الأحد، 31 ديسمبر 2017

سراج النعيم يكتب : فقدان الثقة بين الطبيب والمريض


منذ أن عرف الإنسان الطب بإختلاف تخصصاته، وهو في بحث دوؤب عن القوانين الحافظة لحقوقه، ونسبة إلى الأضرار الناتجة عن الأخطاء الطبية التي أصبحت تشكل هاجسا للطبيب والمريض التي سيطر عليها الإحساس بعدم الثقة في بعضهما البعض، ومع هذا وذاك فقد بعض المرضي الثقة في ملائكة الرحمة فيما يختص بالتشخيص والعلاج الشيء الذي جعل الحالة العامة في المستشفيات الحكومية والخاصة تتغير بطريقة دراماتيكية رغماً عن التطور الهائل في الأجهزة الطبية الحديثة، وتوفر المعلومات بالشبكة العنكبوتية وغيرها من وسائل الإتصال والإنفتاح على العالم، ولكن الأخطاء الطبية في إرتفاع متزايد يوماً تلو الآخر، وبالتالي يكون المريض مضطراً لإتخاذ الإجراءات القانونية، وفي الغالب الأعم يعجز بعض المتضررين من خوض المارثون القضائي،
ووسط ذلك الزحام استطاعت أسرة مريضة وضع قضيتها الخاصة بنسيان طبيب بإحدي المستشفيات قطعة شاش في بطنها أكثر من شهر أمام المحكمة التي أصدر قاضيها حكما  بإدانة الطبيب والمحضرة الأول شهرين والثاني شهر وتعويض مالي قيمته (46.700) ألف جنيه.
فيما تلاحظ بشكل مطرد ظاهرة الأخطاء الطبية أو الإهمال الطبي، مما أرق الكثير من المرضي الأمر الذي يتطلب مزيداً ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻔﺎﻓﻴﺔ ﻭالوضوح وﺍﻟﻤﺴﺎﺀﻟﺔ الحافظة لحقوقهم كاملة لا منقوصة، ومع هذا وذاك يتبادر لذهني بعض الأسئلة حول إجراء الأطباء للعمليات الجراحية هل الإقرار الذي يكتبه المريض وأهله يحمي الأطباء في حال حدوث تعقيد أو خطأ أو إهمال في اجراء هذه العملية أو تلك؟ الإجابة في رأيي تكمن في تفسير كلمة (تعقيد)، وذلك بعد الإجراء الطبي وحول كلمة تعقيد التي وجهت في إطارها سؤالاً لأحد الأطباء، هل هذه الكلمة تعني وقوع الطبيب في خطأ طبي؟ فأجاب بالنفي، ولم يزد عن ذلك بالرغم من أنني طالبته بالتفسير ولكن وآه من لكن!.
أليس الاجدي بالأطباء أن يحاسبوا أنفسهم قبل أن يحاسبهم قانون وضع تشريعاته البشر خاصة أولئك الأطباء الذين يتوارون خلف كلمة (تعقيد)، أو من يقعون في الأخطاء الطبية فيضطر اهل المريض إلي تقديم شكوي إلي المجلس الطبي أو إتخاذ الإجراءات القانونية في مواجهة بعض المستشفيات والأطباء، وهذا دون أدني شك يقودني إلي طرح سؤال يتمثل في هل واكبت الصحة وكوادرها التطور الذي افرزته (اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ) ووسائطها في حقل اصبحت الأجهزة الحديثة والمعلومات متوفرة بشكل غاية في الدقة وبصورة أسرع مما يتصور الإنسان، فالتطور التقني الحديث سهل علي الأطباء وربطهم بالعالم الذي يجب أن يستفيدوا منه في تطوير الذات.
ندرك أن السودان في حاجة ماسة للإصلاح ﻓﻲ القطاع العام والخاص في إطار الحقل الطبي مع التأكيد أننا نواجه تحديات جسام داخلية وخارﺟﻴﺔ، لكن بالرغم من ذلك مهم جدا الإصلاح بالتركيز عند إجراء العمليات الجراحية وتشخيص الحالة بصورة دقيقة، وحينما يتحقق ذلك، فإن ﺍﻟﺜﻘﺔ المفقودة بين الطبيب والمريض ستعود تدريجياً، لأنه من المهم أن يشخص الطبيب الحالة تشخيصاً سليماً، ﻓﺬﻟﻚ ﺃﻣﺮ ﺿﺮﻭﺭﻱ جداً ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ما تصبو إليه المجتمعات دائماً.
من المعروف أن الفكر في أي خطة إصلاحية يتجه إلي تقييم ﻧﺘﺎﺋﺞ ﺍﻟﺠﻬﻮﺩ المبذولة خلال عشرة أعوام ماضية من أجل الارتقاء بالأداء في الحقل الطبي الذي يعتبر الأهم علي الإطلاق، لذا يجب أن نتقدم فيه ونوليه عناية خاصة حتي يقدم القطاع العام والخاص خدمة بما يتسم مع متطلبات الإنسانية التي تحتاج إلي توفير بيئة تتوافق مع التطور الذي يشهده العالم من حولنا ورفع مستوي الأداء بتأهيل وتدريب الكوادر الطبية كل في مجاله مع تجويد الخدمات الطبية والإهتمام بالتركيز علي وضع الإصلاح.
تعتبر صحة الإنسان حقاً أصيلاً أساسياً يجب أن تضعه الدولة في حسابات أولوياتها إلا أنه وفي الآونة الأخيرة طاله بعضاً من الإهمال الذي يفرض سؤالاً في غاية الأهمية هل هذا الإهمال يعود إلي سوء فهم في أهمية الصحة أم أن هنالك أسباب نجهلها ولم يفصح عنها وزراء الصحة؟ فالصحة بحسب مفهومي البسيط موقف من المواقف الانسانية وحضارة من الحضارات الإنسانية ضاربة الجذور، وإذا عدنا بالتاريخ للوراء فإننا سنجد أن صحة الإنسان من المبادىء الأساسية في كل الكتب السماوية، بالإضافة إلي أنها مضمنة في مؤلفات الحكماء علي إختلاف اعتقاداتهم واتجاهاتهم الجغرافية، فمثلاً في مصر نجد إهتماماً منقطع النظير بصحة الإنسان في تلك الحقب، فالمصريون القدماء توصلوا إلي أهمية الصحة وحضارة الإنسان في وقت مبكر، وأن البلدان لا يمكن أن تبني إلا إذا كانت صحة الإنسان سليمه جسمانياً وعقلياً ونفسياً، وأكدوا أنها تبدأ مع الإنسان من مرحلة الطفولة، وتستمر إلي أن يتوفاه الله سبحانه وتعالي، لذا علي الدولة أن تنفق علي الصحة الإنفاق الأكبر خاصة وأن الإحصائيات العالمية تشير إلي أن الإنفاق علي الصحة سنوياً يتم بما ﻳﺰﻳﺪ ﻋﻠﻰ (3) ﺗﺮﻳﻠﻴﻮﻥ ﺩﻭﻻﺭ ﺃﻣﺮﻳﻜﻲ بحيث تمول أغلبها عبر دافعي الضرائب.
إن الإتجاه إلي الصحة يجب أن يكون علي رأس كل الأولويات لما يشهده هذا القطاع من تعقيدات وصعوبات تتمثل في هجرة الكوادر، وربما هذه الهجرة أفرزت بعضاً من السوالب مثل عدم الكفاءة وفقدان الثقة بين الطبيب والمريض، مما جعل معظم المرضي يشدون الرحال إلي بعض الدول العربية أو الأوروبية أو الآسيوية لتلقي العلاج، فهل تنفق تلك البلدان علي الصحة أكثر خاصة إذا أخذنا في الاعتبار إنفاق الولايات المتحدة الأمريكية علي الصحة بما ﻳﻌﺎﺩﻝ (15.3 %) ﻣﻦ ﺇﺟﻤﺎﻟﻲ ﺍﻟﻨﺎﺗﺞ ﺍﻟﻤﺤﻠﻲ، أما الإنفاق في الدول الفقيرة ربما يكون بسيطاً جداً قياساً بأمريكا، وبالتالي لا يتأثر فيها الغني والفقير علي عكس دول العالم الثالث حيث إنهم الأقل قدرة علي تلقي العلاج في ظل إرتفاع سعر الدولار مقابل العملات المحلية، وعليه ليس في مقدورهم تلقي خدمة صحية متكاملة لأنهم لايملكون المال الذي يمكنهم من الحصول علي الخدمة في المستشفيات الخاصة.
فيما تقدمت إحدي المريضات بشكوي للمجلس الطبي تقول إنها بعد عملية التخدير في إحدي المستشفيات حدث لها تغيير في الصوت، فما كان منها إلا أن تشكو المستشفي، وتم وفقاً لهذه الشكوي تشكيل لجنة أوقعت عليها الكشف الطبي الذي ظهرت بعده نتيجتها على أساس أنه لا يوجد خطأ طبي  حيث أنها كانت أصلا تعاني من إسترجاع من المعدة للحلق، مما ينجم عنه إلتهاب في (البلعوم) تصادف مع وجود انبوب التخدير فيه، وكان أن حدث ما حدث، ولم يكن نتيجة خطا طبي، وهو شيء يتوقع حدوثه في حال وجود المرضي، وهذه المريضة  الشاكية دخلت المستشفي، وهي تشكو من (الحيرقان)، وبعد الفحوصات أكتشف الطبيب أنها تعاني أيضا من (حصوة) في المرارة وما (الحيرقان) إلا جزء من مرضها فقط، فترتب عليه أن الطفح في المرئي وصل إلى مناطق فوقي، وأصبح مزمنا أدي إلى حدوث تغيير لم تعزوه المريضة إليه لأنها لم تربط بين صوتها ومعدتها.
دعونا نقف وقفة تأملية عند أغرب واقعة نوثق لها توثيقاً كاملاً إلا وهي واقعة شاب يبلغ من العمر (31عاماً) وهو من الولاية الشمالية، ولكنه جاء للخرطوم ويعاني من ضغط في الرئتين (ضيق تنفس) حيث قال : أمضيت سبعة أشهر في مستشفي خرطومي وحيداً، والأطباء قالوا لي أنهم يودون أن يجروا ليّ عملية نظافة للوساخة الموجودة في الرئتين، لذلك تم منحي الأوكسجين من أجل التنفس بصورة طبيعية، ومع هذا وذاك يسمح ليّ بالتنقل به حتى أجد من يساعدني في التخلص من هذا التنفس الصناعي، وكان أن استقليت عربة أمجاد إلى الجامع والشهور تتسرب من بين يدي دون بارقة أمل في إجراء العملية المقررة لأنني لا أملك تكاليفها، ثم يصير الأمرعندي ضرباً من ضروب المعجزة، وفي هذه المرحلة الشبابية تجدني معتقلاً في لحظة يقولون فيها أن الشباب هم وقود المستقبل في حين أن شبابي يضيع يوماً تلو الآخر، فالنظر في نظام المجتمع وأحكامه يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن هنالك خلل – ولو لم يكن كذلك لما صاحبتي اجهزة التنفس الاصطناعي في حلي وترحالي .. الذي في الغالب الاعمّ ما أجد من يتعاطفون مع حالتي التي تزداد سوءاً وراء سوء.

ليست هناك تعليقات:

azsuragalnim19@gmail.com

*الدكتور أسامة عطا جبارة يشرح الإقتصاد السوداني في ظل الحرب*

..........  *تواصل شبكة (أوتار الأصيل) الإخبارية، وصحيفة العريشة الرقمية نشر الحوار الهام مع الخبير في الإقتصاد العالمي الدكتور أسامة عطا جب...