...........................
شاب يقوده الزواج من (قاصر) إلى المحكمة بسبب الطلاق
..........................
زيجات لتخفيف ﻋﺐﺀ ﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻟﻴﺔ والهروب من شبح (العنوسة)
.........................
وقف عندها : سراج النعيم
........................
يشكل زواج ﺍﻟﻘﺎﺻﺮﺍﺕ هاجساً يؤرق مضاجع الناس والمجتمع وﺍﻟﻤﻨﻈﻤﺎﺕ ﺍﻟمهتمة بحماية الأطفال خاصة وأن هنالك أسراً لا تدرك ﺧﻄﻮﺭﺓ الإقدام على هذه الخطوة التي تعد تجارب أكثر قسوة وإيلاماً، وأغلب تلك الزيجات تنتهي بالانفصال، وهنالك أخريات اصبحن يحملن لقب سيدات لا أرامل لا مطلقات، مما يدفعهن إلي الإحساس ﺑﺎﻟﻤﺮﺍﺭة، ﻭذكريات مؤلمة لا تمحوها السنين ﻣﻦ ﺍﻟﺬﺍﻛﺮﺓ.
إن الأسباب المؤدية إلي قبول زواج القصر، هو تخفيف ﻋﺐﺀ ﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻟﻴﺔ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ عن كاهلهم، بالإضافة إلي المهور، مما جعل الظاهرة تطل برأسها في المشهد إذ نلحظ أن هنالك زوجات قاصرات تزوجن من رجال يكبروهن في العمر بمراحل كثيرة، وبالرغم من أن الظاهرة مقلقة إلا أن البعض يسعي إلي تصويرها على أساس أنها محصورة في حيز ضـيق، وما تم في هذا الإطار يندرج في حـالات (شـاذة)، الأمر الذي قاد إلي المطالبة بتوعية الأسر على عدم تزويج القاصرات، فلا يجوز أن يتزوج رجلاً كبيراً في السن من طفلة صغيرة لم تبلغ الحلم بعد، وبذلك السلوك يتم اغتيـال براءتها ووئد طفولتها في مهدها.
وبما أن القضية في غاية الأهمية رأيت أن أفتح هذا الملف الساخن ـ المسكوت عنه، إذ أسعي من خلاله لإيجاد حلول ناجزة لمعرفة إن كان زواج القاصرات قد وصل إلي مرحلة ظـاهرة أم لا وشـرح أسـبابها، والإضرار الناجمة عنها، وما تتركه من آثار نفسية واجتماعية على الأطفال الذين يتم تزوجيهم في سن مبكرة، والذي تؤكد في إطاره المعلومات إلى تنامي الظاهرة، مما فجر جدلاً واسعاً بعد أن نتج عنه تفككاً أسرياً، وتحمل مسؤولية عش الزوجية، لذا ندعو من خلال ذلك أن تكون المعايير متكافئة لمعالجة هذه السلبيات، خاصة وأن الديانة الإسلامية لم تترك شاردة ولا واردة إلا وتناولتها، كما دلت الآية الكريمة (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً) فيما نجد أن القانون يضع للزواج شروطاً لحماية وعناية الوصي الذي لم يبلغ سن الرشد، والذي ينتشـر نسبة إلي جهـل بعض الأوليـاء غيـر المـدركين لأن الطفلة القاصــرة ليس في مقدورها تحمــل تكوين أســرة، بالإضافة إلي عدم إدراك أن تزوجيها لمـن يفوقهـا سـناً وما يتركه ذلك من آثـار نفسـية واجتماعية.
مـن العوامل الأساسية الناتج عنها زواج القاصرات بحث البعض من الآبـاء تخفيـف الانفاق عليه مالياً في ظل الظروف الاقتصادية بالغة التعقيد، فهل هن ضحايا جهل بما يحدث في المستقبل أم أنها مجرد صـفقة تجاريـة لا تتم فيها مراعاة الآثار النفسية والاجتماعية، إلي جانب أن هنالك من يتخوفون مـن ارتفـاع نسـبة (العنوسـة) الأمر الذي يدفعهم إلي تزويج القاصرات، فالتركيبة الاجتماعية للبعض تساند هذا النوع مـن الـزواج، وتـري أنه أمـراً مقبـولاً فـي أعرافها، ناسين أو متناسين أن مثل هذا الزواج يحرم أولئك الأطفال من حنان وعاطفة الوالـدين، وهما حق من حقوقهم، وعليه يجب عدم حرمانهم من الاستمتاع وبهما وبمراحل الطفولة عموماً حتي لا ينجم عن ذلك اصابتهم بأمـراض نفسية مثل الهستيريا والفصام، الإكتئاب، والقلق، ومع هذا وذاك ضياع مستقبلهم في إطار التحصيل الأكاديمي، وربما ذلك يدخلهم في حالة نفسية من واقع عدم القدرة على اكتساب ولو البسيط من التعليم ومن الثقافة التي تتيح لهم فرصة تربية الطفل، بالإضافة إلي الإحساس الذي تحسون على إثره أنهم أصبحوا عبئاً ثقيلاً على أسرهم، وعليه توضح الدراسات أن زواج القاصرات يعتبر جريمة ترتكب في حق الطفولة، مما يجعلها تتكيف على وضعية لا تتوافق مع تكوينها الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي، وبالتالي يصبح ليس في مقدور الزوجة (القاصر) تحمل المسئولية، والقيام بالدور المنوط بها في (عش الزوجية).
وطالب عدد من المهتمين بالشأن الأسري توعية أولياء أمور من هن مقبلات على الزواج بأن تزويج القاصرات له ما بعده من عواقب وخيمة، فمثلاً هنالك من ﺗﺰﻭﺟن ﻓﻲ سن ﺻﻐﻴﺮة، ﻭﺃﻧﺠﺒت مولودها البكر ﺗﺤﺖ إشراف ورعاية طبية لصيقة، ومن ثم تولت والدتها مهمة رعايتها ورعاية طفلها ﻣﻌﺎً، فلم تكن تدري أنها دخلت في نفق مظلم قادها إلي أن تصبح ﺑﻴﻦ ﻟﻴﻠﺔ ﻭﺿﺤﺎﻫﺎ (سيدة)، وهي لم تتجاوز مربع الطفولة.
من المهم جداً وضع حد لتنامي أفكار سالبة من هذا القبيل رغم اختلاف وجهات النظر، وعدم الاتفاق على هذا الأمر، خاصة وأنه أصبح في تزايد، وبات يشغل بال المهتمين بالشأن الأسري والذي يرون في ظله أن الحل يكمن في تطبيق ضوابط الشريعة الإسلامية في النكاح لضمان الحقوق في اختيار (شريك الحياة)، وتدارك عدم تجاوز ذلك لما يؤثر في النواحي النفسية، الاجتماعية والإنسانية، فالمسألة في حد ذاتها قائمة على الإلمام بالأسباب و المساهمة في مكافحة زواج القاصرات، ومن ثم نشر الوعي وسط الناس خاصة الذين يجهلون خطورة هذه الزيجات في المستقبل، والذي يتطلب فيهم الالتزام بتطبيق الجوانب التشريعية لمؤسسة الزواج.
فيما استوقفتني الكثير من قصص زواج القصر دون سن البلوغ، ولعل أكثرها تأثيراً قصة قاصر قالت : (لا مانع لدي من الاقتران شرعاً في هذه السن)، ومن حديثها هذا يتضح بجلاء حجم التحدي الكبير الذي تواجهه الأسر، وذلك في ظل ظروف اقتصادية قاهرة جعلت الكثير من الشباب السوداني يعزف عن الزواج، ويفسح المجال أمام من هم قصر ليخوضوا التجربة بكل مراراتها، وذلك في ظل التغيرات الكثيرة التي طرأت في مفاهيم (حواء)، والتي أصبح عندها رأي آخر حول ارتباطها بالنصف الآخر، إذ لم تعد تفكر في انتظار الشاب العائد من دول المهجر، وذلك علي خلفية الانفتاح الذي تشهده المجتمعات خاصة في إطار ما أفرزته وسائط التقنية الحديثة من ثقافات مغايرة للثقافة السودانية، وأغلب الزيجات المندرجة في هذا الجانب قائمة علي مصالح مشتركة، فزواج القاصرات في السودان معاناة وجدل لا ينتهي حيث ما زالت المسألة تلقي بظلالها النفسية والاجتماعية والصحية.
