دمشق،
سوريا (CNN)-- كانت الطفلة السورية رينا تلهو في صالة منزلها، آمنة في حضن
والدتها، عندما مزقت رصاصة خدها، وأطلقت صرختها باكية بحرقة نحو أمها،
ولكن ليس طويلا، قبل أن تصمت ويمتلئ فمها الصغير بالدماء.
انهمر
الرصاص من كل مكان على منزلها، وخرق زجاج النوافذ من على الشرفة، ووصل إلى
خدها وحطم أسنانها، ومزق عائلتها، لتبدأ محنة جديدة لهم في حلب، تتمثل في
العثور على المساعدة الطبية، وبسرعة.
هرع أحد جيران عائلة رينا بها إلى الشارع، يحملها راكضا بسرعة،
وعلى تلك الحالة شاهده فريق CNN وسط دمار حلب وفظائع القتال فيها يوميا.
أوقف الرجل سيارة شحن وبدأ السباق نحو المستشفى، وتبعهم فريق
CNN دون معرفة ما سيحدث، وبعد دقيقة واحدة، لاحظ الرجل وجود الفريق ورأى أن
سيارته تتحرك من خلال الشارع بشكل أسرع، فأوقف الشاحنة ونزل وركض نحو فريق
CNN، وصرخ طالبا النجدة.
ألقى بالطفلة رينا على المقعد الخلفي لسيارة فريق CNN وطلب منهم أن يسرعوا إلى المستشفى، وقال: "يا جماعة، إنها تختنق."
هرعت السيارة وسط الشارع وأطلقت أبواقها عالية، غير أن صوت رينا
وهي تتنفس بصعوبة كان أكثر وضوحا.. إذ كانت تغرغر وتتحشرج.. والدم يتدفق
من خديها، وحاول الرجل- الذي أتى بها- أن يصرخ ليبعد السيارات الأخرى..
وبعد دقيقة بدت دهرا، وصلت السيارة إلى المستشفى.
العاملون في مستشفى دار الشفاء يرون الصدمات والمآسي كل ساعة في
أشكال كثيرة، ولكن طفلة مصابة بعيار ناري في وجهها، لا يزال مشهدا يهز
الأطباء.
هرع الأطباء برينا إلى غرفة الطوارئ وبدأوا يعالجون وجهها،
ليروا أن الرصاصة دخلت فمها محدثة فتحة صغيرة فقط، لكنها خرجت من الجانب
الآخر وقد مزقته تماما.
وسرعان ما أصبح واضحا على الأطباء بأنها سوف تنجو، إذ أصبحت تتنفس بشكل أفضل.
ولكن مشكلة واحدة بقيت، وهي أن مستشفى دار الشفاء يقع في مناطق
مقاتلي المعارضة، حيث الإمدادات الطبية استنفذت ويصعب إيجاد المزيد منها،
والقرارات التي يتخذها الأطباء يوميا تتحدى المنطق.
وفي حالة رينا تجرأ الأطباء على التفكير بما لا يعقل، إذ أنها
كانت بحاجة لجراحة عاجلة في وجهها، فأرسلوها عبر جبهة القتال إلى مستشفى
حكومي أفضل تجهيزا، في شاحنة توارت قليلا فقليلا في الشارع.
وفي هذه الأثناء كانت والدتها وجدتها وجارتهما ما زلن في المنزل
يحاولن استيعاب ما حدث، وعلى السلالم التي تقود إلى البيت كانت دماء رينا،
وداخل الشقة تناثرت أسنانها المحطمة، وفي النافذة ثقب صغير حيث دخلت
الرصاصة.
ووفقا لتقييم مستشار أمني كان يرافق فريق CNN للحفاظ على
سلامته، فإن الثقب تسببت به رصاصة، كان من الواضح أنها أطلقت من إحدى
العمارات السكنية العالية المقابلة لمكان منزل رينا.
وهذه المباني هي داخل مناطق يسيطر عليها مقاتلو المعارضة، ولكن
يعتقد أن القناصة الذي يعملون مع جماعات "الشبيحة" سيئة السمعة، تعمل داخل
تلك المناطق، كما لا يمكن تفسير قيام الجيش السوري الحر بإطلاق النار على
الناس بمناطق متعاطفة معه، وفق روايات الحكومة.
لقد كان الزجاج الذي مرت من خلاله الرصاصة شفافا، وهذا يعني أن
القناص شاهد بالضبط ما الذي الذين كان يستهدفه، ولكن الطابع العشوائي الذي
لا يميز بين الأهداف هو ما يجعل إطلاق النار على رينا مأساويا، وتقشعر له
الأبدان.
ساد الهدوء في ذلك الوقت بين أفراد الأسرة، إذ اعتبروا أن رينا
الآن تحصل على أفضل رعاية طبية، لكنهم بدأوا يعدون العدة لرحلتهم الخطرة
إلى المستشفى الحكومي لرؤيتها.
وفي صباح اليوم التالي، عاد فريق CNN إلى المنطقة، وأخبره
السكان المحليون على نحو مفاجئ بأن رينا توفيت.. وكان من الصعب أن يصدق أن
الفتاة التي شهدها تتعافى، قد توفيت متأثرة بجراحها.
ورفضت الأسرة التحدث إلى فريق الشبكة في البداية، وقيل لهم إن
الأب كان غاضبا لأنهم دخلوا المنزل، ذلك أنه كان يخشى من انتقام القوات
الحكومية.
وبعد نحو ساعة، وافق أحد أقارب العائلة على مقابلة فريق
CNN ولكن خارج المنزل، وقال إن رينا أخدت إلى مستشفيين حكوميين، وفي كل
منهما حاول الأطباء مساعدتها، وفشلوا في كل مرة، إذ يبدو أن الرصاصة، التي
لم يجدوها داخل فمها، استقرت في حلقها.
رصاصة قناص قتلت طفلة في الرابعة من عمرها، وتركت الجميع
يتساءلون: ترى كيف سينتهي العنف الذي يجتاح حلب الآن؟ وكيف سيعود المدنيون
في هذه المدينة إلى الحياة كما عرفوها يوما ما؟