الأربعاء، 15 سبتمبر 2021

*سراج النعيم يكتب : لماذا لا يستقيل وزير الداخلية بسبب النيقرز و(9- طويلة) وجرائم اخري ترتكب ضد الإنسان في وضح النهار*



......

تشكل الظواهر السالبة والتفلتات الأمنية المتمثلة في عصابات (النيقرز) وما يسمي بـ(٩- طويلة) وغيرها من المجموعات الإجرامية واقعا مخيفا، مروعاً ومقلقاً جداً لإنسان السودان الذي بات يتفاجأ بهم يرتكبون في حقه الجرائم بكل جرأة دون خوف من (قبض) أو (عقاب)، لذا السؤال ما الذي يجعل السلطات الأمنية تقف مكتوفة الأيدي، ولا تفعل دورها المنعي لإيقاف الانتهاكات المرتكبة ضد المواطن؟.

مما ذهبت إليه، فإن على الفريق أول شرطة عزالدين الشيخ وزير الداخلية أن يكون قادراً على اداء الدور الأمني المنوط به، أو أن يفعل مقترح (الاستقالة)، وإذا لم يفعله، فإن (الإقالة) هي الحل، فلا يمكن أن تكون الجرائم بهذه الشكل الجرئي.

إن المجموعات المتفلتة تستقل عدم تفعيل الدور الأمني، لذا السؤال لمن يقف على رأس الأمن الداخلي كيف تخلد للنوم غرير العين، والسكان يتخالجهم إحساس عدم الطمأنينة خاصة وأن الجناة يتفنون في ارتكاب الجرائم بما يروق لهم، ومع هذا وذاك لا يخافون من (عقاب) ينتظرهم، لذا يسرقون، ينهبون ويخطفون، فلماذا هذا التراخي والانكسار؟ وهو بلا شك جعل الجناة يسيطرون على المشهد، وأصبحوا حديث المدينة ووسائط التقنية الحديثة، مما ولد الضعف والشعور بالانهزامية، فمتى تزيل الأجهزة الأمنية هذا الإحساس؟.

لا تقف الأنشطة الإجرامية في حدود مناطق محددة، بل تمتد لمدن وأحياء في قلب الخرطوم، هكذا يمارس الجاني الفعل المنافي للقانون دون خوف، وإذا لم يستجيب له الضحية، فإن مصيره الاعتداء بالأسلحة (البيضاء) أو (النارية)، وهو ما يستدعي المجرم ينفذ جريمته، ومن ثم يهرب من مسرح الحادث.

دائما يستهدف الجاني أماكن التجمعات، وإحداث الانفلات الأمني، كالذي حدث في مسرح اتحاد الفنانين المؤجر لـ(لمتعهد)، والذي شهد انفلات أمنياً عنيفاً، وذلك على خلفية رمي عبوتين (بمبان) داخل المسرح الذي غني فيه (ود الجاك)، والذي على إثره تم تكسير سيارات أعضاء من اتحاد الفنانين كانت تقف أمام داره، بالإضافة إلى سرقة موترين وما خف حمله، وتشير الواقعة بوضوح شديد إلى انعدم الأمن في مدن وأحياء بولاية الخرطوم، وأصبحت بعض المناطق بالولاية عبارة عن (بؤرة) و(أوكار) للجريمة.

هل الشرطة لا تعرف عصابات (النيقرز) أو ما يسمي بـ(9- طويلة)، أو أي مجموعة من المجموعات الإجرامية التي تروع المواطن، ولماذا لا يعمل الأمن بشكل جاد لحسم الجرائم، وحفظ الأمن الداخلي للمجتمع، وإعلاء صوت القانون بتكثيف الحملات الشرطية، ومراجعة أوراق السيارات التي تجوب شوارع ولاية الخرطوم بدون لوحات والدراجات النارية المستخدمة في خطف الهواتف والحقائب النسائية؟.

إن ترك الجناة بهذه الصورة سيشجع آخرين على ارتكاب جرائم مماثلة، وسينعش تجارة الأسلحة (البيضاء) و(النارية)، وهو ما نلحظه يومياً في أوساط اناس باتوا يلجأون لهذا الخيار مجبرين، مما سيقود إلى مواجهة عنيفة بين (المجرم) و(المواطن) الذي سيجد نفسه مضطراً لحماية ماله وممتلكاته، وعليه يجب دعم الشرطة بما يدعها تؤدي واجبها، وأن تشرع القوانين لحماية أفرادها للقيام بالدور المنوط بهم.

على الحكومة الانتقالية حسم الظواهر (السالبة) والتفلتات الأمنية عاجلاً وليس آجلاً حتى لا يضطر المواطن للدفاع عن نفسه، فتعم (الفوضى) ويأكل القوي الضعيف، مع التأكيد بأن المواطن قادر على حماية نفسه في حال أثبتت السلطات المعنية عجزها، إلا أنه لا يريد أن يأخذ حقه بيده، فتصبح المسألة (فوضي) بلا ضابط أو رابط أو قانون يحكمها، لذا على الحكومة حماية مواطنيها من الظواهر السالبة والتفلتات الأمنية، خاصة وأنهم وثقوا فيها منذ الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع (عمر البشير)، وإذا لم تفعل دورها الأمني، فإنه لن يأسف على رحيلها من سدة الحكم

الأحد، 12 سبتمبر 2021

منير عبدالوهاب ممثل كبير من توتي وسراج النعيم



 

تنبأ له طبيب بالاصابة بالعمى بعد (70) عام
منير عبدالوهاب : عرفت منذ الصغر بانني سأصبح (كفيفا) 
جلس إليه : سراج النعيم 
كشف المخرج الإذاعي والممثل المخضرم منير عبدالوهاب قصته الحزينة مع الإصابة بالعمى، والذي تنبأ في إطاره طبيبا سودانيا قبل أكثر من (70) عام بأنه سيصبح (كفيفا)، كما أنه رد على أسئلة وضعتها على منضدته فيما يتعلق بوظيفته في مجال الحسابات الحكومية، ومن ثم أصبح مخرجاً للبرامج، السهرات والدراما بالإذاعة السودانية والتلفزيون القومي. 
كيف أصبحت (كفيفا)؟
بدأت قصة إصابتي بالعمى منذ أن كنت طفلاً، إذ انني وقتئذ كنت أدرس في المرحلة الاوسطي، وأثناء ذلك مر أطباء العيون كالعادة على مدرسة (الاميرية) بمدينة أمدرمان، وكان أن كشفوا لي النظر، فقال الطبيب المختص : (سبحان الله.. سبحان الله)، موجها خطابه إلى أطباء الامتياز الذين كانوا يرافقونه في تلك اللحظة، فما كان منهم إلا أن سألوه بصوت ماذا هناك يا بروف؟ فقال بلا تردد : إن هذا الطفل الذي اوقعت له الكشف الطبي مصيره الإصابة بالعمى، فاردفوا : لماذا؟ فقال : توجد في عينيه ماء سوداء، فسألوه يا بروف أليس لهذه الحالة علاج؟ فقال : في الوقت الحاضر ليس لها علاج، ولكن ربما بعد عشرين أو ثلاثين عام سيصل العلماء إلى علاج له، عموماً مصير هذا الطفل الإصابة بالعمى، وتأكد لي منذ ذلك التاريخ بانني ساصبح (كفيفا)، وهو ما يؤكد بأن الطب وقتئذ متطور جدا.
وماذا؟
حينما ازفت ساعة الصفر بدأت أشاهد (طشاش)، فما كان إلا وأجريت في هذا الإطار أكثر من (6) عمليات في السودان، بالإضافة إلى عملية أخرى في (القاهرة)، ولم تسفر كل تلك العمليات عن نتائج (إيجابية)، والحمدلله على ما أراد الله الذي قال في حديث قدسي : (من أخذت حبيبة عينيه، فإن جزاءه الجنة) فهذا الحديث كثيرا ما يريحني.
كم مضى على إصابتك بالعمى؟
مضى على الإصابة بالعمى حوالي ال(7) سنوات، وقبل هذه السنوات كنت أشاهد (طشاش)، هكذا إلى أن أصبحت لا أشاهد نهائياً. 
هل تأقلمت مع الإصابة بالعمى؟ 
نعم.. فقد أضحيت أمارس حياتي بشكل طبيعي، لأنني كنت أصلاً مهيأ لهذه الحالة، بالإضافة إلى انني لدي إبني الذي يساعدني كلما فكرت في الخروج من المنزل. 
هل نجلك مضى في مجالك؟ 
لا.. فقد اختار تخصصه بعيداً عن والده، ووالدته عفاف شيخ الدين المتخرجة في مجال الموسيقى رغماً عن أنه عازف (أورغ) و(بيز جيتار) و(عود) ماهر جدا، كما أنه خاض تجربة التمثيل، أي أنه اختار دراسة الترجمة، ومن ثم عمل في السفارة البريطانية
هل أنت أصلا من جزيرة توتي؟
نعم.. فأنا في الأساس من قبيلة (المحس)، والتي أتذكر في ظله انني سافرت إلى الولاية الشمالية وقدمت مع مجموعة من الزملاء مسرحية في مدينة (دنقلا)، ومنها إلى مدينة (كريمة)، وأثناء ما كنا هناك جاء إلينا مدير الشرطة، وطلب مني أن نقدم عرضا مسرحيا في إفتتاح دار الشرطة، وكان أن استجبنا له وقدمنا عرضا (مجاناً)، فقال لي : من أين أنت في الخرطوم؟ فقلت : من جزيرة توتي، فأردف سؤاله بآخر : هل أنت (محسي)؟، فقلت : نعم، فما كان منه إلا وتحدث معي باللهجة المحلية، فلم أرد عليه، فقال : أليس محسيا أنت؟ فقلت : (محسي)، ولكن لا (ارطن)، فقال : لماذا؟ فقلت : منذ أن تم انجابي في جزيرة توتي وجدت أجدادي يحفظون الناس القرآن الكريم، ولا يعرفون اللهجة المحلية، عندها أكد لي أنه عندما تخرج من كلية الشرطة تم ابتعاثي إلى أمريكا، وأثناء تجواله فيها وجد متحفا أمريكيا، فدلف إليه وأثناء ذلك وجدت فلكلور سوداني بالقرب منه لافتة مكتوب عليها (من ترهاقة ملك مملكة كوش إلى ملك أمريكا)، فاستغرب غاية الاستغراب، فسأل المشرف على المتحف ما هذه الأشياء؟ فرد عليه قائلاً : هذه الهدية من ملك أفريقيا، وكان أن شرح له بأن الفلكلور هدية من حاكم السودان، فطلب منه الأمريكان أن يعمل معهم في مجال السياحة إلا أنه رفض الفكرة رفضا باتاً، وتمسك بعمله الشرطي في السودان.
ما أبرز المسرحيات التي شاركت فيها؟
شاركت في العام 1976م في مسرحية (سقوط برليف) في إفتتاح قاعة الصداقة بالخرطوم، وهي من تأليف الشاعر الفلسطيني هارون هاشم رشيد، وإخراج عمر الخضر، بالإضافة إلى مسرحية (المهدي في ضواحي الخرطوم)، و(لعنت المحلق) من تأليف نعمات حماد وإخراج الفنان الراحل عبدالعزيز العميري، وشاركت  فيها في مهرجان الثقافة الثاني بمدينة (كسلا).
ماذا عن المخرج الراحل خطاب حسن أحمد؟
كان عليه الرحمة عبقريا، إذ أنه كان مخرجاً مميزا، وقد أخرج لي برنامج (الصباح رباح) بالإذاعة السودانية، وظلت علاقتي معه مستمرة حتى بعد احالت النظام المباد لنا للصالح العام، إذ أنه اتصل بي هاتفياً، وطلب مني أن أأتي إليه في شركة إنتاج إعلامي، وكان أن عملت معه حوالي (10) إعلانات، ومنحني على إثر ذلك مبلغ من المال ظللت أصرف منه عام كامل، وهو من أسرة في جزيرة توتي، ومنها الفنان عابدين ابوعشة الذي سبق حمد الريح في الحركة الفنية، وإبراهيم زكريا أميز كوميديان، والشيخ عمر الذي ألف منلوجات للأطفال مثلاً (الغروية)، و(امحمد) تمجيدا للمزارع، و(يا فاعل خير)، وهي دعوة لكفالة اليتيم وغيرها من المنلوجات التي وصلت إلى (10). 
ما الأعمال الأخيرة التي اخرجتها للإذاعة السودانية؟
كنت استكتب اللواء الراحل عبدالله ابوقرون عن شخصيات سودانية خالدة في ذاكرة الأمة السودانية مثلا الشيخ فرح ودتكتوك وعبدالرحمن النجومي وآخرين.
ما البرامج المميزة التي اخرجتها للإذاعة السودانية؟
(العلوم الدينية)، (فترة السحر) و(السهرة)، وهي برامج كنت مقدماً ومخرجاً فيها، وأصبح فيما بعد ضيوف البرنامج من الممثلين المميزين.
كيف جئت لعالم الدراما؟ 
كان مدخلي لها في منتصف سبعينيات القرن الماضي من خلال وظيفتي في مجال الحسابات، فأنا كنت مولها بالرديو منذ الصغر، وكانت لدي أخت تحب الإذاعة، ويوميا تستمع إلى اثيرها، وتطلب مني أن استمع معها للبرامج الإذاعية لدرجة انني أصبحت أحفظ بعض الشعارات، وبما انني كنت محاسبا في الحكومة طلب مني وكيل وزارة المالية أن أمثل أمامه، وعندما ذهبت إليه أبدى إعجابه بتجربتي في مجال الحسابات، وطلب مني أن انقل إلى وزارة الخارجية، فرفضت الفكرة جملة وتفصيلا، وابديت رغبتي في العمل بالإذاعة السودانية، إلا أنه ونقلني إلى (اللاسلكية واللا سلكية) لمراجعة شيكات لم تتم مراجعتها منذ الاستقلال، وعندما انتهيت من المهمة اصريت على نقلي للإذاعة السودانية رغماً عن الإغراءات من مدير (الحريقة) آنذاك قبل أن توول للشرطة السودانية، إذ أنه منحني رتبة (ملازم أول)، إلا انني رفضت ذلك، واصريت على الإذاعة السودانية، هكذا إلى أن تم منحي خطاب نقلي لوزارة الثقافة والإعلام، والتي ابقتني بطرفها فترة إلى أن نقلت للإذاعة السودانية، وأصبحت أنتج فيها البرامج الإذاعية، المسلسلات، التمثيليات والمسرحيات في الإذاعة والتلفزيون. 
ما الموقف الذي مر بك في الإذاعة وخالد في الذاكرة؟ 
في مرة من المرات كنت أقف أمام صراف الإذاعة، فوضع لي الصراف مبلغا كبيراً، وأثناء ذلك كان يقف خلفي مباشرةً الممثل الراحل عوض صديق، فسألني ماذا تشتغل يا منير؟ فقلت : عدد من البرامج الإذاعية، فقال : أنا وأستاذ يسن عبدالقادر دايرين نشغل معك، فقلت : لا مانع لدي، لكن دعني أشاور المخرجين، وعندما فعلت لم أجد لدي البعض منهم مساحة إلا في برنامج الشاذلي عبدالقادر الذي اعتبر انضمامهما له إضافة، وكان أن شكرني الأستاذ عوض صديق، وهذا يقودني إلى تقييم المبدع، والذي أتذكر في ظله انني كنت مشاركا، وعددا من الشباب الخريجين في مسرحية (العروس في المطار) مع الأستاذ ابوقبورة في بعض الولايات، والتي قدمنا من خلالها عرض مسرحي في منطقة (طابت)، وحقق العرض نجاحا منقطع النظير، فما كان من الأستاذ محمد سراج إلا وقال : يا منير وزع القروش بالتساوي على طاقم المسرحية، فقلت : يا أستاذ ليس منطقا أن أخذ مبلغا معك بالتساوي، هكذا رفضت ورفض طارق علي وخالد خيري وكل الممثلين في المسرحية.

الجمعة، 10 سبتمبر 2021

سراج النعيم يكتب : متسول فى (العالم الافتراضي)

 


...........................

وقفت متأملاً ظاهرة التسول المنتشرة فى المجتمع بشكل عام وتطورها فى ظل (العولمة) ووسائطها المختلفة، مما يدعو إلى دراستها دراسة مستفيضة وتحليلها تحليلاً اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً ودينياً وسيكولوجياً من واقع أنها ظاهرة خطيرة سبق ناقشتها الإعلامية رشا الرشيد بقناة النيل الأزرق ومعظم البرامج المندرجة فى هذا الإطار أعيب على منتجيها إغفال بعض الجوانب المهمة وتركيزهم على تحليل الظاهرة فى حيز ضيق جداً.

إن (التسول) أخذ أشكالاً مختلفة فى المجتمع وفى العالم الافتراضي الذي أصبح فيه سهلاً لانتشار الهواتف الذكية، لذا تجد (المتسول) يواكب التطور التقني نسبة إلى أنه أطر نفسه فى هذه الفكرة إلى أضحي إنساناً مريضاً يحتاج أن نقنعه بفائدة العلاج حتى لا يصاب بالإدمان، وبالتالي ويتطور كلما تطورت وسائل التقنية الحديثة، لذا يصعب استئصال هذا الداء الفتاك الذي يقننه البعض بصور تحمل بين طياتها الغرابة، وقد نجح الفنان عادل إمام في تجسيد ظاهرة التسول فى فيلمه الذي حمل عنوان (المتسول)، فبالإضافة إلى والدراما العربية التي تطرقت للظاهرة فى العديد من الدراسات والبحوث.

من الملاحظ أن المتسولون يعملون على تطوير أواتهم والتنوع فيه مبتعدين عن الطرق التقليدية، وهؤلاء هم الأكثر خطراً علي المجتمع ويتطلب منا أن نلقي عليهم الأضوء وذلك حسب مشاهداتنا اللصيقة للبعض منهم، والذين لديهم أساليب وطرق متطورة جداً وبصورة لا يمكن أن تخطر على البال.

ولنبدأ التطرق للظاهرة من حيث الطرق التقليدية التي يستعطف فيها (الشحاد) العامة من خلال الإعاقة التي يتخذون في إطارها مواقعاً إستراتيجية مثلاً الأسواق أو أماكن التجمعات أو أمام المساجد أو مداخل الكباري أو الأستوبات أو الشوارع الرئيسية ليمدوا أيديهم للناس طلباً للمال، ولم تقف الظاهرة عند الرجال، إنما امتدت فى الآونة الأخيرة إلى النساء والأطفال الأصحاء، وهنالك متسولون يدعون أن لديهم مرضي بالمستشفيات، وآخرين يقولون : (إن ظروفاً مرت بنا هنا أفقدتنا مبلغ تذاكر السفر إلى مدننا البعيدة، وهنالك بعض النساء يحملن طفلاً أو طفلة ويقفن بهم فى مواقف المواصلات العامة والأستوبات)، وتقول الواحدة منهن للمارة : (لو سمحت.. ثم تطلب منه المساعدة)، وهكذا يتكرر المشهد يومياً أي أنهم اتخذوا من (التسول) مهنة، وأمثال هؤلاء أفقدوا أصحاب الحوجة الحقيقية المصداقية، ومن هذا المنطلق أدعو من يتسولون بالمرض لهم أو لأقربائهم أن لا يفعلوا.

