............................
في البدء لابد من الوقوف عند دعوة الديانة الإسلامية القائمة علي التأمل العميق، وأول من أمنوا بها تأملوها تأملاً عميقاً، تأملاً خالياً من الاندفاع والإتباع اللامنطقي، والعزف عن الوعي والتفكر فيها، فتلك رسالة عظيمة وإشارة واضحة وضوح الشمس وتحذير إلهي للإنسان أن لا يكون مجرد إنسان تابعاً لعقل إنسان آخر بلا منطق، ومن الإيمان أن يفكر الإنسان بعقله دون أن يحاول إلغاء هذه النعمة، متعللاً بالخوف أو عدم الفهم أو الاكتفاء بتفكير الاخر.
ومن ذلك المدخل وهذه البوابة أدلف مباشرة إلي تأمل بعض العقول التي يفكر بالإنابة عنها عقول أخرى دون قيد أو شرط، خاصة وأن هنالك أشخاص يعمدون إلي السيطرة التامة علي من هم مهيئين لأفكارهم، ومن ثم يملون عليهم اتخاذ قرارتهم المصيرية، أي أنهم يسعون إلى التحكم التام علي حياتهم في شتي مناحيها، ولا سيما فإن الأمر ليس محصوراً في نطاق الخصوم، بل يمتد حتى للشركاء ، مما يشكل ذلك إنساناً ضعيفاً غير قادر علي الانعتاق من الآخر الذي يفكر له بصورة ليست إستراتيجية، وهذا يعود إلي أنه يشعر أمام المسيطر عليه بالضعف وعدم القدرة علي التخلص منه، وبالتالي يحركه كيفما يريد وكيفما يشاء كقطعة (شطرنج)، وغالباً تندرج السيطرة في قوة المسيطر (مادياً)، والأمثلة كثيرة إلا أنهم يتجهون هذا الاتجاه السالب (جهلاً).
إن الشخصية غير المفكرة شخصية سلبية وتشكل عبء علي المجتمع، ودائماً تجدها تستخدم عبارات (النفاق) بإثارة المشاعر الإيجابية لدي الشخصية المسيطرة، فيما يحفز في نفوس متلقيها المشاعر السلبية، لأن عباراته قائمة علي (الكذب) و(التملق) قاصداً من ورائها تحقيق أهداف آنية أو وربما أهداف بعيدة المدي، وهنا تكمن خطورة من لا يفكر، إذ أنه قد يؤثر في بعض العقول، مما ينم عن ذلك قرارات ربما تكون مصيرية، وعليه يصبح (الجهلاء) هم من يقودون أصحاب الفكر والمعرفة بـ(المال) وحده، وهو قطعاً أحد الأساليب النافذة للسيطرة علي الآخرين في ظل الظروف الاقتصادية القاهرة التي يسعي في ظلها البعض لطلب الخدمة تلو الآخرى من أشخاص يسيطرون عليهم بمقابل أو دون، وكل من يرغب في السيطرة علي شخص ما عليه إلا أن يطلب منه مساعدته في شيء ما، وسوف يجتهد هو لتحقيق ما يصبو إليه، ولو كان ذلك أكبر من مقدراته الفكرية، إما إذا أردت أن تجعل مديرك معجباً بك ما عليك إلا أن تقلده وتقول عنه ما لم يقله مالك في الخمر أمام من يوصلون له حديثك عنه، فهذه الطريقة تدعك تحصل على قبوله، وتترك تأثيرك البالغ في دواخله، وذلك بعد أن يسجل عقله اللاواعي أنك تفهمه تماماً قبل أن يتفوه بكلمة واحدة، وتعتقد الدراسات أن محاكاة الأشخاص تمنحهم الشعور بالقبول وتقدير الذات والثقة في النفس، مما ينعكس عليهم إيجابياً.
ومما أشرت إليه، فإن هنالك أناس في المجتمع يفكرون بعقول المسيطرين عليهم الأمر الذي يدفعهم إلى عكس أفكارهم للآخرين والدفاع عنها باستماتة حتى لو كانوا غير مقتنعين بها، وهذا يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الشخص المسيطر ينتقص من قدرات من لا يفكر رغماً عن أن العقل فيه آفاق واسعة للتفكير ومفتاح لبصيرة الإنسان الذي يفكر إيجابياً، إلا أن من أقصدهم لا يدعون للعقل مجالاً للتفكير والخيال، لذا تجدهم يقعون في منعطفات محظورة ويتابعون المسيطر ويقصون أنفسهم عن التفكير في الحاضر والمستقبل، وحينما يخلون لأنفسهم لسان حالهم يقول : (أننا ظلمنا عقلونا بعد أن جمدناها بعدم التفكير وذلك بسبب البحث عن المال لدي الجلاء بسهولة)، ولكن متي يدركون هذه الحقيقة الماثلة أمامهم، وهل يستطيعون التخلص من السيطرة؟ الإجابة لا لأنهم استسهلوا جني المال بتلك الصورة وبالتالي كل واحد منهم يصبح ثرثاراً متقلباً بين (الموروث) و(المكتسب)، بين (المفترض) و(الواقع)، أي أنه يصبح إنساناً متناقضاً ودائماً ما يجد لسلوكياته السالبة مبرراً.
من المؤكد أن عدم إدراك الإنسان للسيطرة يضعه أمام (الخدع) أو (الحقيقة)، وفي كلا الحالتين تنتظره حياة لا يفعل فيها عقله بقدر ما يفعل فيها أفكار الشخصية المسيطرة عليه، مما يجعله عاجزاً عن الخروج من ذلك الحيز وغير قادراً علي التفكير بمحض أرادته، هكذا يمضي علي هدي من يفكر له، فالمفكر يقود والمسيطر عليه يقاد ربما إلى ما لا يعلم.