الاثنين، 16 أبريل 2012

عبد الباسط المقرحي في النزع "الأخير" مع الموت

الليبي "المتهم البريء" بتفجير طائرة "لوكربي" فاقد للوعي تماما ومتروك لمصيره

المقرحي يصارع الموت في غرفة للعناية المركزة

المقرحي يصارع الموت في غرفة للعناية المركزة

لندن - كمال قبيسي الليبي عبد الباسط المقرحي، المتهم الوحيد بتفجير طائرة لوكربي، يصارع الموت في غرفة للعناية المركزة في "مصحة العافية" وهو في غيبوبة تامة والأطباء يجهدون لإنقاذه بلا جدوى كما يبدو، طبقا لما علمته "العربية.نت" من زميل صحافي زاره في المصحة، وهي مستشفى خاص يقع في ضاحية قصر بن غشير بجنوب العاصمة طرابلس الغرب.
وكانت صحة المقرحي، الذي اتهموه بأنه كان ضابط مخابرات سابق في ليبيا زمن النظام البائد، تدهورت فجأة يوم الجمعة الماضي، طبقا لما ذكره شقيقه عبد الحكيم لبعض وكالات الأنباء، فنقلوه على عجل إلى المصحة التي خضع فيها لعملية نقل دم مستعجلة بإشراف الدكتور إبراهيم الهادي الشريف، ومن يومها فقد الوعي تماما.
وانهيار صحة المقرحي حمل الدكتور الشريف على أن لا يجيب ولو بكلمة واحدة حين اتصلت به "العربية.نت" وسألته عنه، بل أقفل الخط ولم يعد يرد على أي رنين، وإلا لكان بشر بتحسن صحته على الأقل، أو لمح لأي أمل.
والمقرحي، الذي كان يمر بحالات غيبوبة طارئة ومتقطعة منذ العام الماضي بشكل خاص، هو "المتهم البريء" بتفجير طائرة "بوينغ 747" تابعة لشركة "بان أمريكان" الأميركية حين أقلعت في ديسمبر/كانون الأول 1988 من لندن إلى نيويورك، وقتل كل من كان على متنها، وعددهم 259 من 21 جنسية، إضافة إلى 11 من سكان قرية لوكربي الاسكتلندية ممن هوت أشلاء الطائرة ليلا فوق منازلهم بعد انفجار قنبلة على متنها وهي على ارتفاع 31 ألف قدم.

رسموا صورة تشبهه فاتهموه

مصحة العافية

مصحة العافية

وأشارت الولايات المتحدة بأصابع التلميح إلى ليبيا كمسؤولة محتملة عن التفجير، ثم كشفت بعد تحقيقات استمرت 3 سنوات أجرتها مع بريطانيا عن تورط المقرحي ومواطنه الأمين خليل فحيمة بالعملية، وكانا يعملان وقتها في مكتب الخطوط الجوية الليبية في مطار "لوقا" بمالطا.
واستنتج الأمريكيون، بحسب تحقيقاتهم، تورط المقرحي من اكتشافهم أن القنبلة التي استخدمت بالتفجير كانت موضوعة في حقيبة ضمن ملابس داخلية، وأن الملابس لم تحترق بكاملها في الانفجار، وبفحص بقاياها تبيّن أنها من محل تجاري في مالطا.
وقالوا إنهم مضوا إلى صاحب المحل فشهد بأن مشتريها ليبي، ثم أعدوا رسما تقريبيا للزبون، وافترضوا أنه "ضابط المخابرات عبد الباسط محمد علي المقرحي" وهو ما نفته ليبيا نيابة عنه مرارا. أما هو فنفى أيضا أن يكون عمل لدى المخابرات، وكان يقول إن وظيفته هي مدير للمركز الليبي للدراسات الاستراتيجية.
وكان السؤال المحير دائما هو كيف استطاع المقرحي نقل القنبلة من ليبيا إلى مالطا، ومنها إلى بريطانيا. أما الجواب المتوفر فكان أن مدير مكتب الخطوط الليبية في مالطا، الأمين خليل فحيمة، هو من ساعده بنقلها، كما وتمرير الحقيبة الملغومة عبر مطار "لوقا" المالطي إلى "هيثرو" اللندني.

فجأة قرروا إطلاق سراحه

عائلة المقرحي

عائلة المقرحي

افترضوا أيضا أن المقرحي سافر إلى لندن واستطاع تخطي حواجز الأمن في مطارها ليضع الحقيبة الملغومة في طائرة "بان أميركان" ثم لم تكن معه حين عاد ليبيا، لذلك شكوا به كمتورط رئيسي وطالبوها في أواخر 1991 بتسليمه وفحيمة لمحاكمتهما في اسكتلندا، ولأنها رفضت فقد فرض عليها مجلس الأمن عقوبات اقتصادية وعسكرية متنوعة.
وظل العناد سيد الموقف حتى اتفق الطرفان في 1998 على محاكمتهما في هولندا، وفيها استمرت المرافعات 84 يوما وانتهت في 2001 ببراءة فحيمة وإدانة المقرحي بالسجن 27 سنة يقضيها في سجن "بارليني" باسكتلندا، لذلك انتقلت عائلته للعيش في مدينة غلاسكو لتكون قريبة منه، وهناك درس أولاده الخمسة، وكانوا صغارا أكبرهم مراهقة عمرها 17 سنة، وهي غادة.
ومن السجن كان المقرحي يمطر الادعاء الاسكتلندي العام باستئناف بعد الآخر، آملا بالبراءة مما كان يعتبره ظلما لحق به في معرض نفيه للتهمة باستمرار عبر محاولة محاميه التشكيك بتفاصيل "غير واقعية" في مجريات القضية. لكن ذوي الضحايا، خصوصا أهالي 189 أمريكيا قضوا بالتفجير، نظموا حملة ضغط دولية حالت دون تحقيقه ما أراد، بحسب ما راجعته "العربية.نت" من ملابسات قضيته.
وفجأة في منتصف 2009 قرر وزير العدل الاسكتلندي الإفراج عنه "لأسباب إنسانية" بعد الكشف عن إصابته بسرطان استفحل في البروستاتا، وقدروا بأنه "لن يعيش بسببه أكثر من 3 أشهر" طبقا لما أكد بعض الأطباء. لكن حياة المقرحي الذي استقبلوه في ليبيا كما الأبطال وبالزغاريد بعد الإفراج عنه طالت بسنوات زيادة عما توقع نهايته الطب الحديث.