وهنالك من يستقلون المواصلات للتسول بكلمات محفوظة يشرحون من خلالها ظروف اقتصادية يمرون بها حيث أنهم يدعون أن لديهم روشتات طبية ولا يملكون المبلغ الخاص بصرفها، وتتواصل الظاهرة فى أشكال مختلفة، إذ أنهم يتخذون من أشارات المرور موقعاً له وذلك بمسح زجاج السيارات التي تقف بأمر الإشارات المرورية التي لا يتجاوز زمنها سوي دقائق معدودة، ثم يطلب المتسول مقابلاً لما قام به، كما أن هنالك ظاهرة الأطفال الذين ينتشرون فى الحدائق، ضف إليهم (الشماشة) الذين يتخذون من باطن الأرض مسكناً بالليل، ويجوبون الأسواق والطرقات بالنهار، ومن المواقع الإستراتيجية للشحدة المكاتب الفخيمة ومواقف السيارات وإشارات المرور وأمام المساجد إلى جانب الأماكن الراقية وغيرها.

ويري المهتمين بشأن الظاهرة أن الأسباب القائدة للظاهرة هي أن الكثيرين يلجئون لممارسة (الشحدة) في بادئ الأمر للظروف الاقتصادية القاهرة، وعندما يجد المتسول أنها تحقق له عائداً مالياً كبيراً يمتهنها كمهنة تدر عليه أرباحاً لا تدعه يكف عن (الشحدة)، السؤال الذي يفرض نفسه ما هي الكيفية التي يمكن أن نستأصل بها ذلك الداء؟ الإجابة فى رأي تكمن في اجتزاز الظاهرة من جذورها، وذلك بالتعامل معها بحسم شديد، ثم العمل بشكل جاد علي تجفيف منابعها، ودراسة حالة المتسول من الناحية الاقتصادية لتبيان الأسباب الحقيقية التي تقوده للاتجاه على ذلك النحو حتى يتم تأهيله بالصورة التي لا تدعه يعود إلى (التسول) مرة آخري، ولكي ننجح فى الفكرة يجب توفير فرص لمن هم خارج منظومة العمل ومحاربة الفقر، إلى جانب توعية وتثقيف المتلقي خاصة وأن أحاديث سيد البشرية عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم تحث العباد علي العمل فى قوله : (ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده وأن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده) ﺭﻭﺍﻩ ﺍﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، وقال أيضاً : (ﻷن يحتطب أحدكم حزمة علي ظهره خير له من أن يسأل أحداً فيعطيه أو يمنعه).

وحتى تنتهي ظاهرة (التسول) يجب أن نوفر المال للمحتاج الحقيقي عبر الدراسات الميدانية بواسطة اللجان الشعبية فى الأحياء باعتبار أنهم الأردي بمن هو الأحق بأموال الزكاة والصدقات التي يجب توزيعها بحسب قول المولي عز وجل : (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وأبن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم).

من هنا أتمني صادقاً أن يعود المجتمع للدين الإسلامي فى كل كبيرة وصغيرة، وأن تتحد الجهود من أجل اجتزاز ظاهرة (التسول) بشكل نهائي لما فيها من سوالب ظاهرياً وباطنياً، فالظاهرة من أساسها مرض نفسي خطير ينتشر يوماً تلو الآخر بصورة مخيفة ومرعبة

azsuragalnim19@gmail.com

*الدكتور أسامة عطا جبارة يشرح الإقتصاد السوداني في ظل الحرب*

..........  *تواصل شبكة (أوتار الأصيل) الإخبارية، وصحيفة العريشة الرقمية نشر الحوار الهام مع الخبير في الإقتصاد العالمي الدكتور أسامة عطا جب...