الأحد، 5 مايو 2019

سراج النعيم يكتب الانقلابات العسكرية على الشرعية



الترابي أطاح بشرعية المهدي بانقلاب ثورة الانقاذ الوطني
..................
البشير زج بالسودان في مواجهة دولية بسبب حرب الخليج
..................

حققت الثورة الشبابية السودانية التي انطلقت شرارتها الأولي من مدينة (عطبرة) نجاحاً منقطع النظير في الإطاحة بحكم الرئيس المخلوع عمر البشير، والذي ظل على سدة حكم البلاد بالقهر، التهميش، الإهانة، الإذلال، البطش، الظلم والقتل على مدي ثلاثة عقود متصلة دون انقطاع، وذلك منذ أن ترأس هو النظام العسكري المنقلب على حكومة الأمام الصادق المهدي زعيم حزب الأمة المنتخب عبر صناديق الاقتراع في العام 1989م، وهو الانقلاب الذي قاده الدكتور الراحل حسن عبدالله الترابي زعيم الجبهة الاسلامية القومية في السودان وقتئذ، والذي اختار (البشير) بحكم أنه كان الرتبة العسكرية الاعلي من بين ضباط ثورة الانقاذ الوطني، وبدوره قال الرئيس المعزول في مرحلة تمكين الإسلاميين : (ثورة الإنقاذ الوطني لا تعرف الفصل بين الدين والسياسة والموضوع غير قابل للنقاش) بهذه الكلمات حسم الجدل الدائر في هذا الإطار.
ومما أشرت له فإنه، وفي السادس من أبريل من العام 1985م، انتفض الشعب السوداني ضد حكم الرئيس المشير الراحل جعفر نميري بعد سنوات حكم امتدت (16) ربيعاً، وما أن اطالح الشعب السوداني بالنميري، وحقق إرادته التواقة للحرية، العدالة والسلام إلا وشهدت البلاد انتخابات حرة ونزيهة من خلال صناديق الاقتراع، والتي فاز على إثرها حزب الأمة برئاسة الأمام الصادق المهدي بالأغلبية، إلا أنه لم يستأثر بالحكم وحده، ولم يقص أي حزب أو تنظيم سياسي أو حركة مسلحة، إنما شكل حكومة ائتلاف مع الحزب الاتحادي الديمقراطي برئاسة مولانا الميرغني، ولم يتوقف (المهدي) عند إشراك الحزب الاتحادي الديمقراطي في السلطة، بل واصل نهجه الانفتاحي على معارضيه وقام بإشراك الأطراف المناوئة له، إذ أنه عقد ائتلافاً مع الشيخ حسن عبدالله الترابي زعيم الجبهة الإسلامية القومية في العام 1989م، والذي على إثره عينه نائباً لرئيس الوزراء، إلا أن الشيخ الترابي وتنظيمه الإسلامي فضوا الشراكة مع الحكومة باستقالة الدكتور حسن الترابي من منصبه بحجة أن الإمام الصادق المهدي رئيس الوزراء السابق دخل في مفاوضات سلام مع الحركة الشعبية لتحرير السودان بزعامة الدكتور جون قرنق دي مبيور، وتوصل من خلالها إلي اتفاق يفضي إلي إيقاف إطلاق النار من جانب الطرفين، ولم تكتف حكومة المهدي بذلك، بل ألغت قانون الشريعة الإسلامية وحلت الطوارئ، وأبطلت التحالفات العسكرية مع (مصر) و(ليبيا)، وهذه القرارات كانت سبباً رئيسياً لإسقاط الدكتور حسن الترابي لنظام حكم الإمام الصادق المهدي الشرعي مستفيداً من بعض الضباط التابعين إلي قوات الشعب المسلحة والذين نفذوا الانقلاب في الثلاثين من يونيو من العام 1989م وقد منح الترابي قيادة الانقلاب للعميد ركن وقتئذ (عمر حسن أحمد البشير)، وعندما اتجه زعيم الجبهة الإسلامية القومية على هذا النحو كان يهدف إلي تمويه الشعب السوداني إذ أنه ذهب إلي المعتقل في كوبر (حبيساً) فيما ذهب الرئيس المخلوع عمر البشير إلي القصر الجمهوري (رئيساً) حتى لا ينكشف أمر انقلاب ثورة الانقاذ الوطني ومهندسه (الترابي)، ومع هذا وذاك عمد مخططو الانقلاب للمزيد من التمويه باعتقال عدد من الرموز والقيادات السياسية في البلاد، ومن ثم إطلاق سراحهم فيما بعد، بالإضافه إلي أن الرئيس المخلوع عمر البشير حل البرلمان والأحزاب والتنظيمات السياسية والنقابات والاتحادات المنتخبة بصورة شرعية.
