غضبة
الجماهير الليبية رسمية وشعبية في حق
السودانيين الابرياء الذين شاء حظهم العاثر أن يشدوا الرحال الى هناك طلبا لاوضاع
اقتصادية افضل، ولكنهم مع انطلاقة الشرارة الأولي بمدينة بنغازي وجدوا انفسهم امام
محنة كبيرة لا طائل للخروج منها بسلام، فالتصحريات المؤكدة أن السودانيين شاركوا
مع كتائب القذافي في المعارك بمدن ومناطق ليبيا أو العكس، كانت كافية أن تنزل كل
انواع الارهاب المنظم، لأن التصريحات جاءت على غرار أنهم مرتزقة، دون تقديم ادلة
ملموسة على ذلك، خاصة وأن الثوار في مثل هذه الانفلاتات الأمنية غداة نشوب انتفاضة الثوار الشباب الذين اطلقوا على
ثورتهم السابع عشر من فبراير، فألقت أحداث العنف الدموية المسيطرة على الواقع
بليبيا بظلالها القائدة للموت والهلاك للسودانيين المقيمين فيها، خاصة وان عددهم
يقارب النصف مليون سوداني يقيمون في مدن ومناطق الجماهيرية المختلفة، بعد أن تقلص
عددهم من جملة تسعة آلاف سوداني، عادوا لاحضان الوطن قبل ثلاث سنوات وفقا لبرنامج
العودة الطوعية في الاعوام القليلة الماضية.
طرد
السودانيين من منازلهم تهديدا بالسجن
بعد أن كانت تتواتر الأنباء عن تعرض عدد كبير من
السودانيين بليبيا لعمليات قتل وذبح منظم،
ها هي الدار تنجح في استنطاق شهود عيان من خلال سلسلة (عائدون من جحيم الموت
والهلاك بليبيا يروون تفاصيل مثيرة جدا للدار) فأكدوا بما لايدع مجالا للشك أن
الانتهاكات حدثت بدواعي أنهم مرتزقة
استأجرهم نظام حكم الرئيس الليبي العقيد معمر القذافي لاعانته في دحر الثوار
الشباب، فما كان من الشعب الليبي، الا وأن مارس ابشع انواع الجريمة في حق من تمتاز
بشرتهم بالسمرة، مما أدي بالعديد من السودانيين الاختباء في منازلهم، الا أن سيف
الاسلام نجل القذافي لاحقهم بتحريض اصحاب المنازل المستأجرة بطردهم أو أنهم
سيكونون هدفا للاعتقال خلف قضبان سجن (ابو
سليم) الشهير بالتعذيب وتصفية الحسابات مع الآخرين. وفي ذات الاطار قال المهندس
الزراعي خالد احمد عيسى البالغ من العمر (45 عاما) امضي منها (20 عاما) بمدينة
تازربو القريبة من الكفرة الواقعة بالحدود الليبية المتاخمة للسودان قال: كنت اعمل
في مجال الهندسة الزراعية، ورئيس اتحاد الحرفين لفترة من الزمن وعضو اللجنة العليا
لاتحاد الحرفين بالجماهيرية الليبية العربية الاشتراكية ومدير مكتب المشروعات
والاستثمار باللجنة التنفيذية للحرفين السودانيين، ورئيس جالية (تازربو) باسم
المؤتمر الوطني، واضاف: عندما بدأت
الاحداث الدامية بالجماهيرية كنت داخل مكتبي بقطاع الزراعة بمدينة تازربو، فما أن
غادرته في العاشرة مساء الا وانفجرت الاوضاع الأمنية بالمدينة، لانجو من الحرق
بالمكتب بعد نصف ساعة فقط من انهائي عملي، وذلك على خلفية اعمال عنف لا يمكن أن
يتصورها عقل، وهي كانت تنبيء عن مصير مجهول، خاصة بعد أن احرقوا المؤسسات الحكومية
كالمثابة الثورية ومبني الجمعية الزراعية ومبني قطاع الزراعة الذي كما اسلفت
غادرته قبل نصف ساعة فقط من اشتعال النيران فيه، بالاضافة الى مبني الأمن الداخلي،
وتواترت انباء عن حرق البعض داخل تلك المباني.