الحرية مقابل التنازل عن استئناف الحكم

وأقام المقرحي في فيللا فخمة قدمتها له الحكومة الليبية بطرابلس الغرب، ولم ينس حلمه بأن يعرف العالم بأنه بريء، فأصدر كتابا سماه "أنتم المحلفون.. دليل ‏لوكربي" بمساعدة جون آشتون، وهو صحافي بريطاني دافع عنه طوال 3 سنوات، وأراده كوثيقة تبرئه مما زجوه بسببه أكثر من 8 سنوات وراء القضبان الاسكتلندية.
ويكشف "أبو خالد" في الكتاب الذي صدر في فبراير/شباط الماضي واطلعت "العربية.نت" على أهم ملخصاته ذلك الوقت، بأنه تسلم طلبا بالتخلي عن استئنافاته المتكررة للحكم لقاء الإفراج عنه لأسباب إنسانية "وهذا يؤكد بأنني كنت ضحية بريئة لممارسات سياسية مشبوهة" طبقا لما كتب.
ذكر أيضا أنه قبل 10 أيام من تنازله عن الاستئناف قام وفد برئاسة وزير الخارجية الليبي آنذاك، عبد العاطي العبيدي، بزيارة وزير العدل الاسكتلندي كيني ماكاسكيل، ثم نقل الوفد للمقرحي تلميحا من ماكاسكيل بأنه "من الممكن الإفراج عن المقرحي لأسباب إنسانية لو تنازل عن استئناف الحكم" طبقا للوارد في الكتاب.
وتنازل المقرحي، مع أنه كان لديه الحق قانونا بالاستئناف "لكن لم يكن بإمكاني المخاطرة، لأن ذلك كان سيكون بمثابة التخلي عن إحقاق العدل" وفق تعبيره. لكن متحدثا باسم الحكومة الاسكتلندية أكد بأنها "لم تتورط بأي شكل في سحب الاستئناف". لذلك بقيت هذه النقطة واحدة من أسرار عدة في "قضية لوكربي" حملها معه المقرحي إلى مثواه الأخير.

زفاف في السجن ودواء بأكثر من 4500 دولار

كتاب المقرحي

كتاب المقرحي

خارج المثوى الأخير ترك المقرحي على قيد الحياة زوجته عائشة الباجقجي وأبناءه الخمسة، وهم: غادة، وهي محامية بطرابلس الغرب ومتزوجة وأم لابنين عمرها 28 سنة وتخرجت بالقانون من جامعة اسكتلندية. وكان والدها وافق على زواجها من شاب ليبي طلب يدها، مشترطا عقد القران داخل السجن الذي كان نزيلا فيه، واقتصرت الفرحة يومها على العائلتين فقط.
وخالد وعمره 25 سنة، وهو متخرج من اسكتلندية ويعمل مستشارا بالمعلوماتية، وناشط بين دبي ولندن وأمستردام والدار البيضاء. كما هناك ابنه محمد، البالغ من العمر 19 عاما، وهو طالب في الجامعة الأمريكية بدبي. كما للمقرحي ابنين مع والدتهما بطرابلس: وهما علي والمعتصم (17 و14 سنة) فيما لا يزال والداه على قيد الحياة أيضا.
وكان يحلو للمقرحي أن يقول لصحافيين يتصلون به عبر الهاتف وهو في السجن بأنه مثقف ودرس في الولايات المتحدة وزار بريطانيا بين 4 إلى 5 مرات في سبعينات القرن الماضي، ودرس 9 أشهر في مدينة كارديف، عاصمة مقاطعة ويلز.
ومن الصدف أن دواء سموه Abiraterone وصنعوه حديثا في بريطانيا، هو ما ساعد المقرحي على مكافحة السرطان أكثر، بحيث طالت حياته عما توقعه طبيب قام بتقييم مستقل لصحته وقُدّر بأنه لن يعيش سوى 3 أشهر فقط، وعلى أساس التقييم أخلوا سبيله.
الطبيب هو البروفسور كارول سيكورا، المدير الطبي لمراكز العلاج الخاص البريطانية من السرطان. أما كلفة تناول الدواء لشهر واحد فقط فتزيد على 4500 دولار.

ليست هناك تعليقات:

azsuragalnim19@gmail.com

*الدكتور أسامة عطا جبارة يشرح الإقتصاد السوداني في ظل الحرب*

..........  *تواصل شبكة (أوتار الأصيل) الإخبارية، وصحيفة العريشة الرقمية نشر الحوار الهام مع الخبير في الإقتصاد العالمي الدكتور أسامة عطا جب...