من
الصعب الاقتناع أن التأجيل المفاجئ لزيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري
إلى السودان والتي كانت مقررة عصر السبت كان بسبب العواصف الترابية في
الخرطوم، لكن من الأيسر الإقتناع أن التأجيل كان بسبب العواصف السياسية
التي اجتاحت الخرطوم قبيل زيارة شكري مع تصاعد الدعوات لمظاهرات شعبية
واسعة لاستقباله بدلا من الاستقبال الرسمي، وغالبا فإن تلك العواصف الشعبية
هي التي منعت الوزير أن يكمل رحلته بناء على تقديرات أمنية وسياسية، وهي
ذاتها التي دفعت الحكومة السودانية لإصدار قرار بفرض تأشيرة دخول على
المصريين لتهدئة ذاك الغضب، والحقيقة أن الذي سيتضرر من هذه التأشيرة بشكل
كبير ليس أنصار السيسي، ولكنهم المستضعفين من الشعب المصري، والمأمول من
الحكومة السودانية أن تعيد النظر في هذا القرار مراعاة لأولئك المستضعفين.
الإعلام السفيه الذي سمم الأجواء بين الشعبين، لا يعمل وفقا لأجندة وطنية خالصة، ولا يتحرك بقرار ذاتي، بل يعمل بريموت كنترول يمسك به ذاك الجنرال الذي يحدد لـ “الواد يوسف” و”البت عزة” وغيرهما ما ينبغي قوله ومالا ينبغي، وبالتالي فالحملات التي شنتها تلك الأبواق الإعلامية على الشعب السوداني مؤخرا هي بالتأكيد “وارد مكتب عباس كامل” حتى لو نفى ذلك.
من مساخر القدر أن يكون أحد أسباب التوتر الحالي بين الدولتين هو “الخناقة” على الانتساب لفرعون، وليس الانتساب لسيدنا موسى مثلا، وهي “الخناقة” التي اندلعت عقب زيارة الشيخة موزة بنت ناصر والدة أمير قطر للآثار السودانية مؤخرا، والسعي لترميمها، فمثل هذه المعركة الهزلية التي شارك فيها إعلاميون وحزبيون وبرلمانيون ووزراء، ما هي إلا رأس جبل النار التي اشتعلت منذ مطلع العام 2017 وذلك مع صدور إتهامات إعلامية من القاهرة للسودان بدعم عمليات مسلحة ضد عناصر النظام المصري، وكذا اتهامات إعلامية سودانية لنظام السيسي بدعم الجبهة الثورية المعارضة للحكم السوداني، وعادة يتبع أي تدهور في العلاقات بين الحكومتين بروز مفاجئ لقضية حلايب، التي هي دوما” في الهم مدعية وفي الفرح منسية”.
ومع خروج الأزمة عن نطاق الإدارة الحكومية في كلتا الدولتين، ودخول قطاعات شعبية على الخط مباشرة، فإن الخوف أن هذا الغضب الشعبي لا يفرق بين النظام الحاكم في مصر وأذرعه الإعلامية التي تنهش السودانيين كما نهشت ولا تزال تنهش المصرييين أيضا، وتحرض على قتلهم، وبين عموم الشعب المصري الذي يعتبر السودانيين نصفه الآخر الذي لا غنى له عنه، والأمل معقود على عقلاء الشعبين للتدخل للجم الإنفعالات التي تزيد النار اشتعالا هنا أو هناك، وهنا يحضرني نموذج الراحل المهندس إبراهيم شكري رئيس حزب العمل الذي كان ينهض لإطفاء الحرائق التي يشعلها المحرضون ضد السودان في مصر، أو المحرضون ضد مصر في السودان، ويبادر على الفور لزيارة السودان لتهدئة الأجواء متحملا كل سخامات الإعلام المباركي، أيها المصريون..أيها السودانيون استقيموا يرحمكم الله، ولا تتركوا فرجة يتخللها الشيطان.
قطب العربي
*كاتب مصري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق