......................
هذا رأيي في توقيع اتفاقية السلام بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية
.....................
مشاركتي في احتفال نيفاشا جاء بطلب من النائب الأول لرئيس الجمهورية
....................
جلس إليه : سراج النعيم
.........................
أنا ضد اتجاه الفنان للسياسة كلياً لأن السياسة مبنية علي المصالح ولكن ..
مع عناء الحياة دائماً اتكئ على ما يطرحه العملاق محمد وردي من أعمال غنائية خالدة في ذاكرة الأمة السودانية، إذ أن أغانيه تمثل للناس متعة وترويح عن مشاغل الحياة الكثيرة ووردي كان يغني بـ(الرطانة) الأغاني (النوبية)، وكانت فرصة طيبة لكل النوبيين لكي يوصلوا صوتهم عبر هذه الحنجرة الذهبية، ضف إلى ذلك أنه أمتاز بأغاني الهجرة والدفء الإنساني وفراق الأحبة والوطن.
كان لطلت محمد عثمان وردي الأنيقة في مراسم إتفاقية (نيفاشا) بمنتجع سمبا السياحي بالعاصمة الكينية (نيروبي)، وقعاً خاصاً في نفوس جماهير الشعب السوداني والساسة، وكان في تلك الأثناء قد توصل أبناء الوطن الواحد إلى ما يصبون إليه بتوقيع برتوكولات السلام، وكان تواجد وردي في ذلك المحفل تأكيداً صادقاً لوجود الحركتين الثقافية والفنية في قضية وطنية كبري ظلت تشغل العالم ككل، ومن هنا دعونا نتوقف معه حول أحاسيسه ومشاعره، وهو يعتلي خشبة المسرح ليغني للفرقاء من الشمال والجنوب.
ماهي الأحاسيس والمشاعر التي اعترتك وأنت تغني لأبناء الوطن بعد أن توصلوا إلي توقيع برتوكولات سلام (نيفاشا)، خاصة وأن الحرب استمرت لفترة زمنية طولية جداً، ووصفها المراقبين بأطول حروب القرن؟
قال : كنت في غاية السعادة، وأنا أشارك بالغناء في حفل توقيع اتفاقية السلام بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان، إذ أنها كانت واحدة من الأحلام التي سيطرت علي تفكيري علي مدار السنوات الماضية، وكنت بأي حال من الأحوال أمني النفس كل الأماني أن تتم مثل هذه الاتفاقيات بين كل الفرقاء من أبناء الوطن الواحد، حتى نستطيع أن ننميه التنمية التي تدفع به إلى الأمام.
وماذا؟
قال : بهذه المشاركة أجد نفسي قد ساهمت ممثلاً للحركتين الثقافية والفنية بحكم الإنتماء لهما، ومشاركتي في هذه الاحتفالات جاءت بطلب من الأستاذ علي عثمان محمد طه النائب الاول لرئيس الجمهورية.
بكل صراحة ماهي الكيفية التي يمكن أن نجعل بها الحركة الفنية في السودان متوافقة مع الأحداث السياسية في البلاد، وذلك في ظل التحديات الجسام المحدقة به من كل حدب وصوب، وهذا هو الدور المنوط بالحركتين الثقافية والفنية في المشهدين السياسي والاجتماعي؟
قال : طالما أنك طالبتني بالصراحة فإنني سأقول أن الفنون غير قادرة علي الاندماج في هذا الإطار لأنها لا تحرك ساكناً، وذلك يعود إلى عدة عوامل من بينها أن المبدعين الحقيقيين تجاوزوا السن التي يمكن أن تدعهم يفعلون ذلك بالمفهوم الذي ذهبت إليه في سؤالك آنف الذكر، وأن كنت أري أن هذا العامل لم يكن السبب الرئيسي، لأن هنالك من هم قادرين علي البذل والعطاء بترجمة ما نحن بصدده إلى واقع ملموس، ولكن هذه الفكرة تتطلب في المقام الأول والأخير التوافق بين الأطراف المعنية بهذا الأمر، وأرجع وأقول إن الأجيال أضحت تواجه فجوة كبيرة جداً، والمشكلة الكبري أن الأجيال المتعاقبة ظلت تؤكد أنها هي سيدة الموقف في هذه المرحلة أو تلك.
من وجهة نظرك ما هي متطلبات الفنان في المرحلة السياسية، وما هي الأغاني الموجودة في جعبة وردي من أعمال غنائية تحمل طابع الوطنية والسلام؟
قال : علي الفنان أن يكون أكثر تفاعلاً مع ما يدور من حوله حتى يكون مواكباً لمجريات الأوضاع السياسية والاجتماعية، ويجب أن يجد التفاعل حتى لا يصاب بالإحباط مع ما يحدث، وألا يكون هذا التفاعل لحظياً بقدر ما يكون تغيير كامل لما يعتمل في النفوس، مما خلفته الفترة الزمنية الفائتة من تهميش لدور الفنان سياسياً واجتماعياً، وإذا لم تتخل عن هذه الأفكار، فإن الواقع سيظل كما هو لا يبرح هذه الجزئية قيد أنملة.
إما بالنسبة للشق الثاني من سؤالك فأقول لك : لقد جسدت هذا الذي تتحدث عنه قبل سنوات وسنوات، ولعلكم تذكرون جيداً أنني في العام 1961م كنت قد ترجمت ذلك مع الشاعر الكبير مرسى صالح سراج، بينما تجدنا نحن النوبيين قد تعلمنا الكثير من الإرث والثقافة النوبية التي تركها لنا الآباء والأجداد، وهو إرثاً يصب رأساً في هذا الجانب الذي نتحدث فيه، ومع هذا وذاك كنا نفكر تفكيراً عميقاً في الكيفية التي نجعل بها هذا المجتمع ينفعل ويتفاعل مع قضايا وهموم الوطن الكبير، وبالمقابل بدأت معنا هذه المرحلة منذ الاستقلال الذي كان في ذلك الوقت حديثاً.
هل تتفق مع سياسات الأجهزة الإعلامية من ناحية التنوع الفني والثقافي في البلاد، خاصة وانك تحمل في معيتك فنون وثقافة، وماذا أنت قائل في الفنان السياسي المباشر؟
قال : الحديث عن الأجهزة الإعلامية يطول ويحتاج إلى مساحات أكبر من ذلك بكثير حتى نستطيع أن نشرح الحالة التي نركن لها في الوقت الحاضر، لأنني ضد أن نطلق عليها قومية، لأنك إذا نظرت إليها بمنظار فاحص ستجدها بعيدة كل البعد عن هذه التسمية التي تتطلب أن تكون هذه الأجهزة قومية بمعني الكلمة حتى تستوعب كل الفنون والثقافات السودانية دون التركيز علي فنون وثقافة الوسط، والمراقب لها عن كثب سيجدها لا تخرج عن عباءة السياسات التي تضعها الحكومات المتعاقبة علي حكم البلاد مابين الفينة والأخرى.
إما فيما يخص رأيي في إتجاه الفنان للسياسة كلياً تجدني لا أتفق مع الفنان الذي ينحو هذا المنحي لأن السياسة في الأساس عبارة عن البحث عن المصالح لا أكثر والفنون تبحث عن معالجة قضايا المجتمع التي تجدها ظاهرة في الأغاني العاطفية الوطنية وأغاني السلام وهي جميعاً يجب أن تنال حظها من البث المستمر لا أن تبث في فترات الاحتفالات بالأعياد لأن الأغاني التي تندرج في هذا الإطار ربما تفتقر للمصداقية لأنها تصنع بدون أحاسيس ومشاعر لأنها تهدف إلى مناسبة محددة وتنتهي بإنتهاء هذه المناسبة، لذلك مثل هذه الأغاني لا تبقي في الذاكرة.
كيف تنظر إلى برنامج (أغاني وأغاني) الذي يعده ويقدمه الأديب السر قدور من علي شاشة قناة النيل الأزرق كل عام ؟
قال : بصراحة شديدة لا أري داعياً لوجود هذا البرنامج في الخارطة البرامجية لهذه القناة، ويمكن الاستعاضة بدلاً عنه ببرنامج غنائي يفيد المتلقي والفنان معاً، فهو قائم علي تقليد الفنانين الصغار للفنانين الكبار الذين استطاعوا إيصال أفكارهم الغنائية في فترات سابقة فأين هؤلاء من إنتاجهم الخاص ولماذا يحاول السر قدور حصر تاريخ الأغنية السودانية في نطاق ضيق. .
وبالانتقال إلي مرحلة من مراحل وردي أود أن أقف معك بتأمل في فترة الطفولة و الصبا ؟
قال : (القرية) شكلت جزءاً هاماً من حياتى الفنية، إذ أنني استفدت مبدئياً من تواجدي في (صواردة) التي التمست فيها منذ الصغر الحضارة والبساطة التي اجتر منها حتى الآن، بدليل أنك ربما لاحظت بصورة مطلقة أنني أترجم الموروث الذي تشبعت به إلى المركز حتى استطاعت هذه الحضارة الضاربة في الجذور من أن تخلق لها أرضية صلبة في ظل التنوع الفني والثقافي الذي يمتاز به السودان.
كيف تمكن وردي من المزج بين الموروث النوبي والموروث في بقاع سودانية أخري وإيصال الفكرة للعامة؟
قال : وجهات نظر البعض في النوبيين (مغلوطة)، ويجب أن نصحح لهم هذا المفهوم حتى لا يصبح بمرور الزمن مفهوماً سائداً لدي سائر الناس علي إختلاف ألوانهم ولهجاتهم فالمجتمع النوبي مجتمع يحمل ثقافة وموروث قديم يؤكد أن حضارته حضارة إنسانية.