.....
*تقرير : سراج النعيم*
....
ألقت السلطات الأمنية القبض على المتهم بقتل الدكتور (بابكر) نجل المستشار القانوني عبدالحميد سلامة الذي سقط مضرجاً في دمائه بعد أن أطلق عليه الجاني عياراً نارياً أدي إلى وفاته متأثراً بما تعرض له في تلك الأثناء.
فيما القي القبض على المتهم بقتل الشهيد (بابكر) داخل ولاية الخرطوم، وذلك وفقاً لمعلومات توفرت للجهات المختصة، وعلى خلفية ذلك تم اقتياده إلى شرطة (الفساد).
بينما تشير وقائع اغتيال الشهيد (بابكر) إلى أنه خرج من منزله في ذلك اليوم متوجهاً إلى منطقة (بري) بالخرطوم، وذلك من أجل ممارسة مهنته الإنسانية، وأثناء إسعافه لثائر من الثوار تفاجأ بالمتهم يطلق عليه رصاصة، مما نجم عنها صعود روحه إلى بارئها.
بينما كشفت الأستاذ أمل محمد أحمد المحامية والمستشار القانوني قصة استشهاد الدكتور (بابكر) أثناء خدمته للإنسانية الراسخة في ذهنه منذ نعومة أظافره حيث ترعرع في كنف والده ووالدته اللذين نميا في دواخله حب الإنسانية منذ إنجابه بالسعودية، وإلى تاريخ استشهاده في السودان.
وقالت : يعتبر الدكتور (بابكر) المولود الثاني في ترتيب أسرته، وهو الذكر الوحيد من بين شقيقاته الإناث (سلافة)، (هاجر) و(علياء)، وينحدر من مدينة (دنقلا) الواقعة شمال السودان، وينتمي إلى قبيلة (الدناقلة)، ووالدته شريفة عوض عبيش من أسرة متصوفة.
وأضافت : نشاء الدكتور (بابكر) في بيئة تعلم في إطارها الزاهد، عفة اليد، اللسان والنفس رغماً عن أن والديه من الأثرياء إلا أن هذا الثراء لم يمنعه من الانحياز للإنسانية وقضاياها.
وأردفت : كان الشهيد (بابكر) إنساناً خلوقاَ ومهذباً وهادئ الطبع مع الكبير والصغير، وبهذه الصفات تلقى تعليمه الأكاديمي الابتدائي، المتوسط والثانوي بالسعودية، ثم عاد من المملكة العربية إلى الخرطوم، والتحق بكلية الطب - جامعة السودان، وتخرج منها طبيباً ثم بدأ الانخراط في الحقل الطبي، والذي تنقل في إطاره بين المستشفيات الحكومية طبيب امتياز حوالي (9) أشهر تقريباً قضاها غرب السودان، مؤدياً خدمته على أتم الوجه، ورغماً عن أنه الابن الوحيد بين شقيقاته، لم يتحجج بذلك، بل شد الرحال إلى إقليم دارفور المضطرب منذ العام 2003م.
وتابعت : طلب الدكتور (بابكر) من والدته (العفو والعافية) في نفس اليوم الذي استشهد فيه، وكأنه كان يحس بدنو أجله، قائلاً : (ها أنا ألبي نداء الإنسانية والواجب اتجاه إنسان السودان، فهناك جرحي في منطقة بري يحتاجون المساعدة للاستشفاء)، ومن ثم توجه مباشرة إلى منطقة (بري) بالخرطوم، وهي من أكثر المناطق الساخنة في ولاية الخرطوم، إذ أنها شهدت تظاهرات واحتجاجات عنيفة دون انقطاع، هكذا ذهب إليها من أجل علاج جراح الشباب الثائر، وصادف ذلك أن كانت هنالك حالة تحتاج إلى إجراء عملية جراحية عاجلة، وكانت الإمكانيات في المكان الذي تتلقي فيه العلاج ضعيفة جداً، مما استدعي الدكتور (بابكر) للخروج لإنقاذه بالإسعاف إلى المستشفي ظناً منه أنه يخاطب الإنسانية في قلب من يحمي نظام الرئيس المخلوع (عمر البشير)، فخرج إلى الجهة المعنية رافعاً يديه إلى أعلى موضحاً أنه إنسان مسالم وأعزل إلا أن الجاني باغته بإطلاق عياراً نارياً عليه دون رأفة أو رحمة، مما أدي إلى استقرار الرصاصة في منطقة الظهر، وعلى خلفية ذلك استشهد الدكتور (بابكر) دون أن يرتكب جرماً يستوجب إطلاق الرصاص عليه سوي أنه كان يؤدي في واجبه الذي ترك على إثره سيرة عطرة وسط أساتذته، زملائه، أهله وأصدقائه.
