كلما انقضي يوم من هذا العام الجديد، أجد أن ﺃﺧﻄﺎﺀ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ بدأت تتكرر دون أن نسعي إلي تلافيها، وهذه الأخطاء تبدأ بالاحتفالات والصرف عليها صرفاً بذخياً، والذي لا يساعد في تنمية وتطوير الأفكار الإيجابية، ﻭﺃﻥ ﺃﺧﻄﺎﺀ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ جسيمة حيث ﻭﻗﻌﻨﺎ ﻓﻴﻬﺎ بكل سلبياتها، وأعزو ذلك إلي سياستنا ﺍﻟﺨﺎﻃﺌﺔ غير المدروسة التي لا تدعنا نتراجع عن الأخطاء، وإن كانت العودة إلي الحق فضيلة وشجاعة وفطنة، وحينما نعود للصواب فإننا نهدف إلي الإصلاح وإيجاد الحلول الناجزة التي تقودنا في الإتجاه الصحيح، بحيث أنه توجد ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻠﺒﻴﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﺘﻤﻨﻰ زوالها في ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺎﻡ، ﻭﻟﻜﻦ ﻭللأﺳﻒ ﺍﻟﺸﺪﻳﺪ، فإن المتغيرات التي طرأت علي المشهد السوداني، لا تدع مجالاً للإبتعاد عن تلك السوالب المتطورة مع التطور الذي يشهده العالم بصورة متسارعة، ساهمت في تشويه صورة الواقع السوداني، الذي كان يتسم في وقت ماضٍ بالكرم والشجاعة، ولكن في الوقت الحاضر فقد بعضاً من قيمه وتقاليده التي عرف بها، الأمر الذي يفرض سؤالاً في غاية الأهمية، هل الظروف الاقتصادية والانفتاح علي الآخر والعالم الافتراضي سبباً وراء فقدنا مبادئنا وأخلاقنا التي توارت في غياهب المصير المجهول، أم أننا لم نعد نمتلك الإيمان الذي يقودنا للعودة إلي ما جبل عليه آبانا واجدادنا، فهل الوافد الجديد جعلنا نتغير لدرجة استباحة الأخ لأخيه والأخت لاختها، والإبن لابيه أو أمه، وهكذا الحال بالنسبة للأسرة الواحدة التي لا يحمل أفرادها من صلة الرحم سوي إرتباط الأسماء من خلال شهادات الميلاد، فلم يعد الواحد منا يتورع في أن يشهر بالثاني، وأن يمارس النميمة والقطيعة وأن يدوس عليه بكل ما يملك من قوة في سبيل تحقيق مصلحته.
لم نكن نستخدم العنف أو الظلم، بل كنا كالنخيل نثمر بالإنسانية والخير للآخرين ناهيك عن الأخ والأخت والوالد والوالدة، فطبيعتنا تمتاز بعزة النفس المستمدة من النيل، الأرض، التاريخ، والحضارة الشامخة، ولكن لم نكن ندع للعزة مجالاً لتأخذنا إلي ذلك المنحدر الخطير.
السؤال أين ذهبت صفاتنا المميزة المرتبطة إرتباطاً وثيقاً بالكرم، الشجاعة، ﺍﻟﻤﺮﻭﺀة، ﺍﻟﻨﺨﻮﺓ ﻭﺍﻟﺮﺟﻮلة، والتي كانت تظهر في حكاوينا وقصصنا وأحاديثنا وأغانينا وتراثنا وارثنا، لعل الشعراء نظموا في إطارها نصوصاً غنائية مثل (عشي ﺍﻟﺒﺎﻳﺘﺎﺕ ﻭﺃﺧﻮ ﺍﻟﺒﻨﺎﺕ)، وهي صفات يحملها الرجل السوداني، الذي لم يتوقف عطائه في دور العائل لأسرته الصغيرة أو الكبيرة، إنما تجاوزها بصفات تحمل في معانيها كنوز وقيم، فهو كان نعم الرجل الذي يستر ويحمي أخيه قبل أن يفعل مع نفسه، وكل الفتيات في هذا الحي أو ذاك هن أخواته، فيعطي نفسه حق الدفاع عنهن.
وفي ذات السياق روي لي صديقي هذه القصة قائلاً : كنت في إحدى دول الخليج وأثناء وجودي بها تعرض أخاً لنا للإصابة، مما اضطره الذهاب إلي المستشفي، وإجراء الفحوصات الطبية، التي شخص علي ضوئها الطبيب حالته، ثم كتب له روشتة، وعندما ذهب الممرض للصيدلية لاحضارها، كانت المفاجأة أن الدواء لايوجد، فما كان منه إلا وأخبر المريض بذلك، طالباً منه الإتصال بقريب من أقربائه لكي يأتي إليه ويأخذ الروشته لصرفها من أي صيدلية أخري، فأكد له المريض السوداني بأن لا أهل له في هذه الدولة، ثم أضاف : أرجو أن تذهب إلي خارج المستشفي، وتوقف أي سوداني يمر بشارعها، وما عليك إلا أن تحدثه بما جري معي، ومن ثم سلمه هذه الروشته، ماذهب إليه المريض السوداني أدخل الممرض في حيرة شديدة ، الشيء الذي حدا به أن يعتقد أن المريض السوداني إنساناً مختلاً عقلياً، إلا أنه ورغماً عن ذلك نفذ مطلبه، وخرج من المستشفي، وعندما شاهد سودانياً أوقفه، ثم روي له قصة المريض السوداني، ومن ثم دفع له بالروشتة المراد صرفها من الصيدلية، فلم يتوان ذلك السوداني في أخذ الروشتة والتوجه بها إلي إحدى الصيدليات، بينما ظل ذلك الممرض يراقب الموقف من علي البعد غير مصدقاً، وما أن مرت سويعات، إلا وذهل الممرض من امتلأ غرفة ﺍﻟﻤﺮﻳﺾ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻧﻲ ﺑﺎﻟﺰﻭﺍﺭ السودانيين، فما كان من الممرض إلا أن يوجه سؤالاً إلي المريض السوداني مفاده الم يسبق أن قلت لي انه ليس لديك أهل في هذه الدولة، فأبتسم المريض السوداني قبل أن يرد قائلاً : (ﺻﺪﻗﻨﻲ ﻻ ﺃﻋﺮﻑ ﺃﺣﺪﺍً ﻣﻨﻬﻢ).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق