من العبارات الشائعة في الأوساط المجتمعية عبارة (
راجعنا بكرة )!! خاصة عندما تذهب إلي الجهات التي تتعامل مع الجمهور بصورة مباشرة
في حين أن المعاملة التي أشرت لها ربما لا تتطلب من الموظف سوي دقائق أو ساعة أو
ساعتين من زمنه في حال كانت المعاملة تمر بمراحل مختلف ولكن في الغالب الأعم تكون
الأوراق مكتملة باستيفاء كل الشروط اللازمة لذلك وجدت نفسي أقف بتأمل عند الظاهرة
خاصة وأن هنالك من يشكو من انتشارها في بعض المؤسسات التي لديهم فيها معاملات
أكدوا أنهم قدموها في فترة لا توجد فيها معاملات آخري ودون اللجوء إلي واسطة تؤثر
علي الموظف.
ومن هنا أحلم بأن تجد كل المعاملات طريقها إلي الانتهاء
منها بسرعة فائقة ﻭ تشعر الجمهور بسهولة ذلك دون أن يبحث عمن يتوسط له من الأقارب
أو الأصدقاء أو الزملاء لإنهاء المعاملة بعيدا عن متلازمة (تعال بكرة ) وذلك في
الوقت الذي يناسب الموظف وربما تمتد المعاملة بهذه الطريقة العقيمة إلي أيام ورؤى
لي صديقي أنه
أصر إصراراً شديداً علي تقديم معاملته للموظف ملتزما بكل
الشروط الواجب توفرها حتى يتجنب متلازمة ( تعال بكرة ) وما أن سلم معاملته للموظف
إلا وقال له : ( تعال بكرة ) الأمر الذي أغضبه فدلف مباشرة إلي مكتب المدير ووضع
علي منضدته ما جري معه وزاد بأنه يمر بظروف قد تستدعيه للسفر خارج السودان.. فوجد
استجابة فورية تم علي أثرها استدعاء الموظف الذي مجرد ما خرج من مكتب المدير إلا
وقال لصاحب المعاملة : ( عاودني نهاية الدوام ) أي أنه استبدل متلازمة ( تعال
بكرة) ب( عاودني نهاية الدوام ) ..ولم يفعل صديقي ذلك كله إلا لاعتراضه التام علي
متلازمة ( تعال بكرة ).. وعندما أزفت الساعة جاء صديقي للموظف إلا أنه تفاجأ بموظف
آخر.. وعندما وجه له خطابه حول المعاملة خاصته قال له دون أن يرفع رأسه : ( تعال
بكرة ) الأمر الذي جعل صديقي يصاب بالإحباط الذي قاده للتراجع عن فكرته المتمثلة
في عدم الاستعانة بصديق.. وما أن تلقي ذلك الموظف مكالمة هاتفية إلا وبحث بين
المعاملات الموضوعة أمامه وسلم صديقي معاملته جاهزة.
يبدو أن متلازمة ( تعال بكرة ) تتطلب تدخلا عاجلا
للسيطرة علي الظاهرة من أجل تلاشيها من المشهد نهائيا.. وأن كانت الظاهرة ليست
بالجديدة فهي ظلت تلازمنا منذ زمن قديم أي أنها متوارثة جيلا تلو الآخر وتكمن
المشكلة في أنها مشكلة إدارية في المقام الأول والأخير.. بالتالي تفقد الإنسان
بعدم الإحساس بالمسئولية وبأهمية الزمن وخدمة الآخر والأخطر في الظاهرة أنها بدأت
تنتقل تدريجيا للشباب ما يشير بشكل واضح إلي أنها باقية لفترات وفترات.
وللأمانة والتاريخ الظاهرة لا تنطبق علي كل الموظفين
فهنالك مؤسسات واكبة التطور الإداري الذي يشهده العالم من حولنا ما جعلها سريعة في
قضاء معاملات الزبائن بأقل جهد ممكن.. إلا أن هنالك بعض الموظفين يعتقدون وهما أن
الوظيفة تخصه شخصيا.. لذلك يعمد إلي أن يأخذ راتبه الشهري بأقل جهد ممكن.. وهنالك
من يقولها صراحة بشتغل قدر مرتبهم ).. الأمر الذي يستوجب إذكاء روح الرقابة
الذاتية.. حتى نضمن انسياباً طبيعيا للعمل بعيدا عن متلازمة ( تعال بكرة ).