الأربعاء، 22 مايو 2019

سراج النعيم يكتب : قصة حواري مع ( أم الحسن) أشهر صاحبة قهوة شمال السودان



تعتبر (أم الحسن) الهوارية أشهر صاحبة قهوة وكافتيريا بطريق شريان الشمال حيث بدأت قصتي معها بأول لقاء صحفي  وذلك في اليوم الذي جئت فيه على غير العادة إلي مقر صحيفة ( الدار) بالخرطوم في الصباح الباكر لكتابة صفحة (أوتار الأصيل)، وقبل أن أدلف إلي المكتب تفاجأت بسيدة كبيرة في السن تجلس وبعض الشبان على الأرض بمدخل الصحيفة، وكانوا يتفاكرون في ماذا؟ لا أدرى، ولكن كانت تعتريني رغبة في التعرف على تلك السيدة إلا أنني كنت متخوفاً من أن يكون لهم موعداً مع أحد الزملاء باعتبار أن لديها إشكالية، وتود طرحها عبر الصحيفة، الأمر الذي جعلني اتجاوز رغبتي وبالرغم عن ذلك كان منظرها يطل أمام عيني فقلت في غرارة نفسي لماذا لا اقتحم عليها خلوتها مع أولئك الشبان وأسألها عن إشكاليتها؟ المهم أنني خرجت من المكتب نحوها مباشرة وسألتها ما هي مشكلتك؟ فلم ترد على والتفت إلي أحد الشبان متسائلة ماذا قال؟ فرد هو علي قائلاً : هذه السيدة هي والدتي (أم الحسن) أشهر صاحبة قهوة بطريق شريان الشمال ثم أردف : وهي لها قصص مثيرة في الصحراء إلي جانب أن لها علاقة قوية بالرئيس الراحل جعفر محمد نميري الذي استجاب لها أبان ما كان حاكماً للسودان بأن حفر لها بئراً بالمنطقة التي تقطن فيها، عموماً عندما فرغت من الحوار والتقطت لأم الحسن صوراً قررت أن أعود بالحوار إلي المنزل وكتابته فيما بعد ومن ثم تسليمه السكرتارية في صباح اليوم التالي، وبالفعل تحركت من مقر الصحيفة، وما أن وصلت وسط الخرطوم إلا ورن هاتفي، وحينما نظرت في الشاشة وجدت المتصل الأستاذ أحمد البلال الطيب رئيس مجلس إدارة صحيفة ( الدار)، ورئيس تحرير صحيفة (أخبار اليوم) فقال لي بالحرف الواحد : أين أنت الآن؟ فقلت : وسط الخرطوم فقال : أركب أي عربة أجرة وعود إلي مقر الصحيفة وكان أن استجبت لرغبته وعندما وصلت مقر الصحيفة وجدت الأستاذ معاوية محمد علي سكرتير التحرير يسألني عن نص حوار الحاجة أم الحسن؟ فقلت : لم أعيد صياغته حتى الآن فقال : الأستاذ أحمد البلال الطيب يرجو منك أن تكتب منه خبر، فقلت إنه ابلغني بذلك، وكان أن كتبت خبراً مطولاً من الحوار الذي اجريته مع أم الحسن فتفاجأت في صباح اليوم التالي بأن صوري وصور أم الحسن والمشيرين النميري والرئيس المخلوع عمر البشير تتصدر صدر الصفحة الأولى مصحوبة بالخطوط العريضة والخبر الذي كتبته، وكان هذا الحوار التوثيقي الوحيد الذي تم للسيدة أم الحسن.
وأم الحسن التي التقيتها سيدة كبيرة في السن وتعاني من إشكالية بسيطة في السمع لذا كان أحد أبنائها حلقة الوصل في إدارة الحوار الذي بدأت تداعياته على بأن طلبت منهم تشريفي في المكتب حتى أتمكن من التوثيق لأم الحسن، فهي إنسانة جديرة بذلك، وبدأت أم الحسن في رواية قصتها من الألف للياء وكيف كان لقاءها بالرئيسين الراحل جعفر محمد النميري والمخلوع عمر البشير، فالأول تبرع لها بحفر بئر بينما تبرع الثاني بعربة والأخيرة هي السبب في إجراء الحوار إذ أن البشير أصدر توجيهاته بأن تمنح أم الحسن عربة دفع رباعي لحظة افتتاح طريق شريان الشمال، ولكنها لم تستطع الحصول عليها ما استدعاها اللجوء إلي الصحيفة لإيصال صوتها، أما قصتها مع الرئيس الراحل المشير النميري فبدأت عندما زار المنطقة وقهوتها ولم يجدها فسأل عنها فجاءه الرد بأن أم الحسن ذهبت في مشوار؟ فقال : ألم تسمع بأنني سآتي إلي هنا؟ فقالوا : أم الحسن لا تملك راديو فحزن النميري حزناً شديداً وأمر بأن تمنح أم الحسن راديو حتى تستطيع أن تستمع نشرة الأخبار وتعرف موعد زيارته الثانية للمنطقة وقوتها وعندما أزفت ساعة زيارة النميري كانت أم الحسن في مقدمة مستقبلية فسألها عن حالته الصحية؟ فقالت : الحمدلله ثم أردف : ما الذي تحتاجين وإليه فلم تطلب لنفسها شيئاً، بل طلب حفر بئر لمنطقتها، هذه هي الحاجة أم الحسن ﺻﺎﺣﺒﺔ أشهر قهوة بطريق شريان الشمال الطريق الممتد من مدينة (ﺍﻣﺪﺭﻣﺎﻥ) إلي مدينة (دنقلا).