بينما خطط الدكتور حسن الترابي تخطيطاً دقيقاً للانقلاب على شرعية الإمام الصادق المهدي في الثلاثين من يونيو من العام 1989م وهو التاريخ الذي تفاجأ على إثره الشعب السوداني ببيان ثورة الإنقاذ الوطني من خلال تلفاز السودان، والذي أعلن عبره العميد ركن آنذاك المخلوع عمر البشير عن استيلاءه وعدد من ضباط قوات الشعب المسلحة على السلطة في البلاد وإلي تلك اللحظة لم تكن الرؤية واضحة للمراقبين للمشهد السياسي والعسكري وعامة الناس في السودان، ولم تفلح الاستنتاجات والتكهنات، ولم يتسن لهم جميعاً معرفة من هم الضباط الانقلابين وإلي أي حزب أو تنظيم سياسي ينتمون، وبما أن الغموض يكتنف ذلك نالوا تأييداً حذراً في الداخل والخارج، أي أنهم استطاعوا أن يخدعوا إنسان السودان من واقع عدم انتمائهم للتيارات السياسية التي تقف دائماً خلف الانقلابات العسكرية، وهو ما فعلته الجبهة الإسلامية القومية في الإطاحة بنظام حكم الإمام الصادق المهدي المنتخب والمعترف به دولياً وعليه بدأت تتكشف حقيقة ثورة الإنقاذ الوطني للسودانيين والمجتمع الدولي من خلال إظهار بعض قياداتها انتمائهم إلي تنظيم الجبهة الإسلامية القومية بزعامة الدكتور حسن الترابي، وهي الرؤية التي اتضحت تدريجياً وبشكل أكثر وضوحاً بعد أخلاء سبيل الشيخ حسن الترابي، ومن ثم تقلده مناصب مهمة جداً في الدولة، وكان آخرها رئيس المجلس الوطني، أي أن ثورة الإنقاذ الوطني وضعت الشعب السوداني والمجتمع الدولي أمام خيار واحد لا ثان له مما جعلها تواجه معارضة قوية جداً من معظم دول العالم، واشتدت المعارضة عندما أعلن النظام المعزول تطبيق الشريعة الإسلامية والتي لم يطبقها يوماً واحداً طوال الثلاثة عقود، بل كان يستدر بها العطف لإيمانه القاطع بأن الديانة الإسلامية متجذرة في دواخل السودانيين بالفطرة، وهكذا أصبح يستنزف في موارد وثروات البلاد تحت غطاء التحديات الداخلية والخارجية، ومع هذا وذاك خاض حرباً ضروساً مع الحركة الشعبية لتحرير السودان، مما أدي إلي إنفاق موارد ثروات البلاد في تلك الحرب التي انتهت بفصل جنوب السودان بالاتفاقية الموقعة بين الحكومة برئاسة الأستاذ على عثمان محمد طه، والحركة الشعبية لتحرير السودان برئاسة الدكتور جون قرنق دي مبيور بضاحية (نيفاشا)، وهي الاتفاقية التي مارس في ظلها المجتمع الدولي ضغوطاً كبيرة على الحكومة السودانية لتضع حداً للإشكالية القائمة بينها والحركة الشعبية المنحدرة من جنوب السودان، وعلى هذا النحو فإن الرئيس المخلوع عمر البشير كان يكابر ويتحدى في العالم دون النظر إلي مصلحة البلاد والعباد، بل كان يعمل ضده بالتعنت وعدم الاذعان لصوت الحكمة والعقل الذي يجنب السودان الدخول في صراعات مع المجتمع الدولي الذي فرض العقوبات والحصار الاقتصادي على السودان، وبالرغم من تلك القرارات الدولية الصادرة في حق البلاد، والمتأثر منها أولاً وأخيراً المواطن إلا أن النظام السابق كان يروج عبر آلياته الإعلامية إلي أنه مستهدف من أعداء الديانة الإسلامية في الداخل والخارج وذلك لعلمه التام بأن الشعب السوداني على اختلاف انتماءاته السياسية يميناً ويساراً لا يقبل المساس بها، لذلك ظل النظام المعزول يستميل العواطف ويتمادي في عدائه غير المبرر للدول العظمي كالولايات المتحدة الأمريكيه وروسيا وغيرهما من الدول الغربية المؤثرة في السياسات العالمية، وعندما دارت حرب الخليج الأولى أزداد أعداء النظام المخلوع الذي يدعي الإسلام زوراً وبهتاناً، ووصل الأمر إلي زروته، ومع نشوب حرب الخليج الثانية انحاز نظام الرئيس المعزول لـ(العراق)، فلم تجد الولايات المتحدة الأمريكية بداً سوي أن تفرض الحصار والمقاطعة الاقتصادية على السودان، ووجدت تلك القرارات تأييداً من الدول الأوروبية ودول الخليج المتضررة من اجتياح صدام حسين لـ(الكويت)، مما أدى إلي تدهور الاقتصاد السوداني بصورة بالغة التعقيد، وأصبحت الأزمات المتوالية عنواناً رئيسياً وبارزاً مع اشراقة كل صباح جديد، المهم أنها حاولت كسب ود بعض الدول العظمي بتقديم الإغراءات الاستثمارية والتي فتحت في إطارها الأبواب مشرعة لـ(الصين) للاستفادة من النفط السوداني الموجود في باطن الأرض، وعلى خلفية ذلك استطاعت التنقيب الذي أسفر عن استخراج البترول ، والذي أستقر من خلاله سعر الصرف، وبالرغم عن هذه البشريات إلا أنه تصاعد بشكل مفاجئ إلى أن بلغ (3000) جنيهاً سودانياً، بل تجاوزها بكثير في السوق الموازي، وذلك قبل أن ينخفض إلى (2000) جنيه سوداني.
فيما أتهم نظام الرئيس المعزول عمر البشير بتدبير محاولة اغتيال الرئيس المصري المخلوع (حسني مبارك) في سبتمبر من العام 1995م بالعاصمة الإثيوبية (اديس ابابا)، وهذا الاتهام قاد البلاد إلي مالآت خطيرة نتج عنها توجيه الإتهام له بـ(إيواء) الإرهابيين (كارلوس) و(أسامة بن لادن)، وبما أن النظام السابق أنتهج سياسة عدائية داخلياً (المعارضة) بشقيها اليمين واليسار، وخارجياً (المجتمع الدولي) ، و هذا الأمر حدا بالبشير أن يتخذ قرارات ديكتاتورية حل بموجبها البرلمان، وأعلن حالة الطوارئ في البلاد في العام 1999م، وذلك خوفاً من إجراء تعديل في الدستور السوداني وبالتالي تصبح سلطاته القمعية محدودة، خاصة وأنه كان يقود صراعاً ضد الدكتور حسن عبدالله الترابي، ومن تبعه من الإسلاميين لحظة الاختلاف الذي حدث وعرف بالمفاصلة والمعروفة سياسياً بـ(قرارات رمضان)، والتي بدأ يتكشف بعدها (الفساد) المستشري في مفاصل الدولة العميقة، وهكذا ظل الطرفان يتبادلان الاتهامات المتمثلة في التوظيف بالولاء وليس بالمؤهل أو الكفاءة وبالإضافة إلي استغلال المناصب وتسخيرها للمكاسب الشخصية، إلي جانب سوء إدارة موارد وثروات البلاد.
وفي سياق الانشقاق الذي حدث بين (البشير) و(الترابي) تم في مايو من العام 2000م نشر مؤلفاً يحمل عنوان (الكتاب الأسود) في الخرطوم، والذي شمل توثق دقيق لمعلومات وأحداث وانتهاكات حقيقية قام بها النظام (البائد) في حق المواطن الاعزل في جنوب وغرب ووسط السودان، والذي قوبل بسياسة التمييز، التهميش، القمع، الوحشية والقتل الذي شهده إقليم دارفور المضطرب منذ العام 2003م، وقد تم تصعيد قضيته دولياً مما دفع مجلس الأمن إلي تسجل انتهاكات لحقوق الإنسان، وأصدر بموجبها عدداً من القرارات الحاسمة، ومارس ضغوطات دولية جعلت النظام المعزول يوافق على توقيع برتوكول تقاسم السلطة والثروة والبروتوكلات المتعلقة بالمناطق الثلاثة في العام 2004م، والتزمت الأحزاب السياسية بإعلان (نيروبي)، وتنفيذ الاتفاق الموقع بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان، وفي العام 2005م تم التوقيع على اتفاقية (نيفاشا) التي أوقفت أطول حرب شهدها العالم، وفي العام 2011م اختار الجنوبيين تقرير مصيرهم بالبقاء أو الانفصال عن السودان، وإنشاء دولة مستقلة ذات سيادة، وجاءت نتائج الاستفتاء الذي أجري وسط الجنوبيين مؤيداً للانفصال عن الشمال بنسبة (98% ).
عموماً تمت الإطاحة بذلك النظام الذي عبر في إطاره الشعب السوداني عن فرحته الغامرة مردداً سوف نصوم رمضان بدون كيزان وغيرها من الشعارات الجاذبة، بالإضافة إلي إنزال وإحراق صور الطاغية التي كانت تملأ شوارع الخرطوم، إلا أن البيان الذي ذاعه الجنرال عوض ابنعوف كان مخيباً لآمال الثورة الشبابية السودانية، إذ أشار من خلاله إلي انتقال السلطة لقوات الشعب المسلحة، وحدد فترة حكمه الانتقالي للبلاد بالعامين من تاريخه إلي جانب أنه عطل الدستور، وإعلان حالة الطوارئ، وهو الأمر الذي جعل الكثيرين يتخوفون من مصير السودان في ظل ذلك، الأمر الذي قاد إلي المطالبة بتنحي ابنعوف، والذي خلفه الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان رئيس المجلس العسكري الانتقالي.
 مما جري خلال الأيام الماضية طرحت الكثير من الأسئلة حول ما الكيفية التوافقية لتشكيل حكومة مدنية يقبل بها شباب الثورة السودانية الذين كان لهم القدح المعلي في (خلع) الرئيس المعزول (عمر البشير) من منصبه، وهل مزج نظام الحكم عسكرياً ومدنياً يمكنه أن يقود البلاد إلي تحول ديمقراطي؟.
.

الخميس، 2 مايو 2019

سراج النعيم يكتب : على خلفية فتح جهاز الأمن والمخابرات الوطني ملف (الفساد)






........................
مطالبات بتطبيق حد (السرقة) في الرئيس المخلوع عمر البشير
.......................
ماذا عن قضايا (القطط السمان) بعد الإطاحة بالنظام السابق؟
.......................
كتب : سراج النعيم
......................
بما أن النظام المخلوع برئاسة عمر البشير أفقر الشعب السوداني إفقاراً شديداً لم يشهده قبلاً، وذلك تحت ستار تطبيق الشريعة الإسلامية، وظل يخدع بها الناس على مدي ثلاثين عام، دون أن يكل أو يمل من الكذب ومع هذا وذاك لم يكن مشروعه الإسلاموي سوي مدخلاً لـ(لفساد)، والذي بدء يتكشف من خلال تحقيقات أجرتها السلطات المختصة، وبالتالي فإن النهج الذي عمد إليه نهجاً إستفزازياً، ويتضح ذلك من خلال الخطاب الإعلامي الذي يتم بثه رغماً عن أنه ظلم الناس الذين لم يكن أمامهم مفراً سوي أن ينتفضوا في وجهه، خاصة وأنه لعب دوراً كبيراً فيما آلت إليه البلاد، وما آل إليه العباد من إفقار وفق سياسة اقتصادية خاطئة أفرزت أوضاعاً مذرية نتج عنها ظواهراً سالبة في المجتمع، وهي لم تكن مألوفة على مدي سنوات طوال اللهم إلا في ظل النظام البائد، والذي أوصل الناس إلي مرحلة متأخرة جداً من الفقر المقدع، لذلك أصبح الجوع سمة من السمات البارزة في المشهد السوداني الأمر الذي جعل إنسان السودان في ضائغة اقتصادية قاهرة جداً، ولا يدري في إطارها كيف يحصل على وجبة واحدة طوال اليوم ، ناهيك عن ثلاث وجبات، فالوضعية التي وصل إليها اشبه بعام الرمادة الذي شهدته المدينة إبان خلافة سيدنا عمر بن الخطاب، لذا السؤال الذي يفرض نفسه، هل يجوز تطبيق حد السرقة على إنسان سرق من أجل أن يأكل هو وأبنائه الجائعين؟ الإجابة تكمن في النفي، وهو ما ذهب إليه الفقهاء، خاصة وأن تطبيق حد السرقة تحكمه شروط واجب توفرها في الحالة المراد تطبيقها عليها ، وعليه ما جري في عهد الرئيس )المخلوع(عمر البشير أشبه بـ)القحط (العام الذي أضطر الناس للخروج من منازلهم بحثاً عن قوت يومهم.
ما كيفية حل مشكلة الفقر الذي أوصل إليه النظام السابق البلاد والعباد رغماً عن أنه كان يدعي تطبيق الشريعة الإسلامية، فهل على فهمه ذلك نقطع يد السارق الذي يبحث عن قوته وقوت أبنائه أم نتركه درءاً للشبهة، والأخيرة هي الحل الأمثل لهذه المعضلة الحقيقة، والتي أدخلنا في نفقها المظلم الرئيس المخلوع عمر البشير؟، وعليه فإن سيدنا عمر بن الخطاب درء حد السرقة ﺑﺎﻟﺸﺒﻬﺔ، مستنداً في ذلك على ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ من واقع أنه كان مقدراً ﺁﻻﻡ (ﺍﻟﺠﻴﺎﻉ) الذين يمرون بمحنة حقيقية آنذاك، وقد روي عنه : (ﺇﻧﺎ ﻻ ﻧﻘﻄﻊ ﻓﻲ ﻋﺎﻡ ﺍﻟﺠﺪﺏ)، ﻭﻓﻲ ﻣﻜﺎﻥ ﺃﺧﺮ ﺭﻓﻀﻪ ﻗﻄﻊ ﻳﺪ ﺍﻟﻐﻠﻤﺎﻥ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺳﺮﻗﻮﺍ ﻧﺎﻗﺔ ﻻﺑﻦ ﺣﺎﻃﺐ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺑﻠﺘﻌﺔ، ﻭمثل هذه الظاهرة تستوجب ﺇﺟﺮﺍﺀ استثنائي مع العلم أن المولي عز وجل قال في محكم تنزيله : (ﻭﺍﻟسارق ﻭﺍﻟﺴﺎﺭقة ﻓﺎﻗطعوا ﺃﻳﺪﻳﻬﻤﺎ جزاء ﺑﻤﺎ كسبا ﻧﻜﺎﻻً ﻣﻦ الله ﻭالله ﻋﺰﻳﺰ حكيم)، وقال أيضاً : (ﻓﻤﻦ تاب ﻣﻦ ﺑﻌﺪ ظلمه ﻭﺃﺻلح، فإﻥ الله يتوب عليه ﺇﻥ الله ﻏﻔﻮﺭ ﺭﺣﻴﻢ)، ومما ذهبت إليه فإنني وآخرين نطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية حداً على الرئيس (المعزول) عمر البشير، وكل من يثبت تورطه في سرقة مال الشعب في السنوات الماضية، طالما أنه كذب بها، وظلم وأفقر إنسان السودان حد (الكفاف)، وبالتالي يجب أن نبدأ بالرأس (عمر البشير)، والذي زرع (الشوك) في الأرض، وها هو يمر عليه حافي القدمين.
ومما لا شك فيه أن الرئيس المخلوع مارس جرماً يستوجب إقامة (حد السرقة) عليه بسبب مال الشعب السوداني الذي ضبط بحوزته في (بيت الضيافة) وأحد المصارف دون وجه حق، لذلك السؤال هل إذا سرق الفقير وهو (جائعاً) نطبق عليه حد (السرقة)، الإجابة لا لأن الفقر دفعه إليه الرئيس المعزول (عمر البشير)، من ثم أصبح (جائعاً)، وقطعاً (الجوع) يؤدي إلي ارتكاب الخطيئة لعدم امتلاك الإنسان المعني وسيلة تخرجه من (القوقعة) التي وضعه فيها رغماً عن أنه صبر صبراً جميلاً على عدم توفر المال للإيفاء بمستلزماته وأسرته في إطار الحياة عموماً، والتي تشهد ظروفاً اقتصادية بالغة التعقيد، مما قاد الكثير منهم إلي (ﺍﻟﻌﻮﺯ) ﻭ(ﺍﻟﻀﻌﻒ) الذي لم يدع له مجالاً لتمزيق الفواتير المتضاعفة يوماً تلو الآخر، وأن كنت على قناعة تامة بأن (محمد أحمد الغلبان) يؤمنون إيماً قاطعاً بأن الله خلق الإنسان متفاوتاً في (الرزق) لقوله سبحانه وتعالي : ‏(نحن ﻗﺴﻤﻨﺎ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻣﻌﻴﺸﺘﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ورفعنا ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻓوق بعض ﺩﺭﺟﺎﺕ ﻟﻴﺘﺨﺬ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﻌﻀﺎً ﺳﺨﺮﻳﺎً ﻭﺭحمت ربك خير مما يجمعون‏).
يعتبر الفقر ابتلاء من الله العلي القدير، إلا أنه عندما يكون بسبب كنز السلطان الجائر لـ(لمال)، (الموارد) و(الثروة) ووضعها في منزله وحسابه المصرفي، فإن الأمر يكون في غاية الخطورة، وهو ما فعله بالضبط الديكتاتور (عمر البشير) وحاشيته دون الاهتداء للمبادئ والقيم الإنسانية الواردة في الرسالات السماوية، وهي جميعاً تحذر من السلطة الظالمة ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﻘﺮﺍﺀ الذين أصبح هو بمالهم ثرياً دون مراعاة للمصلحة العامة، أو ترتب الحياة اليومية بصورة يتساوي فيها الناس من حيث (الحرية)، (العدالة)، و(السلام)، وبما أنه لم يفعل فإنه لا يخاف الله.
من أوجب الواجبات التي كانت ملقاة على عاتق الرئيس المخلوع (عمر البشير) أن يخرج بالناس من ذلك النفق المظلم باعتبار أنه كان راع إلا أنه كان راعياً (فاسداً) مارس (القهر)، (الزل)، (الإهانة)، (التهميش) و(الظلم) على كل من يجاهر بالحق في وجهه، مستخداً القوة (المفرطة)، ناسياً أو متناسياً أن الإسلام كافح ﺍﻟﻔﻘﺮ، وسعي سعياً حثيثاً للحد منه عبر الوسائل الموفرة للمعينات المساعدة على كسب (الرزق).
من الملاحظ أن الرئيس المعزول (عمر البشير) كان يحكم السودان بصورة ديكتاتورية يتواري معها خلف ستار الشريعة الإسلامية دون أن يطبقها على نفسه و(القطط السمان) الذين افسدوا في الأرض، والذين أتضح أنه واحداً منهم، لذا لم يكن جاداً في مكافحة (الفساد)، وكان يتمدشق به خلال المنابر الإعلامية والحوارات الصحفية للدعاية الانتخابية للعام 2020م، في حين أن الفريق أول مهندس صلاح قوش مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني (السابق) بدأ خطوات جادة لفتح ملف (الفساد)، والذي قطع فيه شوطاً طويلاً بالتحقيق حوله، ومن ثم تم إنشاء محكمة مختصة بقضايا (الفساد)، إلا أنه اصطدم بمعوقات عند تقديم المتهمين للعدالة من نافذين في الدولة العميقة، ولا سيما على رأسهم الفاسد الأكبر الرئيس (عمر البشير)، والذي لم يكن يريد أن يمضي في مكافحة (فساده) و(القطط السمان) على ذلك النحو الذي افتضح فيه أمره بضبط (7) ملايين يورو، و(350) ألف دولار بـ(بيت الضيافة)، بالإضافة إلي حساب باسمه في أحد (البنوك)، وما خفي أعظم، المهم أن الحملة على (الفساد) تزامنت مع غليان الشارع السوداني الذي انتفض في وجه الظلم والغلاء الفاحش في أسعار السلع الاستهلاكية المنقذة للحياة، فضلاً عن ارتفاع أسعار الدواء بنسبة ربما تفوق الـ(200%).
فيما ظل ملف (الفساد) دائراً في محيط عدم الحسم، وذلك لأسباب معروفة أبرزها أن (القطط السمان) يقف على رأسهم الرئيس المخلوع (عمر البشير) الأمر الذي جعل هذا الملف الساخن يتوقف في محطة الاعتقال لبعض القيادات المصرفية ورجال المال والأعمال، وهي إجراءات ليست بمستوي الضجة الإعلامية المفتعلة من النظام البائد، وبالرغم من ذلك فإن جهاز الأمن والمخابرات الوطني بدأ فتح ملف (الفساد) من خلال اعتقال اللواء أمن عبد الغفار الشريف، مدير إدارة الأمن السياسي (السابق) للاشتباه فيه بالتورط في قضايا (فساد)، هكذا استمرت حملة الاعتقالات لعدد من المسئولين في قطاعات (السكر) و(الدقيق)، (المصرفي)، ومن ثم تواصلت الحملة باعتقال عدد آخر ومن ثم الإفراج عنهم فيما بعد، وبالتالي فإن الاعتقالات تمت بصورة لا يمكن أن تدفع بملف (الفساد) نحو النتائج الإيجابية لمكافحته خاصة وأن التشريعيات المندرجة في هذا الإطار غير متكاملة، وهي تشريعات ربما يجد من خلالها (القطط السمان) ثغرات تدعهم يفلتون من (العقاب)، لذا على السلطة الجديدة مواصلة فتح ملف (الفساد) مجدداً، وذلك من خلال إنشاء (إدارة شرطية)، (نيابة) و(محكمة)، بالإضافة إلي حماية من يبلغ عن هؤلاء أو أولئك المفسدين حتى لا يطالهم الأذي والمضايقات، وعلى مؤسسات الدولة العميقة تقديم المستندات، وأية معلومات أخرى ضرورية تؤكد تورط المفسدين في قضايا (الفساد). 
عموماً على الأثرياء الشرفاء الذين نعرفهم المعرفة الحقة قبل تولي الرئيس المعزول مقاليد الحكم في البلاد بـ(البندقية) أن ينفقوا على الفقراء إلي أن يتجاوز السودان هذه المرحلة المفصلية من تاريخه، فهنالك من هو عاطلاً عن العمل بسبب سياسات التوظيف بالولاء وليس المؤهل والكفأة، وهنالك من هم في المعاش، وهنالك من هم أصبحوا كباراً في السن، وهنالك أسراً توفي عائلها الأوحد، وغيرهم من الأشخاص الذين عانوا ما عانوا، وامثال هؤلاء ضاعوا في ظل (فساد) مستشري في البلاد، ولم يلتفت إليهم ديوان الزكاة أو أي جهة معنية برفع كاهل المعاناة عنه لقوله سبحانه وﺗﻌﺎﻟﻰ : ‏(إﻧما ﺍﻟﺼدﻗﺎت للفقراء ﻭﺍﻟﻤﺴﺎﻛﻴﻦ‏)، ﻭﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻭﺟﺒﻬﺎ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ لهم، فسيدنا محمد صل الله عليه وسلم خص ﺑﺎﻟﺬﻛﺮ ﺍﻟﺼﺪﻗﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻗﺎﺭﺏ ﻭﺍﻟﺠﻴﺮﺍﻥ، ﻭﺑﻴّﻦ ﺃﻥّ ﺍﻟﺼﺪﻗﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻗﺎﺭﺏ ﻣﻀﺎعفة، حتي لا ﻳﺆﺛﺮ الفقر في الحياة بصورة عامة، خاصة وأن الفقراء أﻭﻟﻮﻳﺎتهم ﻣﺤﺼﻮﺭﺓ ﻓﻲ نطاق ضيق جداً لا يتجاوز الاحتياجات اليومية ﻣﻦ (مأكل)، (مشرب)، (لباﺱ)، (علاﺝ)، وربما التحصيل الأكاديمي، فأغلبهم يبحثون عن مصادر كسب في ظل وضع اقتصادي مذري.
من المعلوم أن الفقر يؤثر في الحياة عموماً، مما ينجم عن ذلك توقف ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ عن الإنتاج الدافع لعجلة الحياة، ومن ثم التنمية والتقدم والتطور الذي ينشده الإنسان إلا أن (فساد) الرئيس المخلوع عمر البشير و(القطط السمان) كان عاملاً رئيسياً في افقار الشعب السوداني، وبالتالي لم يعد قادراً على مواكبة التطور الذي يتطلب مقدرات مالية تقوده نحو الإبتكار، وقطعاً الفقر عائقاً كبيراً أمام ﺗﻨﻤﻴﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ، وعليه فإن النظام سالف الذكر حرم إنسان السودان من أقل مقومات العيش في الحياة بكرامة، ونتج عن سياسته الاقتصادية السيئة انعزال الكثيرين عن ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ الذي انتشرت فيه الظواهر السالبة وﺍﻷﻣﺮﺍﺽ بسبب ﻋﺪﻡ توفر الغذاء والدواء المنقذ للحياة، وتلك السياسة أدت إلي عدم توفر ﺍﻟﺨﺪﻣﺎﺕ الأساسية.

azsuragalnim19@gmail.com

*الدكتور أسامة عطا جبارة يشرح الإقتصاد السوداني في ظل الحرب*

..........  *تواصل شبكة (أوتار الأصيل) الإخبارية، وصحيفة العريشة الرقمية نشر الحوار الهام مع الخبير في الإقتصاد العالمي الدكتور أسامة عطا جب...