النزيل يحكي قصته المؤثرة بعد (5) سنوات من خلف القضبان
الخرطوم : سراج النعيم
حضر المحكوم (ناجي) البالغ من العمر ( 44 ) عاماً الدكتوراه من داخل
احدي السجون الولائية التي يقضي فيها عقوبة السجن بتهمة تزوير عملة سعودية وخلال تلك
الفترة تمكن من التحضير لدراساته العليا بالجامعة الولائية ذائعة الصيت من خلف
القضبان .
وقال : دخلت السجن من واقع قضية
تتعلق بتزييف العملة
السعودية التي تفاجأت في إطارها بأفراد المباحث بمدينتي يطرقون باب منزلنا
حوالي الساعة الحادي عشر مساء وكنت في تلك الأثناء نائماً إلا أنهم طلبوا من أسرتي
أن يتم إيقاظي فما كان منهم إلا أن نفذوا ما أشار به رجال الشرطة فتم إيقاظي في
ذلك التوقيت وعندما خرجت إليهم وجدت نفسي أعرفهم بالاسم فقالوا لي أن مدير شرطة
المحلية يطلب حضورك إليه فقلت ماذا يريد مني في هذا الوقت المتأخر؟ ورغماً عن هذا
السؤال لم يساورني الشك أنني متهم في أي بلاغ من البلاغات التي ترد إلي المحلية
بحكم أنني مراسل لعدد من الصحف السيارة اليومية بالإضافة إلي أنني معلم في المرحلة
الثانوية عندها توجهت معهم إلي قسم الشرطة تخطينا مكتب مدير شرطة المحلية فقلت لهم : لماذا
تجاوزتم المكتب المعني؟ فقالوا : نريدك لدقائق في مكتب آخر ثم قالوا : أتفضل اجلس
فجلست فقلت : أين مدير شرطة المحلية؟ فقالوا : نريدك نحن فقلت : إن شاء الله خير
قالوا : القينا القبض علي متهم بحوزته ثمانية ألف ريال سعودي بالسوق وعندما تم
سؤاله عن المصدر أشار إليك فقالوا : هل تعرف هذا المتهم؟ فقلت : ما هو أسمه؟
فقالوا : هو من المنطقة ( ........ ) فقلت من هذه المنطقة لا أعرف إلا الطلبة
الذين أدرسهم المهم أنهم في نهاية الحوار ذكروا لي اسمه فقلت لهم أعرفه فهو صاحب محل
تلفزيونات في السوق فقالوا : نعم ثم سألوني عن علاقتي به؟ فقلت : علاقة زبون مع
صاحب محل هل أعطيته الريالات السعودية أم لا؟ فقلت : بلي كم تبلغ قيمتها
الإجمالية؟ فقلت : ثمانية ألف ريال سعودي فقالوا : أنت بتعترف ... فقلت : أنتم
قلتم أن الريالات مزورة وأنا لم أعطيه ريالات مزورة بل هي ريالات حقيقية قالوا :
من أين آتيت بها؟ فقلت : أولاً أنا عدت من المملكة العربية في وقت قريب ثانياً
خلاف العودة من السعودية فما زالت الحوالات تأتي إليّ من هناك بغرض توزيعها إلي
أهلها وحتى أنا كمعلم هنالك رسوم دراسية تسدد لي بالعملة الحرة فيما قال لي المتهم : بدأت العمل في تجارة العملة وبما أنني كنت
أتعامل معه علي أساس أنني وكيل المدرسة حيث احضر له المايكروفونات المتعطلة حتى
يصلحها وأثناء ذلك قال : أنا بدأت العمل في تجارة العملة التي أضعها بطرفي شهر أو
شهرين وعندما يرتفع سعرها أقوم ببيعها وقد سمعت أن هنالك مبالغ مالية بالعملة الحرة
تصل إليكم في المدرسة من خارج السودان
فقلت : المعلومة صحيحة وعندما يصلني مبلغ ما سوف أحضره لك وعلي ضوء ذلك
أصبح يطاردني بصورة مستمرة إلي أن جاءني مبلغ الثمانية ألف ريال سعودي وأعطيته له
ومن ثم اتفقنا علي السعر الذي لم يسلمني في ظله ما تبقي من قيمة المبلغ المتفق
عليه هذه هي كل علاقتي بالمتهم فقال أفراد المباحث هنالك شهود يقولون أنك مشترك
معه في هذا العمل؟ فقلت : لا مشكلة لدي فقط احضروا هؤلاء الشهود الذين أتضح أنهم
من رجال الشرطة عموما تم تحويل البلاغ إلي المحكمة فكان الشهود الذين أشرت لهم
حينما يأتي السؤال عن المتهم المعني يقول الثمانية أنهم القوا القبض عليه في كمين
وهو يحمل مبلغ الثمانية ألف ريال في يده ويريد أن يسلمها لشخص ما وماذا عني أنا
كمتهم أيضا في البلاغ؟ قال رجال الشرطة : لم نشاهده ولم يستلم أو يسلم فيما قال
الشاكي : إنه لم يشاهدني ولم يسمع باسمي إلا من خلال التحريات وأنا شخصياً أو سمعت
صوته عبر الهاتف ولم أشاهده فالشاكي والشهود الثمانية لم يشيروا إليّ من قريب أو
بعيد ورغماً عن ذلك تم تفتيش منزلنا والمدرسة التي ادرس فيها أي أنهم قاموا بهذا
الإجراء في كل الأماكن التي لها صلة بي ولم يجدوا ما يدينني فقط وجدوا (كرتونه)
بداخلها ورق (A4) وجه إلي في إطارها سؤالا؟ فقلت :
أولا أنا رجل أراسل عدداً من الصحف بالإضافة إلي أنني معلم فمن الطبيعي أن يكون
بطرفي هذا الورق ومن هنا أصبحت كل جلسات القضية تمضي في صالحي لذلك اصريت أمام
المحكمة أن يتم إحضار صاحب رقم هاتف غريب ذو صلة بالقضية وقلت له لا علاقة لي
بالقضية من قريب أو بعيد وفي الجلسة الأخيرة الخاصة بالنطق بالحكم كنت علي يقين من
أنني برئ من الاتهام المنسوب إليّ فما كان من المحكمة إلا وأصدرت حكمها علي في
ثلاثة بلاغات هي الاحتيال التي تم الاعتماد فيها علي المتهم والحكم الثاني كان
يتعلق بالتزوير و تم الاستناد في ذلك علي ورق
(A4) فما كان مني إلا أن احضرت خبيرا من الخرطوم إلي المدينة التي
حوكمت فيها وكان أن قال إن ورق (A4) موجود
في كل مكان وحتى مكتبتي موجود بها حيث أنه يستخدمه الكثير من الأشخاص فيما أحضرت
شاهد دفاع قال : عندما اشتري المتهم هذا الورق قلت له ماذا تريد بهذا الورق؟ هل
أنت مجنون؟ فقال المتهم : هذا الورق رخيص لذلك من الأفضل أن اشتريه وعلي خلفية ذلك
حكم علي بـ( 5 ) سنوات في تهمة التزوير وعامين في تهمة ترويج العملة الأجنبية وسنة
بتهمة الاحتيال لتصبح جملة الأحكام ( 8 ) سنوات من تاريخه.
وأضاف : استأنفت الحكم الصادر ضدي وكان أن جاء رد محكمة الاستأنف مؤيداً
لحكم محكمة الموضوع بما أن المتهم الثاني شخصي يسكن قرية ( ....... ) وضبط متلبساً
بواسطة كمين بأذن من النيابة ويحمل النقود المزورة في يده وأنا لا أسكن القرية
التي تمت الإشارة إليها ولم يتم ضبطي في كمين بالريالات السعودية المزورة ولا أسكن
في القرية (....... ) إنما المعني بها المتهم الأول.
وأردف : هكذا استمرت القضية في درجات التقاضي علي أساس أنني أسكن القرية
التي تمت الإشارة إليها في القضية عليه قضيت الفترة الماضية في السجن الذي كان
بالنسبة إلي جامعة من واقع أنني عندما تدربت عسكرياً كنت أقول من لم يتعسكر فأن
حياته ناقصة وحينما حكم عليّ ودخلت السجن أضفت من لم يتعسكر ويدخل السجن فأن حياته
ناقصة وعلي هذا المنوال أكرر أن السجن كان بالنسبة إلي جامعة فأنا بعد ثلاثة أشهر
من تاريخ الحكم عليّ وضعي في السجن لم يعد وضع نزيل إنما أصبحت معلماً للنزلاء
وأمام مسجد السجن وخطيب الجمعة والأعياد وأي برنامج يتم عمله في السجن يتم من
خلالي وطورنا المسجد بالبناء عدة مرات وعلمنا الكثير من المساجين وأدخلنا الكثير
منهم في الإسلام بفضل الله سبحانه وتعالي ولدينا برنامج شهري تحت عنوان نزلاء
إصلاحيين نختار له نزيلاً يقف أمامنا لكي يقول خطبة وإذا كان لا يعرف نلقنه الخطبة
إلي أن يصبح لسانه طلق فاستطعنا بهذا النهج أن نخلق من السجن مؤسسة تربوية عملاً
بشعار السجون إصلاح وتهذيب حتى أن السجن أضحت له علاقات مع الأكاديميات والجامعات
وأصبحوا لديهم برامج مستمرة وكل سنة نخرج عدداً كبيراً من النزلاء المحكومين في (
يبقي لحين السداد ) الذين حكموا في مبالغ لا تتجاوز العشرين مليون .
ومضي : أما الدكتوراه فقد حضّرت لها بعد أن شعرت أن هنالك فراغاً في السجن بدأنا
نملأه بالمحاضرات فنحن يومياً نمارس هذا الفعل في العقيدة والسيرة عندها قلت لماذا
لا أعمل الماجستير والدكتوراه؟ وعلي خلفية ذلك جلست مع مدير السجن الذي تحمس
للفكرة وخاطب إدارة سجون السودان فردوا رداً جميلاً قالوا في مضمونه أنه من الفخر
والإعزاز لسجون السودان أن يكون من بينها نزيل يحضر الدكتوراه وكان أن بدأت مشواري
بدفع رسوم التسجيل للجامعة في تخصص علم اللغة في اللغة العربية بعدها وجدت مساعدة
كبيرة جداً من إدارة السجن وكانت الرسوم ( 7 ) مليون تم تخفيضها بنسبة 50 % في
اجتماع مجلس إدارة الجامعة وقد وجد موضوعي تجاوباً من إدارة السجن وإدارة الجامعة
فأصبحت بذلك أدفع دفعاً لإنهاء رسالة الدكتوراه ومن شروطهم أن تتم مناقشة الرسالة
بعد ثلاثة سنوات إلا أن اجتماع مجلس الأساتذة بالجامعة استثناني من تلك الفترة
وسمح لي بالمناقشة في عامين ونيف وبفضل الله سبحانه وتعالي أكملت رسالة الدكتوراة
ولولا السجن لما كان استطعت أن أنجز الرسالة في هذه السنوات.
وما الذي افتقدته وأنت خلف القضبان طوال السنوات الماضية؟ قال : افتقدت دفء
الأسرة وافتقدت الزوجة فأنا الآن عمري ( 44 ) عاماً ولم أتزوج بعد فأنا قبل الحكم
عليّ حضرت شيلتي بكل محتوياتها حتى أكمل نصف ديني إلا أن القضية التي سجنت فيها
وقفت سداً منيعاً من أن أتزوج من خطيبتي التي اخترتها من بين ملايين الفتيات تمسكت
بي أكثر من ذي أول ولكنني رفضت أن تنتظرني ( 8 ) سنوات للدرجة التي دخل في إطارها
وسطاء حيث استطعنا إقناعها أن تعيش حياتها ولكن بعد مرور كل السنوات التي قضيتها
ومازلت اقضي فيما تبقي منها شعرت أنني لو كان لدي زوجة أو ولداً أو بنتاً الوضع
كان سيكون أخف بكثير فأنا احتجت للأسرة .. حقيقة احتجت للأسرة وعملت بعض المحاولات
لكي أتزوج من داخل السجن وهي رغبة تراودني كما أنني لدي رغبة ثانية تتمثل في أن
أخرج من السجن دون أن أكمل المدة المحكوم بها وأنا استحق أن تحقق لي هاتين
الرغبتين
فأنا إنسان نظيف فلم يسبق أن تمت إدانتي في أي قضية سوي هذه القضية التي
اقضي فيها عقوبة السجن التي تبقي لي منها أكثر من عام (أنا شايف) أن ما طالبت به
هو حق مشروع لي فأنا جدير بهذا الحق فأنا تذكيني أعمالي.
كيف تنظر للمستقبل بعد الخروج من السجن ؟ قال : حسرة وألم وأسف شديدة وأنا
قررت صراحة أن أهاجر إلي خارج البلاد.
هل هذا للمرارات التي مررت بها؟ قال : ليس للمرارات أنا حزين ﻷنني لدي حق
لم أخذه وغيري أخذه بغير حق فالسجن خصم ست سنوات من عمري .
ما هي رسالتك للمجتمع من واقع تجربتك الشخصية؟ قال : الإنسان إذا وضع أمامه
هدف وسعي إليه رغماً عن الحسرة فأنه بلاشك سيحقق نجاح ما بعده نجاح فإذا تخالجتك
في يوم من الأيام الحسرة أو فقدت إنساناً عزيزاً فهم جميعاً قد يكونوا الدافع
للنجاح الذي تصنع منه شخصاً أخراً ناجحاً مطلعاً مفكراً يصلح المجتمع فنحن كلنا
نخدم بعضنا البعض فهذه المعطيات يجب أن نحققها وإذا لم نحققها تماماً فلا فائدة
لوجودنا في الدنيا.
بماذا كنت تحس عندما تخلو بنفسك في السجن؟ قال : هل يستطيع المجتمع أن يخلق
مدينة فاضلة؟ الإجابة عندي كانت حاضرة فمن الصعب تأسيس مدينة فاضلة ﻷنه من الصعب
تغيير المجتمع فحتي في زمن الصحابة كان هنالك ظلم وطالما أن هذه الغاية صعب
تحقيقها كنت أفكر في كيفية التخفيف بالبحث عن مجتمع صادق وحقيقة كلما خلوت لنفسي
أتسأل هل يمكن أن نصنع المدينة الفاضلة مدينة أفلاطون هل يمكن أن نصنع تلك المدينة
ولو بنسبة ( 50 %) أي تكون شبه فاضلة.
ما هي مشاهداتك من داخل السجن؟ قال : أنا راض عن السجون السودانية ولكن
عليها أعباء كبيرة جداً الأكل الشرب الملبس وراحة النزلاء وعلاجهم.
لماذا لم تطرح قضيتك للرأي العام من البداية؟ قال : الخوف.
من ماذا؟ قال : لم أولي قضيتي اهتماماً ﻷنني كنت واثقاً من براءتي.