الجمعة، 10 سبتمبر 2021

سراج النعيم يكتب : متسول فى (العالم الافتراضي)

 


...........................

وقفت متأملاً ظاهرة التسول المنتشرة فى المجتمع بشكل عام وتطورها فى ظل (العولمة) ووسائطها المختلفة، مما يدعو إلى دراستها دراسة مستفيضة وتحليلها تحليلاً اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً ودينياً وسيكولوجياً من واقع أنها ظاهرة خطيرة سبق ناقشتها الإعلامية رشا الرشيد بقناة النيل الأزرق ومعظم البرامج المندرجة فى هذا الإطار أعيب على منتجيها إغفال بعض الجوانب المهمة وتركيزهم على تحليل الظاهرة فى حيز ضيق جداً.

إن (التسول) أخذ أشكالاً مختلفة فى المجتمع وفى العالم الافتراضي الذي أصبح فيه سهلاً لانتشار الهواتف الذكية، لذا تجد (المتسول) يواكب التطور التقني نسبة إلى أنه أطر نفسه فى هذه الفكرة إلى أضحي إنساناً مريضاً يحتاج أن نقنعه بفائدة العلاج حتى لا يصاب بالإدمان، وبالتالي ويتطور كلما تطورت وسائل التقنية الحديثة، لذا يصعب استئصال هذا الداء الفتاك الذي يقننه البعض بصور تحمل بين طياتها الغرابة، وقد نجح الفنان عادل إمام في تجسيد ظاهرة التسول فى فيلمه الذي حمل عنوان (المتسول)، فبالإضافة إلى والدراما العربية التي تطرقت للظاهرة فى العديد من الدراسات والبحوث.

من الملاحظ أن المتسولون يعملون على تطوير أواتهم والتنوع فيه مبتعدين عن الطرق التقليدية، وهؤلاء هم الأكثر خطراً علي المجتمع ويتطلب منا أن نلقي عليهم الأضوء وذلك حسب مشاهداتنا اللصيقة للبعض منهم، والذين لديهم أساليب وطرق متطورة جداً وبصورة لا يمكن أن تخطر على البال.

ولنبدأ التطرق للظاهرة من حيث الطرق التقليدية التي يستعطف فيها (الشحاد) العامة من خلال الإعاقة التي يتخذون في إطارها مواقعاً إستراتيجية مثلاً الأسواق أو أماكن التجمعات أو أمام المساجد أو مداخل الكباري أو الأستوبات أو الشوارع الرئيسية ليمدوا أيديهم للناس طلباً للمال، ولم تقف الظاهرة عند الرجال، إنما امتدت فى الآونة الأخيرة إلى النساء والأطفال الأصحاء، وهنالك متسولون يدعون أن لديهم مرضي بالمستشفيات، وآخرين يقولون : (إن ظروفاً مرت بنا هنا أفقدتنا مبلغ تذاكر السفر إلى مدننا البعيدة، وهنالك بعض النساء يحملن طفلاً أو طفلة ويقفن بهم فى مواقف المواصلات العامة والأستوبات)، وتقول الواحدة منهن للمارة : (لو سمحت.. ثم تطلب منه المساعدة)، وهكذا يتكرر المشهد يومياً أي أنهم اتخذوا من (التسول) مهنة، وأمثال هؤلاء أفقدوا أصحاب الحوجة الحقيقية المصداقية، ومن هذا المنطلق أدعو من يتسولون بالمرض لهم أو لأقربائهم أن لا يفعلوا.

وهنالك من يستقلون المواصلات للتسول بكلمات محفوظة يشرحون من خلالها ظروف اقتصادية يمرون بها حيث أنهم يدعون أن لديهم روشتات طبية ولا يملكون المبلغ الخاص بصرفها، وتتواصل الظاهرة فى أشكال مختلفة، إذ أنهم يتخذون من أشارات المرور موقعاً له وذلك بمسح زجاج السيارات التي تقف بأمر الإشارات المرورية التي لا يتجاوز زمنها سوي دقائق معدودة، ثم يطلب المتسول مقابلاً لما قام به، كما أن هنالك ظاهرة الأطفال الذين ينتشرون فى الحدائق، ضف إليهم (الشماشة) الذين يتخذون من باطن الأرض مسكناً بالليل، ويجوبون الأسواق والطرقات بالنهار، ومن المواقع الإستراتيجية للشحدة المكاتب الفخيمة ومواقف السيارات وإشارات المرور وأمام المساجد إلى جانب الأماكن الراقية وغيرها.

ويري المهتمين بشأن الظاهرة أن الأسباب القائدة للظاهرة هي أن الكثيرين يلجئون لممارسة (الشحدة) في بادئ الأمر للظروف الاقتصادية القاهرة، وعندما يجد المتسول أنها تحقق له عائداً مالياً كبيراً يمتهنها كمهنة تدر عليه أرباحاً لا تدعه يكف عن (الشحدة)، السؤال الذي يفرض نفسه ما هي الكيفية التي يمكن أن نستأصل بها ذلك الداء؟ الإجابة فى رأي تكمن في اجتزاز الظاهرة من جذورها، وذلك بالتعامل معها بحسم شديد، ثم العمل بشكل جاد علي تجفيف منابعها، ودراسة حالة المتسول من الناحية الاقتصادية لتبيان الأسباب الحقيقية التي تقوده للاتجاه على ذلك النحو حتى يتم تأهيله بالصورة التي لا تدعه يعود إلى (التسول) مرة آخري، ولكي ننجح فى الفكرة يجب توفير فرص لمن هم خارج منظومة العمل ومحاربة الفقر، إلى جانب توعية وتثقيف المتلقي خاصة وأن أحاديث سيد البشرية عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم تحث العباد علي العمل فى قوله : (ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده وأن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده) ﺭﻭﺍﻩ ﺍﻟﺒﺨﺎﺭﻱ، وقال أيضاً : (ﻷن يحتطب أحدكم حزمة علي ظهره خير له من أن يسأل أحداً فيعطيه أو يمنعه).

وحتى تنتهي ظاهرة (التسول) يجب أن نوفر المال للمحتاج الحقيقي عبر الدراسات الميدانية بواسطة اللجان الشعبية فى الأحياء باعتبار أنهم الأردي بمن هو الأحق بأموال الزكاة والصدقات التي يجب توزيعها بحسب قول المولي عز وجل : (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وأبن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم).

من هنا أتمني صادقاً أن يعود المجتمع للدين الإسلامي فى كل كبيرة وصغيرة، وأن تتحد الجهود من أجل اجتزاز ظاهرة (التسول) بشكل نهائي لما فيها من سوالب ظاهرياً وباطنياً، فالظاهرة من أساسها مرض نفسي خطير ينتشر يوماً تلو الآخر بصورة مخيفة ومرعبة

ليست هناك تعليقات:

azsuragalnim19@gmail.com

*الدكتور أسامة عطا جبارة يشرح الإقتصاد السوداني في ظل الحرب*

..........  *تواصل شبكة (أوتار الأصيل) الإخبارية، وصحيفة العريشة الرقمية نشر الحوار الهام مع الخبير في الإقتصاد العالمي الدكتور أسامة عطا جب...