..................................
من المعروف، وعلي مر التاريخ إن الإعلام المصري يستمد اتجاهاته وأفكاره لمهاجمة السودان من نظامه الحاكم في بلاده، فكان من الطبيعي تماديه في الإساءة والتقليل من قيمة السودان، خاصة حينما يطالب باسترجاع مثلث (حلايب) الذي ظل محتلاً منذ سنوات، دون أن تحرك الحكومة السودانية ساكناً، وكل ما تفعله رفع الشكاوي للمنظمات الدولية والإقليمية، الأمر الذي يجعل ذلك السؤال قائماً، متي يفعلها نظام البشير، ويرد كرامة السودان والسودانيين، الذين ظلوا علي مر العهود يتعرضون للإساءة من الإعلام المصري، الذي يهاجمنا بلغة استعلائية، وكأن دولة السودان (محافظة) مصرية، هكذا ظلوا يناصبون السودان العداء، ومع هذا وذاك تصمت الحكومة والإعلام السوداني، فلا يرد علي إتهامات وإدعاءات الإعلام المصري، الذي يجب أن تتخذ حكومتنا قرارات عاجلة تحافظ بها علي حقوقنا المغتصبة قسراً، وأقل ما يمكن أن تفعله هو مراجعة الإتفاقيات الموقعة بين البلدين، مثلاً إتفاقية مياه النيل، والحريات الأربعة، كما نطالب بعض التنظيمات السياسية المنادية بوحدة وادي النيل شمالاً وجنوباً أن توضح موقفها من التحديات الجسام التي يتعرض لها السودان، والكف عن نغمة (مصر يا اخت بلادي يا شقيقة)، فهي مجرد شعارات ونفاق واضح يكشفه زيف المصريين، فما الذي يصبرنا علي الإساءات والتقليل من مكانة السودان بصورة مستمرة، بالإضافة إلي أن إعلام مصر يناصبنا العداء وفقاً للراهن السياسي في شكل العلاقة الدبلوماسية بين البلدين، مما جعل الإعلام المصري، وبعض الرجرجة والدهماء أن ينظروا إلينا نظرة (دونية)، بل بلغت جرأة البعض بأن وصفونا بـ(العبيد)، في حين أن التاريخ يثبت هؤلاء العبيد قد حكموا مصر قبل الآلف السنين،
وهذا ما أكده (شارل بونيه)، عالم الآثار السويسري، الذي تمكن من اكتشاف (3) معابد بشكلها الأصلي بشمال السودان، تم تشييدها قبل نحو آلاف السنين وتقع على بعد كلم من منطقة (كرمة) عاصمة مملكة (النوبة)، وهو يقوم بعمليات بحث استمرت لأكثر من (50) عاماً في السودان أكتشف من خلالها مباني تتخذ الشكل البيضاوي، ويعود تاريخها إلى (1500- 2000) سنة قبل الميلاد، وأشار عالم الآثار إلى أن (كرمة) بها معمار يتخذ الشكل المربع والمستطيل، إلا أن هذه المباني المكتشفة تتخذ الشكل الدائري الذي ليس له مثيل في وسط أفريقيا أو في وادي النيل، ولا يشبه المعمار المصري أو النوبي، وسبق لعالم الآثار السويسري أن اكتشف (7) تماثيل للفراعنة السود، الذين هم سادة سودانيون حكموا مصر في حوالي القرن الثامن قبل الميلاد.
ما الذي جنيناه من مصر سوي أنها باعتنا الوهم، وبثت سمومها في الجسد السوداني بمنتجاتها الزراعية المروية بمياه الصرف الصحي، بالرغم من أننا نتكرم عليهم بأخذ النصيب الأصغر في إتفاقية مياه النيل الواجب مراجعة تقسيم نسبها بين دول المنبع والمصب تقسيماً عادلاً، طالما أنهم لا يعتمدون عليها في الزراعة، بل يعتمدون علي مياه الصرف الصحي، علماً بأن الإتفاقية الموقعة بين السودان ومصر بالقاهرة في 1959م، جاءت مكملة لإتفاقية العام 1929م وليست لاغية لها، حيث تشمل الضبط الكامل لمياه النيل الواصلة لكل من مصر والسودان في ظل المتغيرات الجديدة التي طرأت علي الحراك السياسي آنذاك، وهو الرغبة في إنشاء السد العالى ومشروعات أعالى النيل لزيادة إيراد النهر وإقامة عدد من الخزانات في أسوان، وعلي خلفية ذلك احتفظت مصر بما اكتسبته من مياه وفق الإتفاقية وقدره (48) مليار متر مكعب سنوياً، فيما احتفظ السودان المقدر حقه بـ (4) مليار متر مكعب سنوياً، فهل من الإنصاف الابقاء علي هذه الإتفاقية دون مراجعتها وإعادة تقسيمها لصالح السودان، وبالتالي السؤال هل يحصل السودان علي ما نصت عليه إتفاقية مياه النيل، والتي يشير بند من بنودها إلي توزيع الفائدة المائية من إنشاء (السد العالى) والبالغة (22) مليار متر مكعب سنوياً، علي (14.5) مليار متر مكعب، ومصر على (7.5) مليار متر مكعب، ليصل إجمالي حصة كل دولة سنوياً إلى (55.5) مليار متر مكعب لمصر، و(18.5) مليار متر مكعب للسودان فهل في هذا التقسيم عدل؟.
أما بالنسبة لمثلث (ﺣﻼﻳﺐ) الواقع شمال السودان، والذي تبلغ مساحته (20,580)، والذي يضم مناطق (ﺣﻼﻳﺐ)، (ﺃﺑﻮ ﺭﻣﺎﺩ) ﻭ(ﺷﻼﺗﻴﻦ)، فإن التاريخ يؤكد تأكيداً قاطعاً بأنه سوداني ولا جدال في ذلك، رغماً عن الحكومة المصرية تحتله مستقلة صمت الحكومة السودانية، مما جعل المثلث منطقة متنازع عليها بين البلدين، علماً بأن سكانه (اﻟﺒﺸﺎﺭﻳﻴﻦ)، (ﺍﻟﺤﻤﺪاﻭﺍﺏ)، (ﺍﻟﺸﻨﻴﺘﺮﺍﺏ) ﻭ(ﺍﻟﻌﺒﺎﺑﺪﺓ) من القبائل السودانية.
وظلت تطمع مصر في الثروات السودانية الموجودة في مثلث (حلايب)، الذي تمتاز في ظله منطقة (ﺷﻼﺗﻴﻦ) ﺑﺎﻟﺜﺮﻭﺓ (ﺍﻟﺴﻤﻜﻴﺔ)، خاصة وأن ﺃﺭﺍﺿﻴﻬﺎ خصبة، ويعتمد أهاليها علي ﺍﻟﻤﻴﺎﻩ ﺍﻟﺠﻮﻓﻴﺔ ﻭﻣﻴﺎﻩ ﺍﻷﻣﻄﺎر.
وفي العام 2014م، توسع النظام المصري متمادياً في انتهاك الأراضي السودانية، حيث جعل من مثلث ﺣﻼﻳﺐ (ﻣﺪﻳﻨﺔ)، ولم يكتف بل ضم القريتين السودانيتين (ﺃﺑﻮ ﺭﻣﺎﺩ) ﻭ(ﺭﺃﺱ ﺣﺪﺭﺑﺔ) إلي منطقة (حلايب)، ومن ثم رصد نظام الحكم المصري ميزانية لتقديم خدمات لسكان المدينة السودانية المحتلة، فتم إنشاء مشاريع إنتاجية، وبالرغم من ذلك ظلت الحكومة السودانية تتفرج علي إغتصاب الحكومة المصرية لجزء عزيز من الأراضي السودانية.
هذا ورسمت المملكة البريطانية المتحدة الحدود شمال السودان، والتي ﺿﻤﺖ في ترسيمها ﻣﺜﻠﺚ (ﺣﻼﻳﺐ) للسودان، الذي قدم شكاوي ﻟﻸﻣﻢ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ، ﻣﺠﻠﺲ ﺍﻷﻣﻦ، ﻣﻨﻈﻤﺔ ﺍﻻﺗﺤﺎﺩ ﺍﻷﻓﺮﻳﻘﻲ ﻭﺟﺎﻣﻌﺔ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ في العام 1994م، علي خلفية الهجمات التي شنها نظام الرئيس المخلوع (حسني مبارك) علي ﺍﻟﺤﺪﻭﺩ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻧﻴﺔ.
وفي العام 1995م، واصل نظام حسني التعدي علي الأراضي السودانية، ورفض المشاركة ﻓﻲ ﻣﻔﺎﻭﺿﺎﺕ ﻭﺯﺭﺍﺀ ﺧﺎﺭﺟﻴﺔ ﻣﻨﻈﻤﺔ ﺍﻻﺗﺤﺎﺩ ﺍﻷﻓﺮﻳﻘﻲ ﻓﻲ (ﺇﺩﻳﺲ ﺃﺑﺎﺑﺎ)، الداعية لإيجاد حل فيما يختص احتلال مصر لمثلث (حلايب) السوداني.
فيما عقد ﻣﺆﺗﻤﺮ (ﺍﻟﺒﺠﺎ) بولاية ﺍﻟﺒﺤﺮ ﺍﻷﺣﻤﺮ مؤتمراً تمخض عنه ﻣﺬﻛﺮﺓ إﺳﺘﺮجاع مثلث (حلايب) من الدولة المحتلة له ﻟﻠﺴﻮﺩﺍﻥ، وأكد المؤتمر بأﻥ ﻗﺒﺎﺋﻞ (ﺍﻟﺒﺠﺎ) ﻣﻮﺍﻃﻨﻮﻥ ﺳﻮﺩﺍﻧﻴﻮﻥ، لذا تم إعتماد مثلث (حلايب) في دائرة إنتخابية في العام 2010م، وتتبع إلي ولاية ﺍﻟﺒﺤﺮ ﺍﻷﺣﻤﺮ، فيما ﺃﻗﺮﺕ ﺍﻟﻤﻔﻮﺿﻴﺔ ﺍﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ﻟﻼﻧﺘﺨﺎﺑﺎﺕ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻧﻴﺔ ﺣﻖ ﺍﻟﺘﺼﻮﻳﺖ ﻓﻲ ﺍﻻﻧﺘﺨﺎﺑﺎﺕ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻧﻴﺔ ﻷﻫﺎﻟﻲ مثلث (ﺣﻼﻳﺐ).
وﻓﻲ العام 2010م، قام ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ ﺍﻟﻤﺼﺮﻱ المخلوع ﻣﺤﻤﺪ ﺣﺴﻨﻲ ﻣﺒﺎﺭﻙ بمواصلة الانتهاكات معتقلاً السوداني (ﺍﻟﻄﺎﻫﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﻫﺴﺎﻱ) ﺭﺋﻴﺲ ﻣﺠﻠﺲ مثلث (ﺣﻼﻳﺐ)، الذي هو من قبيلة (اﻟﺒﺸﺎﺭﻳﻴﻦ)، بعد مقاومته احتلال مصر للأراضي السودانية، وظل قيد الاعتقال لمدة عامين في (القاهرة)، ثم توفي ﻓﻲ ﻣﺴﺘﺸﻔﻰ بـ(اﻟﻘﺎﻫﺮﺓ)، ووفقاً لهذا الانتهاك الصارخ خاطبت قبيلة (البشاريين) ﻣﺮﻛﺰ ﺍﻹﻋﻼﻡ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻧﻲ، مؤكدين في مذكرتهم بأن هنالك ﺃﻋﺪﺍﺩ ﺃﺧﺮﻯ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺘﻘﻠﻴﻦ.
وفي ﻣﺎﻳﻮ 2014 ﺃﻓﺎﺩﺕ ﺗﻘﺎﺭﻳﺮ ﺇﻥ ﻗﻮﺓ ﻣﻦ ﻣﺸﺎﺓ ﺍﻟﺒﺤﺮﻳﺔ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻧﻴﺔ ﻗﺪ ﻗﺎﻣﺖ ﺑﺎﺳﺘﺒﺪﺍﻝ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﻤﺮﺍﺑﻄﺔ ﻓﻲ مثلث (ﺣﻼﻳﺐ)، ﻭﻓﻘﺎً ﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﻘﻮﺍﺕ ﺍﻟﻤﺴﻠﺤﺔ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻧﻴﺔ، ﻭﺃﻥ ﺍﻟﻔﺮﻗﺔ (101) ﻣﺸﺎﺓ ﺍﻟﺒﺤﺮﻳﺔ ﻗﺪ ﺍﺣﺘﻔﻠﺖ ﻓﻲ ﺑﻮﺭتسودان ﺑﻌﻮﺩﺓ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺮﺍﺑﻄﺔ ﻓﻲ (ﺣﻼﻳﺐ)، ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺗﺴﻠﻤﺖ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﺒﺪﻳﻠﺔ ﻣﻮﺍﻗﻌﻬﺎ ﻫﻨﺎﻙ، ﻭﻧﻘﻞ ﻋﻦ الدكتور ﻣﺤﻤﺪ ﻃﺎﻫﺮ ﺍﻳﻼ ﻭﺍﻟﻲ ﻭﻻﻳﺔ ﺍﻟﺒﺤﺮ ﺍﻷﺣﻤﺮ السابق، ﺗﺄﻛﻴﺪﻩ ﻋﻠﻰ ﺩﻭﺭ ﺍﻟﻘﻮﺍﺕ ﺍﻟﻤﺴﻠﺤﺔ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻧﻴﺔ ﻓﻲ ﺣﻤﺎﻳﺔ ﺍﻟﻮﻃﻦ ﻭﺗﺤﻘﻴﻖ ﻣﺒﺪﺃ ﺳﻴﺎﺩﺓ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ ﻋﻠﻰ ﺃﺭﺍﺿﻴﻪ، ﻣﺒﻴﻨﺎً ﺃﻥ ﻭﺟﻮﺩﻫﺎ ﺑﻤﻨﻄﻘﺔ (ﺣﻼﻳﺐ) ﺗﻌﺒﻴﺮاًﻋﻦ ﺍﻟﺴﻴﺎﺩﺓ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻧﻴﺔ ﺑﺎﻟﻤﻨﻄﻘﺔ.
الشيء الثاني هو أن مصر عمدت إلي طمس الحضارة السودانية الاعرق، وبكل أسف فقد ساعدها إعلامنا ببث المسلسلات، التمثيليات، الأفلام والمسرحيات، ومعظم ذلك الإنتاج يدعو إلي انحلال المجتمع السوداني.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق