تعتبر (أم الحسن) الهوارية أشهر صاحبة قهوة
وكافتيريا بطريق شريان الشمال حيث بدأت قصتي معها بأول لقاء صحفي وذلك في اليوم الذي جئت فيه على غير العادة إلي
مقر صحيفة ( الدار) بالخرطوم في الصباح الباكر لكتابة صفحة (أوتار الأصيل)، وقبل أن
أدلف إلي المكتب تفاجأت بسيدة كبيرة في السن تجلس وبعض الشبان على الأرض بمدخل الصحيفة،
وكانوا يتفاكرون في ماذا؟ لا أدرى، ولكن كانت تعتريني رغبة في التعرف على تلك السيدة
إلا أنني كنت متخوفاً من أن يكون لهم موعداً مع أحد الزملاء باعتبار أن لديها إشكالية،
وتود طرحها عبر الصحيفة، الأمر الذي جعلني اتجاوز رغبتي وبالرغم عن ذلك كان منظرها
يطل أمام عيني فقلت في غرارة نفسي لماذا لا اقتحم عليها خلوتها مع أولئك الشبان وأسألها
عن إشكاليتها؟ المهم أنني خرجت من المكتب نحوها مباشرة وسألتها ما هي مشكلتك؟ فلم ترد
على والتفت إلي أحد الشبان متسائلة ماذا قال؟ فرد هو علي قائلاً : هذه السيدة هي والدتي
(أم الحسن) أشهر صاحبة قهوة بطريق شريان الشمال ثم أردف : وهي لها قصص مثيرة في الصحراء
إلي جانب أن لها علاقة قوية بالرئيس الراحل جعفر محمد نميري الذي استجاب لها أبان ما
كان حاكماً للسودان بأن حفر لها بئراً بالمنطقة التي تقطن فيها، عموماً عندما فرغت
من الحوار والتقطت لأم الحسن صوراً قررت أن أعود بالحوار إلي المنزل وكتابته فيما
بعد ومن ثم تسليمه السكرتارية في صباح اليوم التالي، وبالفعل تحركت من مقر الصحيفة،
وما أن وصلت وسط الخرطوم إلا ورن هاتفي، وحينما نظرت في الشاشة وجدت المتصل الأستاذ
أحمد البلال الطيب رئيس مجلس إدارة صحيفة ( الدار)، ورئيس تحرير صحيفة (أخبار اليوم)
فقال لي بالحرف الواحد : أين أنت الآن؟ فقلت : وسط الخرطوم فقال : أركب أي عربة أجرة
وعود إلي مقر الصحيفة وكان أن استجبت لرغبته وعندما وصلت مقر الصحيفة وجدت الأستاذ
معاوية محمد علي سكرتير التحرير يسألني عن نص حوار الحاجة أم الحسن؟ فقلت : لم أعيد
صياغته حتى الآن فقال : الأستاذ أحمد البلال الطيب يرجو منك أن تكتب منه خبر، فقلت
إنه ابلغني بذلك، وكان أن كتبت خبراً مطولاً من الحوار الذي اجريته مع أم الحسن فتفاجأت
في صباح اليوم التالي بأن صوري وصور أم الحسن والمشيرين النميري والرئيس المخلوع
عمر البشير تتصدر صدر الصفحة الأولى مصحوبة بالخطوط العريضة والخبر الذي كتبته، وكان
هذا الحوار التوثيقي الوحيد الذي تم للسيدة أم الحسن.
وأم الحسن التي التقيتها سيدة كبيرة في
السن وتعاني من إشكالية بسيطة في السمع لذا كان أحد أبنائها حلقة الوصل في إدارة الحوار
الذي بدأت تداعياته على بأن طلبت منهم تشريفي في المكتب حتى أتمكن من التوثيق لأم الحسن،
فهي إنسانة جديرة بذلك، وبدأت أم الحسن في رواية قصتها من الألف للياء وكيف كان لقاءها
بالرئيسين الراحل جعفر محمد النميري والمخلوع عمر البشير، فالأول تبرع لها بحفر بئر
بينما تبرع الثاني بعربة والأخيرة هي السبب في إجراء الحوار إذ أن البشير أصدر توجيهاته
بأن تمنح أم الحسن عربة دفع رباعي لحظة افتتاح طريق شريان الشمال، ولكنها لم تستطع
الحصول عليها ما استدعاها اللجوء إلي الصحيفة لإيصال صوتها، أما قصتها مع الرئيس الراحل
المشير النميري فبدأت عندما زار المنطقة وقهوتها ولم يجدها فسأل عنها فجاءه الرد بأن
أم الحسن ذهبت في مشوار؟ فقال : ألم تسمع بأنني سآتي إلي هنا؟ فقالوا : أم الحسن لا
تملك راديو فحزن النميري حزناً شديداً وأمر بأن تمنح أم الحسن راديو حتى تستطيع أن
تستمع نشرة الأخبار وتعرف موعد زيارته الثانية للمنطقة وقوتها وعندما أزفت ساعة زيارة
النميري كانت أم الحسن في مقدمة مستقبلية فسألها عن حالته الصحية؟ فقالت : الحمدلله
ثم أردف : ما الذي تحتاجين وإليه فلم تطلب لنفسها شيئاً، بل طلب حفر بئر لمنطقتها،
هذه هي الحاجة أم الحسن ﺻﺎﺣﺒﺔ أشهر قهوة بطريق شريان الشمال الطريق الممتد من مدينة
(ﺍﻣﺪﺭﻣﺎﻥ) إلي مدينة (دنقلا).
وقالت : لم أكن أفكر في نفسي بقدر ما كنت
أفكر في تنمية المنطقة وتطوير القهوة إلي كافتيريا حديثة، وكنت استثمر أي فرصة لخدمة
أهلي والمسافرين، وظللت على هذا النحو منذ أن كان هذا الطريق صحراء جرداء، صحراء قاحلة
ما يربو عن ﺳﺘﺔ ﻋﻘﻮﺩ ﺃﻭ ﻳﺰﻳﺪ، وخلال تلك العقود فكرت في إنشاء قهوة (أم الحسن)، ثم
طورتها فيما بعد إلي قهوة وكافتيريا حديثة ساهم معي في إنشائها الباشمهندس عطا المنان
وواصل اسهاماته معي داعماً للمشروع بالسكر والشاي والكراسي والترابيز، وكلما مر عبر
طريق شريان الشمال لا يقصر معي، المهم أن المنطقة بفضل الله، وطريق شريان الشمال تمت
تنميتها بعد أن كانت صحراء جراء صحراء قاحلة لا خضرة ولا مياه، إنما كانت مليئة بالكثبان
الرملية الثابتة والمتحركة.
وتضيف ( أم الحسن) : من المعلوم أن طريق
شريان الشمال يمتد من مدينة ﺍﻣﺪﺭﻣﺎﻥ إلي مدينة ﺩﻧﻘﻼ ويبلغ ﻃﻮﻟﻪ ( 594) ﻛﻴﻠﻮ متر ﻣﺮﻭﺭﺍً
بمنطقة (ابوﺿﻠﻮﻉ) ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺪ (68) ﻛﻴﻠﻮ متر ﺷﻤﺎﻝ ﻏﺮﺏ ﺃﻣﺪﺭﻣﺎﻥ وﻳﻤﺘﺪ ﻟﻤﺴﺎﻓﺔ ( 7) ﻛﻴﻠﻮ ﻣﺘﺮﺍﺕ.
وتتذكر أم الحسن كيف كان هذا الطريق قبل
أن يتم رصفه بالإسفلت؟ قائلة : كان من الصعب على الإنسان أن يسلك هذا الطريق الصحراوي
ومن يفعل فهو مفقود ولم تفلح معه كل عمليات البحث عن المفقودين أو أن يستطيعوا الخروج
من ذلك النفق ما يؤكد أن من يدخل تلك المنطقة مفقود.. مفقود.. والخارج منها مولود..
مولود.. إلا أنني خبرت الصحراء جيداً، وذلك من كثرة ترحالي فيها من منطقة إلي أخري
حتى أنني أصبحت خبيرة فيها من منطقتي، وﺣﺘﻰ منطقة (ﺍﻟﺘﻤﺘﺎﻡ) ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺪ ( 200) ﻛﻴﻠﻮ متر،
فيما تجد أن منطقتي ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺪ ( 50) ﻛﻴﻠﻮ متر.
أين تقع قهوتك جغرافيا؟ قالت : ﻋﻠﻰ امتداد
ﺻﺤﺮاء ( ﺑﻴﻮﺿﺔ)، وكان السفر قبل افتتاح طريق شريان الشمال بالعربات (اللواري) ثم تطور
إلي البصات، ومع هذا التطور قهوتي إلي كافتيريا، فأصبحت مشهورة، ولكن شهرتي زادت عندما
زارني الرئيس الراحل جعفر محمد النميري مرتين المرة، الأولي لم يجدني وأهداني راديو،
وفي المرة الثانية حفر لي بئراً.