_________
*أسماء في سماء الحزب الحاكم.. بين الحضور والغياب!*
__________
*بقلم : عبود عبد الرحيم*
__________
ظللنا نقول إن المؤتمر الوطني كحزب حاكم يمثل في كثير من الأحيان نموذجاً
للأداء السياسي عند أحزاب أخرى، يتضح ذلك في معظم أنشطة عدد من الأحزاب،
أنشطة تكاد تكون نسخة من طريقة تنظيم أنشطة المؤتمر الوطني، لكن الملاحظ أن
بعض قيادات الحزب الحاكم (قصيرة النفس) ولا تستطيع إكمال الأشواط الإضافية
في مارثون السياسة بكل (الفاولات والبطاقات الملونة) .
قيادات تملأ
السمع والبصر وسماء الميديا وهي في قمة المسؤولية وتجدها في كل أنشطة
ومؤتمرات الحزب ولقاءاته التنظيمية وتتصدى للمسؤولية التضامنية عند
(الحادثات) الكبيرة ، لكنها سرعان ما تختفي حتى عند الضرورة بسبب إعفاء أو
إبعاد من المنصب والموقع التنفيذي، وزيراً كان أو معتمداً أو حتى أمين
أمانة في قطاع شبابي أو طلابي في المركز أو إحدى الولايات، وغياب القيادي
(السابق) في مثل هذه الحالات يسمي بالدارجي (الحردان) .
*قائد في المستقبل.. فلا تبتعد !*
بروفيسور إبراهيم غندور، صديقنا منذ قيادته اتحاد العمال وقبل أن يكون
مساعداً للرئيس ونائبه في التنظيم ثم وزيراً للخارجية، رجل بشوش الوجه صادق
في انفعالاته مع قضايا الناس، كان بشخصيته وفهمه القيادي يدرك تماماً
الثقة في موضع خطواته، حتى عندما اتخذ قراراً فاجأ به مكتبه التنفيذي
باتحاد العمال قبل الحكومة وحزبه كان مقنعاً وهو يعلن تهديداً صريحاً
بالإضراب العمالي الشامل عندما اصطدم مع وزير الحركة الشعبية يوماً حول
تفسيرات قوانين وحقوق العمال، رجل بهذه المواصفات من المدهش أن (يحرد)
العمل التنظيمي بسبب إبعاده عن العمل التنفيذي أو أياً كان، بينما تنتظم
فعاليات شورى الحزب لتنظر في قضايا عالية الإلحاح بالشأن الاقتصادي
والتنظيمي وتقديم مبكر لمرشح الحزب في ٢٠٢٠، يسجل بروف غندور غياباً عن
المشهد ثم يظهر وسط الطلاب بالجامعة ليؤكد برسالة (مباشرة) أنه موجود في
الخرطوم لكنه يبتعد الآن عن الإدلاء بآرائه في قضايا تشغل إنسان الوطن
اقتصادياً وسياسياً، بل إن البروف غندور لم نسمع أو نقرأ أنه شارك في وداع
الجنرال السفير محمد عطا (زميل لجنته) في الحوار مع أمريكا لموقع عمله في
واشنطن أو التمنيات له بالتوفيق.. رسالتنا لك يا بروف أنك كنت وستظل
نموذجاً مطلوباً للقيادة ومثلاً ينظر إليه بعض شباب التنظيم بتقدير ويعتبره
كثير من الشباب (الفلوتر) صاحب كاريزما قيادية في مستقبل السودان، فلا
تبتعد.
كتبت من قبل أن حزب المؤتمر الوطني فشل في إنتاج وتأهيل قيادات
لخلافة البشير في المستقبل القريب لذلك فإن البشير يستحق أن يظل رئيساً
للحزب ثم السودان (مدى حياته)، وقلت إن بعض القيادات التي كان من المؤمل أن
تشكل قناعة لدى البعض بالجلوس على المقعد الرئاسي في القصر تنقسم إلى (٣)،
قسم أول تم إبعاده، وقسم ثانٍ ابتعد من تلقاء نفسه، وقسم ثالث يفتقد الثقة
في نفسه وآثر أن يبقى بعيداً عن دائرة الضوء.. وأي مراقب للحال السياسي في
تنظيم المؤتمر الوطني يستطيع بسهولة إدراك رموز الأقسام الثلاثة.
*بعيداً عن سياسة (الحردان)*
د.نافع وهو من الذين يمكن القول عنهم (أصلب العناصر لأصعب المواقف) ظل
قريباً من الحزب مشاركاً في دورات تنظيمه وفي كثير من فعالياته السياسية
العامة حتى لو تحت مظلة (مجلس الأحزاب الإفريقية)، قد يكون له رأي في
التغيير الذي أبعده عن المواقع التنفيذية والسياسية لكنه لم يبتعد، ولم
(يحرد).. وقد يكون له رأي في بعض الإجراءات لكنه يقبل برأي الجماعة والشورى
حتى لو خالف هوى نفسه، في النهاية نافع هو نافع يدخره الوطني ليوم كريهة
وسداد ثغر.
ويسجل د.نافع علي نافع حضوراً مؤثراً في الساحة الأفريقية
مستنداً على تجربة تنظيمية وتنفيذية زاخرة بالمواقف القوية ومصطلحاتها
المثيرة وأشهرها على الإطلاق (لحس الكوع) والتي صارت مضرب مثل عند شباب
الحزب من (الثوار) عند مواجهة الخصوم السياسيين، ومع ذلك فإن المراقب يجد
في د.نافع قبولاً بالرأي والرأي الآخر في حالات النقاش الموضوعي مع نظرائه
في الأحزاب الأخرى، وبالتأكيد فإن بعض (حكمة) العمر وانفتاح الحوار والعمل
والتجارب السياسية تغطي على (عنفوان) الشباب وانغلاق الحزب الواحد .
*أحد خيارات التغيير*
كمال عبداللطيف، أحد (٣) من أقرب قيادات الوطني والحكومة للإعلام، هو
الوزير الذي فتح لشباب الإعلام بوابات التأهيل والتدريب الداخلي والخارجي،
والحق يقال أنه لم ينحاز لإعلاميين محسوبين بالانتماء للحزب ولكن شهادة
أسماء معروفة بالعداء للتنظيم أخذت فرصة التدريب الخارجي من منطلق اهتمام
كمال عبد اللطيف بالتقدير لأصحاب المهنة، عندما أولته الرئاسة الثقة في
تأسيس وزارة تعنى بالموارد البشرية وتأهيل الكوادر لسوق العمل في الدولة،
قال أنا لها، فأبلى فيها بلاءً حسناً ووضع الأمور في نصابها خاصة في سوق
التدريب عندما استعان يومها بالدكتور عمر عوض الله جعيد أميناً عاماً
للمجلس القومي للتدريب، ولعمري فقد كان د.عمر أحد قلائل منحوا الموقع
الحكومي حقه ومستحقه، ونجح في تنظيم سوق التدريب ومحاصرة ما يعرف بمراكز
(الشنطة) التي كانت تستغل موارد الدولة في برامج تدريبية يشوبها الكثير من
الشكوك.
د.عمر جعيد الذي ائتمنه كمال عبد اللطيف عمل بكل جهده وفكره
الثاقب حتى حقق للوزير الثقة في نموذج القيادات الشبابية المؤهلة قبل أن
يغادر الموقع مرفوع الرأس (لا شق ولا طق) في الأداء والالتزام .
وعندما
جاء التكليف الرئاسي بالانتقال إلى وزارة المعادن، ظل كمال يطوف مواقع
التعدين بالولايات بنفسه ويشرف على تنظيمها ويستأنس بآراء الخبراء في
قانونية الإجراءات، وواصل عمله في الوزارة حتى الساعة الأخيرة لإعفائه قبل
أن يغادر مكتبه مودعاً العاملين في موقف مشهود سعى بعض المرجفين من ضعاف
النفوس إلى (تحوير) المشهد المؤثر بين قائد وموظفيه عن معانيه الراقية
والذي كنت أحد الحاضرين له ووثقته بكاميرا الجوال الخاص بي .
لم تجد
أهواء النفس طريقاً إلى كمال ولا حدث نفسه بأنه كبير بإمكاناته على التنظيم
ومواقعه (ولم يحرد) بل هو الآن مشارك في قطاعات الحزب ولجانه السياسية
وأنشطته وحاضر بفكره وجهده، وفي تقديري أنه بمبادراته واقتحاماته للصعاب
وتحديها يشكل أحد خيارات التغيير المطروحة في المرحلة القادمة استناداً
لتجربته.
*أخبار اليوم عدد الاربعاء 29 أغسطس*