ويستمر الجدل حول زواج القصر دون سن البلوغ ، والذي نسرد وفقه بعض قصص قصر تزوجوا بقرارات من آباءهم، وهذا يؤكد إن معظمها يتم في سن الرابعة عشر، إذ أن هنالك من تزوج وأنجب، وهو لم يتجاوز تلك السن.
وقال زوج : زواجي من احدى القاصرات أدخلني في تجربة قاسية جداً لم أخضها قبلاً، وذلك من حيث أن قصتي ظلت محوراً جديداً في جوهرها ومضمونها لأنني لم أكن أتخيل أن ترفض أسرتها بعد عقد القران عدم ذهابها معي دون مسوغات قانونية تمنحهم هذا الحق.
وبالعودة إلى قصة زواجه من تلك القاصر نجد أنها تمت بصورة سريعة جداً، إذ قال : بدأت العلاقة بيني وبينها على خلفية ترشيحها لي من والدها، وبما أنها كانت مريضة تعاطفت معها إلي أن تماثلت للشفاء، ثم سافرت لإحدى الدول العربية وعدت منها في إجازة، فوجدت أن أسرتها أنتقلت للإقامة في مدينة سودانية أخري الأمر الذي حدا بي أن أشد الرحال نحوها مؤملاً الالتقاء بها، وما أن وطأت قدماي أرض المدينة إياها إلا وتحقق لي ما كنت أصبو إليه، فما كان منها إلا وطلبت مني أن اصطحبها معي، إلا أن والدها رفض الفكرة مشترطاً أن أجهز لها منزلاً فخماً فكان ردي عليه انني لست جاهزاً إلا أنه مارس علىّ ضغوطات، ثم غادر هو وأسرته تلك المدينة، الشيء الذي جعلني لا أعرف عن زوجتي شيئاً، حتى مكالماتي الهاتفية لا ترد عليها.
إن زواج القاصرات في ازدياد يوماً تلو الآخر، ويلقي بظلاله السالبة علي المجتمعات من حيث الأمراض الوبائية والوراثية، إضافة للتعقيدات القانونية والاجتماعية والاقتصادية، مما يصعب حل المشكلات ما يدفعهن إلي رفع دعاوى لدي محاكم الأحوال الشرعية للطلاق أو إثبات النسب، أو حضانة الأبناء، أو نفقة الزوجية أو نفقة الصغير.
عموماً فإن الزواج بصورة عامة يمثل حرية شخصية، بغض النظر عن سلبياته أو إيجابياته، ولكن ربما لا ينظر له بحسابات دقيقة ورؤية مستقبلية بعيدة المدي، مما يجعل الأمر مغامرة، ضياع، خسارة، وندم، رغم أنه سنة الله في الأرض لا حجر فيه على أحد، والمعيار الدين الإسلامي، والخُلق، كما قال رسول صل الله عليه وسلم : (من جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه)، وهذا لا يعني إغفال بعض المؤشرات الواضحة التي يمكن أن تؤدي إلي زيجة فاشلة منذ البداية.
وفي السياق قالت سيدة : كنت متخوفة من طرح قصتي للرأي العام، وذلك للقيود المكبلة للمجتمع، إلا إنني وجدت نفسي مضطرة إلي الوصول بخصوصياتي إلي محكمة الأحوال الشرعية التي ذهبت إليها مرغمة بعد أن اشتعلت الخلافات بيني وزوجي الأجنبي الذي رفعت ضده قضية بمحكمة الأحوال الشرعية أطلب من خلالها حضانة الأبناء.
فيما روي شاب قصته مع الزواج قاصراً من فتاة مؤكداً أن مفهوم الزواج في وقت باكر يحدث فيه خلط كبير في المجتمعات العربية والإسلامية بصورة عامة حيث أنه يسمي بزواج القصر أو القاصرات أو اسم الزواج الباكر وهو في الإسلام مستحب إذا طبق بصورته الشرعية بعيداً عن العادات والتقاليد الضارة ، ﺇﺫﺍ ﻳﻄﻠﻖ عليه ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ ﺍﻟﻤﺒﻜﺮ ﻭهو ﻣﺒﺎﺭﻙ ﻭﻟﻴﺲ ﻭﺍﺟﺒﺎً ﻛﻤﺎ يظن الكثير من أبناء الوطن العربي والإسلامي والشرع لا يحدد سناً بعينها للارتباط بين الشاب والشابة إنما تحكمه العادات والتقاليد والأعراف في هذا المجتمع أو ذاك وفقا للثقافة التي يركن لها الإنسان في تلك البقاع.
و قال : بدأت قصتي مع الزواج وأنا في الصف الثاني ثانوي أي أن عمري وقتئذ لم يتجاوز الـ(16) عاماً، بينما كانت زوجتي عمرها (18) عاماً، فنحن لدينا عادات أن نتزوج في سن تعتبر قاصرة، وعلي خلفية ذلك تزوجت إلا أنه بعد مرور شهور من تاريخ مراسم الزفاف حدثت خلافات بيني وزوجتي، ثم تطورت إلي أن وصلت إلي محكمة الأحوال الشخصية والتي تقدمت في ظلها زوجتي السابقة بعريضة دعوي قضائية تطلب من خلالها الطلاق، فما كان مني إلا ولجأت لوالدي لإيجاد حل للإشكالية التي أطلت برأسها فما كان منه وعمي إلا وتصدياً لها، وبدأت مفاوضات بين الطرفين استمرت قرابة العام توصلا بموجبها إلي الانفصال الذي تم بيني وزوجتي السابقة.
وأضاف : وكنت مهموماً جداً بالقضية التي رفعت ضدي بالمحكمة حيث أنني ذهبت إليها بموجب استدعاء وصلني وكنت مع هذا وذاك حزيناً ولا قدرة لي علي التركيز في الدراسة بالصف الثاني بالمرحلة الثانوية فمثلاً الأستاذ يدرس في المادة وأكون أنا سارحاً بعيداً عما يشرحه المعلم، فالقضية أكبر من سني بكثير، ولم أكن أتصور أن الزواج يمكن أن يقودني في يوم من الأيام إلي قاعة المحكمة التي كان حينما يصلني منها إعلاناً أذهب إلي مدير المدرسة واضعه بين يديه حتي لا يدرج اسمي ضمن الطلاب الذين سجلوا غياباً عن المدرسة في هذا اليوم أو ذلك، فقررت أن أتجاوز كل هذه الإشكاليات وأركز علي دراستي لكي أنجح في الامتحانات.
شاب يقوده الزواج من (قاصر) إلى المحكمة بسبب الطلاق
..........................
زيجات لتخفيف ﻋﺐﺀ ﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻟﻴﺔ والهروب من شبح (العنوسة)
.........................
وقف عندها : سراج النعيم
........................
يشكل زواج ﺍﻟﻘﺎﺻﺮﺍﺕ هاجساً يؤرق مضاجع الناس والمجتمع وﺍﻟﻤﻨﻈﻤﺎﺕ ﺍﻟمهتمة بحماية الأطفال خاصة وأن هنالك أسراً لا تدرك ﺧﻄﻮﺭﺓ الإقدام على هذه الخطوة التي تعد تجارب أكثر قسوة وإيلاماً، وأغلب تلك الزيجات تنتهي بالانفصال، وهنالك أخريات اصبحن يحملن لقب سيدات لا أرامل لا مطلقات، مما يدفعهن إلي الإحساس ﺑﺎﻟﻤﺮﺍﺭة، ﻭذكريات مؤلمة لا تمحوها السنين ﻣﻦ ﺍﻟﺬﺍﻛﺮﺓ.
إن الأسباب المؤدية إلي قبول زواج القصر، هو تخفيف ﻋﺐﺀ ﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻟﻴﺔ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ عن كاهلهم، بالإضافة إلي المهور، مما جعل الظاهرة تطل برأسها في المشهد إذ نلحظ أن هنالك زوجات قاصرات تزوجن من رجال يكبروهن في العمر بمراحل كثيرة، وبالرغم من أن الظاهرة مقلقة إلا أن البعض يسعي إلي تصويرها على أساس أنها محصورة في حيز ضـيق، وما تم في هذا الإطار يندرج في حـالات (شـاذة)، الأمر الذي قاد إلي المطالبة بتوعية الأسر على عدم تزويج القاصرات، فلا يجوز أن يتزوج رجلاً كبيراً في السن من طفلة صغيرة لم تبلغ الحلم بعد، وبذلك السلوك يتم اغتيـال براءتها ووئد طفولتها في مهدها.
