إذا أراد أي شخص الخروج من المنزل إلى العمل، فإنه يحتاج إلى أكثر من (2000) جنيه، أى ما يعادل (60000) جنيه شهرياً، وهذا في حال أنه لم يصادفه أى (شخص) في المواصلات، بالإضافة إلى أنه ربما يتجاوز وجبة (الغداء)، (العشاء)، المشروبات (الباردة) و(الساخنة)، وفواتير آخرى أشد قسوة إيلاما مثلاً السكن، الإلتزامات الأسرية، الكهرباء، المياه، الكساء والدواء، فما بالك بمن لديه أطفال، وكما تعلمون فإن الأطفال لا يعرفون كلمة (ما عندي).
مما ذهبت إليه، فإنني قررت في هذا اليوم التحرك من منزلي بالثورة للعمل بالخرطوم، والذي ما أن خرجت منه إلا وأوقفت (ركشة)، فتفاجأت بأن (مشوارها) ارتفع من (100) جنيه إلى (200) جنيه، وعليه تبقي معي (1800) جنيه، ثم ركبت حافلة (هايس) من مدينة النيل إلى الشهداء امدرمان، فوجدت تعريفتها ارتفعت من (100) جنيه إلى (150) جنيه، فتبقي معي (1650) جنيه، ثم ركبت حافلة (كريز) من الشهداء أمدرمان إلى الخرطوم، فوجدتها أيضاً ارتفعت من (150) جنيه إلى (200) جنيه، فتبقي بحوزتي (1450) جنيه، فيما تناولت وجبة الإفطار (فول) مع بعض (الطعمية) و(البيض) بـ(700) جنيه، فتبقي بطرفي (750) جنيه، ثم ركبت من أمام جامعة النيلين إلى شارع الجمهورية بـ(100) جنيه، فتبقي معي (650) جنيه، فما كان مني إلا وارتشفت كوب شاي بـ(100) جنيه، فتبقي معي (450) جنيه، وحوالي الساعة الرابعة مساء جاءني ضيفاً، فسألته ماذا تشرب؟ فقال : (قهوة) وطبعاً القهوة أصحبت بـ(200) جنيه، ليتبقي معي (250) جنيه، وعند انتهاء الدوام خرجت من المكتب صوب مستشفي (الزيتونة)، وركبت من جوارها حافلة (هايس) لشارع الحرية بـ(100) جنيه، فتبقي معي (150) جنيه، وبما أنها أقل من تعريفة المواصلات من الخرطوم إلى أمدرمان اضطررت أن أبيع الرصيد الذي احتفظ به في هاتفي السيار للطواريء، وذلك حتي أتمكن من العودة إلى منزلي، عموماً جلست قليلاً اتأمل السياسات الاقتصادية (الطاحنة) المنتهجة من الحكومة الإنتقالية، فوجدت أنها سياسات اقتصادية قاسية جداً على ذوي الدخل المحدود، لذلك تركز جل تفكيري في من يدير الملف الاقتصادي بـ(المهدئيات) و(المسكنات).
إن الوضع الراهن للسودان لن ينصلح، طالما أن من يدير الملف الاقتصادي يمضي به من (فشل) إلى (فشل) ذريع، وبالتالي تجدني على قناعة تامة بأن الوضع الاقتصدي لن يشهد تحسناً على المدي القريب أو البعيد، بل ستتضاعف الفواتير مع إشراقة كل صباح، وستدخل الكثير من الأسر في حسابات اقتصادية بالغة التعقيد، ورغماً عن ذلك التعقيد لا تكترث السلطات المختصة لمعيشة الناس (قفة الخضار)، والتي ارتفعت في ظلها الأسعار بشكل يفوق القدرات المالية لها، فالصرف اليومي لها لا يوازي الدخل الشهري.
هنالك أسباب كثيرة ساهمت في إرتفاع الأسعار أبرزها تعويم الجنيه السوداني مقابل الدولار الأمريكي، و(جشع) و(طمع) بعض المؤسسات، الشركات، التجار وأصحاب المركبات العامة، والتي لم تول عنايتها لـ(لمساكين) و(الفقراء)، وهذا يعود إلى أن المعالجات الاقتصادية لوزارة المالية تمضي نحو (الفشل) بسرعة فائقة، وليس هنالك تفكير جاد لإيجاد حلول ناجزة، مما يؤكد أن البعض لا يأبه بما يمكن أن يحدث للناس في ظل (الفقر) المقدع.
شيء مؤسف جداً أن تكون الأسعار حسب الأهواء الشخصية، فالزيادات تتم بصورة يومية، ولا تراعي الأوضاع الاقتصادية (الطاحنة)، ومع هذا وذاك تتضاعف الأسعار بنسب عالية جداً، ورغماً عن ذلك اتخذت الحكومة الإنتقالية قرار تعويم الجنيه السوداني مقابل الدولار الأمريكي، لذلك السؤال إلى متي سيكون محمد أحمد الغلبان ضحية السياسات الاقتصادية الخاطئة، والاستغلال الممنهج، المقنن والسافر الذي يمارسه هؤلاء أو أولئك دون رأفة أو رحمة؟؟، والذي يضغط به على المواطن المغلوب على أمره، لذلك يجد الإنسان نفسه مضطراً إلى بيع ومقايضة بعض الاثاثات المنزلية، الأزياء ومقتنيات آخري لتسديد ديون البقالات والمحلات التجارية، فالديون تتراكم يوماً تلو الآخر بسبب الأوضاع الاقتصادية المذرية، بالإضافة إلى ظهور وانتشار جائحة (كورونا)، وهو ما ضاعف من المعاناة الناجم عنها أرتفاع أسعار السلع الاستهلاكية الضرورية المنقذة للحياة، ويحدد كل صاحب سلعة سعرها بما يتناسب مع (جشعه) و(طمعه)، والغريب في الأمر هو أن الأسعار تتفاوت من محل تجاري إلى آخر، وعندما تسأل إياً منهم لماذا؟ يأتيك الرد بأن الدولار الأمريكي ارتفع سعر صرفه مقابل الجنيه السوداني، بالإضافة إلى الزيادات الكبيرة في (الوقود)، مما جعل الترحيل مكلفاً جداً، المهم إنني استخلص من إجاباتهم عدم توافر البضائع وترحيلها، مما ضاعف الأسعار، والتي اجبرت الكثير من الأشخاص التزام المنازل، وبالتالي لم يعد هنالك إنساناً (منتجاً) بقدر ما أنه أصبح (مستهلكاً)، ويعتمد في استهلاكه على الإقتراض من البقالات والمحلات التجارية الموجودة في المدن والأحياء والشوارع العامة والأسواق.
إن إرتفاع الأسعار أصبح لا يطاق نهائياً، مع التأكيد أن أي سلعة تزيد لن تعود إلى سابق عهدها حتي ولو أصبح الدولار بـ(جنيه)، وإذا أستمر الوضع على ما هو عليه، فإن هنالك ثورة قادمة لتصحيح مسار السياسات الاقتصادية خاصة وأن رفع الأسعار أصبح عادة من العادات المكتسبة من نظام الرئيس المخلوع (عمر البشير)، والذي حرر السوق، وسن سنة رفع الدعم عن المحروقات، وزيادة سعر الدولار الجمركي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق