الاثنين، 28 أكتوبر 2019

سراج النعيم يكتب : بعد أطول حرب في القرن.. اتفاقية (نيفاشا) قادت جنوب السودان للانفصال


إن نظام الرئيس المخلوع عمر البشير كان على قناعة تامة بأن توقيعه على اتفاقية (نيفاشا) ستقود جنوب السودان للانفصال، وهذه الخطوة لم تكن الحل الجذري للصراع التاريخي، الذي أحدث زعزعة ليس على مستوي السودان، بل على مستوي القارة، مثله صراعات شهدتها أفريقيا لسنوات وسنوات مثل يوغندا، الكونغو، رواندا، نيجيريا، وتشاد وغيرها.
ومن أجل استمرار الحرب الدائرة في السودان انتهج الاستعمار خطة جديدة في العام 1989م مرتكزاً على سياسة إضعاف الوجود الشمالي في الجنوب واللغة العربية، والاستعاضة عنها باللغة الإنجليزية، وعملت على ايقاف الدعوة لاعتناق الديانة الإسلامية، وبالمقابل شجعت البعثات التنصيرية المختلفة، مما وضع الحكومات السودانية المتعاقبة أمام معضلة حقيقية من حيث مفاهيم ارساها الاحتلال البريطاني في ذهنية الجنوبيين، وعليه فإن النزاع ظل قائماً لدرجة أنه اشتهر إعلامياً باطول حروب القرن، ورغماً عن الانفصال إلا أنه مازال يترك آثاره السالبة في الشمال، والذي تضرر ضرراً بالغاً منه، ومن السياسة الاستعمارية الإنجليزية في البلاد، إذ أنها شرعت قوانين للمناطق المنغلقة في العام 1922م، وتم تنفيذها عملياً في جنوب السودان، وعلى خلفية ذلك تم أبعاد الموظفين السودانيين والمصريين من الجنوب، ومن ثم أصدرت القرارات العامة في جنوب السودان، مما نجم عنها إعادة التوتر في المنطقة مجدداً، وفي العام 1982م صدر قرار يقضي بإعادة تدوير القوات العسكرية في جنوب السودان، وهذا القرار قاد عدد من الضباط الجنوبيين للهروب من الخدمة في القوات النظامية، وصادف ذلك محاولة تصدير البترول خاماً، وفي بداية العام 1972م وقعت اتفاقية نصت على منح الحكم الذاتي لمحافظات الجنوب الثلاث تحت إشراف المجلس التنفيذي الأعلى، كما نصت على تشكيل جمعية تشريعية، بالإضافة إلى أنها شملت على ملاحق ونصوص تتعلق بإعادة توطين اللاجئين وترتيبات وقف إطلاق النار وتشكيل قوة عسكرية محلية من 12 ألف رجل نصفهم على الأقل من أبناء الإقليم.
وعندما تم اكتشاف النفط، والذي على خلفيته بدأ نزاع بين الحكومة والتمرد، فالمواقع البترولية أضحت بؤرة للصراع الذي نتج عنه عنفاً في العام 1965م، كما ظهرت في الساحة حركات سياسية تطالب بانفصال الجنوب عن الشمال، وهو الأمر الذي قاد إلى السلطة العسكرية في العام 1969م، وذلك من واقع أن الجنوب شهد (فوضى) احدثتها الحركة المتمردة (الأنيانيا)، والتي اتجه في إطارها النظام المايوي لإيجاد الحلول لهذه الأزمة بالتهدئة، وإعلان العفو عن السياسيين والمتمردين الجنوبيين.
وفي العام ١٩٨٣م تمردت حامية مدينة (يور) التابعة للقوات المسلحة، ثم صدر البيان الأول لحركة تحرير السودان بزعامة العقيد جون قرنق الذي أبعد عن حركته الدعوة لانفصال الجنوب عن الشمال، مؤكداً بالوحدة، واستطاع أن يستقطب المقاتلين خلال ثلاثة أشهر وتجنيد كتائب كاملة من المقاتلين، ومن ثم وجد الدعم من النظام الليبي برئاسة العقيد معمر القذافي، وبذلك الدعم استطاع أن يصيب حقول التنقيب عن النفط باضرار بالغة ،
بالرغم من الإختلاف القائم حول مدينة (أبيي) إلا أنها تشهد تعايشاً بين القبائل المختلفة، والذي تم بين (المسيرية ودينكا نقوك)، والذي وُقّع بين الناظر (علي الجلة) والسلطان (أروب)، وقد أثنى على ذلك التعايش المفتش الإنجليزي في تقريره الصادر في العام (1920م _ 1921م)، بالإضافة إلى مدير مديرية بحر الغزال من خلال خطابه الذي القاه بتاريخ 21/7/1927م وأوصى بأن يستمر دينكا نقوك في مجلس ريفي المسيرية نتيجة لعلاقتهم الجيدة، إلا أن أصل الإشكالية يعود إلى عصر الاحتلال البريطاني، إذ أن المستعمر اجري استفتاء لدينكا نقوك، ومنحهم حق البقاء في الشمال أو التبعية للجنوب إلا أنهم اختاروا أن يكونوا تابعين لمجلس ريفي المسيرية، ورغماً عما أشرت إليه إلا أن المستعمر الإنجليزي سعي سعياً حثيثاً لإقناع (كوال أروب) سلطان دينكا نقوك بالانضمام إلى جنوب السودان بدلاً من البقاء في الشمال إلا أن جميع المحاولات باءت بالفشل الذريع، وفي العام 1943م توفي السلطان (كوال أروب)، وخلفه نجله (دينق)، والذي حاول المفتش البريطاني إقناعه بالفكرة القديمة المتجددة أثناء الاستعداد لمؤتمر جوبا في العام 1943م، ورغماً عن الرفض إلا أن الإنجليز ظلوا يحاولون في هذا الإطار إلى أن تم إجراء استفتاءات في السنوات (1950م و1951م و1953م و1954م و1955م)، إلا أنها لم تنجح، وانتهت بخروج بالاستعمار في العام 1956م.
وعلى خلفية ذلك هدأت الأوضاع في جنوب البلاد، إلا أنها تجددت مع انقلاب نظام الرئيس المخلوع عمر البشير على شرعية الإمام الصادق المهدي في الثلاثين من يونيو في العام 1989م، وعليه ابرمت اتفاقيات حول مدينة (أبيي) في العام 1997م، كما أنها وضعت جدول أعمال في العام 2000م بغرض إيجاد الحلول للاشكالية كجزء من تنفيذ اتفاقية الخرطوم للسلام المؤكدة إن مدينة (أبيي) موطناً للمسيرية ودينكا نقوك، وهي ليست جزءاً من الجنوب، وأنها منطقة تعدد عرقي وثقافي، وهي واحدة من المناطق الأقل نمواً في البلاد، وأن لها إشكالية خاصة، ورغماً عن ذلك أخذت القضية بعداً آخراً عندما شرعت أمريكا في عمل تسوية للقضية عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، إذ أنها أثارت صراعاً حاداً بين النظام البائد والحركة الشعبية لتحرير السودان، مما نجم عن ذلك تدخل المبعوث الأميركي آنذاك وطرح رؤية للحل سُميت بالورقة الأميركية، وذلك في 2004م، وهدد الطرفين قائلاً: (إن الإدارة الأميركية تحمّل المسؤولية في حال انهيار المفاوضات لأي طرف يعوق مسيرة السلام)، مما أدي إلى أن تصبح الورقة الأميركية جزءاً من اتفاقية (نيفاشا)، وهي من الاتفاقيات الخطيرة التي تثبت مبدأ الاستفتاء، والذي حُدد له العام 2011م تزامناً مع استفتاء الجنوب ولم ترسم حدود جغرافية لمدينة (أبيي)، وترك الأمر برمته للجنة من الخبراء، ورئيس اللجنة سفير أميركي سابق بالسودان، ونائبه من جنوب أفريقيا وثلاثة أعضاء من دول الإيقاد، إلا أن اللجنة فشلت في مهمتها، وبالرغم من فشلها إلا أنها رسمتها وفق الحدود واعتبرته تغولاً على الأراضي الشمالية، فيما باركته الحركة الشعبية لتحرير السودان، مما أدي إلى حدوث اشتباكات في ديسمبرمن العام 2007م واشتدت في العام ٢٠٠٨م، وعلى خلفية ذلك اتفق نظام الرئيس المعزول عمر البشير ودولة الجنوب على إحالة ملف النزاع إلى هيئة تحكيم دولية بلاهاي في العام ٢٠٠٨م، مما أدي بنظام حكم المؤتمر الوطني الفشل لحل الإشكالية بطريقته التي تعد سابقة خطيرة تاريخياً نسبة إلى أنها جعلت السودان لقمة صائغة للانقسامات، والمطامع الخارجية، إذ أنها احتكمت إلى هيئة التحكيم الدولية، وهو الأمر الذي وضع القضية موضع شد وجذب بين طرفي الصراع، وبالتالي مضي نظام المعزول عمر البشير نحو الفشل الذي لم تجد في إطاره الحلول الجذرية للصراعات الدائرة في جنوب السودان، جبال النوبة، النيل الأزرق، أبيي، دارفور وشرق السودان، وهي بلاشك لا يمكن أن تنتهي من خلال اتفاقية (نيفاشا) الموقعة بين الحكومة والحركة الشعبية، أو غيرها من التفاهمات السياسية، وذلك يعود إلى أن ما يستند عليهم النظام السابق ما هم إلا جزء أصيل من الأزمات المتتالية في البلاد، وبالتالي لا يمكن أن يكون الداء هو الدواء الناجع، علماً بأن ما يجري من أحداث قائم على أسباب كثيرة منها تعميق الأنظمة المتعاقبة على حكم السودان، والمصالح المحلية، الإقليمية والدولية في مناطق الصراعات للإشكاليات المبنية على أن الحكومات تهمشهم، ووجدوا في هذا الجانب المساندة من الخارج الذي دعم أطراف الصراع، بالإضافة إلى السيطرة التامة على آليات التسوية.

سراج النعيم يكتب : اكتشاف ما تخبئه النفس


دائماً ما يتبادر إلى ذهني سؤالاً ملحاً، وهذا السؤال يتمثل في كيفية صناعة الشخصية القيادية المتصفة بـ(الهيبة) و(القوة) في الحياة عامة ، وفي المجال الذي اختارته له موهبته خاصة؟ الإجابة تكمن في الصفات المتجذرة في الإنسان بـ(الفطرة)، ولا يمكن اكتسابها بأي وسيلة من الوسائل، وإذا حاول فإنه بلا شك سيفشل، وبالتالي يمكن للمرء أن يكتشف ما تخبئه النفس في دواخله من إبداع، ومن ثم العمل باجتهاد من أجل تنميته، وهو قطعاً يجعله ذو (قيمة)، (هيبة)، و(قوة) في محيط (الأسرة)، (العمل)، و(المجتمع).
وبالمقابل من لا يتحقق له ذلك، فإنه يكون إنساناً (هزلياً)، (ضعيفاً) و(منهزماً)، ومثله يحتاج إلى عزيمة وإصرار للابتعاد عما يركن إليه، فالإنسان يختلف عن الآخر من حيث المقاييس والمعايير، فهنالك من يكتسبها بالتقدير والاحترام للغير (إيجابياً)، وهنالك من يخذلهم بأفكاره (سالباً)، مما يجعل منه إنساناً مهزوزاً في حياته، وقابلاً لأن يكون محل (سخرية)، (استهزاء) و(تندر)، وربما يدفع ذلك البعض للتطاول عليه كلما طرح موضوعاً للنقاش، والأدهى والأمر في الشخصيات المتسمه بهذه الصفات أنها مستسلمة، وتتحكم فيها الظروف المحيطة بها، وعلى رأسها الأوضاع الاقتصادية، وأمثال هؤلاء يعلمون أن ما يفعلونه يقلل من قيمتهم وهيبتهم وسط الناس إلا أنهم مضطرين أن يمارسوا هذا الفعل المنافي لطبيعة الإنسان وبالتالي يهضمون حقوقهم المكفولة شرعاً بالديانة الإسلامية، والتي أوضحتها لهم بجلاء، خاصة وأن الإنسان عزيز، وكرمه الله سبحانه وتعالي، وعليه السؤال الذي يفرض نفسه لماذا يخضع الإنسان ذاته لـ(الإذلال) و(الإهانة) من أناس ربما لا يسوون شيئاً مقابل ما يمتلكه هو من (موهبة)، (إمكانيات) و(طاقة) غير مكتشفه، وذلك يعود إلى ركونه لحيز ضيق جداً، ربما هو الذي جعله يفكر بشكل سالب.
فيما يكمن مفهوم كيفية صناعة الذات القوية على اكتشاف الموهبة أولاً، ومن ثم العمل على تنميتها، وذلك من خلال الاكتساب المعلوماتي بالإطلاع والثقافة والتطور والمواكبة خاصة وأن العالم أصبح منفتحاً على الآخر، والذي بدوره تسيطر عليه ثورة التقنية الحديثة والمعلومات المتدفقة عبر (العولمة) ووسائطها المختلفة، والتي أصبحت مع مرور الزمن تصنع للبعض (كاريزما)، (هيبة) و(قوة)، إلا أن البعض لا يوظفها توظيفاً صحيحاً للمحافظة على (خصال)، (قيم)، و(أخلاق) يحتاج إليها المجتمع، لذا على الشخصية القيادية أن تكون صاحبة مواقف قوية، ولا تجامل على حساب الديانة الإسلامية والوطن والمجتمع، وأن لا تتنازل عن حقوقها الدستورية والقانونية، لكي تستطيع أن تضع بصمتها الإيجابية في الحياة.
من أقوي وأيقظ الشخصيات تلك التي تمتلك (كاريزما) تعبر بها عن قدرتها على جذب من حولها، خاصة إذا كانت هذه الشخصية (متفائلة)، (حيوية)، (مبتسمة)، و(واثقة) في النفس، وفي (أقوالها، (أفعالها)، (مواقفها) و(مبادئها)، والتي يجب أن لا تتغير أو تتزحزح أو تتنازل عنها، خاصة وأن كلمة (كاريزما) في الأصل مشتقة من الكلمة اليونانية (charizesthai)، وتعني إبراز الشخصية المعنية للصفات الإنسانية المميزة.
وحينما نعود لمصطلح (كاريزما) نجد أن أول من أستخدمه هو عالم الاجتماع الألماني (ماكس فيبر)، وذلك من خلال مؤلفه الشهير (القانون في الاقتصاد والمجتمع)، لذا نجد أن أعداد بسيطة لها القدرة على القيادة وفقاً للمعني الحقيقي للمصطلح، وبالتالي تكون لديهم القدرة على التأثير في من هم في محيطهم بـ(الكاريزما) المتطلبة في الإنسان أن يكون اجتماعياً لإيصال الدعم الإنساني تأكيداً على أهمية الآخر في حياته، والذي يحتاج منه أن يظهر له الثقة بتحريك المشاعر الايجابية خاصة وأن الشخصية ذات المواصفات القيادية غير قابلة للانتقاص من قدر الآخرين، والذين ربما تكون لديهم ذات (الكاريزما) إلا أن الظروف المحيطة بهم وحدها التي وضعتهم في درجة أقل لعدم قدرتهم على زيادة قوة شخصياتهم، وامتلاك القناعة الكافية، والاتّصاف بالجد والالتزام بخط صارم وجاذب في ذات الوقت، ومقنع للناس الذين ينتظرون منك إيجاد الحلول الناجزة للإشكاليات التي تعترض طريقهم ما بين الفينة والأخرى، بالإضافة إلى امتلاك القدرة على التشجيع والتحفيز وكسر الجمود من خلال الاستماع وترتيب الأحداث حسب الأسلوب المناسب لها مع الأمانة والصدق في التواصل مع من حولك، بالإضافة إلى اشعارهم بالاهتمام والتميز.
بينما يجب على الشخصية القيادية استخدام المهارات العاطفية والاجتماعية في فن الإدارة، فهي تؤثر في من حوله وتجذبهم إليه، وبالتالي تنشأ بينه وبينهم علاقات متينة في الإطار العام والخاص ، مما يتيح له التحكم فيهم عند الحاجة إليهم، سواء كان ذلك بـ(اللفظ) أو (النظَر)، فهي أقوى الطرق للاتصال والتواصل.

سراج النعيم يكتب : ما هو المصير الذي سيؤول إليه الرئيس المخلوع (عمر البشير)


بلاغ بتقويض نظام الحكم الدستوري في البلاد يشمل رموز النظام
...........
ضحايا كثر تعرضوا للتهديد والإرهاب الفكري بالسياسات القمعية
............السؤال الذي يتبادر لأذهان السودانيين بصورة شبه عامة، ما هو المصير الذي سيؤول إليه الرئيس المخلوع (عمر البشير)، والذي دار في إطاره جدلاً واسعاً حول تسليمه للمحكمة الجنائية الدولية من عدمه أو محاكمته في الداخل، وهو التحدي الذي ينتظر الحكومة المدنية المشكلة بموجب الاتفاق بين المجلس العسكري السابق، وقوى إعلان الحرية والتغيير، وهو الاتفاق الذي لبي مطالب الثورة الشعبية ، خاصة وأنه ضحي تضحية غالية من أجل الوصول لهذه المرحلة المفصلية من تاريخ السودان الحديث، أي أنه صبر وثابر وناضل للإطاحة بنظام الرئيس المخلوع (عمر البشير)، والذي ظل يتقلد مقاليد الحكم ثلاثة عقود من التسلط ، الجبروت بلا رحمة أو رأفة؟، عموماً يظل السؤال قائماً إلى أن يقدم (البشير) ورموز نظامه الفاسد إلى محاكمات عادلة ترد للشعب السوداني كرامته.
ومما ذهبت إليه، فإن (البشير) جاء لسدة الحكم في الثلاثين من يونيو من العام ١٩٨٩م بالانقلاب العسكري على شرعية الإمام الصادق المهدي، زعيم حزب الأمة القومي المنتخب، وعليه فإن ما قام به ورفاقه يعد تقويضاً للنظام الدستوري في البلاد، مما يعني أنه في إمكان الإمام الصادق المهدي المطاح بحكومته الشرعية اتخاذ الإجراءات القانونية ضده، ومن سانده على ارتكاب الجرم نسبة إلى أنه ورفاقه عرضوا البلاد إلى عدم استقلالها، وعلى خلفية ذلك ظل النظام السابق يشرع في القوانين لحماية نفسه، وهي قوانيناً تعتبر من يعارضه سياسياً مقوضاً للدستور بشكل مباشر أو غيره، ويعتبر نظام (البشير) ذلك النهج جرماً جنائياً تصل عقوبته حد الإعدام أو السجن مدى الحياة.
من المعروف أن الأنظمة الديكتاتورية دائماً ما تفصل القوانين لتتوافق مع ما يضمن لها البقاء في السلطة أطول فترة ممكنة، وذلك بعيداً عن الانقلابات العسكرية أو الثورات الشعبية، مما يجعلها تخطط تخطيطاً أمنياً تلصق من خلاله التهم للخصوم السياسيين الألداء، وهي قطعاً ترمي من وراء ذلك إلى إبعادهم عن المشهد السياسي، إلى جانب أنها تكمم افواه المعارضين، الإعلاميين، الصحفيين والنشطاء حتى لا يبدون آرائهم في سياسيات النظام الفاشلة، وبالتالي ظل يمارس اصنافاً من القمع مستقلاً سلطات القبض أو الاعتقال منتهكاً بذلك لحقوق الإنسان.
وعندما أتطرق لهذا الملف، فإنني أتناوله من واقع أن هنالك ضحايا كثر تعرضوا للتهديد والإرهاب الفكري بالسياسات القمعية المنتهكة للحقوق المشروعة، والتي في إطارها ارتكبت مجازر تاريخية في حق الصحف عموماً، والتي على ضوئها تكبدت خسائراً مالية كبيرة، ولم يأبه بما حدث، وعليه درج النظام البائد على توجيه التهم للسياسيين، الإعلاميين، الصحفيين والنشطاء، ومن ثم القبض أو الاعتقال والإيداع في الحراسات أو المعتقلات، وبعد التحريات معهم تحول البلاغات إلى المحاكم المتخصصة، وبما أنها تندرج في الإطار السياسي يتم شطبها، وإخلاء سبيل المتهمين، هذا يعد ضرباً من ضروب استغلال السلطات، وذلك وفقاً للقانون المفصل لحماية نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، فمن المعروف أن الأنظمة الديكتاتورية تفصل القوانين لتتوافق مع ما يضمن لها بقاءها بعيداً عن الانقلابات العسكرية أو الثورات الشعبية، وبالتالي تعمل على لصق التهم وفقاً لما هو مشرع، وذلك لترهيب الخصوم السياسيين الألداء، وترمي لإبعادهم عن المشهد السياسي، وعدم إبداء آرائهم في سياسات النظام البائد، ومن يخالف ذلك يعرض نفسه للخطر بالطرق المشروعة أو غيرها، وهي أساليب تدعو إلى انتهاك حقوق الإنسان، وبالتالي لعبت الميديا الحديثة دوراً طليعياً في الإطاحة بالنظام السابق، فهي ارعبت واخافت نظام الرئيس المعزول (عمر البشير)، مما دفعه إلى سن تشريعات تمثلت في قانون جرائم المعلوماتية، ومن ثم خصص لها نيابة ومحكمة، وهي كانت قوانيناً للتخويف من كشف (الفساد) المستشري في مفاصل الدولة، والتي فتح في ظلها عدداً من البلاغات، عموماً تضرر الشعب السوداني ضرراً بليغاً من القوانين المشرعة من نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، إذ أنه كان بمثابة صك للسلطات الرسمية لممارسة القمع، القهر، والظلم، وحماية النظام السابق، وقد ظل في هذا الإطار يعاني الناس منها لسنوات، فلا يمضي يوماً إلا ويكون من يعارضون النظام البائد حاضرين لدي الأجهزة الأمنية، وهي كانت تمارس ضغوطاً على من يقف ضد نظام البشير، مما يؤكد أنه كان يرتكب جرماً فادحاً في حق إنسان السودان، وقد بدأت المضايقات ومع هذا وذاك خاصة من يفتحون الملفات الساخنة المتصلة بالفساد الذي تشهده معظم مفاصل الدولة العميقة، والذي لم يسلم منه حتي الحقل الصحي، ومن نماذجه مستشفي الخرطوم بحري، والذي أتذكر في ظله أن شخصية مرموقة سألتني، هل تدري ماهية خطورة فتح ملف من هذا القبيل، وهل تعلم من يقف وراء شركات الأدوية، والشركات الأمنية المتعاقدة مع بعض مستشفيات ولاية الخرطوم وغيرها من الأسئلة؟، والتي لم أجد لها آنذاك إجابة، بل أتضحت لي الرؤية بعد أن بدأت معي بعض المضايقات من خلال الرقابة الأمنية والاستدعاءات أو القبض وفتح البلاغات، هكذا كان النظام المعزول يصفي حساباته مع من يقف ضد مصالحه، والتي درج على انتهاجها على مدي ثلاثين عام، مما يجعل الكثيرين يداومون ذهاباً وإياباً ما بين الأجهزة الأمنية، النيابة والمحكمة، وهي كانت عبارة عن (جرجرة) بدليل أنها يتم شطبها، مما يعني أن نظام الرئيس البشير يستغل السلطات مطوعاً لها لصالحه، لذلك واجه هو تهماً تتعلق بجرائم حرب، وإبادة جماعية في إقليم دارفور المضطرب منذ العام ٢٠٠٣م، والتي صدر بموجبها مذكرة اعتقال من قبل المحكمة الجنائية الدولية، والتي طالبت بعد خلعه تسليمه إليها للنظر في التهم الموجهة إليه، خاصة وأنها تعد انتهاكاً لحقوق الإنسان، والذي ظل صابراً على الظلم الذي تعرض له، لذا على السلطات الإسراع في وضع حد للجدل الدائر حول محاكمة البشير حتى يخفف ذلك على أسر الضحايا شمالاً وجنوباًـ شرقاً وغرباً، وبالتالي يجب محاكمة (البشير) ليس على جرائم غسيل الأموال وحيازة النقد الأجنبي فقط، إنما محاكمته في الجرائم المتهم في إطارها من المحكمة الجنائية الدولية، خاصة وأن جرائمه المرتكبة ضد الإنسانية تتعلق بجرائم إبادة جماعية، جرائم حرب شهدها إقليم دارفور المضطرب منذ العام ٢٠٠٣م، بالإضافة إلى أنه وقف حجر عثرة أمام الحريات الشخصية، الإعلامية والصحفية، وعليه فإن محاكمته تصب في صالح التغيير الذي ينشده الشعب السوداني عموماً، كما أنها تحفظ لأسر الضحايا حقهم الذي كفلته لهم الاتفاقيات والمعاهدات الدولية والدستور والقانون السوداني، وبالتالي فإن الجدية في محاكمة البشير ورموز نظامه مكسباً كبيراً للسودان الذي ظل خارج منظومة المجتمع الدولي على مدى ثلاثة عقود، وبالتالي يحتاج إلى رفع اسمه من قوائم سجل حقوق الإنسان، الإرهاب بعد أن تم الزج به ورموز من نظامه السابق في السجن الاتحادي (كوبر)، والذين يجب أن تكون محاكمتهم محاكمة عادلة على كل ما ارتكب من انتهاك في حق إنسان السودان، فمحاكمتهم يجب أن تكون علناً، وقطعاً ستكون فتحاً جديداً للسودان، خاصة وأنني لا أومن بمقولة (عفا الله عما سلف)، وذلك من أجل إعادة العلاقات الدبلوماسية مع الأمريكان، الأوروبيين، الآسيويين، العرب والإفارقة.
إن المحكمة الجنائية الدولية تختص بالنظر في القضايا المرتكبة في حق الإنسانية، وبالتالي محاكمة البشير ورموز نظامه الفاسد مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بحقوق لها علاقة بالحق العام والخاص، وعليه يجب أن تكون محاكمة البشير ورموز نظامه المعزول عادلة حتى يتمكن كل سوداني متضرر من أخذ حقه كاملاً لا منقوصاً وبالقانون، وكان يفترض أن تبدأ محاكمة المخلوع عمر البشير ورموز نظامه السابق أولاً بتقويض النظام الدستوري في البلاد في ٣٠ يونيو ١٩٨٩م بالانقلاب على الشرعية، ومن ثم جرائمه في إقليم دارفور المضطرب منذ العام ٢٠٠٣م، بالإضافة إلى جرائم قتله لشهداء رمضان، والمتظاهرين العزل، وغيرها من الجرائم المستمرة منذ تقلده نظام الحكم في البلاد قبل ثلاثة عقود.

