح الموسم الزراعي العام المنصرم بحراستهم للمشاريع الزراعية من ايادي الغدر التي عندما عجزت من منازلتهم في الميدان .. لجأت إلى زراعة الألغام .. وبالرغم من ذلك تكللت جهودهم التي تصب رأساً في هذا الإتجاه بالنجاح المنقطع النظير.
وتاكيداًَ لما ذهب إليه عم الشهيد أكد الدكتور كمال الدين خلف الله وزير الزراعة بولاية النيل الأزرق في تصريحات صحفية : ( أن الموسم الزراعي حقق النجاح المرجو بالرغم من ظروف الحرب التي تعرضت لها الولاية حيث شهدت نسبة نجاح يفوق الـ (70%) مع الاخذ في الاعتبار أن الحصاد مازال مستمراً وان نسبة نجاحه تزداد يوماً بعد الآخر وإلى أخره.).
المهندس سيفاً مسلولاً في وجه الأعداء:
ويستأنف ميرغني على محمد التوم حكايا الاستشهاد الذي حدث لابن اخيه (مهند) وجنوده الذين مشطوا المناطق الزراعية هناك . مبتدراً حديثه بالسيرة الذاتية قائلاً: الشهيد الملازم (مهند) من مواليد مدينة قدوى ريفي كبوشية بولاية نهر النيل في العام 1984م ، بدأ دراسته بمدرسة العباس بمسقط رأسه .. ثم مدرسة القوز الثانوية ثم درس بجامعة أمدرمان الإسلامية إلا أن رغبته في الأنضمام إلى صفوف قوات الشعب المسلحة جعلته يقطع دراسته الجامعية ويلتحق بالكلية الحربية جندياً مخلصاً ووفياً لهذا الوطن الذي ما فتى أن يبخل عليه بروحه .. هكذا خبرناه منذ الصغر يكرس كل وقته لخدمة الآخرين دون أن يلتفت إلى رغباته وطموحاته الشخصية وكيف يفعل .. وهو الذي نشأ وترعرع في كنف أسرته التي ربته على الدين الإسلامي وحسن الخلق وحب الوطن الذي استشهد في سبيله زوداً عن الأرض والعرض ... وهذا قليل من كثير فالمهند ظل سيفاً مسلولاً في وجه الاعداء وظل قابضاً على جمر القضية.
توزيعه في مدينة الدمازين :
ومازال الحديث للاستاذ ميرغني عم الشهيد الملازم مهند فيصل على محمد التوم الذي واصل قائلاً : هو الدفعة (54) من ضباط قوات الشعب المسلحة ..حيث أنه تخرج من الكلية الحربية في العام 2009م برتبة ملازم تم توزيعه في مدينة الدمازين بولاية النيل الأزرق .. الولاية التي دحروا فيها فلول التمرد برئاسة المتمرد مالك عقار .إذ أنهم قاموا بواجبهم على أكمل وجه حتى نالوا الشهادة نتيجة الالغام المزروعة في تلك المناطق.
ومن هذا المنطلق يصنف السودان من بين أكثر الدول الأفريقية تأثراً بزراعة حقول الألغام وبالتالي بدأ استخدامها مع الحرب العالمية الثانية في كل من الصحراء الشمالية الغربية وشرق السودان إلى جانب أنه تأثر تأثراً بالغاً بالألغام المزروعة على خلفية الصراعات القائمة بين الدول الأفريقية المجاورة له . حيث أنها وصلت في تمددها إلى اقليم غرب السودان (دارفور) في سبعينيات القرن العشرين اثناء سنوات الحرب الأهلية التشادية .. ألا أنه تم التأكيد بأنه أزيلت تلك الألغام بعد الوصول إلى حل للإشكالية بين الأطراف المتقاتلة ورغما عن ذلك تبقي الحرب الاهلية بين الحكومة السودانية والحركات المتمردة بجنوب السودان هي السبب الاساسي فيما نحن نتطرق اليه والتي بدأت تنطلق منذ بدايات الاستقلال ومن هنا كانت تقضي على اليابس والأخضر حتي انها طالت مناطق خارج دائرة النزاع منها جبال النوبة بوسط غرب السودان.
الشهيد رفض تنفيذ نقلة للحرس الجمهوري
ويفتح استشهاد الملازم مهند فيصل وزملائه الجنود السبعة بانفجار لغم بسيارتهم الباب لمناقشة قضية زراعة حقول الألغام في مناطق الشدة الأمر الذي يتطلب توعية الناس بمخاطر الالغام التي راح ضحيتها الكثير من المواطنين والعسكريين خاصة وان هنالك دعوة للقضاء على تهديدات الألغام الأرضية فهي ذات الألغام التي اودت بحياة شهداء قوات الشعب المسلحة والدعوة تنحصر في جعل العالم خاليا من حقول الألغام الأرضية وتشجيع البلدان على المشاركة في المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تهدف الى انهاء انتاج الالغام أو الاتجار بها او شحنها أو استخدامها والى تأييد حقوق الأشخاص المصابين بالعجز ومساعدة البلدان على تدمير مخزونات الألغام الموجودة لديها حسبما تتطلبه الاتفاقيات مثل معاهدة حفر الألغام المضادة للافراد لعام 1999 والألغام الأرضية ومخلفات الحرب القابلة للانفجار الذي يؤثر على مالا يقل عن 78 بلدا كما انها تؤدي الى اصابة مايتراوح بين 15,000 شخص و 20,000 شخص سنويا.