وبما أن القضية في غاية الأهمية رأيت أن أفتح هذا الملف الساخن ـ المسكوت عنه، إذ أسعي من خلاله لإيجاد حلول ناجزة لمعرفة إن كان زواج القاصرات قد وصل إلي مرحلة ظـاهرة أم لا وشـرح أسـبابها، والإضرار الناجمة عنها، وما تتركه من آثار نفسية واجتماعية على الأطفال الذين يتم تزوجيهم في سن مبكرة، والذي تؤكد في إطاره المعلومات إلى تنامي الظاهرة، مما فجر جدلاً واسعاً بعد أن نتج عنه تفككاً أسرياً، وتحمل مسؤولية عش الزوجية، لذا ندعو من خلال ذلك أن تكون المعايير متكافئة لمعالجة هذه السلبيات، خاصة وأن الديانة الإسلامية لم تترك شاردة ولا واردة إلا وتناولتها، كما دلت الآية الكريمة (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً) فيما نجد أن القانون يضع للزواج شروطاً لحماية وعناية الوصي الذي لم يبلغ سن الرشد، والذي ينتشـر نسبة إلي جهـل بعض الأوليـاء غيـر المـدركين لأن الطفلة القاصــرة ليس في مقدورها تحمــل تكوين أســرة، بالإضافة إلي عدم إدراك أن تزوجيها لمـن يفوقهـا سـناً وما يتركه ذلك من آثـار نفسـية واجتماعية.
مـن العوامل الأساسية الناتج عنها زواج القاصرات بحث البعض من الآبـاء تخفيـف الانفاق عليه مالياً في ظل الظروف الاقتصادية بالغة التعقيد، فهل هن ضحايا جهل بما يحدث في المستقبل أم أنها مجرد صـفقة تجاريـة لا تتم فيها مراعاة الآثار النفسية والاجتماعية، إلي جانب أن هنالك من يتخوفون مـن ارتفـاع نسـبة (العنوسـة) الأمر الذي يدفعهم إلي تزويج القاصرات، فالتركيبة الاجتماعية للبعض تساند هذا النوع مـن الـزواج، وتـري أنه أمـراً مقبـولاً فـي أعرافها، ناسين أو متناسين أن مثل هذا الزواج يحرم أولئك الأطفال من حنان وعاطفة الوالـدين، وهما حق من حقوقهم، وعليه يجب عدم حرمانهم من الاستمتاع وبهما وبمراحل الطفولة عموماً حتي لا ينجم عن ذلك اصابتهم بأمـراض نفسية مثل الهستيريا والفصام، الإكتئاب، والقلق، ومع هذا وذاك ضياع مستقبلهم في إطار التحصيل الأكاديمي، وربما ذلك يدخلهم في حالة نفسية من واقع عدم القدرة على اكتساب ولو البسيط من التعليم ومن الثقافة التي تتيح لهم فرصة تربية الطفل، بالإضافة إلي الإحساس الذي تحسون على إثره أنهم أصبحوا عبئاً ثقيلاً على أسرهم، وعليه توضح الدراسات أن زواج القاصرات يعتبر جريمة ترتكب في حق الطفولة، مما يجعلها تتكيف على وضعية لا تتوافق مع تكوينها الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي، وبالتالي يصبح ليس في مقدور الزوجة (القاصر) تحمل المسئولية، والقيام بالدور المنوط بها في (عش الزوجية).
وطالب عدد من المهتمين بالشأن الأسري توعية أولياء أمور من هن مقبلات على الزواج بأن تزويج القاصرات له ما بعده من عواقب وخيمة، فمثلاً هنالك من ﺗﺰﻭﺟن ﻓﻲ سن ﺻﻐﻴﺮة، ﻭﺃﻧﺠﺒت مولودها البكر ﺗﺤﺖ إشراف ورعاية طبية لصيقة، ومن ثم تولت والدتها مهمة رعايتها ورعاية طفلها ﻣﻌﺎً، فلم تكن تدري أنها دخلت في نفق مظلم قادها إلي أن تصبح ﺑﻴﻦ ﻟﻴﻠﺔ ﻭﺿﺤﺎﻫﺎ (سيدة)، وهي لم تتجاوز مربع الطفولة.