من جانب آخر، فإنني أواصل فتح هذا الملف الذي لاحظت في ظله أن الجهات التابعة للنظام المخلوع تتعمد إطلاق الأعيرة النارية على الشباب الثائر من الجنسين في مناطق قاتلة، وذلك منذ أن بدأت الثورة الشبابية في التاسع عشر من ديسمبر، وحتى استشهاد معتصمين أمام القيادة بالخرطوم، وعلى خلفية ذلك تعددت الأسباب المؤدية للوفيات، والمتمثلة في الإصابات المباشرة بالأعيرة النارية في الصدر والرأس، بالإضافة إلى التعذيب والدهس بالآليات العسكرية (التاتشرات).
بدأت الثورة الشبابية متسلسلة منذ 19 ديسمبر من العام 2018م في بعض المدن السودانية المنتفضة بسببِ الارتفاع الجنوني للأسعار والغلاء الفاحش الذي يعيشه إنسان السودان مما نجم عن ذلك الوضع المذري الذي تدهور على إثره حال البلد تماماً على كل الأصعدة والمستويات ووصلت إلى مرحلة متأزمة جداً من التردي الاقتصادي والإنساني الأمر الذي دفع سكان مدينة (عطبرة) شمال السودان الخروج للشارع في تظاهرات عنيفة في 19 ديسمبر من العام 2019م ثم امتدت شرارتها سريعاً إلى مدن سودانية أخرى من بينها ولاية الخرطوم خاصة مدينة أم درمان (العباسية) و(بانت) و(بري) بالخرطوم و(شمبات) بالخرطوم بحري ومدينة (الأبيض) غرب السودان وغيرها في 20 ديسمبر من العام 2019م وغيرها، والتي كان خروجها على ذلك النحو مدهشاً للعالم، وذلك من واقع أن الثورة الشبابية وضعت النظام (البائد) أمام خيار واحد لا ثان له، وهو السقوط فقط بالسلمية الملتزم بها، والتي جعلت ردة فعل الرئيس المخلوع عمر البشير اتجاه الثورة الشبابية عنيفاً، إذ أنه أمر سلطاته القمعية باستخدام القوة المفرطة لكبح جماح الثوار الذين كلما أستشهد منهم واحداً يمنحهم دافعاً أقوي لمواصلة النضال في مواجهة النظام، والذي كان يلفظ في أنفاسه الأخيرة بعد أن فقد السيطرة على قيادة البلاد، ولم يستطيع أن يضبط نفسه أمام التظاهرات والاحتجاجات والاعتصام، مما حدا به أن يستخدم الأسلحة النارية ضد شعبه الأعزل الذي استشهد منه عدداً كبيراً من الثوار الذين مازالوا في ريان شبابهم، بالإضافة إلى أنه سبب الجراح لعدد كبير منهم، ولم يكن النظام السابق يأبه بما يحدثه من جراح بالرصاص الحي والغاز المسيل للدموع، والذي تطلقه أجهزة أمن الرئيس المعزول عمر البشير، والذي لم يكن يرعوي من هذا الفعل المنافي لحقوق الإنسان ضد المتظاهرين في مدن ومناطق السودان المختلفة، مما تسبب في سقوط عشرات القتلى والجرحى.
فيما نجد أن الثورة الشبابية بدأت سلمية ومختلفة الطعم والنكهة عن كل ثورات (الربيع العربي)، والتي انطلقت شرارتها الأولي في تونس، ومن ثم امتدت سريعاً كالنار في الهشيم في مصر، ليبيا، سوريا، اليمن والسودان الذي رفع شبابه سقف مطالبهم في العام 2019م بـ(تسقط بس)، وهو السقف الذي لم يدع حلولاً نصفية لنظام الحكم المخلوع، فكانت النتائج النهائية خلع الرئيس عمر البشير الذي أفقر شعبه إفقاراً (مقدعاً)، وجعله عاطلاً عن العمل بسبب توظيفه لكوادره بالولاء، وليس المؤهل والكفاءة، ومع هذا وذاك مارس كبتاً على الحريات الشخصية، الإعلامية، الصحفية والتضييق على المعارضين.
بينما نجد أن ذلك الواقع جعل شباب السودان يخرج في مظاهرات في الشوارع العامة والاعتصام في الميادين رغماً عن تنازلات الرئيس المعزول عمر البشير إلا أنها لم تكن مرضية، إذ أنه قام بحل الحكومة المركزية والولائية، وقطع وعوداً بالإصلاحات الاقتصادية والسياسية العاجلة.
وفي 11 أبريل من العام 2019م أعلنت قوات الشعب المسلحة الجيش خلع الرئيس عمر البشير وبدء مرحلة انتقالية لمدة عامين تنتهي بإقامة الانتخابات في البلاد إلا أن الثورة الشبابية كان لها كلمة ثانية إذ أنها أجبرت ابنعوف على التنحي، وإعفاء نائبه كمال عبدالمعروف، وتعيين البرهان رئيساً للمجلس العسكري الانتقائي وحميدتي نائباً له.