الأحد، 3 يونيو 2012

أول سيارة جزائرية الصنع تنتظر الاعتراف والرقم التسلسلي

ابتكرها شاب في 25 شهراً

 
في الوقت الذي كان فيه الجزائريون ينتظرون ما ستسفر عنه المفاوضات بين حكومة بلدهم وشركة سيارات فرنسية حول تصنيع أول سيارة في الجزائر، فاجأ عبدالرحيم كويني، وهو شاب لا يتعدى الـ17 من عمره، الجميعَ بصنع أول سيارة جزائرية في مرآب والده بحي «الكثبان» بمنطقة «الشراقة» غرب الجزائر العاصمة في فبراير الماضي، بإمكانات بسيطة جدا وبتكلفة لا تتجاوز الـ120 ألف دينار جزائري، أي ما يعادل نحو 1700 دولار فقط، لتكون بذلك أرخص سيارة في العالم. غير أن السيارة ما زالت غير قادرة على الحركة بسبب عدم القدرة على تسجيلها والحصول على الرقم التسلسلي ولوحة الترقيم والوثائق الأخرى.
البداية كانت حلماً راود عبدالرحيم كويني، وهو في السنة الرابعة من التعليم المتوسط، وعمره لا يتجاوز الخامسة عشرة، إذ كان يطل من شرفة بيته على مجموعة من السيارات الحديثة التابعة لوكيل معتمد لإحدى الماركات الأوروبية، وربما أطل عليها الكثيرون غيره من شرفات منازلهم، ولكن ذلك لم يعن لهم الشيء الكثير بينما تصرف كويني على طريقة نيوتن الذي تساءل والسؤال أمّ المعرفة والإبداع والاكتشافات، عن سرِّ سقوط التفاحة إلى جانبه وهو تحت الشجرة؟ فتوصل إلى قانون الجاذبية لاحقاً، كذلك فعل كويني حينما رأى هذه السيارات الأوروبية، فتحركت فيه النخوة والغيرة على وطنه وقرر صنع سيارة محلية.
تساؤل بناء

تساءل كويني «ما الذي ينقص الجزائرَ حتى تكون لها سيارة من صنعها عوض أن تكتفي بالاستيراد من باقي البلدان؟»، وقاده هذا السؤال إلى الشروع في العمل دون هوادة على مدار 25 شهراً إلى أن تمكن من صنع أول سيارة محلية ليهديها لبلده، ويكتب عليها بالبنط العريض «صُنعت في الجزائر»، ويؤكد أن العقول ما دامت موجودة فإن قلة الإمكانات لا ينبغي أن تقف حائلاً دون تحقيق الأمنيات والالتحاق بركب الآخرين عوض الاكتفاء باستهلاك منتجاتهم.والطريق لم يكن مفروشا بالورود أمام كويني، الشاب الذي يدرس الآن في السنة الثانية من التعليم الثانوي شعبة علوم طبيعية، فقد كان عليه أولاً أن يضع تصورا واضحا لسيارته ومخططات صنعها، وأن يتحلى بالصبر وطول النفس وقوة الإرادة، وهو ما فعله. يقول كويني، وهو يشير إلى مخططات وصور ألصقها على حائط مرأب السيارة «لقد مرّ المشروع بـ13 مرحلة كاملة، كنتُ في كل منها أنجز جانباً من السيارة، إلى أن اكتملت بعد أكثر من عامين، وتحركت للمرة الأولى في الأول من فبراير الماضي». ويضيف «لقد عانيتُ طويلاً بسبب قلة الإمكانات وضعف التمويل وتعيّن عليّ العمل في التجارة في أوقات فراغي وكذلك الاستدانة من بعض معارفي حتى أستطيع تمويل مشروعي وإنهائه».
وعلى طول العامين اللذين استغرقهما المشروع كان والدُه عبدالقادر يركن سيارته الخاصة خارج البيت، ليمكِّن ابنه الطموح من إنجاز مشروعه بهدوء.
يقول الأب «كنتُ أشعر بالضيق أحياناً حينما أرى ذلك الكم الكبير من القطع الحديدية في المرآب، والتي كانت تمثل قطع غيار حديدية بسيطة كان ينتجها عبدالرحيم، وكذلك الحديد الذي صنع منه هيكل السيارة ولواحق أخرى فيما بعد، ولكني حرصتُ ألا أظهر ذلك لابني حفاظا على معنوياته وتشجيعه، وأن أترك له حرية الحركة، فأنا حريصٌ على دعمه بكل ما أستطيع حتى يذهب بعيداً في مشاريعه الطموحة».
لحظاتٌ تاريخية
كان الشاب المبدع قد أنهى الأجزاء التي صنعها بإمكاناته البسيطة، ثم استعان بمحرك سيارة قديم وبعجلاتها، وهي الأجزاء الوحيدة التي أخذها جاهزة من سيارة أخرى، ثم عدّل مصفاة خزان الوقود ليجعل السيارة مقتصدة في استهلاك الوقود، وفي يوم 1 فبراير 2012، كان المشروع قد اكتمل ولم يبق أمام كويني سوى لمسات بسيطة حرص على إكمالها لضمان النجاح الكامل وانطلاق السيارة الشبيهة بـ»الجيب» في السير دون مشكلة أمام جمع غفير من الأصدقاء والجيران، وفي حدود السادسة مساءً انطلق صوت المحرك، ثم بدأت السيارة تتحرك فعلا إلى الأمام وتسير وسط تهليل الجميع وصياحهم من فرط الدهشة والشعور بالمتعة.
إلى ذلك، يقول كويني «كان شعوراً رائعاً لا يوصف، فالحلم تحقق بعد عامين كاملين من الجهود، كانت فرحة عظيمة لي وللأهل والأصدقاء والجيران». أما صديقه عامر بشير فوصفها بـ»اللحظات التاريخية التي لا تمحى من الأذهان»، بينما يقول صديقه وليد زليزلف «لقد تتبعنا المشروع خطوة خطوة وشجعنا عبد الرحيم طويلاً لذلك كانت الفرحة لا توصف». أما الصديق الثالث وارد صابري فيتذكر أول جولة قام بها في السيارة رفقته في الحي، لأنه لا يستطيع الذهاب بعيداً بحكم أن السيارة بدون وثائق وعبدالرحيم لم يصل بعد إلى السن القانونية للحصول على رخصة سياقة، كما يتذكر كيف أن خبر السيارة انتشر كالبرق فأصبحت تستقطب يومياً مئات الفضوليين.
معيقات إدارية
في الإطار نفسه، يؤكد كويني أن سيارته التي أطلق عليها اسم عائلته «كويني» اعترافاً بفضلها عليه، لا تزال تواجه مشكلة؛ فهي بدون لوحة ترقيم وبدون رقم تسلسلي، ما يعني أنها «بدون هوية»، ومن ثمة يتعذر عليه تأمينُها والانطلاق بها بعيداً عن الحي الذي يسكن فيه حتى لا يعدّ مخالِفاً للقانون.
ولتذليل المشكلة، اتصل الشاب بوزارة الطاقة والمناجم ووزارة الصناعة، ولكنه لم يجد لديهما حلا بعد عدة زيارات ولقاءات بالمسؤولين الذين فاجأهم مشروعُه وطلبوا منه الانتظار بعض الوقت، ومرّ الآن أكثر من ثلاثة أشهر ونصف على صنع السيارة دون أن يتمكن كويني من تسوية مشكلة الرقم التسلسلي ولوحة الترقيم والوثائق، ما يعني أنها سيارة غير معترف بها رسمياً إلى حد الساعة، ويطالب عبدالرحيم السلطات بإيجاد حل للمشكلة في أقرب الآجال وكذلك دعمه ليتمكن من تطويرها من كل الجوانب، فأحلامُه كثيرة ولكنه لن يستطيع تجسيدها جميعاً دون دعم وتشجيع من السلطات، بينما يقول أبوه عبدالقادر «ما دام عبدالرحيم قد صنع هذه السيارة فهو قادرٌ على إنتاج غيرها، صحيح أنها سيارة بسيطة ولكنها البداية وهو يملك الموهبة للذهاب بعيداً في أحلامه وطموحاته إذا وجد الدعم الكافي».
ويحلم كويني بتطوير سيارته، التي لا تتجاوز سرعتُها الآن مائة كيلو متر في الساعة، وصنع نماذج أخرى متنوعة، ولكنه يريد أولاً تسهيلات من السلطات من جهة تسوية مشكلة «هوية السيارة» ثم التفكير لاحقاً في مشاريع التطوير مستقبلاً في إطار مشاريع شراكة مع مستثمرين، محليين أو عرب أو أجانب.
ويتفاءل كويني بتسوية الوضعية باعتبار أن المعهد الجزائري للملكية الصناعية قد اعترف باختراعه وقام بتسجيله ومنحه شهادة حماية الملكية، وهي خطوة باتجاه إيجاد حل لـ»هوية السيارة» لاحقاً.

ليست هناك تعليقات:

azsuragalnim19@gmail.com

*الدكتور أسامة عطا جبارة يشرح الإقتصاد السوداني في ظل الحرب*

..........  *تواصل شبكة (أوتار الأصيل) الإخبارية، وصحيفة العريشة الرقمية نشر الحوار الهام مع الخبير في الإقتصاد العالمي الدكتور أسامة عطا جب...