عصابات الاتجار بالبشر تطالب بفدية مقابل إطلاق سراح المأسورين
.........
قصص مؤثرة حول
الحجز والتعذيب بسبب الهجرة غير الشرعية
........
وقف عندها : سراج النعيم
.......
يركن السودانيون الذين هاجروا إلى ليبيا لأوضاعاً مذرية جداً، وذلك منذ
الإطاحة بالرئيس الراحل معمر القذافي، إذ بدأت تظهر ظواهر سالبة، وقصصاً مثيرة
ومؤثرة أخذت ابعاداً لم تكن في الحسبان وأبرزها ظاهرة الاتجار بالبشر والهجرة غير
الشرعية التي راح ضحيتها الكثير من الشباب
السودانيين الذين يأملون في تحسين أوضاعهم الإقتصادية بالغة التعقيد من واقع
السياسات الخاطئة التي انتهجها نظام الرئيس المخلوع عمر البشير على مدى ثلاثين
عاماً، وهي كانت سبباً مباشراً في إنتاج ما جري وسيجري من سوالب.
فيما تتم في ليبيا كل أنواع التعذيب الذي يبين حجم الانتهاكات التي أرتكبت
في حق السودانيين، وهي سبباً أدى بالعديد من العائلات إلى مغادرة الأراضى الليبية
خوفاً من المصير الذي يقبع في إطاره شباباً سودانيين في معتقلات عصابات الاتجار
بالبشر والهجرة غير الشرعية، وغالباً ما تنتشر في تلك المعتقلات غير الشرعية
الأمراض المزمنة، وعلى خلفية ذلك توفي العشرات متأثرين بما تعرضوا له، إضافة إلى
أنهم ليسوا على اتصال مع العالم المحيط من حولهم، وحرموا من العرض على الأطباء
كنوع من الجزاء الموقع عليهم، وهكذا لقي الكثير منهم حتفه بسبب الإهمال، وعدم اللامبالاة ، إذ أنهم عاشوا
أياماً صعيبة من حياتهم تبدأ منذ تحركهم من إحدى المدن غرب امدرمان.
وهكذا ظل السودانيين لا يدرون أنهم يمضون نحو أوضاعاً خطيرة ، وما بين
الأمس واليوم احتجز أو قتل أو عذب أو سلب أو نهب عدد من السودانيين، فهل كانت هذه
الأحداث المتسارعة مصادفة للخروج من الحاضر الاقتصادي الراهن إلى مستقبل مشرق
يبعدهم عن شبح (الفقر) في بلاد ترزح تحت وطأة الصراعات السياسية، العسكرية
والاجتماعية، فالحاضر الذي يبحثون عنه في ليبيا محكوماً بالماضي الذي أسس له
المستعمر، وبالتالي لا يعرف بعض الشباب السودانيين الى أين يركضون، لا يدرون أنهم
يتجهون نحو الانفلات الأمني الذي راح ضحيته الكثير من السودانيين الأبرياء الذين
كل ذنبهم أنهم يبحثون عن اوضاع اقتصادية أفضل من الأوضاع الاقتصادية التي انتجها
نظام الرئيس المخلوع عمر البشير على مدى ثلاثة عقود، لذا لم يكونوا يأبهون بالخطر
المحدق بهم ولا بالمصير المجهول الذى هو مذبوح على (خطيئة) السياسات الاقتصادية
الفاشلة، ما أستدعي ثمة احاسيس محكومة بالاعدام رمياً بالرصاص بالأسلحة الخفيفة
والثقيلة معاً.
ومن هنا تبدأ الأفكار تتقافز على
المخيلة بشكل أكثر وضوحاً فالواقع ينبيء بأن الوضع يزداد سوءاً يوماً بعد يوم،
وذلك لمجرد أن الطرفين يعملان وسط دوي الانفجار الإنساني والأخلاقي، فالكثيرون يبحثون
عن مخرج من ذلك المأزق الذى حمل سمات تمزج بين الحزن والعنف.
ورغماً عن أننا
في ظل (العولمة) ووسائطها الرقمية المختلفة، واتساع الرقعة الاسفيرية للشبكة
العنكبوتية بعمق في هذا القرن الواحد والعشرين، وفي زمن لا يخلو من التجارب
والدراسات في شتي مناحي الحياة، والتي يسعي الكل فيها إلي التطور من حيث القدرات
ولا يهم ما يجري للإنسان الذي كرمه الله سبحانه وتعالي، ولم يكرمه الخلق في هذا
الحاضر المليء بالمآسي، فنشرات الأخبار والصحف والإعلام الحديث التي تضج بها ما
بين الفنية والآخري وتشير إلي أن مركباً غير شرعياً قد غرق في عرض البحر أثناء
نقله مهاجرين من أفريقيا إلي أوروبا، هكذا تعثر فرق الإنقاذ على جثث المهاجرين
الذين يموتون بسبب الهجرة التي ينشط فيها تجار البشر الذين يستغلون انتشاء الشباب
بفكرة السفر إلى أوروبا، وتكون الرحلة محفوفة بالمخاطر ومن المحتم أن المركب تنقلب
في عرض البحر، أو على إحدى الرمال الشاطئية لإحدى الدول الساحلية، وغالباً ما تكون
دولة ذات سيادة موحدة وديمقراطية غربية، وهكذا يتم تصدير الناس إلى حتفهم الأخير
خاصة من يهربون من جحيم الموت والهلاك في بلدانهم التي ربما تكون بها حروباً تكشر
عن أنيابها الافتراسية الغاشمة أو ظروفاً اقتصادية قاهرة، وعلى ذلك النحو تحصد
الهجرات غير الشرعية العشرات من الشباب من الجنسين.
تولدت الهجرة غير الشرعية هروباً من الموت بالأعيرة النارية أو الظروف الاقتصادية إلى الموت غرقاً في عرض البحر، ورغماً عن علم الجميع بالخطر المحدق بهم إلا أنهم يأملون في أن يظفروا بالجنسية الأوروبية، وتحقيق حلم الإحتماء بالقوانين في هذه الدولة الأوروبية أو تلك، إلا أن آمالهم وأشواقهم تتبخر في ظل موتهم بصمت، وعليه أصبحت الهجرة غير الشرعية أخطر من الحروب التي تشهدها بلدان من يسافرون منها ظناً منهم بأن في الهجرة حلاً للإشكاليات الاقتصادية، أو النزاعات، مما يضطرهم إلى المجازفة بحياتهم على متن قوارب ليس فيها أي عامل من عوامل السلامة، وما أن تتحرك بهم من السواحل الأفريقية إلا وتموت في دواخلهم فكرة الهجرة إلى الدول الأوروبية، فيعودون بالذاكرة للحياة المستقرة، وإذا قدر للمهاجر أن ينجو من الموت غرقاً، فإنه تنتظره مراحل أخرى في الدولة الأوروبية المستضيفة وتبدأ بالملاجئ ثم الجنسية لتغيير الهوية وغيرها من الإجراءات المتبعة في هذا الإطار الذي يفضي في نهاية المطاف إلى هجرة يكسوها الضباب، ومع هذا وذاك تكون الهجرة غير واضحة النتائج والمعالم، وترسم واقعاً مغايراً للواقع الذي رسمه المهاجر في مخيلته، فالخطط والإستراتيجيات الأوروبية لها أجندتها الخاصة لمنح المهاجر الجنسية والحياة الاجتماعية، والتي في الغالب الاعم لا تنطبق على الكثيرين الذين يتفاجأون بأنها لفظت أنفاسهم كما لفظ البحر رفقائهم.
بعد فترة وجيزة من انطلاق سفن النجاة غير الآمنة من مرفأ اغتيال الإنسانية بليبيا إلى ساحل الحياة المؤقتة بايطاليا أو اليونان ، إذا ما تم فعلاً الانتقال من حدود مشتعلة إلى حدود خامدة، هادئة وحاضنة لكل الآلام الوطنية، ويومياً تطالعنا وكالات الأنباء والفضائيات والصحف العالمية عن غرق مركب من المراكب المتوجهة ناحية السواحل الايطالية، مما يؤدي إلى غرق العشرات ، من ضحايا الهجرة غير الشرعية التي تنشط في إطارها فرق الإنقاذ بانتشال جثث المهاجرين ممن لم يحالفهم الحظ، فلفظتهم الأمواج العاتية للشاطئ ورفضت إعطاءهم فيزا الحياة، والإقامة المؤقتة على أرض تمنح حق اللجوء وتمنح المواطنة، واللغة، وكل سبل التعليم والإنسانية.
من المؤكد أن هنالك فخاً يحصد عشرات الأرواح باسم اللجوء غير المعرّف بسجلات قوانين الإنسانية، إما أن تكون ممن يرعاه القدر بقدرة الخالق، أو ممن ينتظر وقوع القدر بقدرة الخالق، وفي كلتا الحالتين يفقد المهاجر الإنتماء للهوية ، إذا حالفه الحظ ونجا بنفسه من الغرق أو غرق في عرض البحر فاصبح طعاماً للحيتان، المهم أن من ينجو يبدأ حياته بالعمل على تكوين ذاته والتعايش على أرض أجبرته عليها ربما ظروف الحرب أو الظروف الاقتصادية في بلاده، لا يهم إن أصبح فرداً فعالاً، فهو أنجز مهمته الأولى بالوصول للحياة التي ينشدها بالنجاة من قارب الموت ، ورغماً عن أن اللاجيء يمنح الجنسية ويصبح مواطناً أوروبياً إلا أن تفكيره يكون منحصراً في تكوين ذاته بمسقط رأسه، وغالباً ما ينمق ويهمش الاغتراب ويرغب بالحبو زحفاً أو غرقاً إلى نفس البحر، ونفس المغامرة، ونفس القارب للعودة إلى الوطن، إما الموت مرة ثانية لأجل الوطن الأم، طالما أن المرة الأولى لم تنجح في مصرعه.
من المؤكد أن ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ الاقتصادية ﻓﻲ بلدان كثيرة قادت عدداً من مواطنيها إلى الهجرات غير الشرعية عبر البحر، إلا أنهم يدفعون ثمناً باهظاً مقابل تحقيق ذلك الحلم أن لم تكن أرواحهم هي الثمن من وراء هذه المجاذفة، والشواهد كثيرة علي ذلك والقصص لاحصر لها ولا عد، إذ أنهم يبدأون رحلة الموت براً إلي ليبيا، وفيها يلتقون بتجار البشر، الذين يرسمون لهم أحلام الهجرة ﺇﻟﻰ أوروبا.
ومن أكثر القصص التي توقفت عندها قصة الشاب السوداني الذي طلبت منه عصابات الاتجار بالبشر فدية مقابل إخلاء سبيله وآخرين ، وتشير الوقائع إلى أن معاناته بدأت منذ لحظة تحركهم من إحدى المدن غرب مدينة امدرمان وكان الشاب خالد الإمام محمد احمد قد روى لي تفاصيل مثيرة حول المعاناة الكبيرة التي عانوها ذهاباً وإياباً، إذ بدأت القصة الأكثر قسوة وايلاماً منذ التقائهم مع أحد المهربين لمساعدتهم الدخول إلى ليبيا مقابل أن يدفع كل واحد منهم ألفي جنيه سوداني، وذلك بغرض العمل هناك موظفين، وهكذا رسم كل منهم أحلامهم العراض بحكم الروايات التي تتم روايتها لهم ما بين الفينة والأخرى، المهم أنهم شدوا الرحال عبر خارطة طريق صعبة جدا، وهذه الخارطة بدأت من منطقة غرب مدينة امدرمان، وهي المنطقة التي تم وضعهم فيها بمنزل، وكانوا وقتئذ مئة شخصاً سودانياً، ومن هذا المنزل تحركت بهم عربات ماركة تويوتا (بوكس) إلى منطقة (البوحات) على أساس أنهم منقبين عن الذهب، لذلك كان مرورهم مروراً طبيعياً، المهم أنهم وصلوا وجهتهم في الصباح، فاحضر لهم تجار البشر شاحنات ماركة (كيوي) أوصلتهم إلى قبل الحدود السودانية - التشادية، وبها تم إحضار ثلاثة عربات لاندكروزر (تاتشرات)، وعندما تحركت بهم كانت تمضي نحو وجهتها بسرعة، مما أدى إلى انقلاب إحداهم فنجم عن ذلك وفاة (6) في الحال، ولم يكترث تجار البشر لما حدث، وكأنه أمراً عادياً، وواصلوا المسير نحو الهدف إلى أن تم تسليم الشباب السودانيين على الحدود (الليبية - السودانية) إلى شخوص آخرين يعملون كشبكات في هذا الجانب الاجرامي، وهؤلاء التجار الجدد لديهم ثلاثة سياركات لاندكروزر (تاتشرات) قامت بإيصالهم إلى مسجد (الشروق) بمنطقة (اجدابيا) الليبية، والتي كانت فيها المفاجأة غير المتوقعة للشباب السودانيين حيث تم حجزهم داخل (هنكر) ملئ بـ(القمل)، وبعض الأشياء المنفرة للإنسان، واشترطوا للسماح لهم للتحرر من المعتقل أن يدفع كل منهم فدية (7) ألف جنيه سوداني، وعندما لم يستجيبوا قاموا بضربهم ضرباً مبرحاً مع إطلاق الأعيرة النارية في الهواء بالقرب من آذانهم بغرض التخويف، وفي ظل ذلك الواقع المذري حاول ثلاثة من الشباب السودانيين الهرب، إلا أنهم تم القبض عليهم، فما كان من أحد الحاجزين إلا و أحضر (حديدة) يطلقون عليها (الأميرة) ثم طلب من السودانيين التوحد في زاوية من زوايا (الهنكر) ثم أمرهم بالجلوس على الأرضية، و أحضر حبالاً وقيدهم بها، ثم بدأ في الاعتداء على البعض منهم بالحديدة (الأميرة) للدرجة التي أحدث بها جروح في الكثير منهم لدرجة أنها بمرور الزمن (عفنت)، وهكذا واصلوا مسلسل التعذيب مع الشباب السودانيين حيث تم صب البنزين على أجسادهم ثم أشعل أحدهم النار من أجل حرقهم، إلا أن محدثي تدخل، وقال لهم : (هل ترغبون في المال أم تعذيبنا) فقالوا له : (المال) عندها أكدت لهم أنهم على أهبة الاستعداد للدفع لهم، وكان أن أتصل هو بأسرته، وطلب منهم بيع المكيف الخاص به، وتسليم سعره إلى شخص بغرب مدينة امدرمان، ومن ثم سمح لهم بالدخول إلى مدينة (اجدابيا) الليبية، ومن ثم تم منحهم الجنسية السودانية للتمكن من التنقل داخل ليبيا، وبعد الانتهاء من هذا الإجراء جاء ليبيين وأخذوهم للعمل معهم في رعى المواشي بمنطقة (التلت) القريبة من مطار (الابريق)، وهناك قالوا لهم : انتم تم بيعكم لنا، فلا تسألوا عن راتب شهري أو حقوق نهاية خدمة، وكل ما سنتكفل به إليكم الأكل، الشرب، الأزياء ولا شئ خلاف ذلك.
تولدت الهجرة غير الشرعية هروباً من الموت بالأعيرة النارية أو الظروف الاقتصادية إلى الموت غرقاً في عرض البحر، ورغماً عن علم الجميع بالخطر المحدق بهم إلا أنهم يأملون في أن يظفروا بالجنسية الأوروبية، وتحقيق حلم الإحتماء بالقوانين في هذه الدولة الأوروبية أو تلك، إلا أن آمالهم وأشواقهم تتبخر في ظل موتهم بصمت، وعليه أصبحت الهجرة غير الشرعية أخطر من الحروب التي تشهدها بلدان من يسافرون منها ظناً منهم بأن في الهجرة حلاً للإشكاليات الاقتصادية، أو النزاعات، مما يضطرهم إلى المجازفة بحياتهم على متن قوارب ليس فيها أي عامل من عوامل السلامة، وما أن تتحرك بهم من السواحل الأفريقية إلا وتموت في دواخلهم فكرة الهجرة إلى الدول الأوروبية، فيعودون بالذاكرة للحياة المستقرة، وإذا قدر للمهاجر أن ينجو من الموت غرقاً، فإنه تنتظره مراحل أخرى في الدولة الأوروبية المستضيفة وتبدأ بالملاجئ ثم الجنسية لتغيير الهوية وغيرها من الإجراءات المتبعة في هذا الإطار الذي يفضي في نهاية المطاف إلى هجرة يكسوها الضباب، ومع هذا وذاك تكون الهجرة غير واضحة النتائج والمعالم، وترسم واقعاً مغايراً للواقع الذي رسمه المهاجر في مخيلته، فالخطط والإستراتيجيات الأوروبية لها أجندتها الخاصة لمنح المهاجر الجنسية والحياة الاجتماعية، والتي في الغالب الاعم لا تنطبق على الكثيرين الذين يتفاجأون بأنها لفظت أنفاسهم كما لفظ البحر رفقائهم.
بعد فترة وجيزة من انطلاق سفن النجاة غير الآمنة من مرفأ اغتيال الإنسانية بليبيا إلى ساحل الحياة المؤقتة بايطاليا أو اليونان ، إذا ما تم فعلاً الانتقال من حدود مشتعلة إلى حدود خامدة، هادئة وحاضنة لكل الآلام الوطنية، ويومياً تطالعنا وكالات الأنباء والفضائيات والصحف العالمية عن غرق مركب من المراكب المتوجهة ناحية السواحل الايطالية، مما يؤدي إلى غرق العشرات ، من ضحايا الهجرة غير الشرعية التي تنشط في إطارها فرق الإنقاذ بانتشال جثث المهاجرين ممن لم يحالفهم الحظ، فلفظتهم الأمواج العاتية للشاطئ ورفضت إعطاءهم فيزا الحياة، والإقامة المؤقتة على أرض تمنح حق اللجوء وتمنح المواطنة، واللغة، وكل سبل التعليم والإنسانية.
من المؤكد أن هنالك فخاً يحصد عشرات الأرواح باسم اللجوء غير المعرّف بسجلات قوانين الإنسانية، إما أن تكون ممن يرعاه القدر بقدرة الخالق، أو ممن ينتظر وقوع القدر بقدرة الخالق، وفي كلتا الحالتين يفقد المهاجر الإنتماء للهوية ، إذا حالفه الحظ ونجا بنفسه من الغرق أو غرق في عرض البحر فاصبح طعاماً للحيتان، المهم أن من ينجو يبدأ حياته بالعمل على تكوين ذاته والتعايش على أرض أجبرته عليها ربما ظروف الحرب أو الظروف الاقتصادية في بلاده، لا يهم إن أصبح فرداً فعالاً، فهو أنجز مهمته الأولى بالوصول للحياة التي ينشدها بالنجاة من قارب الموت ، ورغماً عن أن اللاجيء يمنح الجنسية ويصبح مواطناً أوروبياً إلا أن تفكيره يكون منحصراً في تكوين ذاته بمسقط رأسه، وغالباً ما ينمق ويهمش الاغتراب ويرغب بالحبو زحفاً أو غرقاً إلى نفس البحر، ونفس المغامرة، ونفس القارب للعودة إلى الوطن، إما الموت مرة ثانية لأجل الوطن الأم، طالما أن المرة الأولى لم تنجح في مصرعه.
من المؤكد أن ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ الاقتصادية ﻓﻲ بلدان كثيرة قادت عدداً من مواطنيها إلى الهجرات غير الشرعية عبر البحر، إلا أنهم يدفعون ثمناً باهظاً مقابل تحقيق ذلك الحلم أن لم تكن أرواحهم هي الثمن من وراء هذه المجاذفة، والشواهد كثيرة علي ذلك والقصص لاحصر لها ولا عد، إذ أنهم يبدأون رحلة الموت براً إلي ليبيا، وفيها يلتقون بتجار البشر، الذين يرسمون لهم أحلام الهجرة ﺇﻟﻰ أوروبا.
ومن أكثر القصص التي توقفت عندها قصة الشاب السوداني الذي طلبت منه عصابات الاتجار بالبشر فدية مقابل إخلاء سبيله وآخرين ، وتشير الوقائع إلى أن معاناته بدأت منذ لحظة تحركهم من إحدى المدن غرب مدينة امدرمان وكان الشاب خالد الإمام محمد احمد قد روى لي تفاصيل مثيرة حول المعاناة الكبيرة التي عانوها ذهاباً وإياباً، إذ بدأت القصة الأكثر قسوة وايلاماً منذ التقائهم مع أحد المهربين لمساعدتهم الدخول إلى ليبيا مقابل أن يدفع كل واحد منهم ألفي جنيه سوداني، وذلك بغرض العمل هناك موظفين، وهكذا رسم كل منهم أحلامهم العراض بحكم الروايات التي تتم روايتها لهم ما بين الفينة والأخرى، المهم أنهم شدوا الرحال عبر خارطة طريق صعبة جدا، وهذه الخارطة بدأت من منطقة غرب مدينة امدرمان، وهي المنطقة التي تم وضعهم فيها بمنزل، وكانوا وقتئذ مئة شخصاً سودانياً، ومن هذا المنزل تحركت بهم عربات ماركة تويوتا (بوكس) إلى منطقة (البوحات) على أساس أنهم منقبين عن الذهب، لذلك كان مرورهم مروراً طبيعياً، المهم أنهم وصلوا وجهتهم في الصباح، فاحضر لهم تجار البشر شاحنات ماركة (كيوي) أوصلتهم إلى قبل الحدود السودانية - التشادية، وبها تم إحضار ثلاثة عربات لاندكروزر (تاتشرات)، وعندما تحركت بهم كانت تمضي نحو وجهتها بسرعة، مما أدى إلى انقلاب إحداهم فنجم عن ذلك وفاة (6) في الحال، ولم يكترث تجار البشر لما حدث، وكأنه أمراً عادياً، وواصلوا المسير نحو الهدف إلى أن تم تسليم الشباب السودانيين على الحدود (الليبية - السودانية) إلى شخوص آخرين يعملون كشبكات في هذا الجانب الاجرامي، وهؤلاء التجار الجدد لديهم ثلاثة سياركات لاندكروزر (تاتشرات) قامت بإيصالهم إلى مسجد (الشروق) بمنطقة (اجدابيا) الليبية، والتي كانت فيها المفاجأة غير المتوقعة للشباب السودانيين حيث تم حجزهم داخل (هنكر) ملئ بـ(القمل)، وبعض الأشياء المنفرة للإنسان، واشترطوا للسماح لهم للتحرر من المعتقل أن يدفع كل منهم فدية (7) ألف جنيه سوداني، وعندما لم يستجيبوا قاموا بضربهم ضرباً مبرحاً مع إطلاق الأعيرة النارية في الهواء بالقرب من آذانهم بغرض التخويف، وفي ظل ذلك الواقع المذري حاول ثلاثة من الشباب السودانيين الهرب، إلا أنهم تم القبض عليهم، فما كان من أحد الحاجزين إلا و أحضر (حديدة) يطلقون عليها (الأميرة) ثم طلب من السودانيين التوحد في زاوية من زوايا (الهنكر) ثم أمرهم بالجلوس على الأرضية، و أحضر حبالاً وقيدهم بها، ثم بدأ في الاعتداء على البعض منهم بالحديدة (الأميرة) للدرجة التي أحدث بها جروح في الكثير منهم لدرجة أنها بمرور الزمن (عفنت)، وهكذا واصلوا مسلسل التعذيب مع الشباب السودانيين حيث تم صب البنزين على أجسادهم ثم أشعل أحدهم النار من أجل حرقهم، إلا أن محدثي تدخل، وقال لهم : (هل ترغبون في المال أم تعذيبنا) فقالوا له : (المال) عندها أكدت لهم أنهم على أهبة الاستعداد للدفع لهم، وكان أن أتصل هو بأسرته، وطلب منهم بيع المكيف الخاص به، وتسليم سعره إلى شخص بغرب مدينة امدرمان، ومن ثم سمح لهم بالدخول إلى مدينة (اجدابيا) الليبية، ومن ثم تم منحهم الجنسية السودانية للتمكن من التنقل داخل ليبيا، وبعد الانتهاء من هذا الإجراء جاء ليبيين وأخذوهم للعمل معهم في رعى المواشي بمنطقة (التلت) القريبة من مطار (الابريق)، وهناك قالوا لهم : انتم تم بيعكم لنا، فلا تسألوا عن راتب شهري أو حقوق نهاية خدمة، وكل ما سنتكفل به إليكم الأكل، الشرب، الأزياء ولا شئ خلاف ذلك.