فيما يسترسل الاستاذ ميرغني عم الشهيد الملازم مهند فيصل علي قائلا: ربما ان مشيئة الله – سبحانه وتعالي – وحدها التي ارادت له ولزملائه الذين كانوا معه الاستشهاد بهذا اللغم الذي انفجر بالعربة خاصتهم بعد العودة من مناطق المشاريع الزراعية غرب مدينة الدمازين فهو أي – الشهيد الملازم (مهند) تم نقله من هناك الى الحرس الجمهوري الا انه رفض ان ينفذ أمر النقل متمسكا بالبقاء في ولاية النيل الأزرق حارسا لاهم المشاريع الزراعية المفيدة بلاشك للمواطنين هكذا وقفوا سدا منيعا في وجه استقلال الأراضي الزراعية والبنية التحتية والخدمات بالقري والمناطق الريفية.
الألغام المزروعة في السودان
وتشير الاحصائيات الى ان الألغام المزروعة في السودان كبيرة جدا وان انواع الألغام المستخدمة تصل الى حوالي (46) نوع منتجة في حوالي (16) دولة منها الولايات المتحدة الأمريكية واسرائيل وغيرهما وتسببت هذه الألغام في اغلاق عدد من الطرق البرية والسكك الحديدية الأمر الذي صعب مهمة نقل المساعدات الانسانية الى المناطق المتضررة ولأن الحكومة السودانية مهمومة بهذا الخطر وقعت على اتفاقية (أتوا) لحفر الألغام في ديسمبر 1997م وفي اغسطس 2003م صادق مجلس الوزراء على الاتفاقية وفي اكتوبر 2003م أودع السودان صك المصادقة على الاتفاقية للامانة العامة للامم المتحدة وفي ابريل 2004م دخلت الاتفاقية حيز التنفيذ وفي اكتوبر من العام 2004م اودع السودان تقريره الأولي عن الألغام بالسودان الى الأمانة العامة للأمم المتحدة ومن ابرز ماحوي التقرير ان مخزون السودان من الألغام يبلغ حوالي (9485) لغم مضاد للانسان وان عدد الألغام المستبقاة لأغراض التدريب والبحوث تبلغ حوالي الـ (5000) لغم مضاد للانسان والاخري ينتظر ان يفرغ من تدميرها في او قبل العام 2008م كما يفترض ان تكتمل عملية نزع الألغام المزروعة حتي العام 2014 حسب منطوق الاتفاقية.
الشظايا المتطايرة من انفجار اللغم
ويتوقف الاستاذ ميرغني عم الشهيد الملازم مهند فيصل علي محمد التوم عند اصرار نجل شقيقه علي البقاء بولاية النيل الأزرق رغما عن نقله للحرس الجمهوري بولاية الخرطوم قائلا: ومن هنا ظل هناك الى ان استشهد في منطقة تقع غرب مدينة الدمازين يوم 29/11/2011م.
وأضاف: ومن المعروف فيه بين أفراد العائلة وأهله وأصدقائه وزملائه بقوات الشعب المسلحة انه دمث الاخلاق.
وفي رده على سؤال طرحته عليه الدار حول الكيفية التي انفجر بها اللغم بالعربة التي تقله وسبعة من جنود الوطن الشجعان قال: خرج الشهيد (مهند) ورفقائه في مهمة تمشيطية للمناطق الزراعية غرب مدينة الدمازين وفي طريق عودتهم نفذ قدر الله – سبحانه وتعالي - بمطنقة (اقدي) التي حدث فيها الانفجار الذي استشهد على ضوئه الملازم (مهند) وسبعة جنود كانوا في العربة التي يستقلونها في تلك الاثناء بينما كتب الله - العلي القدير الحياة الى بقية الجنود في العربتين اللتين كانتا تحت إمرته وكل ما تعرضت له بعض الشظايا المتطايرة من اللغم الذي انفجر بالعربة التي كانت تتقدم هذا الطوف التمشيطي للمناطق الزراعية غرب مدينة الدمازين.
رسالة والد الشهيد لزملائه
وبما ان الألغام تشكل هاجسا لعامة الناس في مثل هذه المناطق التي تشهد بعض الصراعات المسلحة من قبل المتمردين على السلطة الشرعية في المركز.
فيما قال الاستاذ فيصل علي محمد التوم والد الشهيد للدار: اولا لأبد من التأكيد بأن ابني الملازم (مهند) كان شابا محترما جدا وتقي جدا يؤدي صلواته الخمس في وقتها وبما انه على هذا الخلق كان بارا بوالديه واهله جميعا ومنذ ان تم توزيعه بولاية النيل الازرق وهو يهاتفنا يوميا حيث جبل على محادثة والدته شامة عبد الله عبد الجليل الجابري ويطمئن عليها وعلى الاهل جميعا.
واستطرد والد الشهيد قائلا: لقد كان الملازم (مهند) يكثف من الاتصالات الهاتفية بالاهل جميعا وذلك في الأيام التي سبقت استشهاده اثر انفجار لغم بالعربة التي كانت تقلهم بمنطقة (اقدي) غرب مدينة الدمازين بولاية النيل الازرق ومن هذا المنطلق اتمني صادقا ان يثبت الله – سبحانه وتعالي – أخوته في قوات الشعب المسلحة وان ينصرهم على اعداء الدين والوطن من أجل أن يكون السودان بلدا آمنا.
وبعث برسالتين لدفعته الأولي مفادها: استشهاد نجلي (مهند) سنة من سنن المولي عز وجل في الحياة والحمد لله الذي اصطفاه شهيدا
أما الرسالة الثانية فيقول فيها: ارجو من زملائه المتأثرين جدا ان يتضرعوا له بالدعاء.
ونواصل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق