كثيراً ما اتسأل عن الذى يتصف بالغباء، هل هو الذي لا يملك العقل الراجح الذي يمكنه من إدارة الحوارات مع الآخرين فيما هو مطروح على الطاولة سياسياً، اقتصادياً، اجتماعياً، ثقافياً وفكرياً، وذلك بمنطلق وحجة، وهل يصعب عليه التعاطي مع الأحداث والمواقف التي تطرأ عليه بشكل مفاجئ في حياته الخاصة والعامة، وهل هو لا يجيد التصرف بحكمة، وهل هو إنساناً مصاباً بـ(خللٍ)، ولديه إشكاليات نفسية يحاول إسقاطها على الآخرين.
حقيقة عندما أشاهد أمثال هؤلاء أحس بأن (الغباء) يمشي بين الناس بإهمال، وعليه أكون غير قادر على التعامل معه، لأنهم يشعرونني بأنني لا أستطيع التفريق بين (الغباء) و(الذكاء)، ولا أدري إذا كان غبائهم ناتجاً عن عدم وعيهم بما يفعلونه عفوياً أم أنه شيئاً طبيعياً، لذا يتعاطي معه يومياً في محيط الأسرة، المجتمع والعمل، وأمثال هؤلاء ربما يكونون مصابين برداءة في المفاهيم، الإدراك والثقافة ، لذا دائماً ما تجدهم أناساً (وقحين) في تعاملهم مع الآخرين، وكثيراً ما أطالع لهم بوستات عبر (الفيس بوك) تنم عن غباءهم المحكم، وربما يكون ذلك الأمر ناجم عن سوء في التربية، واضطراب في الأخلاق.
والأكيد أن كل إنسان يمتاز بـ(الغباء) يكون مرتبطاً لديه ارتباطاً وثيقاً بالانخفاض في الذكاء وسرعة البديهة مما يجعل تجاربهم في الحياة منحصرة في حيز ضيق جداً، وبالتالي أجد نفسي أشفق على من يتجه في هذا الاتجاه المحفوف بالمخاطر، وأن تكون ذكياً فإن الأمر لا يتطلب أن تكون حاصلاً على شهادات أكاديمية عليا، فهنالك من لم تتح له الظروف تلقي التعليم إلا أنه إنساناً مدركاً، فطناً، كيساً في إدارته للحوارات مع الآخرين، ويستطيع التحكم في سلوكياته مهما كان الحدث، أو الموقف الذي يمر به.
وبالمقابل فإن ذلك الإنسان الغبي يكون مهزوزاً في أرائه ومواقفه، ودائماً ما تكون متباينة ومختلف حولها، على أساس أنها مندرجة في إطار السلبية، ويتضح ذلك من خلال مدى قبولها في محيط الأسرة، المجتمع والعمل، وهو أمراً مرهوناً بالفشل (الغباء) والنجاح (الذكاء)، وبالتالي هو ليس قرص اسبرين يبتلعه الإنسان، فيصبح ما بين ليلة وضحاها ناجحا (ذكياً)، وعليه فإن الإنسان الغبي يكون منبوذاً من المجتمع لعدم إجادته فنون الإتكيت في التعامل مع الآخرين.
وعندما ننتقل إلى الإنسان الذي يتمتع بالذكاء في شتي مناحي الحياة، فإنه يتسم بصفات تجذب إليه من هم محيطين به في الأسرة، المجتمع، العمل والدراسة، إذ أن الحلول للإشكاليات تكون حاضرة متي ما طرحت عليه، وبالتالي هو عكس الإنسان الغبي الذي يستسهل ويبسط الإشكاليات لأنه يجد صعوبة في الحلول، مما يجعل الناس عموماً لا يقبلونه ولا يحبذون الدخول معه في نقاش فيما هو مطروح، ورغماً عن ذلك تجده يسعي سعياً حثيثاً إلى التقليل من قيمة الأشخاص الذين يوجهون له النقد لإخفاقاته المتكررة، والتي يتعامل وفقها بلا مبالاة، وعلى هذا النحو يجد نفسه غير قادراً على التأقلم مع الآخرين، وفي حال اضطرتهم الظروف للتعامل معه يتعاملون معه بحيطة وحذر شديدين، وذلك خوفاً من انفلاته، خاصة وأن أمثال هؤلاء يكونون متسرعين في إطلاق الأحكام على الناس، ولا يأبهون بخدش الاحاسيس والمشاعر، وعليه فإنهم لا يستوعبون ما يرمي إليه الآخرين، لأنهم ليسوا من الاناس الذين يجيدون أدب الإنصات للآراء المغايرة، ولا يحترمون من يختلفون معهم، لذا تجدهم موهمين بـ(الأنا)، والتي تقودهم نحو إدارة الحوارات بجدلية، تعصب وانحياز للسلبية لأن إحساسهم يفتقر للأدب والذوق الرفيع الذي يجعلهم مرنين مع الآخرين حتى لا يتحاشونهم من حيث سلوكياتهم وتصرفاتهم المنبثقة من عوامل نفسية، ومن التربويةٍ والثقافية المكتسبة من والبيئة، وهي تصبح مع مرور الزمن عادة في كل حركاتهم وسكناتهم، فالسلوكيات التي تصب في هذا الإطار تؤثر، لأنه وبكل أسف هنالك من ينصاعون لمثل هذه الأفكار الهدامة، وهي أفكاراً يستميلون بها من يتعامل معهم، والغريب في الأمر أنهم يستطيعون توجيه البعض لما يهدفون إليه، رغماً عن أنهم يحتاجون إلى أن يعرضوا أنفسهم على الأطباء النفسيين للتخلص من اضطراب الشخصية.
ومما ذهبت إليه أدلف مباشرة إلى قصة التلميذ الغبي ومعلمته، وهي القصة التي شهدتها إحدى المدارس، إذ أن هنالك معلمة أخذت إجازة عن العمل، فتم تكليف معلمة آخرى بتدريس مادتها، وفي أول يوم ﺑﺪﺃت ﺷﺮﺡ حصة اللغة العربية، وما أن انتهت من تدريس المقرر إلا ووجهت ﺳﺆﺍلاً للتلميذ الذي يعتقد أنه يمتاز بـ(الغباء)، فما كان من زملائه إلا وضحكوا، فاندهشت من ذلك الضحك، إلا أنها سريعاً ما أدركت السبب بحكم التجربة، وتجاوزت الأمر بأن خرجت من الفصل، وعندما لحق بها التلاميذ طلبت من التلميذ الغبي الحضور إليها، وعندما وقف أمامها كتبت ﻟﻪ ﺑﻴﺘﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻌﺮ، ﻭﻗﺎلت : أحفظ بيت الشعر هذا جيداً، ﻭﻻ تكشف هذا السر لأي تلميذ من زملائك، وكانت المفاجأة ﻓﻲ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺍﻟﺘﺎﻟﻲ، إذ أن المعلمة بدأت حصة اللغة العربية بكتابة ﺑﻴﺖ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﻋﻠﻰ (ﺍﻟﺴﺒﻮﺭﺓ)، ومن ثم شرحته لهم، وبعد إطلاع التلميذ عليه مسحت بيت الشعر من على السبورة، ﻭﻗﺎلت لهم : (من ﻣﻨﻜﻢ ﺣﻔﻆ بيت الشعر الذي شرحته لكم)، فما كان من التلميذ الغبي إلا ورفع ﻳﺪﻩ على استحياء، عندها سمحت له المعلمة بأن يقرأ بيت الشعر، وعندما بدأ.. بدأ متلعثماً، وعندما انتهي أشادت به، ﻭﺃﻣﺮت زملائه بأن يصفقوا له، وتكرر سيناريو المعلمة مع ذلك التلميذ ﺑﺄﺳﺎﻟﻴﺐ متنوعة، مما نجم عن ذلك تغيير نظرة التلاميذ لزميلهم الذى أصبح مرتاحاً نفسياً، مما دفعه إلى التركيز في تحصيله الأكاديمي واثقاً من ذاته، واستبعد من ذهنه فكرة أنه إنساناً غبياً، وعلى خلفية ذلك أضحت لديه قدرة فائقة على التفوق، بعد استعادة ثقته في نفسه، وعندما جلس للامتحانات النهائية حقق نجاحاً باهراً في معظم ﺍﻟﻤﻮﺍﺩ، وهكذا واصل تحصيله الأكاديمي إلى أن دخل الجامعة ثم تخرج منها
ومن ثم نال ﺍﻟﻤﺎﺟﺴﺘﻴﺮ والدكتوراة.
آخر المرسم
اللهم ارحم رجاء مجذوب على رحمه واسعة، وأدخلها فسيح جناتك مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا، إنا لله وإنا إليه راجعون.كثيراً ما اتسأل عن الذى يتصف بالغباء، هل هو الذي لا يملك العقل الراجح الذي يمكنه من إدارة الحوارات مع الآخرين فيما هو مطروح على الطاولة سياسياً، اقتصادياً، اجتماعياً، ثقافياً وفكرياً، وذلك بمنطلق وحجة، وهل يصعب عليه التعاطي مع الأحداث والمواقف التي تطرأ عليه بشكل مفاجئ في حياته الخاصة والعامة، وهل هو لا يجيد التصرف بحكمة، وهل هو إنساناً مصاباً بـ(خللٍ)، ولديه إشكاليات نفسية يحاول إسقاطها على الآخرين.
حقيقة عندما أشاهد أمثال هؤلاء أحس بأن (الغباء) يمشي بين الناس بإهمال، وعليه أكون غير قادر على التعامل معه، لأنهم يشعرونني بأنني لا أستطيع التفريق بين (الغباء) و(الذكاء)، ولا أدري إذا كان غبائهم ناتجاً عن عدم وعيهم بما يفعلونه عفوياً أم أنه شيئاً طبيعياً، لذا يتعاطي معه يومياً في محيط الأسرة، المجتمع والعمل، وأمثال هؤلاء ربما يكونون مصابين برداءة في المفاهيم، الإدراك والثقافة ، لذا دائماً ما تجدهم أناساً (وقحين) في تعاملهم مع الآخرين، وكثيراً ما أطالع لهم بوستات عبر (الفيس بوك) تنم عن غباءهم المحكم، وربما يكون ذلك الأمر ناجم عن سوء في التربية، واضطراب في الأخلاق.
والأكيد أن كل إنسان يمتاز بـ(الغباء) يكون مرتبطاً لديه ارتباطاً وثيقاً بالانخفاض في الذكاء وسرعة البديهة مما يجعل تجاربهم في الحياة منحصرة في حيز ضيق جداً، وبالتالي أجد نفسي أشفق على من يتجه في هذا الاتجاه المحفوف بالمخاطر، وأن تكون ذكياً فإن الأمر لا يتطلب أن تكون حاصلاً على شهادات أكاديمية عليا، فهنالك من لم تتح له الظروف تلقي التعليم إلا أنه إنساناً مدركاً، فطناً، كيساً في إدارته للحوارات مع الآخرين، ويستطيع التحكم في سلوكياته مهما كان الحدث، أو الموقف الذي يمر به.
وبالمقابل فإن ذلك الإنسان الغبي يكون مهزوزاً في أرائه ومواقفه، ودائماً ما تكون متباينة ومختلف حولها، على أساس أنها مندرجة في إطار السلبية، ويتضح ذلك من خلال مدى قبولها في محيط الأسرة، المجتمع والعمل، وهو أمراً مرهوناً بالفشل (الغباء) والنجاح (الذكاء)، وبالتالي هو ليس قرص اسبرين يبتلعه الإنسان، فيصبح ما بين ليلة وضحاها ناجحا (ذكياً)، وعليه فإن الإنسان الغبي يكون منبوذاً من المجتمع لعدم إجادته فنون الإتكيت في التعامل مع الآخرين.
وعندما ننتقل إلى الإنسان الذي يتمتع بالذكاء في شتي مناحي الحياة، فإنه يتسم بصفات تجذب إليه من هم محيطين به في الأسرة، المجتمع، العمل والدراسة، إذ أن الحلول للإشكاليات تكون حاضرة متي ما طرحت عليه، وبالتالي هو عكس الإنسان الغبي الذي يستسهل ويبسط الإشكاليات لأنه يجد صعوبة في الحلول، مما يجعل الناس عموماً لا يقبلونه ولا يحبذون الدخول معه في نقاش فيما هو مطروح، ورغماً عن ذلك تجده يسعي سعياً حثيثاً إلى التقليل من قيمة الأشخاص الذين يوجهون له النقد لإخفاقاته المتكررة، والتي يتعامل وفقها بلا مبالاة، وعلى هذا النحو يجد نفسه غير قادراً على التأقلم مع الآخرين، وفي حال اضطرتهم الظروف للتعامل معه يتعاملون معه بحيطة وحذر شديدين، وذلك خوفاً من انفلاته، خاصة وأن أمثال هؤلاء يكونون متسرعين في إطلاق الأحكام على الناس، ولا يأبهون بخدش الاحاسيس والمشاعر، وعليه فإنهم لا يستوعبون ما يرمي إليه الآخرين، لأنهم ليسوا من الاناس الذين يجيدون أدب الإنصات للآراء المغايرة، ولا يحترمون من يختلفون معهم، لذا تجدهم موهمين بـ(الأنا)، والتي تقودهم نحو إدارة الحوارات بجدلية، تعصب وانحياز للسلبية لأن إحساسهم يفتقر للأدب والذوق الرفيع الذي يجعلهم مرنين مع الآخرين حتى لا يتحاشونهم من حيث سلوكياتهم وتصرفاتهم المنبثقة من عوامل نفسية، ومن التربويةٍ والثقافية المكتسبة من والبيئة، وهي تصبح مع مرور الزمن عادة في كل حركاتهم وسكناتهم، فالسلوكيات التي تصب في هذا الإطار تؤثر، لأنه وبكل أسف هنالك من ينصاعون لمثل هذه الأفكار الهدامة، وهي أفكاراً يستميلون بها من يتعامل معهم، والغريب في الأمر أنهم يستطيعون توجيه البعض لما يهدفون إليه، رغماً عن أنهم يحتاجون إلى أن يعرضوا أنفسهم على الأطباء النفسيين للتخلص من اضطراب الشخصية.
ومما ذهبت إليه أدلف مباشرة إلى قصة التلميذ الغبي ومعلمته، وهي القصة التي شهدتها إحدى المدارس، إذ أن هنالك معلمة أخذت إجازة عن العمل، فتم تكليف معلمة آخرى بتدريس مادتها، وفي أول يوم ﺑﺪﺃت ﺷﺮﺡ حصة اللغة العربية، وما أن انتهت من تدريس المقرر إلا ووجهت ﺳﺆﺍلاً للتلميذ الذي يعتقد أنه يمتاز بـ(الغباء)، فما كان من زملائه إلا وضحكوا، فاندهشت من ذلك الضحك، إلا أنها سريعاً ما أدركت السبب بحكم التجربة، وتجاوزت الأمر بأن خرجت من الفصل، وعندما لحق بها التلاميذ طلبت من التلميذ الغبي الحضور إليها، وعندما وقف أمامها كتبت ﻟﻪ ﺑﻴﺘﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻌﺮ، ﻭﻗﺎلت : أحفظ بيت الشعر هذا جيداً، ﻭﻻ تكشف هذا السر لأي تلميذ من زملائك، وكانت المفاجأة ﻓﻲ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺍﻟﺘﺎﻟﻲ، إذ أن المعلمة بدأت حصة اللغة العربية بكتابة ﺑﻴﺖ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﻋﻠﻰ (ﺍﻟﺴﺒﻮﺭﺓ)، ومن ثم شرحته لهم، وبعد إطلاع التلميذ عليه مسحت بيت الشعر من على السبورة، ﻭﻗﺎلت لهم : (من ﻣﻨﻜﻢ ﺣﻔﻆ بيت الشعر الذي شرحته لكم)، فما كان من التلميذ الغبي إلا ورفع ﻳﺪﻩ على استحياء، عندها سمحت له المعلمة بأن يقرأ بيت الشعر، وعندما بدأ.. بدأ متلعثماً، وعندما انتهي أشادت به، ﻭﺃﻣﺮت زملائه بأن يصفقوا له، وتكرر سيناريو المعلمة مع ذلك التلميذ ﺑﺄﺳﺎﻟﻴﺐ متنوعة، مما نجم عن ذلك تغيير نظرة التلاميذ لزميلهم الذى أصبح مرتاحاً نفسياً، مما دفعه إلى التركيز في تحصيله الأكاديمي واثقاً من ذاته، واستبعد من ذهنه فكرة أنه إنساناً غبياً، وعلى خلفية ذلك أضحت لديه قدرة فائقة على التفوق، بعد استعادة ثقته في نفسه، وعندما جلس للامتحانات النهائية حقق نجاحاً باهراً في معظم ﺍﻟﻤﻮﺍﺩ، وهكذا واصل تحصيله الأكاديمي إلى أن دخل الجامعة ثم تخرج منها ومن ثم نال ﺍﻟﻤﺎﺟﺴﺘﻴﺮ والدكتوراة.