وقالت : لم أكن أفكر في نفسي بقدر ما كنت أفكر في تنمية المنطقة وتطوير القهوة إلي كافتيريا حديثة، وكنت استثمر أي فرصة لخدمة أهلي والمسافرين، وظللت على هذا النحو منذ أن كان هذا الطريق صحراء جرداء، صحراء قاحلة ما يربو عن ﺳﺘﺔ ﻋﻘﻮﺩ ﺃﻭ ﻳﺰﻳﺪ، وخلال تلك العقود فكرت في إنشاء قهوة (أم الحسن)، ثم طورتها فيما بعد إلي قهوة وكافتيريا حديثة ساهم معي في إنشائها الباشمهندس عطا المنان وواصل اسهاماته معي داعماً للمشروع بالسكر والشاي والكراسي والترابيز، وكلما مر عبر طريق شريان الشمال لا يقصر معي، المهم أن المنطقة بفضل الله، وطريق شريان الشمال تمت تنميتها بعد أن كانت صحراء جراء صحراء قاحلة لا خضرة ولا مياه، إنما كانت مليئة بالكثبان الرملية الثابتة والمتحركة.
وتضيف ( أم الحسن) : من المعلوم أن طريق شريان الشمال يمتد من مدينة ﺍﻣﺪﺭﻣﺎﻥ إلي مدينة ﺩﻧﻘﻼ ويبلغ ﻃﻮﻟﻪ ( 594) ﻛﻴﻠﻮ متر ﻣﺮﻭﺭﺍً بمنطقة (ابوﺿﻠﻮﻉ) ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺪ (68) ﻛﻴﻠﻮ متر ﺷﻤﺎﻝ ﻏﺮﺏ ﺃﻣﺪﺭﻣﺎﻥ وﻳﻤﺘﺪ ﻟﻤﺴﺎﻓﺔ ( 7) ﻛﻴﻠﻮ ﻣﺘﺮﺍﺕ.
وتتذكر أم الحسن كيف كان هذا الطريق قبل أن يتم رصفه بالإسفلت؟ قائلة : كان من الصعب على الإنسان أن يسلك هذا الطريق الصحراوي ومن يفعل فهو مفقود ولم تفلح معه كل عمليات البحث عن المفقودين أو أن يستطيعوا الخروج من ذلك النفق ما يؤكد أن من يدخل تلك المنطقة مفقود.. مفقود.. والخارج منها مولود.. مولود.. إلا أنني خبرت الصحراء جيداً، وذلك من كثرة ترحالي فيها من منطقة إلي أخري حتى أنني أصبحت خبيرة فيها من منطقتي، وﺣﺘﻰ منطقة (ﺍﻟﺘﻤﺘﺎﻡ) ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺪ ( 200) ﻛﻴﻠﻮ متر، فيما تجد أن منطقتي ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺪ ( 50) ﻛﻴﻠﻮ متر.
أين تقع قهوتك جغرافيا؟ قالت : ﻋﻠﻰ امتداد ﺻﺤﺮاء ( ﺑﻴﻮﺿﺔ)، وكان السفر قبل افتتاح طريق شريان الشمال بالعربات (اللواري) ثم تطور إلي البصات، ومع هذا التطور قهوتي إلي كافتيريا، فأصبحت مشهورة، ولكن شهرتي زادت عندما زارني الرئيس الراحل جعفر محمد النميري مرتين المرة، الأولي لم يجدني وأهداني راديو، وفي المرة الثانية حفر لي بئراً.


سراج النعيم يكتب : الثورة ثورة الشباب لا الأحزاب


مما لاشك فيه أن شعارات الثورة الشبابية السودانية كان لها دوراً ريادياً في وضع حد لنظام الرئيس (المخلوع) عمر البشير إذ أنها بدأت تدريجيا سلمية.. سلمية ومدنية.. مدنية إلي أن اوصدت الباب تماماً في وجه النظام البائد بأن ارتفع سقفها إلي تسقط بس.. تسقط بس وبعدها انتقلت إلي مرحلة الاعتصام أمام القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة وهناك تغيرت الشعارات لتتوافق مع تطورات الثورة التصحيحية وفق التفاوض الذي يجري بين المجلس العسكري الانتقالي وقوي إعلان الحرية والتغيير مثلا صابنها.. صابنها.. والحل في البل وغيرها من الشعارات البراقة والجاذبة التي رددها الجميع في كافة أرجاء المعمورة.
فيما نجد أن الشرارة الأولي للثورة الداعية للحرية والعدالة والسلام انطلقت من مدينة (عطبرة) شمال السودان وهي مدينة الجسارة والصمود والصبر على الابتلاءات والافتراءات المستمرة منذ ثلاثة عقود من عمر النظام السابق والذي وقفت في وجهة دون وجل أو خوف من بطشه وقمعه وقهره الذي ظل يمارسه منذ تقلده الحكم في البلاد هكذا ظلت (عطبرة) تكافح وتنافح وتناضل كل الأنظمة الديكتاتورية على مر تاريخها العريق والمشهود بالصمود وبالتالي كان لها القدح المعلي في شق صمت صفوف الشعب السوداني بعد ثلاثين عام من القمع والقهر والذل والإذلال والإهانة والتهميش والتشهير والظلم والطغيان والتجبر الذي جعل سكانها ينتفضون انتفاضة قوية ضد السلطان الجائر ومن ثم أمتدت الشرارة لتصبح الثورة ثورة الشعب السوداني عموما والذي عبر عن سخطه وغضبه على نظام حكم (المعزول) عمر البشير باعتبار أنه الحاكم الأسوأ الذي مر على تاريخ السودان لا بل أن شئت قل الأسوأ على مر تاريخ العالم فهو كلما ذكر ذكرت معه الصورة البشعة التي تسلط بها على البلاد والعباد الأمر الذي استدعي شباب السودان للخروج في تظاهرات واحتجاجات في معظم مدن السودان إلي أن تم الاعتصام أمام القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة وهي بدورها وفرت الحماية لهم من كتائب الظل والمليشيات وجهاز الأمن والمخابرات الوطني وعليه ظل الشباب الثائر صامداً في ساحة الاعتصام إلي أن تم اجتزاز الشجرة (الفاسدة) من جذورها وذلك بتصعيد وضغط الثوار الشباب على نظام الرئيس المعزول عمر البشير والذي فرض على الجيش السوداني خلع رأس النظام السابق.
وبينما نجد أن الثورة التي انتظمت في السودان ومنذ انطلاقتها الأولي ثورة شبابية لم نشهد منتمياً واحداً للأحزاب أو التنظيمات السياسية أو الطوائف مختلفة التيارات يشاركون فيها أو يقدمون شهيداً واحداً وبما أنهم لم يفعلوا ظفرت الثورة الشبابية بالنجاح المنقطع النظير وشهد لها بذلك العالم أجمع إذ أنها صبرت صبرا لم تشهده كل ثورات الربيع العربي وبهذا الصبر استطاعت أن تخلع الطاغية عمر البشير وتجرده من السلطة المنقلبة على شرعية الإمام الصادق المهدي زعيم حزب الأمة الذي عندما تمت الإطاحة به لم يحرك هو أو الأحزاب والتنظيمات السياسية والطوائف المنتمية إلي التيارات المختلفة ساكنا لإعادة الوضع إلي ما كان عليه بل خيبت آمال الشعب السوداني بالمشاركة في حكم النظام البائد بصورة مباشرة أو غير ذلك بالدعم أو الصمت على الجرائم المرتكبة في حق الإنسانية وتأتي بعد نجاح الثورة لتقطف ثمار ما زرعه الشباب السوداني بالاستشهاد والأحزان والجراح والآلام والأوجاع والمرارات والتي لم يكن همهم غير الخلاص ومستقبل السودان بعيداً عن الانتماءات الحزبية أو التنظيمية أو الطائفية الضيقه بل همهم الأول والأخير الوطن وبالتالي على الأحزاب والتنظيمات السياسية والطوائف المنتمية للتيارات المختلفة أن تحصد ثمارها مما بذرته من بذور المشاركة أو الدعم أو التأييد للسياسات الفاشلة على مدي ثلاثين عام لم يفكروا خلالها في المعارضة لمصلحة المواطن والخروج بالوطن إلي بر الأمان بل كانوا يبحثون عن مصالحهم ولو كانت على أنقاض محمد احمد الغلبان الذي عاني من (الفساد) المستشري في مؤسسات الدولة العميقة والذي جعل كل شي منتهي الصلاحية لذا السؤال الذي يفرض نفسه لماذا تصر الأحزاب والتنظيمات السياسية والطوائف المختلفة على أن تفرض الوصايا على الشباب الذين عرضوا أنفسهم للخطر ولم تكونوا أنتم جزء من الإنجاز الذي تحقق بل كنتم مشاركين في الحكم الذي دافعتم عنه بصورة مستفزة جداً لذا ابحثوا لكم عن أمجاد بعيداً عن ثورة الشباب الواعي والمدرك لما يجري حوله في الراهن السوداني ولا يحتاج في هذه الفترة المفصلية من تاريخ السودان الحديث لأفكاركم ومقترحاتكم البالية التي لم تقدم البلاد للأمام يوماً واحداً بل اوصلته إلي مرحلة متأخرة من التأزم سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثفافياً وفكرياً، وعليه فإن السودان لا يحتمل المزيد من الأزمات خاصة وأن راهنه الآن لا يحتمل أي أجندات سياسية، فهو في مرحلة إما أن يكون أو لا يكون، لذا أرجوكم رجاء خاص أن تبتعدوا على الأقل في هذه المرحلة الانتقالية الحساسة من تاريخ السودان الحديث، وبالمقابل عليكم الانتظار إلي حين فتح صناديق الاقتراع للانتخابات.
على المجلس العسكري الانتقالي وقوي إعلان الحرية والتغيير الإسراع في التوصل إلي اتفاق نهائي حتى لا تتاح الفرصة لشق الصفوف بدس السم في الدسم نعم أسرعوا من أجل استقرار البلاد وعودة الحياة إلي طبيعتها، وهذا لن يتحقق إلا بالتوافق على تشكيل حكومة (تكنقراط) من أصحاب الخبرات والكفاءات المستقلة خاصة وأن الأحزاب والتنظيمات السياسية والطوائف المختلفة أخذت فرصتها كاملة في حكم السودان، وذلك منذ استقلاله من المستعمر البريطاني في العام 1956م، وأثبتت بما لا يدع مجالاً للشك فشلها الذريع في إدارتها للبلاد والشواهد والأمثلة كثيرة مثلاً حزب الأمة برئاسة الإمام الصادق المهدي سبق له أن حكم البلاد على فترتين إلا أنه لم يستطيع الاستمرار في الفترة الأولى لذا لم يكن أمامه حلاً سوي أن يسلم السلطة آنذاك للفريق (عبود)، والذي حكم السودان أربع سنوات ، ثم قاد الحزب الشيوعي انقلاباً عسكرياً من خلال ضباط موالين له في قوات الشعب المسلحة برئاسة الراحل المشير جعفر نميري، والذي انقلب عليهم فيما بعد ليظل هو حاكماً للبلاد (16) عاماً ، ثم تمت الإطاحة به من خلال انتفاضة شعبية تولي بعدها الراحل المشير سوار الدهب حكم السودان انتقالياً لمدة عام، ومن ثم جرت بعد ذلك انتخابات، وهي التي فاز بها حزب الأمة بزعامة الإمام الصادق المهدي وشكل حكومته، والتي أطاح بها فيما بعد الدكتور حسن عبدالله الترابي زعيم الجبهة الإسلامية القومية، والذي انقلب على الشرعية من خلال استخدامه ضباطاً في قوات الشعب المسلحة برئاسة (المخلوع) عمر البشير تحت غطاء (ثورة الإنقاذ الوطني)، وذلك في الثلاثين من يونيو من 1989م ومنذ ذلك التاريخ ظل الرئيس المخلوع جاثماً على صدور الشعب السوداني إلي أن أطاحت به الثورة الشبابية.
إن معظم الأحزاب والتنظيمات السياسية والطوائف المنتمية للتيارات المختلفة تسعي إلي السلطة بأي طريقة من الطرق، وليس مهماً أن جاءت إليها عبر صناديق الاقتراع أو الانقلابات العسكرية مع التأكيد أنها لا تحظي بالقبول من السودانيين عموماً وعلى وجه التحديد الشباب الذين كفروا بها بعد أن عفي على أفكارها الزمن.




حتى لا ننسي : قتل أمن الرئيس المخلوع للمتظاهرين بـ(الرصاص)


القصة المؤثرة لاستشهاد الدكتور بابكر سلامة بطلق ناري بـ(بري)
...................
أمل : قتل أثناء اسعافه لثائر ضد نظام المخلوع عمر البشير
.....................






كشفت الاستاذة أمل محمد أحمد الحاج المحامية والمستشار القانوني القصة المؤثرة لاستشهاد الدكتور (بابكر) نجل المستشار القانوني عبد الحميد سلامة بمنطقه (بري) المنتفضة ضد نظام حكم البلاد الديكتاتوري والتي كانت انتفاضة أقوى واشد من بين بقية مناطق ولاية الخرطوم حيث أنها لعبت دوراً طليعيا في إنجاح الثورة الشبابية التي انطلقت شرارتها الأولي من مدينة (عطبرة) شمال السودان ومن ثم تواصلت في مدن ومناطق الخرطوم والتي استشهد من خلالها الدكتور (بابكر) وعدد كبير من الشهداء الأطفال والشباب الذين كان لهم القدح المعلي في الإطاحة بنظام حكم الرئيس (المخلوع) عمر البشير بعد ثلاثة عقود من القمع والقهر والذل والظلم والذي هو الاقسي والأشد على مر تاريخ الأنظمة المتعاقبة على حكم السودان فلم يكن النظام السابق يرعوي من إزهاق أرواح الأطفال والشباب الذين خالفوه التوجه السياسي التعسفي الذي قاد البلاد إلي مرحلة اللاعودة.
وعلى خلفية ذلك دعونا نتعرف على تفاصيل في غاية الأهمية حول وقائع مقتل الطبيب الشاب (بابكر عبدالحميد) وبقية الشهداء وكيف استشهدوا في تلك الأثناء.
وفي السياق قالت الأستاذة أمل المحامية : بدأت قصة شهيدنا البطل الدكتور (بابكر عبدالحميد) مع الجوانب الإنسانية من خلال الخدمة عبر ملائكة الرحمة الراسخة في ذهنه منذ نعومة أظافره وفي هذا الاتجاه نشأ وترعرع في كنف والده ووالدته اللذين نميا في دواخله حبه الإنسانية وذلك منذ إنجابه بالسعودية وإلي تاريخ استشهاده في السودان.
وأضافت : يعتبر الدكتور (بابكر عبدالحميد) المولود الثاني في ترتيب أسرته أي أنه الذكر الوحيد من بين شقيقاته الإناث (سلافة) و(هاجر) و(علياء) وينحدر من مدينة (دنقلة) الواقعة شمال السودان الجغرافي وينتمي إلي قبيلة (الدناقلة) أما وأبا ووالدته هي شريفة عوض عبيش وهي من أسرة متصوفة.
وأردفت : نشاء الشهيد الدكتور (بابكر) في بيئة تعلم منها الزاهد وعفيف اليد واللسان والنفس رغماً عن أن والديه من الأثرياء إلا أن هذا الثراء لم يمنعه من الانحياز إلي الإنسانية وقضاياها مهما كان الطريق إليها صعيباً.
وأسترسلت : كان الشهيد (بابكر) إنساناً، خلوقاَ ومهذباً وهادئ الطبع مع الكبير والصغير وظل يتسم بصفات نبيلة تلقى على إثرها تعليمه الأكاديمي الإبتدائي والثانوي والمتوسط بالسعودية ومن ثم شد الرحال منها إلي الخرطوم والتحق بكلية الطب - جامعة السودان وتخرج منها طبيباً ثم بدأ الانخراط في الحقل الطبي الذي استشهد على خلفيته أثناء أداء واجبه المرتبط بالإنسانية، والذي تنقل في إطاره بين المستشفيات الحكومية طبيب امتياز لمدة (9) أشهر قضاها غرب السودان مؤدياً خدمته على أتم الوجه رغماً عن أنه الابن الوحيد بين شقيقاته الثلاث فلم يتحجج بهذه الحقيقة التي كانت كفيلة بأن تعفيه من مشقة السفر إلي إقليم دارفور المضطرب منذ العام 2003م الواقع غرب السودان، وعندما اتجه على ذلك النحو حركته إنسانيته وإحساسه بحوجة الناس إليه.
وتابعت : في اليوم الذي استشهد فيه الدكتور بابكر عبدالحميد طلب من والدته (العفو والعافية) وكأنه كان يحس بدنو أجله مؤكدا لها أنه يلبي نداء الإنسانية والواجب اتجاه إنسان السودان مشيراً في ذات الوقت إلي أن هناك جرحي في منطقة (بري) وهم يحتاجون المساعدة للاستشفاء على يديه ومن ثم توجه مباشرة إلي منطقة (بري) بالخرطوم وهي كانت من أكثر المناطق الساخنة في ولاية الخرطوم إذ أنها شهدت تظاهرات واحتجاجات عنيفة ومتواصلة هكذا ذهب إليها من أجل أن يعالج الشباب الثائر من جراحه التي أحدثها النظام البائد وكانت هنالك حالة تحتاج إلي إجراء عملية جراحية عاجلة لضعف إمكانيات المكان الذي تتلقي فيه العلاج فما كان من الدكتور الشهيد بابكر إلا أن يخرج منه لإنقاذ الثائر بالإسعاف إلي المستشفي ظناً منه أنه يخاطب الإنسانية في قلوب من يحمون نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، وعندما خرج إليهم كان رافعاً يديه إلي أعلى موضحاً أنه إنسان مسالم وأعزل إلا أنهم باغتوه بإطلاق عياراً نارياً عليه دون رأفة أو رحمة ، مما أدي إلي استقرار الرصاصة في منطقة الظهر، مما أدي إلي استشهاده دون أن يرتكب جرماً يستوجب إطلاق الرصاص عليه سوي أنه كان يؤدي في واجبه خادماً للإنسانية، والتي ترك على إثرها سيرة عطرة وسط أساتذته وزملائه وأهله وأصدقائه.
من جانب آخر، فإنني أواصل فتح هذا الملف الذي لاحظت في ظله أن الجهات التابعة للنظام المخلوع تتعمد إطلاق الأعيرة النارية على الأطفال والشباب الثائر من الجنسين في مناطق قاتلة، وذلك منذ أن بدأت الثورة الشبابية في التاسع عشر من ديسمبر وحتى استشهاد معتصمين أمام القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة، والذين بلغ عددهم (٩٠) شهيداً من ولايات ومدن السودان المختلفة ، وعلى خلفية ذلك تعددت الأسباب المؤدية للوفيات، والمتمثلة في الإصابات المباشرة بالأعيرة النارية في الصدر والرأس، بالإضافة إلي التعذيب والدهس بالآليات العسكرية (التاتشرات) التي استخدمها أسوأ استخدام يستوجب من الشركة المصنعة له  مقاضاة نظام الحكم المعزول، خاصة وأن من قتلوا بها تتفاوت أعمارهم حتى وصلوا في إطاره إلي (11) شهيداً ، (8) منهم استشهدوا إثر انفجار عبوة ناسفة في مدينة أمدرمان إلي جانب عدد من شهداء قوات الشعب المسلحة وشهداء ساحة الاعتصام بالقيادة العامة بالخرطوم.
بدأت الثورة الشبابية متسلسلة منذ 19 ديسمبر من العام 2018م في بعض المدن السودانية المنتفضة بسببِ الارتفاع الجنوني للأسعار والغلاء الفاحش الذي يعيشه إنسان السودان مما نجم عن ذلك الوضع المذري الذي تدهور على اثره حال البلد تماما على كل الأصعدة والمستويات ووصلت إلى مرحلة متأزمة جدا من التردي الإقتصادي والإنساني الأمر الذي دفع سكان مدينة (عطبرة) شمال السودان الخروج للشارع في تظاهرات عنيفة في 19 ديسمبر من العام 2019م ثم امتدت شرارتها سريعاً إلي مدن سودانية أخرى من بينها ولاية الخرطوم خاصة مدينة أم درمان (العباسية) و(بانت) و(بري) بالخرطوم و(شمبات) بالخرطوم بحري ومدينة (الأبيض) غرب السودان وغيرها في 20 ديسمبر من العام 2019م وغيرها والتي كان خروجها على ذلك النحو مدهشا للعالم، وذلك من واقع أن الثورة الشبابية وضعت النظام (البائد) أمام خيار واحد لا ثان له وهو السقوط فقط بالسلمية الملتزم بها والتي جعلت ردة فعل الرئيس المخلوع عمر البشير اتجاه الثورة الشبابية عنيفا إذ أنه أمر سلطاته القمعية باستخدام القوة المفرطة لكبح جماح الثوار الذين كلما أستشهد منهم واحدا يمنحهم دافعا أقوي لمواصلة النضال في مواجهة النظام والذي كان يلفظ في أنفاسه الأخيرة بعد أن فقد السيطرة على قيادة البلاد ولم يستطيع أن يضبط نفسه أمام التظاهرات والاحتجاجات والاعتصام مما حدا به أن يستخدم الأسلحة النارية ضد شعبه الأعزل الذي استشهد منه عددا من الثوار الذين مازالوا في ريان شبابهم بالإضافة إلي أنه سبب الجراح لعدد كبير منهم ولم يكن النظام السابق يأبه بما يحدثه من جراح بالرصاص الحي والغاز المسيل للدموع، والذي تطلقه أجهزة أمن الرئيس المعزول عمر البشير والذي لم يكن يرعوي من هذا الفعل المنافي لحقوق الإنسان ضد المتظاهرين في مدن ومناطق السودان المختلفة مما تسبب في سقوط عشرات القتلى والجرحى.
فيما نجد أن الثورة الشبابية بدأت سلمية ومختلفة الطعم والنكهة عن كل ثورات (الربيع العربي) والتي انطلقت شرارتها الأولي في تونس ومن ثم امتدت سريعاً كالنار في الهشيم في مصر وليبيا وسوريا واليمن والسودان الذي رفع شبابه سقف مطالبهم في العام 2019م بـ(تسقط بس) وهو السقف الذي لم يدع حلولاً نصفية لنظام الحكم المخلوع فكانت النتائج النهائية
خلع الرئيس عمر البشير الذي أفقر شعبه إفقاراً (مقدعاً) وجعله عاطلاً عن العمل بسبب توظيفه لكوادره بالولاء وليس المؤهل والكفاءة ومع هذا وذاك مارس كبتاً على الحريات الشخصية والإعلامية والصحفية والتضييق على المعارضين.
بينما نجد أن ذلك الواقع الذي خرج شباب السودان في مظاهرات في الشوارع العامة والاعتصام في الميادين رغما عن تنازلات الرئيس المعزول عمر البشير إلا أنها لم تكن مرضية إذ أنه قام بحل الحكومة المركزية والولائية وقطع وعوداً بالإصلاحات الاقتصادية والسياسية العاجلة فيما كان يخبئ في منزله ببيت الضيافة (7) ملايين يورو و(350) ألف دولار أمريكي.
وفي 11 أبريل من العام 2019م أعلنت قوات الشعب المسلحة الجيش خلع الرئيس عمر البشير وبدء مرحلة انتقالية لمدة عامين تنتهي بإقامة الانتخابات في البلاد إلا أن الثورة الشبابية كان لها كلمة ثانية إذ أنها أجبرت ابنعوف على التنحي وإعفاء نائبه كمال عبدالمعروف وتعيين البرهان رئيساً للمجلس العسكري الانتقائي وحميدتي نائباً له.



الأحد، 5 مايو 2019

سراج النعيم يكتب الانقلابات العسكرية على الشرعية



الترابي أطاح بشرعية المهدي بانقلاب ثورة الانقاذ الوطني
..................
البشير زج بالسودان في مواجهة دولية بسبب حرب الخليج
..................

حققت الثورة الشبابية السودانية التي انطلقت شرارتها الأولي من مدينة (عطبرة) نجاحاً منقطع النظير في الإطاحة بحكم الرئيس المخلوع عمر البشير، والذي ظل على سدة حكم البلاد بالقهر، التهميش، الإهانة، الإذلال، البطش، الظلم والقتل على مدي ثلاثة عقود متصلة دون انقطاع، وذلك منذ أن ترأس هو النظام العسكري المنقلب على حكومة الأمام الصادق المهدي زعيم حزب الأمة المنتخب عبر صناديق الاقتراع في العام 1989م، وهو الانقلاب الذي قاده الدكتور الراحل حسن عبدالله الترابي زعيم الجبهة الاسلامية القومية في السودان وقتئذ، والذي اختار (البشير) بحكم أنه كان الرتبة العسكرية الاعلي من بين ضباط ثورة الانقاذ الوطني، وبدوره قال الرئيس المعزول في مرحلة تمكين الإسلاميين : (ثورة الإنقاذ الوطني لا تعرف الفصل بين الدين والسياسة والموضوع غير قابل للنقاش) بهذه الكلمات حسم الجدل الدائر في هذا الإطار.
ومما أشرت له فإنه، وفي السادس من أبريل من العام 1985م، انتفض الشعب السوداني ضد حكم الرئيس المشير الراحل جعفر نميري بعد سنوات حكم امتدت (16) ربيعاً، وما أن اطالح الشعب السوداني بالنميري، وحقق إرادته التواقة للحرية، العدالة والسلام إلا وشهدت البلاد انتخابات حرة ونزيهة من خلال صناديق الاقتراع، والتي فاز على إثرها حزب الأمة برئاسة الأمام الصادق المهدي بالأغلبية، إلا أنه لم يستأثر بالحكم وحده، ولم يقص أي حزب أو تنظيم سياسي أو حركة مسلحة، إنما شكل حكومة ائتلاف مع الحزب الاتحادي الديمقراطي برئاسة مولانا الميرغني، ولم يتوقف (المهدي) عند إشراك الحزب الاتحادي الديمقراطي في السلطة، بل واصل نهجه الانفتاحي على معارضيه وقام بإشراك الأطراف المناوئة له، إذ أنه عقد ائتلافاً مع الشيخ حسن عبدالله الترابي زعيم الجبهة الإسلامية القومية في العام 1989م، والذي على إثره عينه نائباً لرئيس الوزراء، إلا أن الشيخ الترابي وتنظيمه الإسلامي فضوا الشراكة مع الحكومة باستقالة الدكتور حسن الترابي من منصبه بحجة أن الإمام الصادق المهدي رئيس الوزراء السابق دخل في مفاوضات سلام مع الحركة الشعبية لتحرير السودان بزعامة الدكتور جون قرنق دي مبيور، وتوصل من خلالها إلي اتفاق يفضي إلي إيقاف إطلاق النار من جانب الطرفين، ولم تكتف حكومة المهدي بذلك، بل ألغت قانون الشريعة الإسلامية وحلت الطوارئ، وأبطلت التحالفات العسكرية مع (مصر) و(ليبيا)، وهذه القرارات كانت سبباً رئيسياً لإسقاط الدكتور حسن الترابي لنظام حكم الإمام الصادق المهدي الشرعي مستفيداً من بعض الضباط التابعين إلي قوات الشعب المسلحة والذين نفذوا الانقلاب في الثلاثين من يونيو من العام 1989م وقد منح الترابي قيادة الانقلاب للعميد ركن وقتئذ (عمر حسن أحمد البشير)، وعندما اتجه زعيم الجبهة الإسلامية القومية على هذا النحو كان يهدف إلي تمويه الشعب السوداني إذ أنه ذهب إلي المعتقل في كوبر (حبيساً) فيما ذهب الرئيس المخلوع عمر البشير إلي القصر الجمهوري (رئيساً) حتى لا ينكشف أمر انقلاب ثورة الانقاذ الوطني ومهندسه (الترابي)، ومع هذا وذاك عمد مخططو الانقلاب للمزيد من التمويه باعتقال عدد من الرموز والقيادات السياسية في البلاد، ومن ثم إطلاق سراحهم فيما بعد، بالإضافه إلي أن الرئيس المخلوع عمر البشير حل البرلمان والأحزاب والتنظيمات السياسية والنقابات والاتحادات المنتخبة بصورة شرعية.
بينما خطط الدكتور حسن الترابي تخطيطاً دقيقاً للانقلاب على شرعية الإمام الصادق المهدي في الثلاثين من يونيو من العام 1989م وهو التاريخ الذي تفاجأ على إثره الشعب السوداني ببيان ثورة الإنقاذ الوطني من خلال تلفاز السودان، والذي أعلن عبره العميد ركن آنذاك المخلوع عمر البشير عن استيلاءه وعدد من ضباط قوات الشعب المسلحة على السلطة في البلاد وإلي تلك اللحظة لم تكن الرؤية واضحة للمراقبين للمشهد السياسي والعسكري وعامة الناس في السودان، ولم تفلح الاستنتاجات والتكهنات، ولم يتسن لهم جميعاً معرفة من هم الضباط الانقلابين وإلي أي حزب أو تنظيم سياسي ينتمون، وبما أن الغموض يكتنف ذلك نالوا تأييداً حذراً في الداخل والخارج، أي أنهم استطاعوا أن يخدعوا إنسان السودان من واقع عدم انتمائهم للتيارات السياسية التي تقف دائماً خلف الانقلابات العسكرية، وهو ما فعلته الجبهة الإسلامية القومية في الإطاحة بنظام حكم الإمام الصادق المهدي المنتخب والمعترف به دولياً وعليه بدأت تتكشف حقيقة ثورة الإنقاذ الوطني للسودانيين والمجتمع الدولي من خلال إظهار بعض قياداتها انتمائهم إلي تنظيم الجبهة الإسلامية القومية بزعامة الدكتور حسن الترابي، وهي الرؤية التي اتضحت تدريجياً وبشكل أكثر وضوحاً بعد أخلاء سبيل الشيخ حسن الترابي، ومن ثم تقلده مناصب مهمة جداً في الدولة، وكان آخرها رئيس المجلس الوطني، أي أن ثورة الإنقاذ الوطني وضعت الشعب السوداني والمجتمع الدولي أمام خيار واحد لا ثان له مما جعلها تواجه معارضة قوية جداً من معظم دول العالم، واشتدت المعارضة عندما أعلن النظام المعزول تطبيق الشريعة الإسلامية والتي لم يطبقها يوماً واحداً طوال الثلاثة عقود، بل كان يستدر بها العطف لإيمانه القاطع بأن الديانة الإسلامية متجذرة في دواخل السودانيين بالفطرة، وهكذا أصبح يستنزف في موارد وثروات البلاد تحت غطاء التحديات الداخلية والخارجية، ومع هذا وذاك خاض حرباً ضروساً مع الحركة الشعبية لتحرير السودان، مما أدي إلي إنفاق موارد ثروات البلاد في تلك الحرب التي انتهت بفصل جنوب السودان بالاتفاقية الموقعة بين الحكومة برئاسة الأستاذ على عثمان محمد طه، والحركة الشعبية لتحرير السودان برئاسة الدكتور جون قرنق دي مبيور بضاحية (نيفاشا)، وهي الاتفاقية التي مارس في ظلها المجتمع الدولي ضغوطاً كبيرة على الحكومة السودانية لتضع حداً للإشكالية القائمة بينها والحركة الشعبية المنحدرة من جنوب السودان، وعلى هذا النحو فإن الرئيس المخلوع عمر البشير كان يكابر ويتحدى في العالم دون النظر إلي مصلحة البلاد والعباد، بل كان يعمل ضده بالتعنت وعدم الاذعان لصوت الحكمة والعقل الذي يجنب السودان الدخول في صراعات مع المجتمع الدولي الذي فرض العقوبات والحصار الاقتصادي على السودان، وبالرغم من تلك القرارات الدولية الصادرة في حق البلاد، والمتأثر منها أولاً وأخيراً المواطن إلا أن النظام السابق كان يروج عبر آلياته الإعلامية إلي أنه مستهدف من أعداء الديانة الإسلامية في الداخل والخارج وذلك لعلمه التام بأن الشعب السوداني على اختلاف انتماءاته السياسية يميناً ويساراً لا يقبل المساس بها، لذلك ظل النظام المعزول يستميل العواطف ويتمادي في عدائه غير المبرر للدول العظمي كالولايات المتحدة الأمريكيه وروسيا وغيرهما من الدول الغربية المؤثرة في السياسات العالمية، وعندما دارت حرب الخليج الأولى أزداد أعداء النظام المخلوع الذي يدعي الإسلام زوراً وبهتاناً، ووصل الأمر إلي زروته، ومع نشوب حرب الخليج الثانية انحاز نظام الرئيس المعزول لـ(العراق)، فلم تجد الولايات المتحدة الأمريكية بداً سوي أن تفرض الحصار والمقاطعة الاقتصادية على السودان، ووجدت تلك القرارات تأييداً من الدول الأوروبية ودول الخليج المتضررة من اجتياح صدام حسين لـ(الكويت)، مما أدى إلي تدهور الاقتصاد السوداني بصورة بالغة التعقيد، وأصبحت الأزمات المتوالية عنواناً رئيسياً وبارزاً مع اشراقة كل صباح جديد، المهم أنها حاولت كسب ود بعض الدول العظمي بتقديم الإغراءات الاستثمارية والتي فتحت في إطارها الأبواب مشرعة لـ(الصين) للاستفادة من النفط السوداني الموجود في باطن الأرض، وعلى خلفية ذلك استطاعت التنقيب الذي أسفر عن استخراج البترول ، والذي أستقر من خلاله سعر الصرف، وبالرغم عن هذه البشريات إلا أنه تصاعد بشكل مفاجئ إلى أن بلغ (3000) جنيهاً سودانياً، بل تجاوزها بكثير في السوق الموازي، وذلك قبل أن ينخفض إلى (2000) جنيه سوداني.
فيما أتهم نظام الرئيس المعزول عمر البشير بتدبير محاولة اغتيال الرئيس المصري المخلوع (حسني مبارك) في سبتمبر من العام 1995م بالعاصمة الإثيوبية (اديس ابابا)، وهذا الاتهام قاد البلاد إلي مالآت خطيرة نتج عنها توجيه الإتهام له بـ(إيواء) الإرهابيين (كارلوس) و(أسامة بن لادن)، وبما أن النظام السابق أنتهج سياسة عدائية داخلياً (المعارضة) بشقيها اليمين واليسار، وخارجياً (المجتمع الدولي) ، و هذا الأمر حدا بالبشير أن يتخذ قرارات ديكتاتورية حل بموجبها البرلمان، وأعلن حالة الطوارئ في البلاد في العام 1999م، وذلك خوفاً من إجراء تعديل في الدستور السوداني وبالتالي تصبح سلطاته القمعية محدودة، خاصة وأنه كان يقود صراعاً ضد الدكتور حسن عبدالله الترابي، ومن تبعه من الإسلاميين لحظة الاختلاف الذي حدث وعرف بالمفاصلة والمعروفة سياسياً بـ(قرارات رمضان)، والتي بدأ يتكشف بعدها (الفساد) المستشري في مفاصل الدولة العميقة، وهكذا ظل الطرفان يتبادلان الاتهامات المتمثلة في التوظيف بالولاء وليس بالمؤهل أو الكفاءة وبالإضافة إلي استغلال المناصب وتسخيرها للمكاسب الشخصية، إلي جانب سوء إدارة موارد وثروات البلاد.
وفي سياق الانشقاق الذي حدث بين (البشير) و(الترابي) تم في مايو من العام 2000م نشر مؤلفاً يحمل عنوان (الكتاب الأسود) في الخرطوم، والذي شمل توثق دقيق لمعلومات وأحداث وانتهاكات حقيقية قام بها النظام (البائد) في حق المواطن الاعزل في جنوب وغرب ووسط السودان، والذي قوبل بسياسة التمييز، التهميش، القمع، الوحشية والقتل الذي شهده إقليم دارفور المضطرب منذ العام 2003م، وقد تم تصعيد قضيته دولياً مما دفع مجلس الأمن إلي تسجل انتهاكات لحقوق الإنسان، وأصدر بموجبها عدداً من القرارات الحاسمة، ومارس ضغوطات دولية جعلت النظام المعزول يوافق على توقيع برتوكول تقاسم السلطة والثروة والبروتوكلات المتعلقة بالمناطق الثلاثة في العام 2004م، والتزمت الأحزاب السياسية بإعلان (نيروبي)، وتنفيذ الاتفاق الموقع بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان، وفي العام 2005م تم التوقيع على اتفاقية (نيفاشا) التي أوقفت أطول حرب شهدها العالم، وفي العام 2011م اختار الجنوبيين تقرير مصيرهم بالبقاء أو الانفصال عن السودان، وإنشاء دولة مستقلة ذات سيادة، وجاءت نتائج الاستفتاء الذي أجري وسط الجنوبيين مؤيداً للانفصال عن الشمال بنسبة (98% ).
عموماً تمت الإطاحة بذلك النظام الذي عبر في إطاره الشعب السوداني عن فرحته الغامرة مردداً سوف نصوم رمضان بدون كيزان وغيرها من الشعارات الجاذبة، بالإضافة إلي إنزال وإحراق صور الطاغية التي كانت تملأ شوارع الخرطوم، إلا أن البيان الذي ذاعه الجنرال عوض ابنعوف كان مخيباً لآمال الثورة الشبابية السودانية، إذ أشار من خلاله إلي انتقال السلطة لقوات الشعب المسلحة، وحدد فترة حكمه الانتقالي للبلاد بالعامين من تاريخه إلي جانب أنه عطل الدستور، وإعلان حالة الطوارئ، وهو الأمر الذي جعل الكثيرين يتخوفون من مصير السودان في ظل ذلك، الأمر الذي قاد إلي المطالبة بتنحي ابنعوف، والذي خلفه الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان رئيس المجلس العسكري الانتقالي.
 مما جري خلال الأيام الماضية طرحت الكثير من الأسئلة حول ما الكيفية التوافقية لتشكيل حكومة مدنية يقبل بها شباب الثورة السودانية الذين كان لهم القدح المعلي في (خلع) الرئيس المعزول (عمر البشير) من منصبه، وهل مزج نظام الحكم عسكرياً ومدنياً يمكنه أن يقود البلاد إلي تحول ديمقراطي؟.
.

azsuragalnim19@gmail.com

*الدكتور أسامة عطا جبارة يشرح الإقتصاد السوداني في ظل الحرب*

..........  *تواصل شبكة (أوتار الأصيل) الإخبارية، وصحيفة العريشة الرقمية نشر الحوار الهام مع الخبير في الإقتصاد العالمي الدكتور أسامة عطا جب...