الخرطوم : سراج النعيم
ويستمر اللواء شرطة ( م )
عبدالرحيم أحمد عبدالرحيم الفكي عرض أشهر القضايا التي تولي التحري فيها طوال فترة
خدمته الشرطية.
وقال : واصلت عملي في شرطة السكة حديد التي استفدت منها كثيرا بالذات في
جانب كتابة التقارير الأمنية والجنائية والتحريات والجوانب الفنية المختلفة ومن
شرطة السكة حديد نقلت إلي شرطة ولاية الخرطوم للمرة الثانية برئاسة شرطة محلية
الخرطوم وكنت ضابط وقتئذ برتبة النقيب شرطة وكنت مسئول من مكتب المباحث وكنت مسئول
من إعداد التقرير الجنائي اليومي الخاص بالجرائم المختلفة وأيضا من إعداد التقارير
الأمنية بحكم التجربة التي اكتسبتها في الشرطة في عملي السابق وكنت اخرج علي رأس
الاتيام المختلفة مشرفا علي عملها ولكنني لم ابقي فيها فترة طويلة وأغرب جريمة مرت
علي في تلك الفترة أننا تم تكليفنا بعمل تيم بحثي عن جرائم السرقات الغامضة خاصة
الليلية وفي هذا السياق مر علي بلاغ من هذا النوع وتدور وقائعه حول أن صائغا تمت
سرقته بمنطقة الكلاكلة والغريب في البلاغ أن شرطة الكلاكلة فتحت بلاغ وألقت القبض
علي عدد من المتهمين من بينهم ثلاثة هم المتهمين بالسرقة وامرأة معنية باستلام
المال المسروق وعندما ظهرنا نحن في البلاغ القينا القبض علي متهمين بطرفهما كميات
كبيرة من المصوغات الذهبية المسروقة وأثناء ما نحن نعمل في هذا البلاغ فجأة تداخل
معنا بلاغ الكلاكلة فكان أن قمنا باستدعاء المبلغ لكي يتعرف علي الذهب الذي ضبطناه
وكان أن تعرف علي كمية كبيرة منه وعندما بدأنا التحري في بلاغ صائغ الذهب اتضح أنه
تتم محاكمتهم في المحكمة وهم ليسوا نفس المتهمين الذين ارتكبوا جريمة السرقة وكان
أن قمنا بالتحري مع متهم من المتهمين قام بإرشادنا علي المتهمين الذين احضروا له
الذهب الخاص بالتاجر الذي يقيم الكلاكلة وكان أن القينا القبض عليهم وبعد أن قبضنا
عليهم اعتروا بتفاصيل الجريمة حتى أنهم ارشدوا علي المنزل الذي سرقوا منه ومكان
وجود المصوغات الذهبية وأخذنا اعترافاتهم وذهبنا بها إلي القاضي الذي أودعت أمامه
القضية ووضعنا علي منضدته التفاصيل الكاملة للسرقة فوافق علي إعادة القضية مرة
ثانية إلي التحري الذي تم بموجبه شطب الاتهام في مواجهة المتهمين الذين أشرت لهم
في سياق طرح هذه القضية وقمنا بإعادة القبض علي المتهمين الحقيقيين بالإضافة إلي
المعروضات ومن ثم قدمنا البلاغ إلي المحكمة واصدر القاضي الموقر حكمه في القضية
بالسجن علي المتهمين الذين ارتكبوا السرقة خمسة سنوات سجن لكل منهم والمتهم
باستلام المال المسروق سنتين سجن وتمت تسليم الشاكي المصوغات الذهبية موضوع
القضية.