من المهم جداً وضع حد لتنامي أفكار سالبة من هذا القبيل رغم اختلاف وجهات النظر، وعدم الاتفاق على هذا الأمر، خاصة وأنه أصبح في تزايد، وبات يشغل بال المهتمين بالشأن الأسري والذي يرون في ظله أن الحل يكمن في تطبيق ضوابط الشريعة الإسلامية في النكاح لضمان الحقوق في اختيار (شريك الحياة)، وتدارك عدم تجاوز ذلك لما يؤثر في النواحي النفسية، الاجتماعية والإنسانية، فالمسألة في حد ذاتها قائمة على الإلمام بالأسباب و المساهمة في مكافحة زواج القاصرات، ومن ثم نشر الوعي وسط الناس خاصة الذين يجهلون خطورة هذه الزيجات في المستقبل، والذي يتطلب فيهم الالتزام بتطبيق الجوانب التشريعية لمؤسسة الزواج.
فيما استوقفتني الكثير من قصص زواج القصر دون سن البلوغ، ولعل أكثرها تأثيراً قصة قاصر قالت : (لا مانع لدي من الاقتران شرعاً في هذه السن)، ومن حديثها هذا يتضح بجلاء حجم التحدي الكبير الذي تواجهه الأسر، وذلك في ظل ظروف اقتصادية قاهرة جعلت الكثير من الشباب السوداني يعزف عن الزواج، ويفسح المجال أمام من هم قصر ليخوضوا التجربة بكل مراراتها، وذلك في ظل التغيرات الكثيرة التي طرأت في مفاهيم (حواء)، والتي أصبح عندها رأي آخر حول ارتباطها بالنصف الآخر، إذ لم تعد تفكر في انتظار الشاب العائد من دول المهجر، وذلك علي خلفية الانفتاح الذي تشهده المجتمعات خاصة في إطار ما أفرزته وسائط التقنية الحديثة من ثقافات مغايرة للثقافة السودانية، وأغلب الزيجات المندرجة في هذا الجانب قائمة علي مصالح مشتركة، فزواج القاصرات في السودان معاناة وجدل لا ينتهي حيث ما زالت المسألة تلقي بظلالها النفسية والاجتماعية والصحية.
ويستمر الجدل حول زواج القصر دون سن البلوغ ، والذي نسرد وفقه بعض قصص قصر تزوجوا بقرارات من آباءهم، وهذا يؤكد إن معظمها يتم في سن الرابعة عشر، إذ أن هنالك من تزوج وأنجب، وهو لم يتجاوز تلك السن.
وقال زوج : زواجي من احدى القاصرات أدخلني في تجربة قاسية جداً لم أخضها قبلاً، وذلك من حيث أن قصتي ظلت محوراً جديداً في جوهرها ومضمونها لأنني لم أكن أتخيل أن ترفض أسرتها بعد عقد القران عدم ذهابها معي دون مسوغات قانونية تمنحهم هذا الحق.
وبالعودة إلى قصة زواجه من تلك القاصر نجد أنها تمت بصورة سريعة جداً، إذ قال : بدأت العلاقة بيني وبينها على خلفية ترشيحها لي من والدها، وبما أنها كانت مريضة تعاطفت معها إلي أن تماثلت للشفاء، ثم سافرت لإحدى الدول العربية وعدت منها في إجازة، فوجدت أن أسرتها أنتقلت للإقامة في مدينة سودانية أخري الأمر الذي حدا بي أن أشد الرحال نحوها مؤملاً الالتقاء بها، وما أن وطأت قدماي أرض المدينة إياها إلا وتحقق لي ما كنت أصبو إليه، فما كان منها إلا وطلبت مني أن اصطحبها معي، إلا أن والدها رفض الفكرة مشترطاً أن أجهز لها منزلاً فخماً فكان ردي عليه انني لست جاهزاً إلا أنه مارس علىّ ضغوطات، ثم غادر هو وأسرته تلك المدينة، الشيء الذي جعلني لا أعرف عن زوجتي شيئاً، حتى مكالماتي الهاتفية لا ترد عليها.
إن زواج القاصرات في ازدياد يوماً تلو الآخر، ويلقي بظلاله السالبة علي المجتمعات من حيث الأمراض الوبائية والوراثية، إضافة للتعقيدات القانونية والاجتماعية والاقتصادية، مما يصعب حل المشكلات ما يدفعهن إلي رفع دعاوى لدي محاكم الأحوال الشرعية للطلاق أو إثبات النسب، أو حضانة الأبناء، أو نفقة الزوجية أو نفقة الصغير.
عموماً فإن الزواج بصورة عامة يمثل حرية شخصية، بغض النظر عن سلبياته أو إيجابياته، ولكن ربما لا ينظر له بحسابات دقيقة ورؤية مستقبلية بعيدة المدي، مما يجعل الأمر مغامرة، ضياع، خسارة، وندم، رغم أنه سنة الله في الأرض لا حجر فيه على أحد، والمعيار الدين الإسلامي، والخُلق، كما قال رسول صل الله عليه وسلم : (من جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه)، وهذا لا يعني إغفال بعض المؤشرات الواضحة التي يمكن أن تؤدي إلي زيجة فاشلة منذ البداية.
وفي السياق قالت سيدة : كنت متخوفة من طرح قصتي للرأي العام، وذلك للقيود المكبلة للمجتمع، إلا إنني وجدت نفسي مضطرة إلي الوصول بخصوصياتي إلي محكمة الأحوال الشرعية التي ذهبت إليها مرغمة بعد أن اشتعلت الخلافات بيني وزوجي الأجنبي الذي رفعت ضده قضية بمحكمة الأحوال الشرعية أطلب من خلالها حضانة الأبناء.
فيما روي شاب قصته مع الزواج قاصراً من فتاة مؤكداً أن مفهوم الزواج في وقت باكر يحدث فيه خلط كبير في المجتمعات العربية والإسلامية بصورة عامة حيث أنه يسمي بزواج القصر أو القاصرات أو اسم الزواج الباكر وهو في الإسلام مستحب إذا طبق بصورته الشرعية بعيداً عن العادات والتقاليد الضارة ، ﺇﺫﺍ ﻳﻄﻠﻖ عليه ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ ﺍﻟﻤﺒﻜﺮ ﻭهو ﻣﺒﺎﺭﻙ ﻭﻟﻴﺲ ﻭﺍﺟﺒﺎً ﻛﻤﺎ يظن الكثير من أبناء الوطن العربي والإسلامي والشرع لا يحدد سناً بعينها للارتباط بين الشاب والشابة إنما تحكمه العادات والتقاليد والأعراف في هذا المجتمع أو ذاك وفقا للثقافة التي يركن لها الإنسان في تلك البقاع.
و قال : بدأت قصتي مع الزواج وأنا في الصف الثاني ثانوي أي أن عمري وقتئذ لم يتجاوز الـ(16) عاماً، بينما كانت زوجتي عمرها (18) عاماً، فنحن لدينا عادات أن نتزوج في سن تعتبر قاصرة، وعلي خلفية ذلك تزوجت إلا أنه بعد مرور شهور من تاريخ مراسم الزفاف حدثت خلافات بيني وزوجتي، ثم تطورت إلي أن وصلت إلي محكمة الأحوال الشخصية والتي تقدمت في ظلها زوجتي السابقة بعريضة دعوي قضائية تطلب من خلالها الطلاق، فما كان مني إلا ولجأت لوالدي لإيجاد حل للإشكالية التي أطلت برأسها فما كان منه وعمي إلا وتصدياً لها، وبدأت مفاوضات بين الطرفين استمرت قرابة العام توصلا بموجبها إلي الانفصال الذي تم بيني وزوجتي السابقة.
وأضاف : وكنت مهموماً جداً بالقضية التي رفعت ضدي بالمحكمة حيث أنني ذهبت إليها بموجب استدعاء وصلني وكنت مع هذا وذاك حزيناً ولا قدرة لي علي التركيز في الدراسة بالصف الثاني بالمرحلة الثانوية فمثلاً الأستاذ يدرس في المادة وأكون أنا سارحاً بعيداً عما يشرحه المعلم، فالقضية أكبر من سني بكثير، ولم أكن أتصور أن الزواج يمكن أن يقودني في يوم من الأيام إلي قاعة المحكمة التي كان حينما يصلني منها إعلاناً أذهب إلي مدير المدرسة واضعه بين يديه حتي لا يدرج اسمي ضمن الطلاب الذين سجلوا غياباً عن المدرسة في هذا اليوم أو ذلك، فقررت أن أتجاوز كل هذه الإشكاليات وأركز علي دراستي لكي أنجح في الامتحانات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق