الاثنين، 20 فبراير 2017

سراج النعيم : الانتحار علي طريقة بوعزيزي



يعرف إقدام الإنسان علي الانتحار ، بأنه لجوء المنتحر إلي إزهاق روحه متعمداً، بقصد إيذاء النفس، هادفاً من وراء ذلك إنهاء حياته، وذلك وحده أو من خلال مساعدته علي الفعل، الذي يعد جريمة قتل للنفس التي حرم الله سبحانه وتعالي إزهاقها إلا بالحق، وهكذا كلما حدثت واقعة انتحار التفت الناس إلي الظاهرة التي تباينت حولها وجهات النظر، خاصة في الجوانب الدينية، النفسية، الاجتماعية، الاقتصادية، السياسية وغيرها.
وتعتبر الأديان السماوية الانتحار معصية لله سبحانه وتعالي، ﻭﺧﻼﻝ ﻋﻬﺪ (ﺍﻟﺴﺎﻣﻮﺭﺍﻱ) ﻓﻲ ﺍﻟﻴﺎﺑﺎﻥ، ﻛﺎﻧﺖ ﻃﻘﻮﺱ (ﺍﻟﺴﻴﺒﻮﻛﻮ) ﻭﺳﻴﻠﺔ من الوسائل المحترمة للتعبير ﻋﻦ ﺍﻟﻔﺸﻞ ﺃﻭ ﻛﺸﻜﻞ ﻣﻦ ﺃﺷﻜﺎﻝ الاحتجاج، إلي جانب أن هنالك ﻣﻤﺎﺭﺳﺔ ﺟﻨﺎﺋﺰﻳﺔ ينتهجها الهنود رغماً عن تجريم ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ لها، ﻛﺎﻧﺖ تستوجب في السيدة ﺍﻷﺭﻣﻠﺔ التضحية ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺤﺮﻗﺔ، ﺳﻮﺍﺀً كان ذلك برغبتها ﺃﻭ ﺗﺤﺖ ضغوط أسرية أو مجتمعية.
جرم الدين الإسلامي والقانون المشرع الانتحار أو محاولة الانتحار، فالظاهرة تمثل جرماً كبيراً، لأنه وحينما نعود بها إلي ﺍﻟﻘﺮﻧﻴﻦ ﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﻭﺍﻟﺤﺎﺩﻱ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ، نجد أنها كانت تشكل نوعاً من أنواع التضحية، ويهدف المضحي للاعتراض علي شيء ما، مثلما حدث في قصة طارق الطيب محمد البوعزيزي الشاب التونسي الذي أضرم النار في جسده في العام 2010م، أمام مقر ولاية سيدي بوزيد احتجاجاً على مصادرة السلطات البلدية في مدينة سيدي بوزيد لعربة كان يبيع عليها الخضار والفواكه لكسب رزقه، وللتنديد برفض سلطات المحافظة قبول شكوى أراد تقديمها في حق الشرطية (فادية حمدي) التي صفعته أمام الملأ وقالت له: (بالفرنسية: Dégage)، أي ارحل (فأصبحت هذه الكلمة شعار الثورة للإطاحة بالرئيس وكذلك شعار الثورات العربية المتلاحقة)، مما أدى ذلك لانتفاضة شعبية، وثورة دامت قرابة الشهر أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي، أما محمد البوعزيزي فقد توفي بعد 18 يوماً من إشعاله النار في جسده، لذا حاول البعض تشبيه حادثة الانتحار التي شهدها السوق العربي في الأيام الماضية، بما جري في تونس، علماً بأن الشعب السوداني، ليس هو الشعب التونسي ولا (ابو جنزير)، هي ولاية سيدي بوزيد التونسية، فهنالك فوارغ بين الشعبين من حيث التفكير والثقافة، فالشعب التونسي رغماً عن أنه افروعربي، إلا أنه متأثر غاية التأثر بالثقافة الغربية، وبالتالي حادثة انتحار (ابو جنزير) تنم عن ضعف في الإيمان لا أكثر من ذلك، والانتحار يعتبر من عظائم الذنوب وكبائرها، فمن يزهق روحه قاصداً قتلها، فإنه أستحق الخلود في نار جهنم، وما أدل علي ذلك، إلا ما قاله الله سبحانه وتعالى : (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً، ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً فسوف نصليه ناراً، وكان ذلك على الله يسيراً).
وحينما تراجع الفتاوى حول الانتحار، فإنها لا تجوز أن يرتكب الإنسان فعل الانتحار تحت ضغط أي ظرف من الظروف، مثلاً كثرة الابتلاءات بالأمراض أو الفشل في تلقي العلم أو في الحياة العملية أو الزوجية وغيرها.
وعندما يفكر الإنسان في الانتحار، قاصداً التخلص من حياته، لمجرد أن إشكاليات واجهته، أو ابتلي من الله سبحانه وتعالي بالمرض، فإنه عليه أن يفكر ملياً في قضاء الله وقدره، وأن يعلم بأن الابتلاء منه سبحانه وتعالي، لذا عليه أن يكون مؤمناً بما كتبه الله له، مؤمناً بقضائه وقدره ولقائه وموقناً بوعده ووعيده.
وبهذه العقيدة، وبهذا التصور للحياة يتلقى المؤمن أمور الحياة بصدر رحب، وترد على قلبه برداً وسلاماً، لأنه يعلم أنها جمعيها من قضاء الله وقدره، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له).
إن اللجوء للانتحار ربما تكون دوافعه عاطفية أكثر منها ﺍﻟﻴﺄﺱ من الحياة، ودائماً الإنسان الذي يقدم علي هذه الخطوة يكون مضطرباً ومهزوز الثقة في النفس، ويؤكد أهل الاختصاص بأن الاكتئاب أو الهوس ﺃﻭ ﺍﻟﻔﺼﺎﻡ ﺃﻭ ﺇﺩﻣﺎﻥ ﺍﻟﻜﺤﻮﻝ ﺃﻭ ﺗﻌﺎﻃﻲ ﺍﻟﻤﺨﺪﺭﺍﺕ، قد يلعب دوراً كبيراً في ارتكاب الإنسان لهذه الجريمة، بالإضافة إلي أن هنالك ﻋﻮﺍﻣﻞ خارجية تساهم فيها علي سبيل المثال الظروف الاقتصادية ﺃﻭ ﺍﻟﻤﺸﻜﻼﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ، وﻗﺪ ﺃﻭﺭﺩﺕ ﺑﻴﺎﻧﺎﺕ ﻟﻤﻨﻈﻤﺔ ﺍﻟﺼﺤﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﺑﺄﻥ %75 ﻣﻦ ﺣﺎﻻﺕ الانتحار ﺗﺴﺠﻞ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﻣﺘﻮﺳﻄﻲ ﺍﻟﺪﺧﻞ ﻭﺳﻜﺎﻥ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻔﻘﻴﺮﺓ. وتشير المعلومات حول الظاهرة إلي أن جهودا تبذل في هذا الإطار لمكافحة الفكرة بمنع المقدمين علي الانتحار من الوصول إلي الأماكن المتوفر لهم فيها فرص تحقيق ما يصبون إليه بالعلاج النفسي، وعلاج حالات إدمان المخدرات، وحرمانهم من ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ إلي الأسلاك الكهربائية.

ليست هناك تعليقات:

azsuragalnim19@gmail.com

*الدكتور أسامة عطا جبارة يشرح الإقتصاد السوداني في ظل الحرب*

..........  *تواصل شبكة (أوتار الأصيل) الإخبارية، وصحيفة العريشة الرقمية نشر الحوار الهام مع الخبير في الإقتصاد العالمي الدكتور أسامة عطا جب...