سراج النعيم يكتب : رجاء مجذوب رحيل مفاجئ


الفنانون يبكون رحيل رمانة الصحافة وهذا سر علاقتها بابن البادية
..........
هذا ما كتبته على شاهد قبرها : شكراً يا من علمتني معني الحياة
..........
ها أنا أكتب بحبر القلم، بل أكتب بدماء القلوب، ها أنا أتمزق من الداخل، فعذراً يا من كنتِ كل الأمل والرجاء، أعلم إنني تأخرت كثيراً، فلم أكن أدري أن القدر يخبئ لي كل هذا الألم، الحزن، الجراح التي لن تندمل بمرور الأيام، الشهور والسنين، ها هي تلك الاحاسيس تتدفق عبر السطور، وتقودني إلى ما لم أكن أأمل فيه، مما يجعلني أبحث عن ملاذ فلا أجد سوي أن ألوذ للصمت، نعم الصمت، فالزمان والمكان لم يعدا كما كانا، والأشياء لم تعد تشبهنا، وأصبحت تشعرنا بأن ما نسطره من كلمات صادقات لا يصل إلى من نحب، وأن أحلامنا ما عادت تتسع لما نصبوا إليه، لماذا رحلتِ بصمت وهدوء، وتركتِ وراءك مسافات من الألم، الحزن، والجراح.
من أصعب الأشياء على الإنسان أن يعبر عما يجيش في دواخله الممزقة أصلاً بالألم، الحزن والجراح العميقة التي تتقاذفها الهواجس والأفكار يمني ويساراً، فكم كان رحيلك مؤلماً، نعم مؤلماً حد النخاع والعظم، وإن كان الرحيل عندي لا يعدو سوي رحيلاً جسدياً، لأنك ستبقين خالدة بذات الألق ونقاء السريرة، الإنسانية، الخلق الرفيع، الأدب الجم والكرم الفياض، هكذا كنتِ تحملين في معيتك كل صفات النبل، نعم النبل الذي لم تؤثر فيه الأجواء المتقلبة أو الظروف القاسية، هكذا كنتِ حتى تهبى الآخرين الأمل رغماً عن تقلبات الحياة المريرة، لذا كان فراقك هو الأشد قسوةً وإيلاماً، لقد رحلتِ بهدوئك، رحلتِ دون أن تستأذني أحداً، نعم رحلتِ رحيلاً مراً، رحيلاً خلف وراءه حزناً دفيناً لا أظن أن تياره الجارف سيهدأ إن طال الزمن أو قصر.
لماذا رحلتِ باكراً في ذلك الصباح الذي أشرق حزيناً، إذ تلقيت الخبر الحزين الذي يؤكد أنك رحلتِ نحو طريق اللاعودة، نعم رحلتِ وتركتِ لنا الآهات وزفرات القلب، هكذا أجد نفسي مسكوناً بالألم، الحزن والجراح، فقد سبقك على هذا الرحيل المؤلم والدي الذي أحبك أكثر من بناته، ثم رحلت والدتي التي كانت تتحدث عنك بحب عميق، وأنتِ ترافقيها في حلها وترحالها، وها هو رحيلك يضاعف من ألمي، حزني وجراحي، إذ لم أكن أضع في حساباتي أنك سوف ترحلين عن الدنيا نهائياً، ولو كنت أعلم لكنت غيرت الكثير من الأخطاء التي ارتكبتها في حياتي، ها أنا أتذكر كل تفاصيلك المميزة ومشاعرك الإنسانية المتدفقة لخدمة الآخرين، ها أنا ألملم أحاسيسي التي تبعثرت بالقرب من قبور من احببت من هم بداخله أكثر من نفسي، وها أنا اتضرع لك بالدعاء يومياً، وسأكتب على شاهدك قبرك : (اللهم تقبل رجاء مجذوب قبولاً حسناً، فهي إنسانة تفيض بالإنسانية، اللهم أدخلها مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا).
كانت الراحلة رجاء مجذوب تمتاز بصفات عبادك الصالحين المتصالحين والمتسامحين مع أنفسهم والآخرين)، ومع هذا وذاك لم تكن تضطر للاستسلام لأي ظروف كانت تمر بها، ولم تكن تتنازل عن كبرئايها أو مبادئها في الحياة، لذا لم أكن أتصور نهائياً أنها سترحل بكل هذا الهدوء دون أن تعود لبث الأمل في أوساط من يعرفونها، هكذا جاءت إلى الدنيا ثم أبدعت فيها بتخليد اسمها بأحرف من نور، ومن ثم تركتنا للألم، للأحزان والجراح، إلا أن إنسانيتها ستزيدنا قوة ودافعاً للاستمرار فيما انتهجته من إنسانية على مدي سنوات حياتها.
ومنذ أن طرق أذني نبأ رحليها إلا وأصبح المكان ليس مكاناً، والإحساس ليس إحساساً، والأشياء من حولنا لم تعد كما كانت، فالرحيل أقوي من إرادة الإنسان الذي يمتلك طاقة محدودة على الاحتمال.
هاهي رجاء مجذوب التي أعرفها المعرفة الحقة تودع الدنيا بكل ما فيها من معاناة، وتتركنا نتبع مراسماً لا نحبذها لارتباطها بالوداع المؤلم، هاهي تودع الأسرة، الأهل، الأصدقاء والزملاء الذين عاشت معهم حياة قصيرة، ولكنها مليئة بالإبداع المقترن بالإنسانية، وخلال ذلك الإرتباط نشأت أحاسيس، ومشاعر إنسانية نبيلة، ثم كبرت تدريجياً وتعمقت في الدواخل يوماً تلو الآخر، لذلك عندما تلقي الشاعر الكبير اسحق الحلنقي، العم مهدي مضوي فاكهة اتحاد الفنانين، الموسيقى عبيد محمد أحمد، الجندي، البروفيسور الفاتح حسين، الدكتور عبدالقادر سالم، سيف الجامعة، محمود تاور وكل أعضاء إتحاد الفنانين، خبر رحيل الأستاذة الإنسانية المخلوقة رجاء مجذوب حزنوا حزناً عميقاً، لدرجة أنهم بكوها بالدمع السخين، فرحيلها كان مفاجئاً مثل رحيل الأب الروحي لها ولي الفنان الملك صلاح بن البادية، ورغماً عن أن ذلك الرحيل أصبح رحيلاً حتمياً، إلا أنه قائماً على فلسفة وداع من نحب، وعندما يصبح ذلك الرحيل حقيقة ماثلة أمامنا، فإننا نحاول جاهدين إنكاره ليس ضعفاً إلا إننا لا نستطيع احتمال ما كان تحتمله استاذتي (رجاء مجذوب على)، فهي كانت إنسانة مختلفة في كل تفاصيلها.
ومما ذهبت إليه، فإنني كنت أدرك تمام الادراك أن لكل منا رحيل إلا أن رحيل رجاء بت مجذوب تساقطت في إطاره الدمع مدراراً، وكيف لا وهي التي كانت تكرس كل وقتها لخدمة الإنسانية، والتي جعلت الناس جميعاً يبادلونها الحب بحب أعمق منه، وهي بدورها لم تخذل كل من طرق بابها الذي كان مفتوحاً على نافذة الإنسانية، هكذا جعلني رحيلك المفاجئ أن أدرك صعوبة التفكير في الرحيل، والذي تبدأ معه مرحلة جديدة، وهي مرحلة نحاول من خلالها النسيان، وإن كان النسيان في حد ذاته يطرح أسئلة حول البقاء في الحياة بدون أولئك الذين يجملونها بالإنسانية، فالحياة ما هي إلا لحظة قصيرة جداً نعيشها بحلوها ومرها، ثم نرحل عنها نهائياً، وهو رحيلاً خارج عن الإرادة، لذلك على كل إنسان أن يكون إنساناً صادقاً في إنسانيته، ومع نفسه ومع الله سبحانه وتعالي.
كلما تذكرت تلك اللحظات أجد نفسي اختزل أيام، شهور وسنوات من الذكريات الجميلة مع سيدتي رجاء مجذوب على التي كان لديها قدرة على إخفاء ما تحس به من ألم حتى في أحلك الأوقات، وذلك من أجل إسعاد الآخرين، فأعلم أنها كانت تتقطر ألماً، ورغماً عن ذلك الألم كانت تتمسك بإنسانيتها بصبر وحكمة، لذا حينما ترحل إنسانة في قامة رجاء مجذوب، فإنها بلا شك تترك فراغاً كبيراً، وتجعل الأجواء مفعمة بالألم، الحزن والجراح، ومهما تحاول اخفائها لن تستطيع، وستجد نفسك مرغماً ومحاصراً بقوة ما تفرض على الإنسان أن يكره وداع إي إنسان عزيز عليه، مما يجعل كل إنسان يمر بتلك اللحظات إنساناً ممزقاً من العذاب، وأي عذاب هو الذي تصاحبه ذكريات وتفاصيل مؤلمة، هكذا سنلحق بك عاجلاً أو آجلاً، نعم سنرحل بوداع أو بدون وداع، سنرحل إن طال الزمن أو قصر، سنرحل وفي القلب حسرة ومرارة.
إن رحيلك سيدتي رجاء مجذوب على أخفي بين طياته الكثير من الحزن الممزوج بالألم، وبالرغم من أننا نحاول التصدي له إلا أنه أقوى منا بكثير حيث نجد أنفسنا منقادين إلى سهر الليالي الذي نغيب في عوالمه بحثاً عن التخفيف، ولا نأبه بدموعنا عندما يرخي الليل ستوره، فإنه وأخيراً أصبح كل منا وحيداً يسامر أربعة جدران يرمي لها كل همومه وآلامه وأحزانه وجراحه ومراراته، ومع ذلك نحرض على ذهاب الإنسان للبحر ليرمي بكل ما يحس به من ألم في قاعه الذي لا قرار له، نعم أنه بحر الرحيل الذي تبحر فيه سفننا لترسو بنا في شواطىء بعيدة، شواطئ يتنازعها إحساس غريب وعجيب، إحساس يدفعها إلى غرس لحظة أمل ورجاء تجعل الإنسان يمعن في تفكير عميق فيما آل إليه، وفي لجة ذلك التفكير يجمع من حوله ظلال الأيام والشهور والسنوات المصحوبة بالألم، الحزن والجراح، هكذا يقلب الإنسان صفحات من حياته الماضية المكتوبة في دفاتر مليئة بالأوراق، وأي أوراق هي سوي أوراق عمر يتساقط ، وتتساقط أوراق الذكريات المتصلة بالماضي، خاصة وأن الحاضر يكشر عن أنيابه، فلا يدع لنا سوي المداومة على التفكير بحثاً عن أشياء ضائعة، هكذا عشنا الماضي الذي يرافق الحاضر في حله وترحاله إلا أننا كنا مشدودين نحو الماضي أكثر من الحاضر، وأي ماضي هو غير ماضي موحش بذكرياته.
هي كانت سيدتي وأستاذتي التي علمتني معني الحياة، لذا أجد نفسي مجبراً على الصمت الذي أعيش في ظله ألماً، حزناً وجراحاً لا أظن أنها ستندمل بمرور الأيام، فهي سلبت مني كل ما كنت أرجوه في هذه الحياة القاسية، إذ أنها لم تتح لي فرصة لتحقيق أحلام رسمناها على مدي سنوات وسنوات.
رغم إنني أؤمن بأنه لا مهرب مما هو مكتوب، إلا أن ألمي، حزني، وجراحي ترغمني على ترجمة احاسيسي ومشاعري، هكذا أحاول جاهداً الإفصاح عما يعتمل في دواخلي فتارة بالصمت العميق، وتارة آخري بالبكاء الذي لا استطيع أن أمنع منه نفسي، هكذا ينحصر تفكيري في اتجاه، هكذا أركن لما يعشش في رأسي، لأنني وكلما قلت إنني ودعت الألم، الحزن والجراح تبدأ تطل في حياتي مجدداً، وبصورة أعنف مما كنت أتخيل، هكذا اعتدت عليها، فهي في كثير من الأحيان تغرقني في الحزن لدرجة أنها تنسيني أن أتذوق طعماً للحياة، إذ لا تجدي الجدران التي شيدتها للحيلولة دون تدفق الاحاسيس والمشاعر المختلفة، والتي تفرض على واقعاً لم أألفه قبلاً، هكذا اتألم ألماً شديداً، وتغمرني الأحزان العميقة، وتتجدد الجراح الغائرة، والتي كنت أظن لوقت قريب إنني غادرتها إلا أن قلبي عاد إليها وحال بيني والأفراح، فإلى متي يظل قلبي يؤلمني، ويغمرني بالأحزان، ويعمق الجراح دون أن تندمل، فالذكريات تقف يومياً في ذات المكان، وتنظر إلى ألمي، حزني وجراحي بلا أمل أو رجاء للخروج من تلك الحالة بعد أن سقطت آخر ورقة للتفاؤل في الحياة، فلم أعد قادراً على العيش بعيداً عن الألم، الحزن والجراح، ولم أعد قادراً على مجابهتها رغماً عن كل المحفزات، لذا أحب أن أوكد لك إنني سأوفي بوعدي الذي قطعته في يوم من الأيام إلا وهو أن لا أموت إلا واقفاً كالأشجار.
ها أنا اترجم آمال وأشواق ضائعة في رحاب عمر يبدو أنه سيظل تائها دون أن يهدأ حسي، أو أن اخشي على نفسي الساكنة في لهفة الروح الشاردة، فالرياح العاتية تعصف بي، وتطفئ شمعتي المضيئة، ها أنا أجد نفسي غارقاً في سيل من الدموع بعد أن غابت عني الأفراح سنيناً عدداً، وأجد أن الأحاسيس والمشاعر الإنسانية كنت أعيشها وسط أناس موغلين في العمي، إذ أنهم لا يرون أن الموت مصيراً محتوماً، وأنه ليس الخسارة الكبري في الحياة، بل هو الخسارة الأكبر من ذلك بكثير، فالموت ليس موت الإنسان، إنما الموت هو موت الاحاسيس والمشاعر بالرغم من أننا ما زلنا على قيد الحياة.
عزيزتي كم كنت أحلم بأن تعيد لي الحياة يوماً ما ذاتي، إلا إنني فشلت فشلاً رغم محاولاتي المتكررة، لذا لا أجد عزاء سوي دموعاً تنهمر، دون أمل أو رجاء في مستقبل بعيداً عن الغرق في لجة بحور اليأس المظلمة، فالاقسي والاشد ألماً، حزناً وجراحاً جعلتني في حالة من التعاسة والشقاء، فأنا أحس بأنني في أمس الحاجة إلى البكاء الذي تتساقط في إطاره دموعي مدراراً.

سراج النعيم يكتب : الأخطاء في نظره جريمه


مما لا شك فيه، فإن أي علاقة إنسانية بين شخصين تشوبها بعض الشوائب بسبب تدخلات طرف ثالث في إطارها دون سابق إنذار، وهذا الشخص الثالث وفي كثير من الأحيان يبدأ في الايقاع بين الشخصين الناجحين بـ(النميمة) و(القوالات)، هكذا يمارس فعله المشين لغرض في نفسه وهو في الغالب يعود إلى  إشكاليات نفسية متراكمة، وبالتالي دائماً ما يكون ذلك الشخص في غاية الانزعاج كون أنه شاهد علاقة ناجحة في المحيط الأسري أو العمل أو المجتمع، فمثلها تشعره بـ(الفشل) الذي سيطر على حياته عموماً، لذلك يكون حريصاً على إظهار (عيوب) من يدور في فلكهم دون مراعاة لما يسفر عنه نهجه السالب، والذي لا يدع مجالاً لمن يستهدفهم للالتزام بعوامل النجاح، هكذا يمارس فعله (القبيح) في كل حركاته وسكناته، ورغماً عن أنه واضحاً فيما يهدف له إلا أن البعض ينجرفون وراء تياره دون وعي، وكأنهم لا يعلمون أن أى علاقة ناجحة يجب أن لا تسمح لأي طرف ثالث بالتدخل، فالعلاقات الإنسانية قائمة أصلاً على الاتفاق والاختلاف الذي يحدث ما بين الفينة والآخري، وهي دائماً ما تكون في نطاق محدود جداً إلا أن الطرف الثالث يعمد إلى توسيعها، لأنه يسعي في ظلها سعياً حثيثاً لعدم استمرارها، مما يتطلب من الطرفين الناجحين عدم الانصات له أو منحه مساحات يتحرك في إطارها في حياتهم نسبة إلى أنه لن يتركهم يهنئون بالنجاح، فضلاً عن أنه يفعل مقدرته في هز الثقة بالنفس لإفشال تلك العلاقات، لذا يجب عدم الركون له ولأفكاره (الهدامة)، وهي تدعو صراحة للخنوع الذي يضيق خناق التفكير في تقييم التجربة الإيجابية من أجل تجاوز السلبيات.
إن الطرف الثالث (الدخيل) يعمل على هز الثقة بين الشخصين الناجحين من خلال تشجيعهما على إنكار نقاط القوة والضعف، و هذه النقاط تحديداً تكون مدخلاً له، خاصة وأنه يعتقد اعتقاداً جازماً بإنه إنساناً ذكياً، إلا أنه في الحقيقة إنساناً (ساذجاً) بكل ما تحمل الكلمة من معني، وهذا يعود إلى أن نطاق معرفته محكوماً بـ(الفشل) الذي أدمن التوسع فيه، بالمقابل هذا النطاق المحدود يضيق للنجاح، لذا عليه أن يكون متنبهاً لما يمكن أن يسفر عنه تفكيره السالب من إشكاليات نفسية في المستقبل، فالحاضر بالنسبة للناس كشف لهم أنه مجرد إنساناً منتفخاً بـ(الفتنة)، والتفريق بين الأشخاص الناجحين في علاقاتهم الإنسانية، وبالتالي هو لا يعرف حدوده في التعامل معها من قريب أو بعيد، لذلك يعمل جاهداً على إفشالها لإرضاء الفشل المتجذر في دواخله، وتأكيداً لذاته المريضة، فهو بلا شك إنسان (فاشل) إلا أنه رغماً عن فشله يصور نفسه (وهماً) أنه (ناجح)، وهذه واحدة من عيوبه التي لا يستطيع أن يتجاوزها، ولا يستطيع إنكارها مهما حاول، لذا من الأفضل له أن يختار تفريغ طاقته السالبة فيما يفيد الناس بدلاً من الأذي الذى يمارسه منذ سنوات ناسياً المرض والموت، وأن يترك العلاقات الناجحة تسير في طريقها دون أن يضع لها المتاريس.
ومن هنا يجب أن يدرك الطرفين جيداً أن الأخطاء في الحياة عامة جزء من تكوين البشرية، وهي ليس سبباً للفشل طالما أن الخطأ قابلاً للتصحيح، وخير الذين يخطئون من يعترفون بالخطأ الذى يعمدون إلى تصحيحه فيما بعد ، لذا أكرر أن أى علاقة بين شخصين يسودها الإتفاق، ومن ثم يحدث الإختلاف، إلا أنه وفي الغالب الاعم نجد أن الكثير من العلاقات الإنسانية الناجحة تشهد كثيراً من الخلافات، وتتطور إلى مرحلة سيئة في حال أججها ذلك طرف ثالث ولو لم يكن مرغوباً فيه، ومثله أقل ما يوصف به هو أنه إنساناً (حشرياً)، لذا حري بالأشخاص الناجحين عدم إفساح المجال لأمثال هؤلاء لتعكير صفو حياتهم ، وأن لا يركزوا مع ما يبثونه من سموم ستؤدي في نهاية المطاف إلى أحداث هوة عميقة لا يمكن ردمها، مما يجعل العلاقة متوترة وفاترة بين الطرفين اللذين استجابا لذلك الشخص الذى درج على أن يتطاول على الناس تطاولاً مؤذياً، وهو قطعاً سيقوده أن طال الزمن أو قصر إلى التهلكة، وستجد ذلك ظاهراً في حياته مع مرور الأيام.
بالمقابل لا أتوقع من ذلك الشخص الذي يعمل على إفشال العلاقات الإنسانية للتراجع عما هو يرمي إليه، لأن الأمر أصبح عنده عادة يمارسها بشكل يومي، لأنه في الأصل تربي على الاهتمام بصغائر الأمور ولا يستطيع أن يحسن من سلوكياته المؤذية للآخرين، إذ أنه درج على ممارسة الأفعال السالبة المنافية لما هو طبيعي، ولا سيما فإنها ترتكز على إفشال العلاقات الإنسانية الناجحة من خلال تضخيم كل الأمور، والزعم أن الخطيئة مهما كانت صغيرة جريمة مقصودة.

بعد أن نزعتها منه رئاسة الجمهورية عائد من الاغتراب يخوض أطول قضية ضد نظام البشير في (قطعة أرض)

جلس إليه : سراج النعيم
..........كشف العم أحمد حسين حسين البنا، البالغ من (66) عاماً، العائد من الاغتراب بعد سنوات تفاصيل مثيرة حول أطول قضية ضد نظام حكم الرئيس المخلوع عمر البشير في قطعة أرض.
وقال : من حقي الطبيعي وفقاً للدستور والقانون أن أمتلك قطعة أرض، ومن حقي التنقل في كل إرجاء السودان، ما قادني إلى هذه المقدمة، هو إنني اشتريت قطعة أرض في العام ١٩٨٤م من مواطن يدعي (خضر زين العابدين) بالخرطوم وبعد إكمال المبايعة سلمني شهادة البحث وكتب عليها قيمة قطعة الأرض، وهي إلى الآن مسجلة بأسمي في سجلات أراضي الخرطوم الزراعية، وبعد ذلك شددت الرحال إلى السعودية، وعندما عدت منها طلب مني مقابلة وكيل نيابة الأراضي وكان أن فعلت، وفي التحري سئلت أين كنت في الفترة الماضية، فأكدت إنني كنت في السعودية فقالوا : يجب أن تحضر ما يثبت أنك كنت في المملكة العربية، فما كان مني إلا و أحضرت لهم جواز سفري، وبعد الإطلاع عليه قالوا : إن هذه الأراضي فيها تزوير، وإذا ثبت ذلك فإننا سوف نلقي عليك القبض، فرديت عليه قائلاً : جدا، وكان أن ذهب إلى سجلات الأراضي، وراجع القطعة فوجدها مسجلة بأسمي، وتم على خلفية ذلك تجديد شهادة البحث، وعليه منحت خطاب إلى مدير الأراضي يشير إلى أنني أملك ثمن فدان في منطقة الجريف، لذا يجب تسليمه لي، وبالرغم من الإجراءات القانونية إلا إنني لم استلمها منذ ثمانية سنوات، مما حدا بي اللجوء إلى السلطة العدلية التي منحني في إطارها النائب العام إذناً بأن اقاضي مصلحة الأراضي، وكان أن رفعت عريضة الدعوي للسلطات المختصة، وقد حكمت المحكمة لصالحي، وخيرة مصلحة الأراضي إما أن تمنحني قطعة أرض، وإما أن أعطي قيمة القطعة المعنية بسعر المتر في السوق، فلم تنفذ القرار القضائي، مؤكدة أن رئاسة جمهورية الرئيس المخلوع عمر البشير نزعت قطعة أرضي بمنطقة الجريف غرب، وخيرتني بين خطة اسكانية أو إعطائي قطعة أرض آخري أو تعويضي مالياً بقيمة سعر المتر في سوق الأراضي، إلا أن مصلحة الأراضي استئانفت قرار محكمة الموضوع لدي محكمة الاستئنافات، فما كان منها إلا وأيدت قرار المحكمة الابتدائية، ورغماً عن ذلك لم ينفذ الحكم، علماً بأن القطعة نزعها نظام الرئيس المخلوع عمر البشير لمصالح شخصية لا تستمد بصلة للمصلحة العامة، فإذا كان نزعت للصالح العام كنت تنازلت عنها بطوعي واختياري، فأنا ظلمت ظلم الحسن والحسين، إذ أن النظام البائد نزع قطعة أرضي، وأعطاها لشخص آخر لا أعرف من هو.
وماذا بعد ذلك؟
ذهبت إلى وزارة التخطيط العمراني لمقابلة الوزير، والذي بدوره طردني من مكتبه، وقال : أخرج من مكتبي، فأنت ليس لديك أي حق بطرفنا، فقلت له : انا لدي شهادة بحث تثبت ملكيتي لقطعة الأرض، بالإضافة إلى قرار المحكمة.
هل استسلمت بعد أن طردك الوزير من مكتبه؟
لا لم أستسلم، بل ذهبت إلى ديوان المظالم الذي نصحني باستلام استحقاقي.
فيما تشير الوقائع إلى أن قطعة الأرض نزعت بقرار جمهوري وفق المادة (5) من قانون نزع ملكية الأراضي لسنة 1930م، والتي تقرأ (إذا قرر رئيس الجمهورية مباشرة السلطات المخولة له بموجب أحكام هذا القانون لنزع الأرض لغرض عام يصدر إعلاناً بتوقعيه في ذلك المعني)، ولكن نفس القانون حدد الجهات التي تتولي اجراءات التعويض، وتشكيل لجنة التحكيم واستئناف قرارات اللجنة، والأسس التي تأخذ بها في التعويض، كل ذلك في المواد 13 وما بعدها من قانون نزع ملكية الأراضي لسنة 1930م، ولا تحدد هذه الأسس في الأمر الجمهوري نفسه، وقد نصت المادة (19) من القانون على قواعد التقدير (القيمة السوقية للأرض عند منح التعويض أي المبلغ الذي يمكن أن يتوقع أن تحققه الأرض إذا باعها بائع راغب في البيع في سوق مفتوحة) أي أن قيمة الأرض تكون بالقيمة السوقية أي سعرها إذا عرضت للبيع يوم العرض عدد تقدير للتعويض.



فنان الثورة السودانية يلوح بمقاضاة قناة (الجزيرة) القطرية بسبب العطبراوي







جلس إليه : سراج النعيم

 هدد الفنان الشاب أحمد النيل احمد قناة الجزيرة الفضائية باتخاذ الإجراءات القانونية في مواجهتها بسبب بثها أغنية (أنا لست رعديداً) للعطبراوي بصوته دون الإشارة لأصحاب الحقوق الأصيلة، والشئ الثاني هو أن القناة لم تأخذ منه الإذن المسبق لبث الأغنية عبر شاشهتها، ومن ثم رفع الأغنية عبر موقع (اليوتيوب)، مؤكداً أنه عندما غناها كانت المسالة مرتبطة بمشاركته في الثورة الشبابية الشعبية السودانية، وهو شخصياً لم يقم بتسجيلها ونشرها، بل تفاجأ بها مبثوثه عبر قناة الجزيرة القطرية، ومن ثم على نطاق واسع عبر وسائل الميديا الحديثة (اليوتيوب)، (الواتساب) و(الفيس بوك)، وبالتالي حظيت الأغنية بانتشار واسع قاد الكثير من الثوار الشباب أن يطلقوا عليه لقب فنان الثورة.
ما الذي تنوي فعله فيما ارتكبته قناة الجزيرة القطرية في حق العملاقين العطبراوي ومحي الدين فارس؟
ما حدث بالضبط هو إنني غنيت الأغنية بغرض دعم الثورة الشبابية، والتي كنت جزءاً منها إلى أن أطاحت بنظام الرئيس المخلوع عمر البشير، وبما أن الأغنية حظيت بالقبول بصوتي قامت قناة الجزيرة الفضائية ببثها على أساس أنها الأغنية الأكثر تداولاً عبر السوشيال ميديا، إلا أن القناة ارتكبت خطأ فادحاً إذ أنها نسبت إلىّ الأغنية، متجاوزة بذلك أصحاب الحقوق الأصيلة، مما أدخلني ذلك في حرج شديد، لذا أردت أن أوضح اللبس الذي حدث فلا ذنب لى فيه من قريب أو بعيد، فلا يمكن أن أدعي أن أغنية بهذه الضخامة من إنتاجي، فأنا مجرد نقطة في بحر العطبراوي العميق، لذا أطالب وبشدة قناة (الجزيرة) تصحيح الخطأ الكبير الذي وقعت فيه، وفي حال أنها لم تفعل، فإنني مضطر إلى اتخاذ الإجراءات القانونية في مواجهتها حفاظاً على الحقوق الأدبية للعملاقين حسن خليفة العطبراوي ومحي الدين فارس.
هل قناة الجزيرة كتبت اسمك على الأغنية دون الإشارة إلى شاعرها محي الدين فارس وفنانها العطبراوي؟
نعم وهو الأمر الذي أغضبني جداً من قناة (الجزيرة) الفضائية، فالأغنية ليست خاصتي، بل هي للعملاق العطبراوي الذي سطر اسمه في تاريخ السودان بأحرف من نور، وأنا مجرد مؤدي للأغنية التي نسبتها لي القناة.
هل هنالك اتجاه لمقاضاة قناة الجزيرة؟
سوف أنتظر إدارة قناة (الجزيرة) للاعتذار عن الخطأ، وإعادة بث الأغنية مع حفظ الحقوق الأدبية للشاعر محي الدين فارس والفنان الكبير حسن خليفة العطبراوي، وأن يرسلوا أعتذاراً مكتوباً لأسرتي الشاعر محي الدين فارس والفنان حسن خليفة العطبراوي، فهما أصحاب الحقوق الأصيلة، وإذا لم تستجيب القناة لهذين الشرطين، فإنني ودون أدني شك مضطراً إلى وضع القضية على منضدة السلطات العدلية وفقاً لقانون حق المؤلف والحقوق المجاورة.
ما ارتباطك بمدينة (عطبرة) رمز الثورة الشعبية السودانية؟
أنا لست من مدينة (عطبرة) ولكن أحبها لأنها لعبت دوراً ريادياً في نضال الشعب السوداني، والذي ظلت تدعوه للتحرر منذ الاستعمار البريطاني الذي وقفت في وجهه، ودعمها العطبراوي بأغنياته النضالية الخالدة في الوجدان، ولعلك تابعت دخول (قطار عطبرة) لساحة الاعتصام أمام القيادة العامة بالخرطوم، وهو القطار الذي حسم نقاط الخلاف الدائرة بين الأطراف السودانية، لذا كنت حريصاً على أن أغني هذه الأغنية في هذا التوقيت تعبيراً عما يجيش في دواخل كل سوداني، وعندما اتجهت على هذا النحو، فإنني فعلت كما فعل سائر السودانيين الذين ثاروا ثورتهم المجيدة ضد النظام (البائد)، وبما إنني أحب مدينة (عطبرة) جداً كنت حاضراً في اعتصام الثوار الشباب أمام القيادة العامة بالخرطوم.
وماذا؟
منذ صغري وأنا متأثر جداً بالعطبراوي، وما انتجه من أغاني تدعو للتحرر من القيود اللا إنسانية، ورفع الظلم عن البشرية، وأنا أعتبره الأب الروحي لي في هذا المجال الذي اختارتني له موهبتي.
أين كنت قبل أن تبث لك قناة الجزيرة مشاركتك لأغنية العطبراوي؟
موجوداً في الساحة الغنائية إلا إنني كنت أعتقد أن نظام الرئيس المخلوع عمر البشير حصر الإعلام في نطاق ضيق جداً، وبالتالي لم تكن هنالك مساحات لكي أطل من خلالها على المتلقي، فهي كانت ترتكز على العلاقات الشخصية دون توزيع الفرص بعدالة، مما أدى إلى ظهور بعض الفنانين بشكل مكثف، وكأن حواء لم تنجب خلافهم، وهذا أن دل على شئ، فإنما يدل على أن (فساد) النظام السابق طال كل مؤسسات الدولة العميقة، وعليه أتمني من الحكومة الانتقالية الالتفات إلى الأجهزة الإعلامية وأحداث ثورة التغيير فيها، فهي كسائر المؤسسات عانت ما عانت.
هل كنت تتوقع أن تحدث لك أغنية العطبراوي كل هذه الضجة، وتجعلك فنان الثورة الأول؟
لا لم أكن أضع في حساباتي ذلك، لأنني حينما غنيت الأغنية غنيتها بإحساس الفنان الثائر على نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، بالإضافة إلى انني أصلاً معجباً بأغنيات العطبراوي.
هل تعتقد أن هنالك فنانين ساهموا في الثورة الشعبية السودانية؟
بكل تأكيد هنالك من لعبواً دوراً كبيراً في انزال شعاراتها على أرض الواقع، وهذا الدور مشهوداً من خلال المشاركة ببث الأغاني عبر وسائط التواصل الاجتماعي المختلفة، ومن ثم الغناء من خلال مسارح ساحة الاعتصام أمام القيادة العامة بالخرطوم إلا انني كنت محظوظاً كون انني رددت أغنية للعطبراوي،  بالإضافة إلى انني شاركت في مواكب الثورة منذ انطلاقتها الأولي.
ما الرسالة التي توجهها للأجهزة الإعلامية
أرجو أن تطبق شعارات الثورة الشبابية السودانية (عدالة، سلام وحرية) حتى يكون التغيير الذي حدث تغييراً حقيقياً وملموساً على أرض الواقع.
هل سبق لك الإطلالة عبر الأجهزة الإعلامية السودانية؟
تمت استضافتي عبر قناة النيل الأزرق، والفضائية السودانية وبعض إذاعات (الاف ام).
هل لديك أعمال غنائية خاصة بك ومن هم شعرائها؟
نعم لدي عدد من الأغاني الخاصة للشعراء أحمد البلال فضل المولي ومنتصر العاقب وبشير على الحاج والدكتور عوض إبراهيم عوض وآخرين.

azsuragalnim19@gmail.com

*الدكتور أسامة عطا جبارة يشرح الإقتصاد السوداني في ظل الحرب*

..........  *تواصل شبكة (أوتار الأصيل) الإخبارية، وصحيفة العريشة الرقمية نشر الحوار الهام مع الخبير في الإقتصاد العالمي الدكتور أسامة عطا جب...