الأحد، 3 فبراير 2013

ماذا يحدث في سجن كوبر...حرب الموبايلات - الجنجويد وأم باخة؟؟

أبوذر علي الأمين ياسين
رجل في السبعين من عمره أو على مشارف السبعين، من أهل درافور، حدثني بمرارة قائلاً بلهجة دارفورية ".. والله ياوليدي قلبي أبى حيات السجن أبا بلدتكو دا" (يقصد الخرطوم) التي أتاها سجيناً محكوم (عشرين سنة) في قضية مخدرات، وأودع سجن كوبر. حاولت أن استكشف سبب هذا الشعور الذي تطور من كراهية السجن وأوضاعه لرفض الخرطوم ذاتها!!. فقال لي " كان عندي دكان وبشتخل في الزراعة أنا وأولادي، وكنت ببيع البنقو دا زي ناس كتير في السوق، بنبيعوا عادي قش دا ما ندسو، ما كان نعرف أنه بجيب سيدو السجن. أها جو بوليس ساقوني من دكاني، لامن مشيت محكمة، وقاضى حكاماني وجيت بدلكو دا". ثم يرسل ضحكة اندهاش ويسترسل "العجيب قاضي حكماني دا قالي – بينقو بتاعك يا حاج (يناديه القاضي باسمه) حاجة تمام انت بتعزلو عزل مش كدا" وروى لي أن ذاك القاضي كان يرسل اشارات بعينيه وتعابير وجهه ذات مغذى وفسرها هو قائلا بعد أن أطلق ضحكة اندهاش اخرى " والله قاضى دا بكون داخ (ذاق) بينقو بتاعي دي". سألته بعد أن اسحلفته بالله ، انت ياحاج ما جربت البنقو؟. فرد .." أبداً أنا سجارة ساي دا ما جربتو، قش بنقو دا بيجبو لي وأنا ببيعو لكن ياتو سمح ياتو كعب ما نعرف، بعدين قش بنقو دا بزرعو كتير وبيجيبو سوق قش دا ما نعرف انو بجيب سجن".
سألت ذلكم الحاج ما الذي جعله يكره بلدنا الخرطوم، قلت له ياحاج إنت بتكره السجن دا ولا الخرطوم؟، فأجاب بحُرقة .." ياوليدي بلدنا فيهو سجن، ناس بيجيبوك من بلد بعيد داك يسجنوك أهلك وأولادك بعيد ما تشوفهم، ما تقدر تسوى أي حاجة، أكل دا ما تلقى، ياوليدي أنت ما تعرف صعب شديد ما تشوف عيال بتاعك، ما تشوف أهلك، زول يجيك زيارة مافي"، يبلع ريقه ويغمض عينه ثم يسترسل.. " سويت تلفون صخير دا (صغير) موبايل، سويتو بي تعب شديد، بي دِين 30 جينه، ساعداني فيهو وليد دا (يذكر اسمه)، بعدين أنا ما نعرف كيف بيعملو تلفون صخير دا، كمان ساعداني كان يسويهو(يتصل) هو وأنا أتكلم مع عيال وأمهم، كانوا يرسلوا مصاريف في تلفون دي، ووليد دي كان بيجيبو لي قروش ورق (كاش)، بعدين جاء جنجويد (يقصد عسكر السجن) شالا تلفون خلاص بقيت أنا هنا ميت ما في زول بيجي زيارة ما في زول قريب يساعد، أكل بتاع سجن دا جداد ما ياكلوا أنت ما تشوف طير هنا ما ياكل أكل بتاع سجن ياكل عيش (خبز) بس، ياوليدي ناس يجيبوك سجن ذي دا يشيلو حقك قوة كدي بلدهم ظاتو يكون كيف!!؟" .
تحسرت على حال ذلك الحاج، لكنني عرفت كيف تصنع هذه الحكومة ومن أبسط مشكلة (انفصالي)، برغم البدائل والحلول التي بيدها على بساطتها، لكنها تسجن مثل هذا الحاج ولعشرين عاماً بعيداً عن أهله ثم لا يستفيد من (حق) الزيارة المتاح له، فلا أحد هنا يعرفه أو يحرص على زيارته، فإذا كان هذا حال هذا الشيخ الكبير كيف سيكون موقف أهله وأولاده؟!!. الغريب هو أنك لن تعرف القانون أو لائحة السجن أبداً، فالموبايل ممنوع بسجن كوبر، لكن الاتصال مسموح به، ذلك ما يقابلك به عسكر السجن وضباطه، ولكن كيف لمثل هذا الحاج أن يتصل بعد أن تسمح له إدارة السجن بذلك اذا كان الاتصال المعني سيتم من حر مال السجين، فإدارة السجن لا توفر اتصال مجاني للمساجين، ولا تسمح لهم بامتلاك موبايل!!؟. لكنا أول قدومنا للسجن وفي مرحلة المحاكمة لم يسمح لنا أبداً بالاتصال حتى بمحامينا رغم طلبنا المتكرر، وهذا أعجب!!، فأنت لم تدان أو تحكم بعد لكن الاتصال، حتى عبر ادارة السجن واذنها منع عنا. ولكن بعد المدة التي قضيناها بالسجن بـ(المنتظرين)، وبعد الحكم بداخل السجن عشنا كل تفاصيل معارك الموبايلات ولكم شئ من بعض تفاصيل (سنتوسع في ذلك بالكتاب).
المعلن بالسجن أنه اذا وجد عنك موبايل سيصادر لصالح إدارة السجن. كما أن الادارة تجري حملات تفتيش شبه منتظمة لكل الاقسام أو بعضها، للتفيش الدقيق عن الموبايلات تحديداً – كل الحملات التي جرت خلال فترة بقائنا بالسجن كانت تستهدف الموبايلات- لكن الدائم بالسجن أن يدخل أحد عساكر السجن ثم يضبط بضع موبايلات ويقوم بمصادرتها، وحسب المعلن أن المصادرة تتم لصالح إدارة السجن. أما ما تستعجب له أنك بعض مرور بعض الوقت أو حتى يوم تجد ذات السجين الذي صودر موبايله قد استعاده!!؟، والكل داخل السجن يعرف كيف يجري ذلك.
عمنا من الغرب الذي رويت لكم قصته يصنف ويسمي الحملات المنتظمة لعسكر السجن بـ(أم باخة) – يقصد أم باقة- كونها تسبقها وتتبعها جلبة كبيرة حيث يتم اخراج كل المساجين من العنابر أو مكان أقامتهم حتى خارج العنابر ليحصروا في مكان واحد، ثم يدخل العسكر لتفتيش متاعهم، حيث يتم جمع الموبايلات والشواحن في جوال سكر أو كيس كبير مصادرةً لصالح إدارة السجن. وكثيراً ما يفقد المساجين بعض ممتلكاتهم الأخرى، حيث يتم التفتيش وهم بعيدين عن أمتعتهم وممتلكاتهم وأنا منهم. أما الحملات الفردية لعساكر أفراد فيسميها عمنا ذاك بـ(الجنجويد) الذين يباغتوك ويأخذوا موبايلك.
وكنت قد سألت عمنا ذاك عن سر التسميات تلك فقال لي .." ما كلهم بيشيلوا حقك قوة عين كدا، الجنجويد دا عندنا هناك بيهجموكم كتار ومسلحين وبعدين والله ياوليدي ناس صعبين خلاص تعمل أي حركات يقتلوك كمان.. أم باخة دا، دول عندنا بيهجموا حلة وعددهم كتير كلهم بيضربوا باخات في وقت واحد، وبعدين بالليل انت تقوم مخلوع وما تقدر تسوي حاجة، ما في طريقة تجر أو تلم حاجة حقتك بيشيلوا كل شئ حتى مراح كامل يشيلوا وما تقدر تعمل حاجة لانهم مسلحين وانت نايم حتى لو كنت مسلح ما تقدر تعمل حاجة لإنو بتلقاهم قدامك مرة واحد". ذلك كان تفسيره وشرحه للجنجويد وأم باخه التي يطلقها على حملات ادارة السجن أو على حملات العساكر المنفردة. وختم الحاج حديثه ذاك قائلاً .." في سجن دا أنت لمن يشيلوا تلفون صخير دا انت ما خلاص مُت".
في السجن يجرى تفتيش الجميع الزوار والمساجين، كل زائر قبل دخوله السجن يتم تفتيشه وحجز موبايله الشخصي. وكل سجين يخرج للزيارة أو الدكان يتم تفتيشه قبل دخوله. لكن حملات الموبايلات لاتتوقف، وأكياس وجولات جمع الموبايلات والشواحن دائما ممتلئة!!. وليس لك أن تسأل كيف يجري ذلك؟، ولا من أين تأتي تلك الموبايلات التي تملأ في كل مرة أكياس أم باخة؟. ولكن فقط لك أن تعرف أن العقاب والمصادرة تجري على السجناء لا غير.
ظللت أسمع من السجناء أن إدارة السجن تبيع تلك الموبايلات لدكان السجن، الذي يعيد من جديد بيعها للسجناء. لكني وللحق لم ألحظ أو أصادف وجود موبايل أو عملية بيع تجري بدكان السجن. ولم تنطلي عليّ هذه القصة كونه لا يمكنك أن تدخل السجن وأنت تحمل موبايل وإن اشتريته من دكان السجن. لكنى شاهدت مرات عددا دخول موبايلات وبطاريات وشواحن (عبر السور) ولم أكن وحدي بل نحن رهط نلعب الكتشينة بحوش القسم أو تجمعنا جلسة ونسة وثمر. وللحق (عبر السور) تجري كثيراً من الامور ولكنها لا تجري على السور الخارجي فقط، بل من على السور الذي يفصل اقسام السجن بعضها عن بعض وهو الأنشط، وهذه قصص سنرويها لاحقاً.
الذي يدهشني ليس مصادرة الموبايلات (لصالح ادارة السجن)، ولكن ما تفعل الإدارة بمال تلك الموبايلات؟!!، كونها لا تهتم ولو بإصلاح ماسورة بأي قسم من أقسام السجن!!؟، بل يقوم السجناء ومن حر مالهم أو (طعامهم) باصلاح تلك المواسير (وهذه قصة أخرى نعيد ونؤكد بأننا سنعرج عليها لاحقاً). ومهما يكن من أمر فإنك لن تعرف أبداً القانون أو اللائحة التي تنظم أو تحدد ما لإدارة أو السجناء ولا حتى وجباتهم!!؟.
حدث ذات مرة أن صادر أحد عساكر السجن (ملازم) موبايل أحد السجناء، وصادف أن ذلك السجين يعتمد على موبايله ذاك في مصاريفه مخزنه في شكل (رصيد) – وكان قد منع مدير السجن الحالي دكان السجن من قبول أكثر من 1000 جنيه لأي سجين، حدث ذلك بعد واقعة حول مال أحد السجناء أثارت لقط بالقسم الذي كنا فيه - فأصبح كل من له من المصروفات أكثر من 1000 جنيه أن يبحث عن مكان آخر لحفظها بعد ذلك القرار. كما أن الغالبية بسجن كوبر يعتمدون على الموبايل اعتماد كامل في مصاريفهم التي تحول عبره في شكل رصيد، كون أهلهم بعيدين عنهم كثيراً. علماً بأن إدارة السجن تمنع دخول أي مال (كاش) لداخل السجن ليبقي في حيازة السجين، كما تفرض ادارة السجن على السجناء وضع أموالهم بدكان السجن ليتم التعامل عبر وصل على ورقة يدون فيها المبلغ ويتم السحب عليه- وبإفتراض أن موبايل ذلك السجين سيذهب مصادراً لإدارة السجن لجأ ذلك السجين للإدارة مطالباً بشريحة الموبايل التي بها أمواله. الذي حدث أن ذلك الموبايل وجد عند بنت ذلك العسكري. وقد قامت الادارة بمعاقبة ذلك العسكري بنقله من مكان عمله الذي كان فيه إلى مكان آخر، أو وللدقة هذا ما أنتهى إليه علمنا وما وقفنا عليه.
في (المنتظرين)، وهو القسم المخصص بسجن كوبر للمتهمين (وليس المحكومين بعد) – أي أبرياء لم تثبت إدانتهم بعد- من المتهمين بقضايا القتل أو الجرائم الموجهه ضد الدولة. وقف ذات يوم مدير سابق في يوم المرور (كل يوم أحد من كل أسبوع يمر مدير السجن على كل الاقسام متفقداً أحوال السجناء)، وقال مخاطباً جمع من بالمنتظرين: "أنتم هنا عندنا (ضيوف) علينا فقط حفظكم واطعامكم، لوائح السجن لاتنطبق كلها عليكم". لكن الواقع هناك عكس ذلك تماماً، خاصة وأنه ما من أحد من السجناء أياً كانوا يعرف تلك اللوائح أو تم اعلامه بها. بالمنتظرين التشدد في اقصى حالاته. فعلى خلاف السجناء (المحكومين) لا يسمح للمنتظرين بالذهاب لدكان السجن، ويقوم بخدمتهم (بمقابل) من يعرفون بـ(الشركة) وهم المساجين الذين يقضون عقوبة لبضع شهور، شهرين أو شهر أو اسابيع. كما تمنع عنهم الموبايلات مثلهم مثل باقي السجناء بالسجن، بل تجرى أقصى أنواع العقوبات عليهم وتوضع (القيود) على أرجلهم ويرسلون إلى الزنازين المعروفة بـ(خمس دقائق) وهي الزنانين التي تقبع قبالة (المشنقة)، والمخصصة لمحكومي الاعدام، حيث يقضي فيها السجين آخر خمسة دقائق له قبل أن يُصعد به إلى حبل المشنقة، والسجناء لهم أسم آخر للمشنقة وهو (الكرجاكة) وهو اسم مشتق من الصوت الذي تحدثه ويسمعه بوضوح كل من بقسم المنتظرين. والمنتظرين لهم يوم واحد للزيارة في الاسبوع، وفي حالتنا لم يكن مسموح لنا بالزيارة إلا بإذن من نيابة أمن الدولة أو بعدها من قاضي المحكمة.
ولكن حتى هنا بالمتنظرين نادراً ما تسمح لك الإدارة باجراء مكالمة من دكان السجن وعلى حسابك الخاص!!. في حالتنا منعنا ولم يسمح لنا ولا مرة بإجراء مثل تلك المكالمة وكنا في حوجة كبيرة للحديث مع محامينا. ولكن حالات المنع كثيرة ولم تكن مقتصرة علينا. وسنعود لنفرد مقالا عن المنتظرين والوضع فيها، وكيف أنه لا يكفل لك أبسط الحقوق، وانت بعد برئ لم تثبت إدانتك بعد.
السجناء بسجن كوبر تعودوا ولم يعودوا يتسأءلون عن ما يجري لهم. لا أحد منهم يطرح على نفسه سؤال أين تذهب أموال الموبايلات تلك التي تصادرها الإدارة؟، وبالطبع لا يسأل أحد عن القانون الذي يعطي الإدارة حق (المصادرة)؟، ولا أحد منهم يتساءل لماذا يقع علينا العقاب والمصادرة في الموبايلات في الوقت الذي لا تتسأل الإدارة عن كيف ترد تلك الموبايلات للسجناء؟!، ولا كيف بعد كل حملة تفتيش تجمع الإدارة أعداداً كثيرة من الموبايلات ولا تثير فيها شيئاً؟!!.
الذي بات يثير السجناء جديد إدارة السجن الحالية!!، كون الموبايلات لم تكن محل (عقوبات مركبة) كان كل الذي يحدث أن تتم مصادرة موبايلك وكفى. ولكن الإدارة الحالية تصادر أولاً الموبايل، ثم بعد ذلك تعاقبك بوضع القيود الحديدية على رجليك، ثم تقرر لك حكماً أيام أو اسابيع أو شهور تقضيها بالزنانين بعيداً عن القسم الذي تقيم فيه، ثم تبعاً لذلك تحرمك من الزيارة، وأخيراً تُجلد ثم تعود من جديد لقسمك. وقد علمت أن آخر حملة جلد جرت قبل أيام بصالة (الخياطين) بالسجن وبحضور المدير والعميد، لمن قضوا كل تلك العقوبات ثم ختمت بجلدهم.

ليست هناك تعليقات:

azsuragalnim19@gmail.com

*الدكتور أسامة عطا جبارة يشرح الإقتصاد السوداني في ظل الحرب*

..........  *تواصل شبكة (أوتار الأصيل) الإخبارية، وصحيفة العريشة الرقمية نشر الحوار الهام مع الخبير في الإقتصاد العالمي الدكتور أسامة عطا جب...