سرقة ذهب
ومضي : وأتذكر من القضايا التي توليت فيها التحري آنذاك الوقت وهي أيضا
قضية سرقة ذهب ولكنها تحمل بين طياتها الكثير من الغرابة حيث تمت سرقة محل خاص
بالجعافرة في محطة سبعة والمبلغ في هذا البلاغ لديه محل مصوغات ذهبية والمتهمين من
المتهمين المتمرسين في جرائم السرقات عن طريق النهب حيث أنهم درسوا المحل التجاري
دراسة دقيقة حتى ينفذوا الجريمة بحرفية شديدة وكان أن دخلوا محل المصوغات الذهبية
وتبينوا كمية الذهب الموجودة في البترينات الخاصة بالعرض بالإضافة إلي أنهم رصدوا
تحركات الشاكي من المحل التجاري إلي المنزل والعكس ثم وقتوا إلي تنفيذ الجريمة علي
أساس أن يكتنفها الغموض وخيرهم لتنفيذ الجريمة كان بالتزامن مع محاكمة بهاء الدين
محمد إدريس الساعة الثامنة مساء وكانت المحاكمة تبث عبر الجهاز الإعلامي المشاهد
والمسموع وكان كل الناس تجلس أمام شاشة التلفزيون القومي لمشاهدة ما تسفر عنه
الجلسات فيما كانت الشوارع خالية من الناس ومن عادات المبلغ أنه كان يأخذ كل
مصوغاته الذهبية من محله التجاري بعد نهاية عمله إلي منزله ويحملها في شنطة
سمسنايك ويقوم بإيداعها في خزنة بمنزله مشيدة بالمواد الثابتة ومغلقة بباب مصمد
وفي ذلك اليوم افرغ كل المصوغات في الشنطة السمسنايك وتوجه بها إلي منزله من خلال
عربته ومنزله فيه باب يفتح في الاتجاه الغربي ويطل علي ميدان كما أنه يوجد باب في
الناحية الشمالية يفتح في شارع ولكن هو عادة يأتي بالباب من الناحية الغربية وكان
الجناة علي دراية بهذه المعلومة لأن الشاكي يقوم بإدخال عربته داخل المنزل فيما
جاء الجناة وأوقفوا عرتهم في نهاية الشارع الذي يقع فيه الميدان من الناحية
الغربية وأول ما شاهدوا الشاكي في الشارع المشار إليه تركوه حتى قطع نصف المسافة
ثم قاموا فأرسلوا له إضاءات متقطعة ومن ثم نادوه باسمه فما كان منه إلا أن أوقف
عربته وترجل منها لمعرفة من الذي يناديه باسمه
في هذا التوقيت الذي ترجل علي أثره من العربة فكان أن شاهد أناس علي هيئة
نظيفة وليس هنالك ما يدعوه للريبة والشك وترجل عن العربة وتوجه ناحيتهم فيما كان
هم أيضاً في طريقهم إليه وأول ما وصلوا له قام احد المتهمين باستخراج سكين بينما
اخرج المتهم الآخر مسدساً وضعه للتاجر الشاكي في رأسه فيما وضع له حامل السكين في
بطنه وطلبا منه عدم التحرك وفي تلك الأثناء ترجل من عربة المتهمين الأربعة
المتهمين اللذين كانا يقبعان في العربة وتوجها مباشرة إلي عربة الشاكي وأخذا منها
الشنطة السمسنايك المليئة بالذهب عندها حاول التاجر الشاكي مقاومة المتهمين اللذين
يهدداه بالسلاح الناري والأبيض ما عرضه لبعض الخدوش وهو ممسكا في قميص احد
المتهمين الذين كانوا علي عجله من أمرهم لركوب عربتهم التي نفذوا بها الجريمة وظل
التاجر ماسكا بقميص المتهم إلي أن تحركت العربة وعندما ضعفت قوته فك مسكته وبدأت
عربة المتهمين تأخذ في سرعتها تدريجياً إلي أن سقط الشاكي علي الأرض وبالتالي لم
يستطع أن يحصل العربة كما أنه لم يستطع أخذ نمرة العربة فالوقت كان مظلماً والملاحظة
الجيدة التي استفدنا منها في هذه التفاصيل تكمن في إدارة محرك العربة ومن ثم
قيامها تدريجيا أو ما يعرف بالرترته حيث أن التاجر المبلغ قال العربة عندما تحركت
في اتجاهها كان التحرك بترس خفيف إلي مسافة ثم أخذت قوة دفعها فهي كان يبدو أنها
عربة جديدة لأنها لو كانت قديمة كان أن توقف المحرك علي طول وكان كل التحليل
الأمني منحصرا في تحرك العربة بالطريقة التي رواها الشاكي لماذا تحركت بهذه الصورة
وكان التحليل علي النحو التالي أما أن يكون سائق عربة المتهمين خبرته ضعيفة في
قيادة العربات وأما أن يكون وبعد تداول ونقاش مستفيض في هذه الفرضية قمنا
باستبعادها من التحليل
لأن أفراد هذه العصابة لأبد من أن يستعينوا بشخص من معتادي الإجرام في سرقة
السيارات ويجيد في نفس الوقت قيادتها أما التحليل الثاني فكان يندرج في أن سائق
عربة المتهمين من معتادي الإجرام المقطعوعين حدا حاول أن يعشق التعشيقه فضرب
العصاية بيده المقطوعة فوضعت في النمرة ثلاثة وبحكم أن العربة جديدة فبالنمرة
ثلاثة تتحرك العربة ولكنه تتحرك بشكل متقطع إلي أن تأخذ المحرك قوته وكان أن ركزنا
في هذا الاتجاه وبدأنا البحث عن الجناة الذين تم قطعهم حدا وكان أن قمنا بتحديد
بعض الأسماء منهم ومضينا في الاتجاه الذي يوصلنا إلي المتهم المعني بقيادة سيارة
المتهمين ثم بقينا بعد ذلك في رغبة لمعرفة معلومات إضافية من أوكار الجريمة
المرتبطة بمعتادي سرقة العربات وبالفعل تمكنا من جمع بعض المعلومات وتم إخطارنا
بأن المتهم المعني شد الرحال إلي مدينة مدني حاضرة ولاية الجزيرة والمعلومة
الثانية تؤكد أنه سافر إلي بعض الولايات الطرفية وهكذا أصبحنا نتابع إلي أن حددنا
المنطقة الهدف الذي ذهبوا إليه وقمنا بوضع هو وبقية المتهمين في الرقابة اللصيقة
إلي أن عادوا إلي الخرطوم وفي منطقة طرفية بالخرطوم تأكد وجودهم بها فتم مداهمتها
وإلقاء القبض عليهم وكان عددهم سبعة متهمين احدهم وقتئذ لم يشارك معهم في جريمة
السرقة إنما كان يجلس معهم لحظة القبض عليهم المهم أننا القينا القبض عليهم جميعا
ومعهم بعض الأغراض التي ضبطت معهم في تلك الأثناء وقمنا باقتيادهم من إلي وسط
الخرطوم وبما أنني استفدت من وفاة حرس النائب الأول لرئيس الجمهورية الراحل جعفر
محمد النميري في أن لا أميل إلي ضرب المتهم لكي يسجل اعترافه بهذه القضية أو تلك
مهما كان الجرم الذي ارتكبه وأن كنت أضع ذلك نصب عيني فكان أن منعت أفراد المباحث
من أن يتعاملوا مع المتهمين الذين ارتكبوا جريمة نهب المصوغات الذهبية من التاجر
الشاكي وأمرت أن يتم توزيعهم في أقسام الشرطة المختلفة علي انفراد ثم تخيرت أضعفهم
وركزت عليه حيث أن التعامل الحسن قد يؤثر فيه فكان أن وقع اختياري علي المتهم
المقطوع حدا والذي كان يقود السيارة للمتهمين وأحضرته من أجل أن اعرف ماذا يحب
فوجدت أنه مولها بقيادة السيارات وتدخين السجائر والجلوس في الأماكن الهادئة مثل
الحدائق وغيرها من الأماكن التي تمتاز بالهدوء وعلي ضوء استجبت إلي رغبته هذه وقمت
بإعطائه فردين من أفراد المباحث وفرغت لهم عربة لكي تقلهم من وإلي وأن يتم أخذه من
الصباح إلي المكان الذي يحب هو الذهاب إليه ولا يتم إحضاره إلا في الوقت الذي يرغب
فيه وكان أن استمر هذا البرنامج لمدة ثلاثة أيام من تاريخه حتى أنه بعد ذلك طلب
مقابلتي وسألني لماذا تعاملني بهذه الطريقة فقلت له هذا التعامل نابع من أنك أنت
بني آدم وعليه أتعامل معك من هذا المنطلق كإنسان فمن حق الإنسان أن تتم معاملته
بإنسانية فالإنسان كرمه الله سبحانه وتعالي فما بالك ونحن البشر وكان أن وجد في
إجابتي وقعا علي قلبه فتحركت في دواخله المشاعر الإنسانية فسألني قائلا يا جنابو
ماذا تريد مني بالضبط؟ فقلت له إن كان في مقدوري أن أجد للناس علاج ناجع من
الإجرام سأفعل ﻷنه العلاج الناجع لكي تتلاشي الجريمة من المجتمع وأنت إنسان متعلم
ومثقف ومن أسرة لها وضعيتها وتعي ما تقوم به من إجرام فلماذا تنقاد في هذا
الاتجاه؟ وبالتالي كل ما أرغب فيه هو معرفة كيف تمت السرقة ومن هم الذين نفذوها
وأين هي المعروضات وكان أن وجدت منه استجابة كبيرة بفك طلاسم القضية التي كانت
تمتاز بالغرابة
وقال لي توجد صور في شنطة خاصة بأحد المتهمين في البلاغ وكان أن قمنا
بإحضارها فبدأ ذلك المتهم يتحدث عن الصور التي كانت مودعة في داخل تلك الشنطة وشرح
من خلالها تفاصيل الجريمة ومن هم الأشخاص الذين ظهروا معهم في الصور التي تم
التقاطها في ولاية طرفية من الولايات السودانية والمنطقة التي يسكنون فيها وكان أن
حركت مأمورية من أفراد المباحث إلي المنطقة المعنية وكانت المفاجأة الكبيرة لنا
بأن وجدنا كميات كبيرة جدا من المصوغات الذهبية المسروقة وأنهم باعوا منها الكثير
أيضا لبعض التجار الصاغة وبعض المواطنين في تلك المنطقة وبعض الطلاب أما المفاجأة
الثانية فكانت تكمن في أن العربة التي ارتكبوا بها الجريمة مسروقة وتم العثور
عليها في منطقة الحزام الأخضر آنذاك الوقت ووجد فيها آثار بدرة ذهب تم تصويرها
وتحريزها بالإضافة إلي بصمات منسوبه للمتهمين أنفسهم وعليه تم القاء القبض علي
المتهمين باستلام المال المسروق وتم اقتيادهم من هناك إلي ولاية الخرطوم وبعد اكتمال
ملف التحري في القضية حول البلاغ إلي المحكمة التي قضت في حكمها عليهم المنفذين
للجريمة بالسجن المؤبد والمتهمين باستلام المال المسروق أن يقوموا برد كل
المسروقات إلي جانب السجن مع وقف التنفيذ.
وعرج إلي فترة عمله برئاسة شرطة السودان قائلاً : بعد السنوات التي قضيتها
بشرطة ولاية الخرطوم تم نقلي إلي رئاسة الشرطة في المكتب التنفيذي للسيد المدير
العام سعادة الفريق أول شرطة فيصل محمد خليل واستمرت معه إلي أن تولي منه دفة
القيادة سعادة الفريق أول شرطة إبراهيم احمد عبدالكريم عليه الرحمة ثم تم نقلي من
رئاسة شرطة السودان إلي مباحث التموين الجهاز الذي تم إنشاؤه بوزارة التجارة وكنت وقتها برتبة الرائد شرطة
وهي الفترة التي عملت فيها في إطار السجلات حيث استفدت منها في إعداد التقارير
النوعية التي كانت ترفع إلي وزير التجارة إلي جانب أنها تعرض بمجلس الوزراء.
ونواصل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق