على خلفية الثورة (المضادة) للحراك الشعبي
..............تشوية الصورة والإقصاء من المشهد وصفاً بـ(الكوز) و(الأمنجي)
..............
سراج النعيم
............
من الملاحظ أن وكالات الأنباء، القنوات الفضائية، الإذاعات العالمية والإعلام الحديث أﺻﺒﺢ شغلهم الشاغل الأحداث المتسارعة في السودان منذ انطلاقة الشرارة الأولى للثورة الشعبية ﻣﻦ مدينة (عطبرة) شمال البلاد، ومن ثم امتدادها للخرطوم و الولايات السودانية الأخري حيث تطرقت إلى الجوانب الإيجابية، وإلى الثورة المضادة السالبة، وإلى مساندة الفريق أول مهندس صلاح عبدالله قوش، مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني (السابق) للحراك الثوري، وهذا الدور الطليعي نابع من تصميمه على الإطاحة بنظام الرئيس (المخلوع)، وعلى خلفية ذلك خطط للعودة لقيادة جهاز الأمن، ومن ثم رسم بذكائه وحسه الأمني فكرته، والتي نفذها من خلال الثورة الشعبية مستفيداً من اجماعها على سقوط النظام البائد موجهاً الثوار للاعتصام أمام القيادة العامة بالخرطوم، هكذا مكنها من اتخاذ موقعاً إستراتيجياً ورفض رفضاً باتاً أي خطة لفض الاعتصام، والذي على إثره (ماطل ـ موه) الرئيس المخلوع عمر البشير إلى أن ضيق الخناق عليه، مما اضطر قيادة الجيش للتدخل، وعزل (البشير) من منصبه، وبهذا يكون (قوش) قد كتب نهاية النظام البائد، لذا حرصت على التواصل معه لما قام به من حدثاً تاريخياً خالداً، لذا توقعت أن لا يرد علىّ إلا أنه فاجأني بأن خيب ظني، ومصدر المفاجأة نابع من أنه رجل أمن، ومعروف أن رجال الأمن لا يتواصلون مع الآخرين خاصة إذا كانوا يتوقعون طرح الأسئلة حول أي حدث من الأحداث، المهم أنني قلت للفريق أول مهندس صلاح قوش : شكراً لأنك خلصت الشعب السوداني من نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، وأبلغته تحيتي الخاصة على الدور الكبير الذي لعبه في الإطاحة بالنظام السابق، فرحب بي، وقال : (ربنا يكرمك)، والحقيقة التي لا مناص منها هي أنه اللاعب الرئيسي فيما جري لحكم الديكتاتور (عمر البشير)، والذي ظل جاثماً على الصدور ثلاثة عقود متصلة.
ومما سبق فإن وسائل الإعلام المختلفة ظلت تشير إلى أن السودان يمر بأﺯﻣﺔ ﺗﺎﺭيخية تعمق فيها الثورة المضادة، وتلمح إلى أن الأزمات أضحت مصدراً لأزمات أخرى، وأن كل أزمة أعنف من سابقتها، وتعتبر الأزمات في البلاد حقيقة لا يمكن إنكارها، وأن كانت مصطنعة بفعل الثورة المضادة الداعمة لمن يبحث عن المصلحة الشخصية ولا يهمها المصلحة العامة، وعليه يسعى كل من لديه مصلحة للاستئثار بما يحقق مطامعه، وليس مهماً أن يبقي الوضع على ما هو، أو إذا ازداد سوءاً، ومن يقف ضد تلك الأفكار (الخربة) يشوهون صورته، ويصفونه تارة بـ(الكوز)، وتارة أخري بـ(الأمنجي).
إذا اتفقنا أو اختلفنا مع الفريق أول مهندس صلاح قوش، فإنه لعب دوراً مشهوداً وتاريخياً في القضاء على النظام البائد، لذا السؤال لماذا محاولات الإقصاء، وتشويه الصورة، وبالمقابل يجب الإسراع في الوصول إلى اتفاق شامل يتجاوز به الأزمات ويخرج باﻟﺒﻼﺩ إلى بر الأمان، وقطعاً يستوجب ترك الصراعات، النزاعات والمصالح الشخصية جانباً، فهي لا تفضي إلى حلول ناجزة خاصة وأن الوطن تتقاذفه وتتجاذبه تيارات جارفة وتحديات داخلية (ثورة مضادة) وخارجية (مصالح دول)، وهي عوامل تتطلب عدم التأخير في إبرام الاتفاق السياسي، وتشكيل الحكومة المدنية لإدارة دفة البلاد في الفترة المقررة، ﻭلا سيما فإن هذه الخطوة ﺗﺤﺘﺎﺝ من جميع الأطراف لعزيمة وإصرار من أجل تحقيق إرادة الشعب السوداني، والذي ظل ينادي بالحرية، السلام والعدالة للارتقاء بالمصلحة العامة التحول الديمقراطي بعيداً عمن يودون الاستثمار في الأزمات، واستغلالها لوضع المتاريس أمام الوصول إلى حلول حتي لا تكون هنالك عوامل مؤثرة على السلطة.
فيما تطرح المحاولة الانقلابية بعضاً من الأسئلة، ما السبب الذي جعل قائد هيئة أركان الجيش السابق يخطط للانقلاب على زملائه الذين يحكمون البلاد في الوقت الحاضر من خلال المجلس العسكري الانتقالي مع العلم أنه جزء أصيل من تلك السلطة، وهل أي قيادة عسكرية تخطط للانقلاب العسكري سوف تفعل لو لم تجد الدعم السياسي؟؟.
إن النظام (البائد) عمل جاهداً للقضاء على الخصوم، إذ أنه لم يكن يهمه الدمار الشامل الذي حاق بالبلاد، بقدر ما كان همه الأكبر أن يكون ممسكاً بمقاليد الحكم، بدليل أنه لم يكن يتورع من الإيقاع بالأطراف الضد، وإشعال نار الفتنة بينهم، وهو الأمر الذي جعله يفقد ﺍﻟﺜﻘﺔ في بعض القيادات، وجهاز الأمن والمخابرات الوطني ﻣﻨﺬ العام 2013م، وبالتالي أصبحت المعادلة السياسية والأمنية لديه غير متوازنة، خاصة وأنه اعتمد على جهات خارج المؤسسات الرسمية، وبدأ يستخدمها وفقاً للحاجة إليها، وعليه استطاعت الولوج إلى هذا الجانب الحساس بعد أن أفسح لها المجال، والذي نفذ من خلالها أجندات النظام السابق، ورغماً عن دعمها له إلا أنه فشل فشلاً ذريعاً في إدارة البلاد، والتي عصفت بها ﺍﻷﺯمات المتتالية، والتي أشدها عنفاً الأزمة ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ الطاحنة، والتي لعبت عاملاً أساسياً ﻓﻲ ﺇﺳﻘﺎط نظام (البشير).
إن الصراع الخفي والظاهر حول السلطة سيظل قائماً إلى قيام الساعة، لذا يجب إعلاء قيمة المصلحة العامة للمحافظة على الثورة الشعبية، وتحقيق مطلبها بالحكومة (المدنية)، ومن ثم تم تفعيل دور الجهات العدلية المنوط بها فتح ملفات (الفساد)، ﻭﻣﺤﺎﻛﻤﺔ ﺍﻟﻤﻔﺴﺪﻳﻦ ﻭﺍﻟﻤﺘﻮﺭﻃﻴﻦ فيه، وفي جرائم ﺿﺪ الإنسانية، ما يؤكد عدم نضج الرؤية السياسية، وعدم القراءة الصحيحة لمجريات الأحداث وما ينبئ عنه الغد، لذا يجب الاستفادة من فترة الحكم الانتقالي المحددة بالثلاث سنوات غير الكافية لتفكيك الدولة (العميقة)، وﺗﺴﺮﻳﻊ ﻭﺗﻴﺮﺓ ﺍﻟﺘﺤﻮﻝ ﺍﻟﺪﻳﻤﻘﺮﺍﻃﻲ السلس حتى لا تتاح الفرصة للثورات المضادة، والتي تسعى بكل ما تملك إلى عدم إفساح المجال للاتفاق ليخرج بالبلاد من النفق المظلم، خاصة وأن هنالك من يبثون وينشرون أفكار سالبة، ويضخمونها بالمزيد من البث والنشر فيما بعد، ويهدفون من ورائها لتضليل الرأي العام، مما يدعها تترك تأثيرها على من يطالعها، وعليه فإن البعض يبث وينشر ما ترمي إليه الثورة المضادة، ولا سيما فإنها تعتبر ﻣﺤﺎﻭلات جادة لإعادة إنتاج النظام البائد في المشهد السياسي مجدداً، وبالتالي يجب حسمها بالوعي والإدراك، وعدم الانجراف وراء تيارها، لأن من يفعل فإنه يدعمها بصورة مباشرة، مما ساعد على خلق نوعاً من (الزعزعة)، وعدم الاستقرار في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ السودان، لذا على الجميع التضافر لإفشال تلك المخططات.
إن هنالك من يعمدون إلى أن لا تتحقق آمال وأشواق الشعب السوداني، والذي يأمل منذ الإطاحة بـ(البشير) في حكومة (مدنية) تأمن له الاستقرار، الأمن والسلام، خاصة وأن الثورة الشعبية ظلت ترفع شعارات الحرية، السلام والعدالة، وتلتزم بالتظاهرات والمواكب السلمية، مما يتطلب توافقاً بين المجلس العسكري الانتقالي، وقوي إعلان الحرية والتغيير ﻋﻠﻰ ﺃﺳﺲٍ حكم البلاد في المرحلة المقبلة بما يضمن للسلطة بقائها دون (زعزعة)، وأن يحس وفقها الشعب السوداني عموماً بتحقيق ما يصبو إليه، ويجب استصحاب السيناريوهات ليس الأخيرة فقط، بل منذ أن أحس الرئيس المعزول عمر البشير بالخطر على حكمه، والذي طلب في إطاره من صلاح عبدالله قوش أن يعود لرئاسة جهاز المخابرات والأمن الوطني، وهو لم يقبل بالتكليف إلا للإطاحة به، وذلك عقب المواجهات التي حدثت بين الأجهزة الأمنية والمنتفضين ضد نظامه المعزول بسبب الارتفاع المجنوني في أسعار السلع الاستهلاكية في يناير ٢٠١٩م.
من المعروف أن الفريق أول مهندس صلاح عبدالله قوش، مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني (السابق) لا يتحدث عما رسمه من خطة للإطاحة بالنظام السابق، خاصة وأن تقلده للمناصب الأمنية يتطلب السرية، لذا لم يفصح عن الدور الذي لعبه في إطار الحراك الشعبي، ولم يكن لديه مانع لكشف الأدوار التي لعبها الآخرين في إطار التغيير، نعم لم ولن يفعل برغم أنه الوحيد الذي يستطيع توصيل السيناريو في صورته الدقيقة، وأن يكشف ما دار خلف الكواليس، وعليه فإن (قوش) نفذ أول عملية اعتقال لقيادات النظام، والتي كانت من نصيب الفريق أول مهندس عبدالرحيم محمد حسين، والذي أمره البشير بأن يتسلم رئاسة جهاز الأمن والمخابرات الوطني خلفاً لصلاح قوش، وعندما تمت الإطاحة به كان مستاءً مما جري باعتبار أن هنالك مؤامرة كبرى احيكت ضده من رئيس جهاز أمنه.
وبما أن (قوش) يحظى بعلاقات واسعة فإنه استطاع تحقيق مخططه، وما ان أتم مهمته إلا وتقدم باستقالته من منصب مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني.
فيما هيئات الظروف الاقتصادية بالغة التعقيد، والانتفاضة الشعبية للفريق أول مهندس صلاح قوش تنفيذ مخططه الذي استدعي وفقه نشطاء مؤثرين للتحقيق معهم، بالإضافة إلى تواصله مع بعض المعتقلين والمعارضين السياسيين قبل الإطاحة البشير والذي بدأ يلوح بمزيد من الإجراءات ضد الفساد، والقبض على (القطط السمان)، لذا تمت إعادة (قوش) لجهاز الأمن إطار من أجل احكام قبضته على السوق الموازي للدولار، وهذا القرار يؤكد أن الأوضاع خرجت من سيطرة الرئيس، ومحمد عطا مدير أمنه السابق، لذا لم يكن أمامه حلاً غير الاستعانة بالفريق أول صلاح قوش الذي سبق ولفت نظر البشير إلى أن يسيطر على الحزب، وبالتالي عودة قوش لجهاز المخابرات تشير إلى أن الأوضاع في الحزب الحاكم لن تستمر كما كانت عليه، وقد تشهد صراعاً متصاعداً.
بينما تشير سيرة صلاح قوش إلى أنه من قبيلة الشوايقة الواقعة جغرافيا شمال السودان، إلا أنه نشأ وترعرع في مدينة بورتسودان شرق السودان، وتدرج في مراحله الدراسية إلى أن التحق بكلية الهندسة_ جامعة الخرطوم، وخلال تلقيه التحصيل الأكاديمي عرف بذكائه الشديد في مجال الرياضيات، وما أن حدث انقلاب ثورة الإنقاذ الوطني على شرعية الإمام الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي في العام 1989م، إلا واتجه للعمل في المجال الأمني، والذي تقلد في إطاره منصب مدير الأمن طوال عقد قبل إعفاءه، وتعيين الفريق أول مهندس محمد ﻋﻄﺎ بديلاً له في العام 2005م، ليتم تعيينه مستشاراً للأمن القومي برئاسة الجمهورية، إلا أن الرئيس المخلوع عمر البشير أقاله من منصبه مطلع العام 2011م على خلفية اتهامه وضباط آخرين بمحاولة انقلاب على النظام السابق، ليتم اعتقاله، ومن ثم إطلاق سراحه في العام 2013م بموجب عفو رئاسي.
..............تشوية الصورة والإقصاء من المشهد وصفاً بـ(الكوز) و(الأمنجي)
..............
سراج النعيم
............
من الملاحظ أن وكالات الأنباء، القنوات الفضائية، الإذاعات العالمية والإعلام الحديث أﺻﺒﺢ شغلهم الشاغل الأحداث المتسارعة في السودان منذ انطلاقة الشرارة الأولى للثورة الشعبية ﻣﻦ مدينة (عطبرة) شمال البلاد، ومن ثم امتدادها للخرطوم و الولايات السودانية الأخري حيث تطرقت إلى الجوانب الإيجابية، وإلى الثورة المضادة السالبة، وإلى مساندة الفريق أول مهندس صلاح عبدالله قوش، مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني (السابق) للحراك الثوري، وهذا الدور الطليعي نابع من تصميمه على الإطاحة بنظام الرئيس (المخلوع)، وعلى خلفية ذلك خطط للعودة لقيادة جهاز الأمن، ومن ثم رسم بذكائه وحسه الأمني فكرته، والتي نفذها من خلال الثورة الشعبية مستفيداً من اجماعها على سقوط النظام البائد موجهاً الثوار للاعتصام أمام القيادة العامة بالخرطوم، هكذا مكنها من اتخاذ موقعاً إستراتيجياً ورفض رفضاً باتاً أي خطة لفض الاعتصام، والذي على إثره (ماطل ـ موه) الرئيس المخلوع عمر البشير إلى أن ضيق الخناق عليه، مما اضطر قيادة الجيش للتدخل، وعزل (البشير) من منصبه، وبهذا يكون (قوش) قد كتب نهاية النظام البائد، لذا حرصت على التواصل معه لما قام به من حدثاً تاريخياً خالداً، لذا توقعت أن لا يرد علىّ إلا أنه فاجأني بأن خيب ظني، ومصدر المفاجأة نابع من أنه رجل أمن، ومعروف أن رجال الأمن لا يتواصلون مع الآخرين خاصة إذا كانوا يتوقعون طرح الأسئلة حول أي حدث من الأحداث، المهم أنني قلت للفريق أول مهندس صلاح قوش : شكراً لأنك خلصت الشعب السوداني من نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، وأبلغته تحيتي الخاصة على الدور الكبير الذي لعبه في الإطاحة بالنظام السابق، فرحب بي، وقال : (ربنا يكرمك)، والحقيقة التي لا مناص منها هي أنه اللاعب الرئيسي فيما جري لحكم الديكتاتور (عمر البشير)، والذي ظل جاثماً على الصدور ثلاثة عقود متصلة.
ومما سبق فإن وسائل الإعلام المختلفة ظلت تشير إلى أن السودان يمر بأﺯﻣﺔ ﺗﺎﺭيخية تعمق فيها الثورة المضادة، وتلمح إلى أن الأزمات أضحت مصدراً لأزمات أخرى، وأن كل أزمة أعنف من سابقتها، وتعتبر الأزمات في البلاد حقيقة لا يمكن إنكارها، وأن كانت مصطنعة بفعل الثورة المضادة الداعمة لمن يبحث عن المصلحة الشخصية ولا يهمها المصلحة العامة، وعليه يسعى كل من لديه مصلحة للاستئثار بما يحقق مطامعه، وليس مهماً أن يبقي الوضع على ما هو، أو إذا ازداد سوءاً، ومن يقف ضد تلك الأفكار (الخربة) يشوهون صورته، ويصفونه تارة بـ(الكوز)، وتارة أخري بـ(الأمنجي).
إذا اتفقنا أو اختلفنا مع الفريق أول مهندس صلاح قوش، فإنه لعب دوراً مشهوداً وتاريخياً في القضاء على النظام البائد، لذا السؤال لماذا محاولات الإقصاء، وتشويه الصورة، وبالمقابل يجب الإسراع في الوصول إلى اتفاق شامل يتجاوز به الأزمات ويخرج باﻟﺒﻼﺩ إلى بر الأمان، وقطعاً يستوجب ترك الصراعات، النزاعات والمصالح الشخصية جانباً، فهي لا تفضي إلى حلول ناجزة خاصة وأن الوطن تتقاذفه وتتجاذبه تيارات جارفة وتحديات داخلية (ثورة مضادة) وخارجية (مصالح دول)، وهي عوامل تتطلب عدم التأخير في إبرام الاتفاق السياسي، وتشكيل الحكومة المدنية لإدارة دفة البلاد في الفترة المقررة، ﻭلا سيما فإن هذه الخطوة ﺗﺤﺘﺎﺝ من جميع الأطراف لعزيمة وإصرار من أجل تحقيق إرادة الشعب السوداني، والذي ظل ينادي بالحرية، السلام والعدالة للارتقاء بالمصلحة العامة التحول الديمقراطي بعيداً عمن يودون الاستثمار في الأزمات، واستغلالها لوضع المتاريس أمام الوصول إلى حلول حتي لا تكون هنالك عوامل مؤثرة على السلطة.
فيما تطرح المحاولة الانقلابية بعضاً من الأسئلة، ما السبب الذي جعل قائد هيئة أركان الجيش السابق يخطط للانقلاب على زملائه الذين يحكمون البلاد في الوقت الحاضر من خلال المجلس العسكري الانتقالي مع العلم أنه جزء أصيل من تلك السلطة، وهل أي قيادة عسكرية تخطط للانقلاب العسكري سوف تفعل لو لم تجد الدعم السياسي؟؟.
إن النظام (البائد) عمل جاهداً للقضاء على الخصوم، إذ أنه لم يكن يهمه الدمار الشامل الذي حاق بالبلاد، بقدر ما كان همه الأكبر أن يكون ممسكاً بمقاليد الحكم، بدليل أنه لم يكن يتورع من الإيقاع بالأطراف الضد، وإشعال نار الفتنة بينهم، وهو الأمر الذي جعله يفقد ﺍﻟﺜﻘﺔ في بعض القيادات، وجهاز الأمن والمخابرات الوطني ﻣﻨﺬ العام 2013م، وبالتالي أصبحت المعادلة السياسية والأمنية لديه غير متوازنة، خاصة وأنه اعتمد على جهات خارج المؤسسات الرسمية، وبدأ يستخدمها وفقاً للحاجة إليها، وعليه استطاعت الولوج إلى هذا الجانب الحساس بعد أن أفسح لها المجال، والذي نفذ من خلالها أجندات النظام السابق، ورغماً عن دعمها له إلا أنه فشل فشلاً ذريعاً في إدارة البلاد، والتي عصفت بها ﺍﻷﺯمات المتتالية، والتي أشدها عنفاً الأزمة ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ الطاحنة، والتي لعبت عاملاً أساسياً ﻓﻲ ﺇﺳﻘﺎط نظام (البشير).
إن الصراع الخفي والظاهر حول السلطة سيظل قائماً إلى قيام الساعة، لذا يجب إعلاء قيمة المصلحة العامة للمحافظة على الثورة الشعبية، وتحقيق مطلبها بالحكومة (المدنية)، ومن ثم تم تفعيل دور الجهات العدلية المنوط بها فتح ملفات (الفساد)، ﻭﻣﺤﺎﻛﻤﺔ ﺍﻟﻤﻔﺴﺪﻳﻦ ﻭﺍﻟﻤﺘﻮﺭﻃﻴﻦ فيه، وفي جرائم ﺿﺪ الإنسانية، ما يؤكد عدم نضج الرؤية السياسية، وعدم القراءة الصحيحة لمجريات الأحداث وما ينبئ عنه الغد، لذا يجب الاستفادة من فترة الحكم الانتقالي المحددة بالثلاث سنوات غير الكافية لتفكيك الدولة (العميقة)، وﺗﺴﺮﻳﻊ ﻭﺗﻴﺮﺓ ﺍﻟﺘﺤﻮﻝ ﺍﻟﺪﻳﻤﻘﺮﺍﻃﻲ السلس حتى لا تتاح الفرصة للثورات المضادة، والتي تسعى بكل ما تملك إلى عدم إفساح المجال للاتفاق ليخرج بالبلاد من النفق المظلم، خاصة وأن هنالك من يبثون وينشرون أفكار سالبة، ويضخمونها بالمزيد من البث والنشر فيما بعد، ويهدفون من ورائها لتضليل الرأي العام، مما يدعها تترك تأثيرها على من يطالعها، وعليه فإن البعض يبث وينشر ما ترمي إليه الثورة المضادة، ولا سيما فإنها تعتبر ﻣﺤﺎﻭلات جادة لإعادة إنتاج النظام البائد في المشهد السياسي مجدداً، وبالتالي يجب حسمها بالوعي والإدراك، وعدم الانجراف وراء تيارها، لأن من يفعل فإنه يدعمها بصورة مباشرة، مما ساعد على خلق نوعاً من (الزعزعة)، وعدم الاستقرار في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ السودان، لذا على الجميع التضافر لإفشال تلك المخططات.
إن هنالك من يعمدون إلى أن لا تتحقق آمال وأشواق الشعب السوداني، والذي يأمل منذ الإطاحة بـ(البشير) في حكومة (مدنية) تأمن له الاستقرار، الأمن والسلام، خاصة وأن الثورة الشعبية ظلت ترفع شعارات الحرية، السلام والعدالة، وتلتزم بالتظاهرات والمواكب السلمية، مما يتطلب توافقاً بين المجلس العسكري الانتقالي، وقوي إعلان الحرية والتغيير ﻋﻠﻰ ﺃﺳﺲٍ حكم البلاد في المرحلة المقبلة بما يضمن للسلطة بقائها دون (زعزعة)، وأن يحس وفقها الشعب السوداني عموماً بتحقيق ما يصبو إليه، ويجب استصحاب السيناريوهات ليس الأخيرة فقط، بل منذ أن أحس الرئيس المعزول عمر البشير بالخطر على حكمه، والذي طلب في إطاره من صلاح عبدالله قوش أن يعود لرئاسة جهاز المخابرات والأمن الوطني، وهو لم يقبل بالتكليف إلا للإطاحة به، وذلك عقب المواجهات التي حدثت بين الأجهزة الأمنية والمنتفضين ضد نظامه المعزول بسبب الارتفاع المجنوني في أسعار السلع الاستهلاكية في يناير ٢٠١٩م.
من المعروف أن الفريق أول مهندس صلاح عبدالله قوش، مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني (السابق) لا يتحدث عما رسمه من خطة للإطاحة بالنظام السابق، خاصة وأن تقلده للمناصب الأمنية يتطلب السرية، لذا لم يفصح عن الدور الذي لعبه في إطار الحراك الشعبي، ولم يكن لديه مانع لكشف الأدوار التي لعبها الآخرين في إطار التغيير، نعم لم ولن يفعل برغم أنه الوحيد الذي يستطيع توصيل السيناريو في صورته الدقيقة، وأن يكشف ما دار خلف الكواليس، وعليه فإن (قوش) نفذ أول عملية اعتقال لقيادات النظام، والتي كانت من نصيب الفريق أول مهندس عبدالرحيم محمد حسين، والذي أمره البشير بأن يتسلم رئاسة جهاز الأمن والمخابرات الوطني خلفاً لصلاح قوش، وعندما تمت الإطاحة به كان مستاءً مما جري باعتبار أن هنالك مؤامرة كبرى احيكت ضده من رئيس جهاز أمنه.
وبما أن (قوش) يحظى بعلاقات واسعة فإنه استطاع تحقيق مخططه، وما ان أتم مهمته إلا وتقدم باستقالته من منصب مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني.
فيما هيئات الظروف الاقتصادية بالغة التعقيد، والانتفاضة الشعبية للفريق أول مهندس صلاح قوش تنفيذ مخططه الذي استدعي وفقه نشطاء مؤثرين للتحقيق معهم، بالإضافة إلى تواصله مع بعض المعتقلين والمعارضين السياسيين قبل الإطاحة البشير والذي بدأ يلوح بمزيد من الإجراءات ضد الفساد، والقبض على (القطط السمان)، لذا تمت إعادة (قوش) لجهاز الأمن إطار من أجل احكام قبضته على السوق الموازي للدولار، وهذا القرار يؤكد أن الأوضاع خرجت من سيطرة الرئيس، ومحمد عطا مدير أمنه السابق، لذا لم يكن أمامه حلاً غير الاستعانة بالفريق أول صلاح قوش الذي سبق ولفت نظر البشير إلى أن يسيطر على الحزب، وبالتالي عودة قوش لجهاز المخابرات تشير إلى أن الأوضاع في الحزب الحاكم لن تستمر كما كانت عليه، وقد تشهد صراعاً متصاعداً.
بينما تشير سيرة صلاح قوش إلى أنه من قبيلة الشوايقة الواقعة جغرافيا شمال السودان، إلا أنه نشأ وترعرع في مدينة بورتسودان شرق السودان، وتدرج في مراحله الدراسية إلى أن التحق بكلية الهندسة_ جامعة الخرطوم، وخلال تلقيه التحصيل الأكاديمي عرف بذكائه الشديد في مجال الرياضيات، وما أن حدث انقلاب ثورة الإنقاذ الوطني على شرعية الإمام الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي في العام 1989م، إلا واتجه للعمل في المجال الأمني، والذي تقلد في إطاره منصب مدير الأمن طوال عقد قبل إعفاءه، وتعيين الفريق أول مهندس محمد ﻋﻄﺎ بديلاً له في العام 2005م، ليتم تعيينه مستشاراً للأمن القومي برئاسة الجمهورية، إلا أن الرئيس المخلوع عمر البشير أقاله من منصبه مطلع العام 2011م على خلفية اتهامه وضباط آخرين بمحاولة انقلاب على النظام السابق، ليتم اعتقاله، ومن ثم إطلاق سراحه في العام 2013م بموجب عفو رئاسي.