الأربعاء، 20 ديسمبر 2017

مع إقتراب الذكري الخامسة للأسطورة محمود عبدالعزيز (7)



الشيخ الصائم ديمة : الحوت يمتاز بصفات الصالحين وتهزه المواقف الانسانية
.........................
لم أشاهد حشوداً كهذه إلا في جثمان الراحل محمود عبدالعزيز
........................





وتستمر (الدار) في التوثيق لحياة الفنان الصديق الراحل محمود عبد العزيز على المستويين الخاص والعام، ففي هذا الإطار نقف عند الحوت .. الصوفي .. كيف يحتفي بمولد المصطفي صلي الله عليه وسلم، والذي يكشف حوله الشيخ الصائم ديمة أدق الأسرار.
ﻓﻲ ستينيات القرن الماضي بدأ التصوف يلعب دوراً كبيراً في المجتمع السوداني الذي ظل يتفاعل معه منذ زمن طويل من خلال اللوح، الدواية، الخلاوي، التقابة، حلقات الذكر، الجلباب ذو اللونين الأخضر والأحمر، السبحة وغيرها من الأشياء التي تدل علي الانتماء لهذه الطريقة أو تلك، ورغماً عن تعدد الطرق الصوفية في السودان إلا أن الطريق واحد.. والهدف واحد.. والغرض في النهاية ممارسة الأشعار والأذكار والإنشاد الديني، ويأخذ ذلك حيزاً كبيراً في كل عام من تاريخ مولد المصطفي صلي الله عليه وسلم، حيث تنصب الطرق الصوفية المختلفة الخيام في الساحات علي إمتداد الوطن إلا أن الإحتفاء به في ميدان الخليفة بام درمان له طعم ونكهة خاصة لما تقدمه الطرق الصوفية من أدب صوفي مميز في ذكر الله سبحانه وتعالي ورسوله عليه أفضل الصلاة والسلام، وعندما كنا صغاراً كنا نفرض علي والدينا أخذنا إلي ﺳﺎﺣﺔ ﺍﻟﻤﻮﻟﺪ ببيت الخليفة بام درمان حيث أنه يمثل مكان الإلتقاء لأحبة سيد البشرية عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم، وهو ديدن الجميع الذين يتقاطرون علي ذلك النحو من كل حدب وصوب، وبما لا شك فيه كان صديقنا الفنان الراحل محمود عبدالعزيز كسائر الأطفال يحب الإحتفال به مع أﺷﻘﺎؤه وﺃﺻﺪﻗﺎؤه وزملاؤه.
 يبقي الإحتفاء بالمولد النبوي الشريف إحتفالاً موسمياً للكثير من تجار الحلويات، العصائر، ألعاب الأطفال، ستات الشاي، وبائعات الزلابية والوجبات المختلفة ويعرضون تجارتهم من خلال المحلات التجارية المؤقتة بتصاديق من المحلية، فيما أتذكر إنني كنت أتجاذب أطراف الحديث مع الفنان الراحل محمود عبدالعزيز الذي ذكرني بما كان يحدث من بعض الصبيان الذين يأتون إلي ساحات المولد، وهم يدسون بين طياتهم ما يطلقون عليه (النبلة) المصنوعة من عود خشب وبلاستيك، وعندما تتحلق المجموعات حول البائعين بالساحة يقذف أولئك الصبيان الناس بينما كان هنالك بعض الصبيان يقومون بربط ﺛﻴﺎﺏ ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ اللواتي يرتادن ساحة المولد النبوي الشريف ﻣﻊ بعضهن البعض ونسبة إلي أن الحوت كان صاحب ذاكرة حديدية روى لي قصة اللص الذي جبل علي سرقة (الدجاج) في الحي بصورة شبه يومية مستخدماً ذكائه رابطاً جزء من المصران بسير بلاستيك ويلقي به إلي الدجاجة التي ينوي إصطيادها من هذا المنزل أو ذاك، وما أن تلتقط الدجاجة المصران إلا وينتفخ المصران في فمها، فيستطيع أن يكتم صوت الدجاجة من أن تلفت نظر أصحابها، وعلي خلفية ذلك يقوم اللص بسحبها تدريجياً عبر المصران المنتفخ، ﻭﻳﺴﺤﺒﻬﺎ ﺑﻜﻞ ﻫﺪﻭﺀ ﻷﻥ ﺍﻟﻤﺼﺮﺍﻥ ﺍﻟﻤﻨﻔﻮﺥ الذي يكون ضاغطاً علي حلق الدجاجة بقوة للدرجة التي لا تستطيع معها الفكاك من تلك القبضة المحكمة، وكانت الحكاية مندرجة في إطار القصص الغريبة التي كانت تتم في ذلك الزمن الجميل، ما يؤكد أن الحوت كان متعلقاً بالتاريخ القديم الذي إستفاد منه في تجربته المستقبلية في إبراز موهبته في مجال التمثيل، فالقصة التي رواها عن اللص والدجاجة تصلح أن تصبح دراما في هذا العصر الذي يعاني في ظل الناس من الظروف الإقتصادية القاهرة التي يركن لها المجتمع بعد رفع الدعم عن المحروقات.
من الحديث عن التصوف والصوفية التي ينتمي إليها الكثير من العامة ولم يكن تعجبه الحروب التي تشن علي الصوفية والتصوف من جهات بعينها مدعية أنها تستقطب شرائح متعلمة وﻣﻦ ﺻﻔﻮﺓ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ، فأخذت الطرق ﺍﻟﺼﻮﻓﻴﺔ في بذوق نجمها، فيما ظلت الجهات المعادية للصوفية تتقوقع في مكانها ولا تبرحه قيد أنملة رغم الصراع الذي تديره ما بين الفينة والأخرى إلا أنه صراعاً لم يجد سوي النفور بدلاً من الترغيب، فالخشونة التي تمتاز بها تلك الجهات كانت طاردة للشباب من الإنتماء إليها.
وحينما ننظر بمنظار فاحص إلي الصوفية والتصوف نجد أن هنالك بعض السوالب التي قادتها إلي طريق أقرب إلي الأفول منها ﺍﻟﻮﻻﺀ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ، بالإضافة إلي الأشعار التي يمجد من خلالها سيد البشرية عليه الصلاة والسلام وشيخ الطريقة في نفس الوقت وتخليد الذكري السنوية، وضرب النوبة، وإقامة الحولية ويطوف حولها الحيران، وهو ذات الأمر الذي يتم في موسم المولد النبوي الشريف أمام وداخل الخيام المخصصة لكل طريقة من الطرق الصوفية بالساحات المنتشرة بولاية الخرطوم والولايات الأخري.
ومما ذهبت إليه وجدت الطرق الصوفية مكانتها فاستطاعت في تلك الأجواء أن تستقطب إليها الشباب من الجنسين خاصة شباب ﻓﻲ المدارس والجامعات، فواجه ذلك الشباب المتصوف ﺗﺤﺪﻳﺎﺕ جسام ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ الإنتماء لهذه الطريقة أو تلك وبدأت تظهر في المجتمع السوداني بوادر تصوف الشباب، لأن التجربة كانت بمثابة طوق النجاة، ما سهل الطريق أمام المتصوفة ﺰﻳﺎﺭﺓ القباب وﺍﻷﺿﺮﺣﺔ، وإقامة الليالي في الأماكن المخصصة للذكر.
وعندما مرض الفنان الراحل محمود عبدالعزيز قامت بعض الطرق الصوفية بعمل حلقات ذكر تضرعت من خلالها له بالدعاء أن يمن عليه الله سبحانه وتعالي بعاجل الشفاء، وحينما توفى إلي رحمة مولاه أصاب المجتمع بصورة عامة وخاصة الشباب صدمة كبيرة أخذت حيزاً من الإنتقاد.
بينما كان الشيخ الصادق الصائم ديمة قد كشف سر العلاقة العميقة التي تربطه بالفنان الراحل محمود عبد العزيز من حيث التصوف.
وقال : كانت تربطني أواصر صداقة قوية بالفنان الشاب محمود عبد العزيز ومن خلال تلك الصداقة عرفت أنه إنسان شفيف وكريم حنين جداً، فالمشاهد الإنسانية تهزه لدرجة أن الدموع تتساقط من عينيه مدراراً ولا يأبه بها، وهي صفات الصالحين.
وعرج إلي القبول الذي يحظي به الحوت قائلاً : القبول الذي وجده الفنان المادح الراحل محمود عبد العزيز كان قبولاً منقطع النظير، ولم أألفه في أي إنسان خالطته في هذه الدنيا، فأنا شاركت في تشييع جثامين الكثير من الشخصيات الهامة والمشاهير في المجتمع فلم أشاهد حشوداً كالحشود التي خرجت في جثمان الفنان الراحل محمود بعد أن تم إحضاره من الأردن.
وأضاف : علاقتي به بدأت بأنه سمع عني وصادف ذلك أن كان لديه حفلاً في مدينة امبدة وبعد الإنتهاء منه مباشرة جاء اليّ في المسيد، وما أن شاهدني إلا وبكي بكاءً حاراً أمتد قرابة النصف ساعة ثم روى لي أنه كان يسمع عني كثيراً، وقال لي ظللت أمني النفس بزيارتك إلي أن تحققت فقلت له : يا محمود سمعت أنك تحب سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم، فقال : أحبه حباً عميقاً وأمدحه نهاراً وليلاً، بالإضافة إلي إنني أختم كل حفل بالصلاة علي الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم.

ليست هناك تعليقات:

azsuragalnim19@gmail.com

*الدكتور أسامة عطا جبارة يشرح الإقتصاد السوداني في ظل الحرب*

..........  *تواصل شبكة (أوتار الأصيل) الإخبارية، وصحيفة العريشة الرقمية نشر الحوار الهام مع الخبير في الإقتصاد العالمي الدكتور أسامة عطا جب...