.......................
طالب السودانيين بوضع الثقة في ثورة الشباب والتضامن مع المجلس العسكري الانتقالي
.....................
إيداع الجنيه بـ(المصارف) يقضي على (الفساد) في البلاد بعد خلع نظام (عمر البشير)
....................
التقاه : سراج النعيم
......................
حذر المستشار والخبير الاقتصادي البروفيسور محجوب هجانة من مغبة الاحتفاظ بالأموال خارج البنوك، قائلاً : تعد البنوك والمصارف المكان الطبيعي والمناسب للاحتفاظ بـ(الأموال)، وإدارتها في حسابات مصرفية تمكن أصحابها من الحصول على كافة الخدمات المصرفية حيث تعتبر السيولة من أهم المؤثرات للاقتصاد، لذا فإن أي تراجع للسيولة سيؤثر سلباً على الحركة الاقتصادية، وذلك في ظل فقدان الثقة في النظام المصرفي، وهو الذي دفع المواطنين وأصحاب الاعمال والشركات والمؤسسات والأفراد للعزوف من إيداع أموالهم في البنوك، وبالتالي على المصارف أن ترتقي بخدماتها وتوفر ما يطلبه العملاء، وذلك بدون جهد ومكابدة إذا أرادت تعظيم أرباحها، فضلاً عن أن القانون يحمي الودائع ويضمنها، ولا قيد على حرية المودعين، شرطاً ضرورياً ومطلباً وطنياً معني به الجميع، وستظل المصارف والبنوك المكان الطبيعي والمناسب للاحتفاظ بالأموال بصرف النظر عن الدوافع التي أدت بأصحابها لسحبها فانهيار قيمة الجنية أو تدهور قيمته في السوق السوداء يعني خسائر محققة لقطاع الأعمال، بل قد يصل الوضع إلى إفلاس بعض الشركات وضياع مدخرات المواطنين، وذلك في ظل الوضع الاقتصادي المتردي والمنهار، وعليه فإن سياسات بنك السودان تضررت، وسمعة البنوك أيضاً، وبالتالي لا يمكن التكهن بقدرة البنوك على علاجه، فما حدث مؤخراً من نقص السيولة وحرمان الناس من أموالهم شكل مؤشراً سلبياً على مجمل الصناعة المصرفية في السودان، وأضر بثقة الناس في البنوك .
وأضاف : إن إيداع الأموال بالمصارف يعتبر واجب وطني، ومسؤولية أخلاقية اذا كنا نهتم بهذا الوطن، ونحرص على استقراره والخروج بالاقتصاد من حالة (الانكماش) خاصة وأن التربح من وراء الأزمة يعتبر عمل غير أخلاقي ابداً، والتاجر أو رجل الأعمال أو المواطن الذى يحتفظ بكميات من المال فى خزائنه أو بيته أو عمله ولا يهتم بالمحافظة على هذه الأموال كمخزن للقيمة ووسيلة للتبادل؟ فان هذه الأموال تتآكل اقتصادياً وتفقد قيمتها بفعل التضخم نتيجة لعدم توظيفها والاستفادة منها ضمن دورة النشاط الاقتصادي، وعليه أضحت الفرصة سانحة لمن يريد أن يفتح اعتمادات لاستيراد السلع لغرض المتاجرة وتحقيق أرباح مشروعة، وتنفيذ المشاريع والبرامج التنموية، وهناك مصلحة عامة من وراء رجوع السيولة النقدية للمصارف، وعلاج مشكلة السيولة (أولاً) ودعم قيمة الجنية (ثانياً)، خاصة في ظل الأزمة الحالية، والتي ينبغي أن لا يكون المردود المادي المباشر رغم أهميته هو المحفز الوحيد لإيداع الأموال بالمصارف .
وأردف البروفيسور هجانة : ينبغي أن ندرك خطورة الاحتفاظ بالأموال خارج القطاع المصرفى، والمتمثل في دعمه لما يعرف بـ(القطاع الاقتصادي غير الرسمي)، والذى يشكل تشوهاً وعبأً على الاقتصاد الوطني، ويعتبر مظهراً من مظاهر التخلف الاقتصادي، وقد يرى البعض أن هذا الطلب أو هذا النداء عاطفي ولا يتجاوز كونه نوع من الاقناع الأدبي (moral persuasion ) إلا أن الحقيقة هي أن هذا النداء يكمن وراءه خلفيات وحقائق اقتصادية بحتة، وكثيراً ما تلتجىء اليه المصارف فى سياق معالجة الأزمات الاقتصادية، وبالتأكيد هو ايسر السبل لمعالجة مشكلة السيولة، ودعم قيمة الجنيه السوداني، بل أن الاقناع الأدبي يعتبر أحد وسائل السياسة النقدية المعروفة في الاقتصاد، ففى أوقات ألازمة الاقتصادية يصبح التعاون بين القطاع الخاص والحكومة من جهة والمصارف التجارية من جهة آخرى.
وتابع : إن إيداع الجنيه بالمصارف يؤدي إلي إنتهاء الكثير من التشوهات مثل الهامش بين سعر الشراء (نقداً) وسعر الشراء بـ(الصكوك)، هذه الظاهرة اللأخلاقية دخيلة على السوق السوداني، وقد انهكت ذوي الدخل المحدود، والقضاء عليها يرجع الأمور إلي نصابها الصحيح، وفى ذلك مصلحة كبيرة للجميع، وعليه فإن إيداع الجنيه بـ(المصارف) يؤدى إلي القضاء على (الفساد) المصاحب لطلب السيولة بعد خلع نظام (البشير)، وعليه فإنه يفعل دور البطاقات الإلكترونية، ويعيد للمصارف وظيفتها وحيويتها ودورها في الوساطة المالية، ويدعم الاقتصاد الوطنى، فهو من جهة يرشد الطلب الاستهلاكي على السلع والخدمات، وينمي المدخرات وتعبئة الموارد لغرض الاستثمار من جهة اخرى، والسبيل إلي تفادي ذلك بإيداع الجنيه في (المصارف) وننبه إلي أن التفاعل (الإيجابي) لرجال الأعمال ورواد القطاع الخاص مع السياسات الاقتصادية هو الكفيل بتحقيق تلك السياسات وأهدافها، وهذا هو مضمون ما يعرف بالاقتصاد الأخلاقى ( moral economy ) .
وأشار البروفيسور هجانة إلي أن تراجع مستويات الثقة بين أطراف العملية المصرفية يعتبر العامل الأول وراء تدني مساهمة البنوك في القطاع الاقتصادي والمساعدة على تمويل المؤسسات الاستثمارية لتطوير النسيج الصناعي خاصة، مطالبة بمراجعة الاستراتيجية العامة للعمل البنكي، وذلك تحقيقاً للأهداف المرتبطة برفع مستوى الثقة المتبادلة بين البنك والزبائن لتوسيع مساحة المخاطرة لدى المصارف ضمن ما تسمح به الأنظمة السارية المفعول، وقبول التجار استخدام البطاقات الإلكترونية يقلل من الاحتفاظ بـ(السيولة النقدية)، ويخفف من الطبيعة النقدية التى يعاني منها الاقتصاد (cash economy ).
واستطرد : على رجال الأعمال والأفراد الوعي بأن هناك تكلفة للاحتفاظ بالعملة خارج المصارف، مالم يتم توجيهها لأغراض الاستثمار، وذلك في حال ارتفاع ما يعرف بمعدل الكفاءة الحدية لرأس المال، كما ينبغى أن يدرك الجميع أن الاحتفاظ بـ(الجنيه) فى شكل سيولة نقدية لأغراض المضاربة هو عمل غير مشروع ويهدد قيمته، ويعرض السياسات الاقتصادية الموجهة لعلاج الأزمة لاحتمالات الفشل، كما أن طريق المضاربة بـ(العملة) مسدود وتكتنفه مخاطر أكبر بكثير من مخاطر العمل من خلال القطاع المصرفي، ومن المهم إلا يغيب عن أذهان من يحتفظون بـ(الملايين) بمنازلهم وخزائنهم ويمتنعون عن إيداعها بـ(المصارف) لمختلف الأسباب أنها مهددة بالعديد من المخاطر ويترتب عليها مشاكل للقطاع المصرفى خاصة والاقتصاد الوطني بصفة عامة، فضلاً عن احتمالات الاشتباه فى غسل الأموال، مما ينعكس سلباً على رجال الأعمال والتجار أنفسهم، وعلى النشاط الاقتصادي برمته.
واسترسل البروفيسور هجانة : أصبحنا نعيش فى زمن تعصف به الأزمات الاقتصادية المفتعلة والحتمية حتى صار الاقتصاد سيئاً بسبب السياسة (الرعناء) والنظام الفاسد، وبالرغم من أن السياسة والاقتصاد ينحدران من منهل واحد، إلا أن طغيان أياً منهما على الآخر أو وضعهما فى موضع التنافس أو إغفال ما يمكن أن تقدمه السياسة لخدمة الاقتصاد والخروج به من براثن ألازمات يعود إلى تعصبهم وتشبثهم بآرائهم ومواقفهم من جهة، واستغلال الجاه والسلطان فى الإثراء والكسب المشروع وغير المشروع من جهة آخرى، وعليه تكون النتيجة (فساد) يقود إلي عجز السياسات الاقتصادية عن تحقيق أهدافها وبالتالي قصور الدولة ممثلة فى الحكومة التي لا تستطيع القيام بواجباتها تجاه الشعب، مما يؤدي إلي الإخلال بالعقد الاجتماعى الذى ينظم العلاقة بين الشعب والحكومة، أيضاً ظاهرة هروب رؤوس الأموال إلي دول الجوار ربما ترتبط بضعف الثقة في القطاع المصرفي السوداني، وذلك بسبب عدم قدرته على التعامل مع منظومة الصيرفة الدولية من واقع العقوبات الاقتصادية الأمريكية، فبنوك دول الجوار تتميز بمنح تسهيلات كبيرة مع القدرة على التعامل مع القطاع المصرفي العالمي دون مشاكل.
وذكر : إن ما تسببت فيه إجراءات الحكومة كان خصماً على مجمل العمل المصرفي، وساهم في زيادة أجواء عدم الثقة بين (العملاء) و(البنوك)، وتلوح في الأفق نذر موجة سحب للودائع والأموال من البنوك في ظل وجود سبب قائم ومستمر إلا وهو تدهور قيمة الجنيه، وهذا السحب الجماعي للودائع سوف يتسبب في انهيار البنوك، ونسأل كيف ستتم معالجة هذه الأزمة والخروج منها؟.
وأوضح هجانة : يعتبر الإحتياطى النقدى الأجنبى لأى دولة هو المقياس الأساسى لإستقرار الدولة حيث تساهم فى توفير بيئة إقتصادية مناسبة للنمو، وبالتالى يساعد فى جذب الإستثمارات الخارجية، وتدفق رؤوس الأموال إليها، كما أنه وسيلة حماية قوية للعملة المحلية للدولة، إلي جانب إعطاء الثقة للبنك المركزى، والتروى فى اتخاذ قراراته بشأن سياسته النقدية.
وشدد البروفيسور هجانة لموجهة ممثلي المؤسسات البنكية على المراحل العملية لاستعادة الثقة مرة آخري، اعتماداً على منهجية الاستماع المستمر للتعرف على رغباتهم، وإعلام العملاء والتواصل معهم، وتقييم مستوى الرضا، وتسطير منهجية العمل أو تحديد العروض البنكية بناءً على كل هذه المعطيات، وأشار إلي أهمية التعامل مع العملاء حسب نوعية العرض وطبيعة الزبون، فإن عدد (البنوك) و(المؤسسات) المالية الناشطة لا يشكل التحدي الأكبر، وذلك من منطلق أن المصارف الموجودة حالياً يمكن لها تغطية طلبات السوق إذا تم تجاوز إشكالية الضمانات للمخاطرة، والمشاركة أكثر في المجالات الاقتصادية.
وأكد على أهمية العمل على توفير متطلبات النهوض بالقطاعين الزراعي والصناعي، باعتبارهما قاطرة النمو، وذلك لمعالجة المشكلة الإقتصادية التي تمثل أساس التغيير مقترحاً بضرورة العمل على بناء استراتيجية اقتصادية واضحة المعالم تسهم في خلق التوافق والانسجام والتناسق بين الإجراءات السياسية والمالية والنقدية.
وناشد هجانة جميع السودانيين العاملين بالخارج بإيداع أموالهم وتحويلها مرة أخرى، وعدم اللجوء للسوق الموازي، كما كان يحدث فى السابق، وذلك بسبب السياسات الاقتصادية الخاطئة، وعلى المغتربين والمستثمرين وضع خطط سليمة لتدعم الاقتصاد السوداني في ظل التحول السياسي الجديد، وعليهم وضع الثقة الكاملة في الثورة، والتضامن مع المجلس الانتقالي.
وطالب بوضع سياسات وضوابط لتنظيم النقد الأجنبي، وضبط صرفه حسب القوانين والأولويات عبر المصارف، مؤكداً أهمية دور المغتربين فى الفترة القادمة، وحل مشكلات الاقتصاد خلال تحويلاتهم لرفد الخزينة العامة والحكومة الجديدة، على أن يصاحب ذلك إصلاح عاجل فى السياسات النقدية والنظام المصرفي، والتي تسببت في المشكلات الحالية وهذا يؤدي لاستمرار واستقرار سعر الصرف، ويشجع المغتربين من خلال منحهم الامتيازات المحفزة على وضع مدخراتهم بالمصارف السودانية، وذلك من أجل إصلاح الاقتصاد السوداني، وهذا ما طلبنا به في عهد الفساد السابق.