لقي اليوم شاعر الوطن الجميل محمد الحسن سالم حميد مصرعة في حادث مروري بطريق الشمال اثناء توجهه إلي مسقط رأسه بمنطقة نوري ويعتبر محمد
الحسن سالم حمّيد شاعر سودانى يرفض ان يغمض عينيه على حلم ميت ، يغتسل فى
بيوت طينية منهكة لكنها مشرعة النوافذ ، ويستمد عافية قصيدته من مقاربات
عامية تلاقح الفصحى فى انجاز يؤرخ لامكانات الشعر السودانى فى افساح مجال
جديد للذاكرة الجمالية والثورية ، يشكل رمزا من رموز الحداثة فى الشعر
السودانى ، ويحفّز خيوله على المجىء فى اكثر الليالى حلكة ، يضىء سراج
الشعر ويوقد جمراته فى الذهن لفض بكارة الفعل السالب :
* بلدة نوري في شمال السودان قامت عليها في الماضي اقدم الحضارات ولازالت أهراماتها تشهد على ذلك وهي ارض الإله حسب التعبير النوبي القديم ، ولا شك ان صهيل خيول بعانخي وصليل سيوف ترهاقا تحوَّم حول أهليها حتى هذا اليوم ، من هنالك انطلقت كل الحضارات التاريخية حسب اعتقادي فنحن الاعرق لكنهم ينسبون كل مجد لغيرنا !!؟ إذن أنا احاول ان ارد الى وطني ما سرقه العالم منه، وإلى اهلي ما سلبتهم إياه كل الحكومات الغير وطنية ، فلا يعقل ألا يكون بطول الاقليم الشمالي مشروع تنموي واحد يوطد بقاء ذلك الانسان على ارضه لينتج حضاراته من جديد ، ومانحن فيه في الشمال ينطبق على الكثير من بقاع السودان ، فقط نحن نغني ويحمل غيرنا السلاح ... إذن كيف تجدني ؟. مسحوقاً بحق وحقيقة ... أم متضامناً !!؟ _ الزمان/ أحدثت ثورة شعرية اجتاحت الوجدان الوطني والعاطفي في توحيد جميل للأنثى الحبيبة / الوطن هل اكتملت بناءات مشروعك الشعري ؟ _* لست انا الذي احدثت تلك الثورة فهذا امر قديم ، وانما تجدني احد المساهمين فيها بدرجة او باخرى وبناء القصيدة عندي لازال في طريق الافق .. ومشروعي الشعري هو مشروع مشترك مع العديد من المبدعين ينتظره الكثير .." والله يكذب الشينة ". _ الزمان/علاقتك بالفنان السوداني الراحل مصطفى سيد احمد كيف تصفها ؟ _* مصطفي سيد احمد عليه رحمة الله فوق انه صديق حميم فهو فنان صاحب منهج ورؤية إنسانية متفردة ، وعلاقتي به ستظل مستمرة فقد فتح قدامي طريقاً متعباً نحو الناس الوطن . _الزمان/ الأنثى عندك ( نورا) اتخذت معنى وطنيا غالبا هل كانت حلم الوطن وغده المرتقب ؟ _*كما ذكرت في البدء انا من بقعة تاريخية متجددة اسمها نوري تتبع لمدينة تاريخية اسمها مروي وهي في شمال السودان وكلمة نور في اللغة النوبية تعني إله ومنها جاءت كلمة نورا فأي أنثى تريد ؟.. _ الزمان/هل تجد تشابها بين تجربتك وتجربة مظفر النواب الحادة خاصة في قصائدك التي تضمنت نقدا سياسيا مباشرا ؟ _* الامر هنا متروك للمتلقي لكن لابأس ان اقول لك انني لست بذيئاً كما قالها مظفر النواب ذات شعر ، فقط ما تسميه نقداً سياسياً تراه السلطات الامنية خيانة للوطن وجريمة تستحق السجن والتعذيب وحتى محاولات التصفية الجسدية .. لكني اراه مقاومة للباطل القبيح ودعوة للحق والجمال .".ولا شنو" .. _الزمان/ اغتيال خوجلى عثمان ، اتهام الطيب صالح بالسفه ، وفاة مصطفى منفيا ، كيف تصف حال الإبداع في العهد الإنقاذي ؟ _*بالله عليك لاتزج بنظام الانقاذ في كل شيء .. متى كان حال المبدع في بلادنا على ما يرام ، فكل الانظمة السياسية التي تعاقبت على بلادنا لم تحترم مبدعاً واحداً ولم تقدم شيئاً يذكر لخدمة الابداع والمبدعين السودانيين ، بل اكاد اجزم ان معظم ساستنا لا يفهمون عنه سوى انه "شغل عبيد" فاَذا كان نظام الانقاذ هذا حاله في مواجهة الابداع حفاظاًعلى سلطته من الزوال فما بال الذين يطرحون انفسهم بديلاً لذالك النظام يتأنقذون هكذا .. عموماً لي تجربة مريرة مع النظام القادم لا داعي لاثارتها هنا .. _الزمان/ بناء على تصنيفات فكرية غير مبررة حيال الإبداع نعتك البعض بالانتماء لليسار السوداني ونحوت أنت إلى تفريغ الاتهام من محتواه بعدم فهمهم لليسارية نفسها ، كيف تصف موقفك الفكري على ضوء معطيات المشهد السياسي في سودان اليوم ؟ _*المبدع في نظري كالطائر الجميل الوديع المغرد في فضاء حر ، وهو بحكم تكوين جناحيه لا يستطيع ان ينتمي الإ لكل ما هو خير وجميل .. الا ان البعض يشتهي فيه لحمه الذي لايسد جوعاً بدلاً عن نغمه والذي هو مشبع لكل النفوس والارواح . ثانياً :- حكاية يسار ويمين ووسط الخ هي حكاية من حكايات الداعين إلى نزع المبدع من قضيته الاساسية وأضفاء تصنيفات سياسية عليه من شأنها ان تصرف عنه بعض المتلقين ، استخدمها الساسة من قديم الزمان لجعل المبدع دائماً تحت عصا الطاعة ، وقريباً جداً من المعتقل ، المبدع شأنه شأن كل الناس من حقه ان يمارس حقه الديمقراطي كما يمشي في الاسواق ولكن ليس من حقه ان يخون ابداعه لخاطر زيد أو عبيد من السياسيين ، والا خسر نفسه .. ما يخصني هنا هو انني اكتب قصيدتي هكذا كادحة الى عالم مسالم .. ووطن "ماهل وهيط" يسع كل الناس ولاشأن لي بموقعها من الخريطة السياسية ..( بعدين يااخي حكاية اليسار هي سبة ولا شنو .. اللهم يسر ولا تعسر) . _الزمان/ وجع المعتقلات وآلام القهر لم تدعك تعكر صفو القصائد بالهواجس بقد رما أضافت جماليات إنسانية ؟ _*المعتقلات وآلام القهر تأخذ اشكالاً متعددة ، فلازلت معتقلاً ومقهوراً كالفلسطيني تماماً ، وسأظل كذلك ما دامت ارضي محتلة وشعبي مكبلاً ، واهلي يقتلون بالبعوض والذباب وحمى الحروب ، وليس أمامي سوى الغناء الاخضر لغد كوني مشرق رغم زمهرير وضباب الفجيعة . _ الزمان/ما هي طقوس ولادة القصائد عند حمّيد ؟ _*والله يا ا خي اقول لك شيئاً قد يبدو غريباً ومحيراً ، وهو انني منذ مسخني العشق لكتابة القصيدة وحتى اليوم ، ما ان ادخل "حوش" القصيدة حتى تجدني هكذا ابكي واكتب واكتب وابكي إلى ان ينتهي النص فارفع وجهي وأكاد اصيح الحمد لله الذي اذهب عني الاذى وعافاني ولا زلت حائراً في امر هذا البكاء الملازم للكتابة ولا اجد له سبباً مقنعاً ، ربما لفقدي عدد من الاهل والاقارب والاصدقاء وجل الوطن والاشياء الجميلة في حياتي ، ربما لهذا علاقة بذلك ، المهم انني ابكي واكتب لاكتب وابكي والحمد لله . _الزمان/ إلى أي مدى تؤمن بقيم الإنسانية التي سكبتها في شعرك في ظل عالم تكنولوجي تنحدر أخلاقه يوما بعد الآخر ؟ _*إلى يوم يبعثون ... ثم ما علاقة التكنلوجيا بانحدار الاخلاق .. التكنلوجيا لا تفعل ذلك الذي يفعله الانظمة الفاسدة ومن دار في فلكها من القتلة لاحلام الناس الفقراء ... وليتنا نمتلك التكنلوجيا فهي خير معين لتحرير الانسان لوطنه ونفسه من هذا الهوان المفروض عليه فرضاً ..وهي السبيل إلى النماء والرخاء في كل الدنيا .. وما يهمني من امر التكنلوجيا هي انها توصل غنائي وتربطني بناسي رغم كل الجدر . _الزمان/ الخرطوم عاصمة للثقافة العربية 2005 م ، أهي مؤهلة لاحتضانها ؟ _*الله يحينا ونشوف .. اما حالياً فـ لا _الزمان/ جدل الزنوجة والعروبة والسودانوية كيف تنظر إليه ؟ _* "فى زول بس" _الزمان/ لماذا يظل الصوت السوداني الدافئ المغسول بالجمال غائبا عن المشهد الثقافي العربي ؟ _*المشكلة ان المشهد الثقافي العربي بمعناه الصحيح هو ايضاً في حالة غياب فما ان ترى مشهداً ثقافياً عربياً إلا وخلفه استقطاباً سياسياً ما وهذا امر محزن حقاً ، فالعرب يقيمون فضائياتهم ، ويصدرون صحفهم ، ويقيمون حفلاتهم الغنائية ولياليهم الشعرية الناجحة ، ويدلون بتصريحاتهم الدسمة ، دائماً خارج الاراضي العربية . وهذا واحد من اسباب غياب الصوت السوداني عن هذا المشهد الغائب ... كما ان هنالك عدة اسباب يضيق المجال عن ذكرها ، ومن اهمها ان المبدع السوداني نفسه يساهم مساهمة ضارة في هذا الخفوت .. _الزمان/ هل استفدت من تجارب سودانية سابقة خاصة أن التجربة ثرة في مجالات العامية المتنوعة والدوبيت والفصحى ؟ _* هذا امر بدهى فالتجارب السودانية كما ذكرت ناضجة تماما فى هذا المجال . _ الزمان/ الغربة مكّنت بعض مبدعي السودان من تعميق مفاهيمهم الحياتية ومنحتهم حزنا نبيلا ، لكن بالنسبة لك يراها البعض عاملا سلبيا ؟ _* والله بصراحة السبب الرئيسي لخروجي من السودان هو ان اظل على قيد الحياة حتى اغني ، وكنت بسذاجة احسب ان الخارج سيمكن قصيدتي من الدخول إلى الوطن والوصول للناس وبصورة فاعلة .. خاصة اولئك الذين كنت اعتقد فيهم !! ولكن للآسف لم أجد إلا قصيدتي .. وأنا فخور بمؤازرتي لنفسي مع بعض الأصدقاء .. وقد اقتنع الجميع ان ليس ثمة جهة تسند ظهر قصيدتي إلا تماسكها . _ "الزمان" المناخات العربية الآن تشهد موجة من التهجم على الإبداع ، كيف يتعايش المبدع مع نذر عاصفة تقتلع إبداعه تحت غطاءات مختلفة ؟ _*تجدني بحكم ظرفي الخاصة وانشغالى بتوثيق وتسويق تجربتي الشعرية ورصد ريعها لمشروع خيري في البلد . تجدني لذلك ولاسباب أخر بعيدا عن هذه " المناخات " لذلك لا أستطيع ان أفتيك في هذا الموضوع حاليا _ الزمان /البعض يصف تجربة عاطف خيري بالغموض والنزعة الفلسفية التي تبعده عن المتلقي ، كيف تراها ؟ _*تربطني بعاطف خيري أربطة شتى إضافة إلى إننا من منطقة جغرافية وبيئة واحدة . وبحكم متابعتي ومعايشتي لتجربته الشعرية أستطيع ان أقول انه يقف على أرضية ثابتة من الشعر .. وانه قد استطاع ان يفض الكثير من مغاليق اللغة ويفتح العديد من الأبواب أمام حق الذين سبقوه فى هذا المجال فلا تستعجلوا على تجربة هذا الفتى القادم بقوة ودعوه يفسح خيال قصائده كيفما شاء وأنا أراهن عليها وان اخسر الرهان فله ولرفاقه التحية . _الزمان/ لمن تكتب ؟ _*اكتب لنفسي أولا ومنها يأتي الناس .. ثم متى أحسست ان العامية تكبلني لتركت الشعر إلى الذعر . _ الزمان/الحلم الإنساني بالسلام والحرية والعدل ، هل يكون حبيس مخيّلات الشعراء على الدوام ام انهم يسعون لترسيخ نسقه في مجتمعاتهم والى أي مدى تشعر بوصول فكرتك إلى الناس ؟ _*كل الرسالات السماوية جاءت لتأكيد هذه المفاهيم النبيلة السامية والرسول "ص " اتهمه قومه بالشعر كما ان كل الصالحين من البشر نادوا بها ومات من اجلها الكثيرون إضافة إلى أن كل الثورات وحتى الانقلابات العسكرية الظالمة تأتى على سرج هذه المفاهيم التي ينجذب الناس إليها لأنها شيء متأصل ومتعمق في النفس الإنسانية .. فبالله عليكم لا تحرموا الشعراء حتى من هذا الحنين والكدح إلى ذلك العالم الذي يعشقه كل الفقراء وهو رحب لكل الناس . فقط كيف السبيل اليه كيف ؟ هذه ليست مسؤولية الشاعر ولا القصيدة وان كان قضية لكل الشعراء الفاتحين قلوبهم للحياة الكريمة العامرة بقيم الخير والجمال ، واعتقد إننا سنصل يوما إلى ذلك الابد ،،،،، "ونحن مامستعجلين الا ماب نرجى الزمن" |
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق