قصص مؤثرة حول
الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر (1)
.......................
.........................
شاب يكتب رسالة حزينة لوالدته قبل وفاته
غرقاً في مركب الموت
.........................
جلس إليهم : سراج النعيم
........................
عاش السودانيون
الذين هاجروا إلى ليبيا قصصا مثيرة ومؤثرة مع تجار البشر وذلك منذ تحركهم من إحدى المدن
غرب امدرمان.
من أغرب القصص التي وقفت عندها قصة الشاب الذي كان ﻋﻠﻰ ﻇﻬﺮ ﺳﻔﻴﻨﺔ
ﺻﻐﻴﺮﺓ، السفينة التي يعتقد من يستقلونها أنها طوق النجاة من الأراضي الليبية إلي أوروبا،
إلا أنها لم تقودهم من بر الأمان بل قادتهم إلي بر الموت والهلاك، مما حول حياتهم
من (نعيم) إلي (ﺠﺤﻴﻢ)، بعد أن تقازفهم الأمواج المتلاطمة، وأثناء ذلك ﺟﻠﺲ الشاب في
ركن قصي من ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺴﻔﻴﻨﺔ، ﻭﻛﺘﺐ رسالة مؤثرة جداً، حيث أنه ايقن تمام الإيقان أنه لن
ﻳﻨﺠﻮ، ﻭﻟﻦ يصل إلي بر الشواطئ الأوروبي، وقد كان حدس
في محله ولم يخب ظنه، إذ تلاشت آماله في العراض في البحر العميق الذي لا قرار له،
ﻭمع هذا وذاك ﺑﻠﻐﺖ ﺍﻟﻘﻠﻮﺏ ﺍﻟﺤﻨﺎﺟﺮ، ﻟﻢ ﻳﻐﻨﻬﻢ ﺻﻴﺎﺣﻬﻢ
ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻮﺕ والهلاك ﺷﻴﺌﺎً، هكذا هزمتهم ﺃﻣﻮﺍﺝ ﺍﻟﺒﺤﺮ إلي أن غرقت ﺃﺭﻭﺍﺣﻬﻢ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻃﻔﺖ
ﺃﺟﺴﺎﺩﻫﻢ ﺍﻟﻬﺰﻳﻠﺔ علي السطح، وأثناء انتشال الجثث وإنقاذ الناجين وجد فريق الإنقاذ
ﺭﺳﺎﻟﺔ الشاب منقوشة ﻋﻠﻰ ﻭﺭﻗﺔ مهترئة تروي قصته المؤثرة وتعبر عن قصص مهاجرين غير شرعيين
كانوا صيداً سهلاً لتجار البشر.
ومما أشرت له دعونا نقرأ ماذا كتب ذلك الشاب في رسالته : (أسف جداً والدتي لأنني لم أف بوعدي إليك، فلم يكن الأمر بيدي، إنما ﺍﻟﺴﻔﻴﻨﺔ التي كانت تقلنا تشير إلي أنها ستفرق نعم ستغرق، لذا لن أتمكن من اﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ أوروبا بأي صورة من الصور، ﻛﻤﺎ إنني لا استطيع أن ارسل إليك ﺍﻟﻤﺒﺎﻟﻎ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺳﺘﺪﻧﺘﻬﺎ قبل أن أشد الرحال لتحقيق حلمي بالهجرة إلي بلاد (العم سام)، لذلك لا تحزني علي كثيراً إذا ﻟﻢ يستطيع فريق الإنقاذ إيجاد جثماني، وإذا وجدوه فإنه سوف يزيد من تكاليفك الاقتصادية.
وأضاف : عندما فكرت في الهجرة غير الشرعية ﻟﻢ ﺗﻜﻦ أحلامي ﻛﺒﻴﺮﺓ بالقدر الذي يتصوره الآخرين، بل هي صغيرة جداً، ولكنها أصبحت مستحيلة، لذا أرجو منك والدتي أن تعتذرين لخطيبتي التي رسمت لها ﺑﻴﺘﺎً (وهمياً)، كما أرجو أن تعتذرين إلي أشقائي الذين ﻟﻦ ﺃﺳﺘﻄﻴﻊ أن أرسل إليه المبالغ المالية الخاصة بمشاريع تعينهم في حياتهم، ولا تنسي شقيقاتي اللواتي وعدتهن بإرسال هواتف سيارة أسوة بصديقاتهن ميسورات الحال، عموما أتأﺳﻒ لكل من سببت له قلقاً، خاصة فريق الإنقاذ الذي ظل يبحث عن جثث الموتي والناجين من مركب الموت والهلاك، ﻓﺄﻧﺎ ﻻ ﺃﻋﺮﻑ أﺳﻢ ﺍﻟﺒﺤﺮ ﺍلذي جعل سلطات الهجرة غير الشرعية التي يجب أن تكون مطمئنة أننا لن نكون عبئاً ثقيلاً عليها، والشكر كل الشكر لهذا البحر ﺍﻟﺬﻱ ﺍﺳﺘﻘﺒﻠﺘﻨﺎ ﺑﺪﻭﻥ (ﻓﻴﺰﺍ) أو (ﺟﻮﺍﺯ ﺳﻔﺮ)، ﺷﻜﺮﺍ ﻟﻸﺳﻤﺎﻙ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﺘﺘﻘﺎﺳﻢ لحمنا، ﺷﻜﺮﺍً ﻟﻘﻨﻮﺍﺕ ﺍﻷﺧﺒﺎﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﺘﺘﻨﺎﻗﻞ ﺧﺒﺮ ﻣﻮتنا.
ومما أشرت له دعونا نقرأ ماذا كتب ذلك الشاب في رسالته : (أسف جداً والدتي لأنني لم أف بوعدي إليك، فلم يكن الأمر بيدي، إنما ﺍﻟﺴﻔﻴﻨﺔ التي كانت تقلنا تشير إلي أنها ستفرق نعم ستغرق، لذا لن أتمكن من اﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ أوروبا بأي صورة من الصور، ﻛﻤﺎ إنني لا استطيع أن ارسل إليك ﺍﻟﻤﺒﺎﻟﻎ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺳﺘﺪﻧﺘﻬﺎ قبل أن أشد الرحال لتحقيق حلمي بالهجرة إلي بلاد (العم سام)، لذلك لا تحزني علي كثيراً إذا ﻟﻢ يستطيع فريق الإنقاذ إيجاد جثماني، وإذا وجدوه فإنه سوف يزيد من تكاليفك الاقتصادية.
وأضاف : عندما فكرت في الهجرة غير الشرعية ﻟﻢ ﺗﻜﻦ أحلامي ﻛﺒﻴﺮﺓ بالقدر الذي يتصوره الآخرين، بل هي صغيرة جداً، ولكنها أصبحت مستحيلة، لذا أرجو منك والدتي أن تعتذرين لخطيبتي التي رسمت لها ﺑﻴﺘﺎً (وهمياً)، كما أرجو أن تعتذرين إلي أشقائي الذين ﻟﻦ ﺃﺳﺘﻄﻴﻊ أن أرسل إليه المبالغ المالية الخاصة بمشاريع تعينهم في حياتهم، ولا تنسي شقيقاتي اللواتي وعدتهن بإرسال هواتف سيارة أسوة بصديقاتهن ميسورات الحال، عموما أتأﺳﻒ لكل من سببت له قلقاً، خاصة فريق الإنقاذ الذي ظل يبحث عن جثث الموتي والناجين من مركب الموت والهلاك، ﻓﺄﻧﺎ ﻻ ﺃﻋﺮﻑ أﺳﻢ ﺍﻟﺒﺤﺮ ﺍلذي جعل سلطات الهجرة غير الشرعية التي يجب أن تكون مطمئنة أننا لن نكون عبئاً ثقيلاً عليها، والشكر كل الشكر لهذا البحر ﺍﻟﺬﻱ ﺍﺳﺘﻘﺒﻠﺘﻨﺎ ﺑﺪﻭﻥ (ﻓﻴﺰﺍ) أو (ﺟﻮﺍﺯ ﺳﻔﺮ)، ﺷﻜﺮﺍ ﻟﻸﺳﻤﺎﻙ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﺘﺘﻘﺎﺳﻢ لحمنا، ﺷﻜﺮﺍً ﻟﻘﻨﻮﺍﺕ ﺍﻷﺧﺒﺎﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﺘﺘﻨﺎﻗﻞ ﺧﺒﺮ ﻣﻮتنا.
وفي السياق يضع
شاباً سودانياً تفاصيل حوزينة ومثيرة حول قصتهم الأكثر قسوة وإيلاماً قائلاً : اتفقنا
مع أحد المهربين على مساعدتنا في دخول ليبيا مقابل ألفين جنيه سوداني، وذلك بغرض العمل
كموظفين، المهم أننا شددنا الرحال عبر خارطة طريق بدأت من منطقة غرب مدينة امدرمان،
ثم تم وضعنا في منزل، وكنا وقتئذ مئة شخص تقريباً، ومن ذلك المنزل تحركنا بعربات ماركة
تويوتا، ومن هناك إلى منطقة (البوحات) على أساس أننا منقبين عن الذهب، لذلك كان مرورنا
مروراً طبيعياً، وكان أن وصلنا في الصباح، فاحضروا لنا شاحنات (كيوي) أوصلتنا قبل الحدود
السودانية التشادية، وبها تم إحضار ثلاثة عربات لاندكروزر تاتشرات، وعندما تحركت بنا
كان تمضي نحو وجهتها بسرعة، ما أدى إلى انقلاب إحداهم، ما نجم عن ذلك وفاة سته في الحال،
ولم يكترثوا لما حدث، وواصلنا المسير نحو الهدف، ليتم تسليمنا على الحدود الليبية السودانية
إلى شخوص آخرين لديهم أيضاً ثلاثة سياركات ماركة اللاندكروزر (تاتشرات) قامت بإيصالنا
إلى مسجد الشروق بمنطقة (اجيدابيا) الليبية التي كانت فيها المفاجأة غير المتوقعة حيث
تم حجزنا داخل (هنكر) ملئ بـ(القمل)، وبعض الأشياء المنفرفة للإنسان، واشترطوا للسماح
لنا بالتحرر أن يدفع كل منا فدية سبعة ألف جنيه سوداني، وعندما لم نستجيب قاموا بضربنا
مع ضرب الذخائر بالقرب من آذاننا تخويفاً لنا، وفي ظل ذلك الواقع المزري حاول ثلاثة
من مرافقينا الهرب، فتم القبض عليهم ثم يحضر أحد الحاجزين حديداً يطلقون عليها (الأميرة)،
ثم يطلب من السودانيين التوحد في زاوية من رواية (الهنكر)، ثم أمرنا بالجلوس على الأرضية
ليحضر علي خلفية ذلك حبالاً تم ربطنا بها، ثم يبدأ في الإعتداء على البعض منا بالجديدة
المسماة الأميرة للدرجة التي أحدث بها جروح في الكثيرين إلي أن (عفنت)، وهكذا واصلوا
مسلسل التعذيب حيث تم صب (البنزين) على أجساد البعض من السودانيين، بالإضافة إلي أحدهم
أشعل النار من أجل حرقهم، فما كان مني إلا أن تدخلت وقلت له : هل ترغبون في المال أم
تعذيبنا؟ فقال المال، عندها أكدت له أننا سندفع، وكان أن اتصلت وبأسرتي، وطلبت منها
أن تبيع المكيف الخاص بي وتسليم سعره إلى شخص بغرب مدينة امدرمان، ومن ثم سمح لنا بالدخول
إلى اجيدابيا الليبية، ومنحنا الجنسية السودانية للتمكن من التنقل داخل ليبيا، وبعد
الانتهاء من هذا الإجراء جاء ليبيين وأخذونا للعمل معهم في رعى المواشي بمنطقة التلت
القريبة من مطار (الابرق)، وهناك قالوا : (أنتم تم بيعكم لنا فلا تسألوا عن راتب شهري
أو حقوق نهاية خدمة وكل ما سنتكفل به إليكم الأكل والشرب والأزياء ولا شئ خلاف ذلك).
واستطرد : وجدنا
سودانياً سبقنا على العمل بهذه الكيفية، فسألناه عن الأسباب التي أدت إلى قطع أذنه
بعد أن قضى أكثر من عام مع هؤلاء؟ فقال : (عندما قررت ترك العمل والعودة إلى السودان
رفضوا الفكرة جملة وتفصيلا على أساس أنهم أشتروني)، وحينما وجدوا إنني مصراً على السفر
قاموا بقطع أذني، ثم عالجوني وأعادوني للعمل مرة ثانية.
واسترسل : وفي
ذات المكان وجدنا سودانياً آخراً يعمل بنفس الطريقة، ما حدا به أن يدخل في حالة نفسية
صعبة جداً لا يدري معها ماذا يفعل؟، خاصة وأنه لم يجد طريقة يهرب بها، ويعود إلى مسقط
رأسه.
وأردف : أما عنا
نحن الجدد فقد أنقذنا من ذلك الواقع السوداني أشرف الشهير في ليبيا بـ(ودالجبل) الذي
توفي فيما بعد في حادث، وكان أن تحصلت على رقم هاتفه واتصلت عليه، فطلب مني الخروج
من منطقة (التلت) إلى شارع (الزلط) بدون علم الليبيين، فما كان مني إلا وتوجهت إلى
منطقة (المرج الجديد)، وهناك قابلته فاستقبلني بحفاوة شديد وكرم سوداني لم أشهد له
مثيلاً، واستئجار لي عربة أجرة عدت بها إلى منطقة التلت، وأحضرت بقية السودانيين، وكان
أن تم ذلك وعدنا إليه فاستئجار لنا غرفة بمنطقة المرج الجديد، ومنها تحركنا مباشرة
إلى مدينة (بنغازي) التي عملت فيها في مجال (الحدادة) و(التجارة) حوالي الشهر إلا أن
صاحب العمل رفض رفضاً باتاً منحى مستحقاتي المالية، بل أخذ جوازي على أن يرده لي مقابل
ألفين درهم ليبي، وبالفعل دبرت له المبلغ وعندها اتصلت عليه، فحدد لي مكاناً ما وعندما
أتيت لم يأت، فلم يكن أمامي بداً سوى أن أتنقل بدون هوية، فتحركت من منطقة (بنغازي)
إلى مدينة (البيضاء) التي فيها ألقى على القبض، وتم وضعي في سجن بمنطقة (الشحاد) الذي
كان تقدم لنا فيه وجبة واحدة عبارة عن (خبز وجبنة)، بينما كان يتم تعذيبنا بالكهرباء
وغيرها من الوسائل المستحدثة في التعذيب، فيما كان يتم سؤالنا بشكل مستمر متى جئتم
إلى ليبيا، وهكذا إلى أن مضى (21) يوماً، فجا سودانياً وقام بإخراجنا من السجن، ثم
عملت في محل تجارى خاص بالإلكترونيات والذي قضيت فيه شهراً، فلم يتم منحى راتب الشهر،
لذا تركت العمل فيه، واتجهت إلى العمل في مطعم بمدينة البيضاء حوالي الشهر، ولم أمنح
راتب الشهر أيضاً، فغادرت المدينة إلى منطقة (اجيدابيا) بالطريق الصحراوي إلى أن وصلت
منطقة (الكفرة)، وظللت بها مع مجموعات كبيرة من السودانيين في إنتظار السفير معاوية
التوم الأمين الوزير المفوض بوزارة الخارجية القنصل العام لجمهورية السودان بالكفرة،
فاحضر لنا الناقلات التي شددنا بها الرحال من منطقة الكفرة إلى مدينة (دنقلا) السودانية.