الحرائق
بمدينة تازور القريبة من الكفرة
يأتي ذلك في الوقت الذي شهدت فيه في ذات التوقيت
مدن ومناطق الجماهيرية الليبية العربية الاشتراكية احداثا مماثلة، تعرض اثرها السودانيين
المقيمين هناك الى الاعتداءات دون تمييز، وظل الخوف يسيطر على الجميع وهم يشاهدون
بام عينيهم اعمال العنف التي يتعرض لها
الافارقة وبالاخص السودانيين، وسط هجرة شبه جماعية من الاراضي الليبية التي اشتعلت
كما اراد لها الديكتاتور العقيد معمر القذافي وانجاله الذين يمضون على هداه، ومن
هذا الواقع المذري قال المهندس الزراعي خالد احمد عيسى للدار، ومنذ تلك اللحظة
التي تتحكم فيها اعمال العنف والشغب.. وأي شغب هو.. سيطر علي تفكيرنا احساس
الخوف والتوتر والقلق، الذي قادني الى الذهاب الى الاسر السودانية التي
تقطن مدينة (تازربو) الليبية الواقعة بالقرب من الكفرة المتاخمة للحدود السودانية،
بحكم أنهم ينضون تحت مظلة الجالية السودانية بالمدينة، وذلك بايعاز من القتصل
العام للقنصلية السودانية بالكفرة، وكان أن اشعرت السودانيين هناك بخطورة الموقف
الدموي، الذي بدأ يأخذ حيزا كبيرا في الاجواء بالجماهيرية الليبية العربية
الاشتراكية، ما ألقي بظلاله على أوضاع
السودانيين بصورة، لأنهم يقيمون فيها
بعددية كبيرة جدا يصلون في جملتهم رجال ونساء واطفال ما بين (400 – 500) ألف سوداني يقيم بمدن ومناطق الجماهيرية
الليبية العربية الاشتراكية، الأمر الذي حدا بوزارة الخارجية السودانية اذاعة بيان
تطالب من خلاله الحكومة الليبية الاحتكام لصوت العقل والتحلي بالحكمة وضبط النفس
وحقن الدماء معبرة عن بالغ قلقها حيال الأنباء المتواترة عن حوادث عنف ضد المدنيين وقال البيان: (ان
اواصر الاخوة وعلائق الجيرة والتاريخ والمصير المشترك تملي على السودانيين محض
النصح للقيادة الليبية بوقف استخدام القوة بكافة اشكالها ضد ابناء الشعب الليبي وحل
الخلافات بالطرق السلمية.
قتل
السودانيين بالاعيرة النارية المجهولة
وقال المهندس الزراعي خالد احمد عيسى: وما أن نبهنا
السودانيين المقيمين بمدينة تازربو بالجماهيرية الليبية العربية الاشتراكية بخطورة
الانفلاتات الأمنية بالمدينة المشار اليها، الا واستعدينا استعدادا كاملا لمغادرة
الوضع الراهن فورا، ففي اليوم التالي مباشرة لانفجار الموقف ، انتهزنا فرصة هدوء
الاحوال بمدينة تازربو، وبدأنا في عمل
ترتيبات الاجلاء للسودانيين، وكان أن خرجنا منها في ظروف لم نكن نأمن فيها على انفسنا ولكن لا مفر لنا سوي أن نشد الراحل برا عبر
الطرق الأمنة من تازربو الى الكفرة الى مدينة دنقلا السودانية جزء من تلك المسافات الصحراوية قطعناه راجلا.
من
هذا الواقع الدموي، فر أكثر من ثلاثة ألف سوداني، خوفا من المعارك الدائرة بين
كتائب القذافي بقيادة انجاله سيف الاسلام، خميس، معتصم، الساعدي ضد الثوار الشباب
الذين اطلقوا على انفسهم ثورة السابع عشر
من فبراير، هربوا من ذلك الوضع الأمني المنفلت الى داخل الاراضي التشادية وقال شاهد عيان: أوضاع السودانيين
بالجماهيرية الليبية الاشتراكية، خاصة
المنطقة الجنوبية في الكفرة وسبها خطيرة جدا، ولا سيما بعد أن اطلق البعض تصريحات
مشاركة مرتزقة افارقة يقاتلون مع الزعيم الليبي
العقيد معمر القذافي ويطلقون الأعيرة النارية على ثوار ثورة السابع عشر من
فبراير، مما أدي الى تعرض عدد منهم الى القتل والذبح وحرق محالهم التجارية
وممتلكاتهم، كما تعرض البعض الآخر منهم للاعتداءات الجسدية داخل السجن وخارجه،
وقدرت خسائر التجار السودانيين بالمنطقة
الجنوبية بالجماهيرية الليبية العربية الاشتراكية بعشرات المليارات.
تشريد
الكثير من السودانيين الى لاجئين
وتابع العائدون فضح اوضاع السودانيين بليبيا حيث
قال شاهد العيان: الحرب الدموية الدائرة بالاسلحة الخفيفة والثقيلة بين كتائب
القذافي وثوار شباب السابع عشر من فبراير، قتل من خلالها الكثير من السودانين
باعيرة نارية مجهولة المصدر في ظل العشوائية القائمة هناك، بعد الاستيلاء على
الاسلحة من مباني الأمن الداخلي واقسام الشرطة ومخازن القوات المسلحة، الأمر الذي
أدي الى أن تكون الاسلحة الخفيفة والثقيلة متوفرة في أيدي الليبيين بصورة عامة،
الشيء الذي سهل مهمتهم في الاجهاز على السودانيين الذين لم يشفع لهم مساهمتهم في
بناء الجماهيرية الليبية العربية الاشتراكية، حتي انهم اصبحوا جزء منها فمئات
آلالاف منهم يعملون في المهن المختلفة بالقطاع العام والخاص، وربما معظمهم لا
يحملون الهوية السودانية، بأعتبار أنهم في بلدهم الثاني الاقرب لهم من كل
الاوطان العربية والافريقية، ولكن الانفجار المفاجيء للاوضاع هناك، افقد
النظام الحاكم بزعامة العقيد معمر القذافي وانجاله الصواب، الذي اضاع حقوق الاجانب
بعد قضاء سنوات طويلة وبدلاً من مكافاتهم في نهاية الخدمة استخدمتهم دروعاً بشرية
لكتائب القذافي في حربها الدموية ضد ثوار ثورة السابع عشر من فبراير، مرتكبة بذلك
فظائع في حق الاجانب الافارقة بما فيهم السودانيين الذين شردت الكثير منهم لاجئين
في دول الجوار العربي والافريقي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق