عاشت الطالبة (منار) في سعادة بعد أن حققت آمالها وأشواقها في كل مراحلها الدراسية، بما في ذلك إمتحان الشهادة السودانية، فما كان منها إلا وأقنعت والدها بأن يسمح لها بأن تشد الرحال من مسقط رأسها للالتحاق بالجامعة لمواصلة تحصيلها الأكاديمي في الخرطوم، وعندما أقتنع والدها أخطرت خالتها بذلك، فعبرت عن سعادتها بالفكرة إيماء سعادة، وحينما ازفت ساعة الصفر ستفت ملابسها في الشنط، ومنحها والدها مبلغا من المال يكفيها لإكمال إجراءات قيد اسمها ضمن الطالبات المقبولات في الجامعة، وشراء الأزياء، ومستلزمات دراستها، هاهي رغبتها مضت حسب ما خطط لها، إذ توجهت إلى موقف البصات السفرية، وغادرت مسقط رأسها إلى وجهتها الجديدة.
وما أن أكملت إجراءات قيد اسمها في الجامعة إلا وانتظمت في الدراسة بكلية (الطب)، وتعرفت من خلالها على زميلها (فيروز) القادمة أيضا من احدي الولايات السودانية، وأصبحت تداوم على دراستها، وكانت تولي تحصيلها الأكاديمي جل اهتمامها خاصة وأنها قطعت على نفسها عهدا بأن تواصل نبوغها.
وعلى خلفية ذلك بدأت تذاكر دروسها أولا بأول، وأثناء مراجعة المحاضرات بباحة الجامعة تفاجأت بشاب يقتحم خلوتها وزميلتها (فيروز)، ووجه خطابه إليها.
قال (عمر) : ظللت أراقبك شهرا تقريبا، فلاحظ أنك تركزي كل وقتك في كتابك.
قالت (منار) : لم أشاهدك.
قال (عمر) : دائما ما تجلسي مع صديقتك (فيروز) بعيدا عن الزملاء والزميلات، وها أنا آتيت لأعرفك بنفسي، فأنا أسمي (عمر) وأدرس في الصف الآخر، وبما أن زملائي وجدوني أكثر النظر إليك، فما كان منهم إلا أن طلبوا مني أن أكون شجاعاً، وأذهب للتعرف عليك، لذلك قصدتك عسي ولعل تقبليني صديقا لك.
فيما تنظرت (منار) اليه باستغراب شديد دون أن تعقب على ما ذهب اليه.
فما كان من (عمر) إلا أن يوجه إليها سؤالا ما رأيك في الاقتراح الذي وضعته على منضدتك؟
قالت (منار) : رأي في ماذا؟
قال (عمر) : فيما وضعت من اقتراح
قالت (منار) : للأسف أتيت إلينا، ونحن نستعد للذهاب إلى المنزل.
قال (عمر) : أود أن أعرف رأيك حول لقائي بك مرة ثانية؟
قالت (منار) : إذا جئت إلى هذا المكان غدا ستجدني حاضرة.
وانصرفت (منار) مع زميلتها (فيروز) من أمام الشاب (عمر) إلى زملائي سعيدا جدا بالإحساس المؤكد مبدئيا أنها قبلت به صديقا، وظل يعبر عما يجيش في دواخله من حب يكنه للطالبة (منار) لزملائه الذين شجعوه، فقالوا : أحسنت بايصال إحساسك إليها، وفي اليوم التالي أكد لهم بأن جفنه لم يغمض حتي الصباح، فقد كان يفكر فيها وفي جمالها قائلا : لم أشاهد جمالا مثل هذا الجمال طوال حياتي.
وتكرر المشهد في اليوم الذي جاء فيه (عمر ) في نفس الزمان والمكان الذي تجلس فيه الطالبة (منار) وزميلتها (فيروز) في الجامعة.
قالت (فيروز) : ما رأيك فيما ذهب إليه (عمر)؟.
قالت (منار ) : يبدو أنه صادق في إحساسه، أم ترى أنه لا يحبني؟.
قالت (فيروز) : هل لديك رأي آخر؟
لم ترد (منار)، إنما هامت بالتفكير في إحساس زميلها (عمر)، وظلت تقول في قرارة نفسها، هل هو فعلا مغرم بي، أم أنه أمر آخر؟، هكذا إلى أن دخلت في دوامه عميقة من التفكير، فهي لأول مرة تدخل ذاتها في اختبار عاطفتها فيما يتصل بفارس أحلامها، والذي ربما قرأت عنه في القصص والحكاوي ذات الصلة بالحب، العشق، الهيام، الغرام، المشاعر، الإحاسيس، العاطفة والحنان، إلا أنها ورغما عن ذلك لم تكن تضع في حساباته خوض هذه التجربة، ولم تكن تتخيل أن يبذر بذوره في أرضها الخصبة بهذه السرعة، ولا تدري ما الذي ستجنيه من ثمار في المستقبل، لذا لم يخطر ببالها نهائيا أن يشغل فارس أحلامها كل تفكيرها، فهي قبل أن يداعب الشاب (عمر) مشاعرها كان ينحصر جل اهتمامها في تحصيلها الأكاديمي، والوعد الذي قطعته مع نفسها بالاستمرار في نبوغها، لذلك لم تكن تتصور في يوم من الأيام أن يكون (الحب) من ضمن مقررتها في الحياة.
قالت ( فيروز) بينها ونفسها : اتمني صادقة أن يقتحم حياتي شابا مثل (عمر)، ويدغدغ مشاعري، ويحرك الحب الكامن في دواخلي، ويعبر صراحة عما يجيش في قلبه، وأن أكون كل محور اهتمامه، وقطعا سأكون أسعد إنسانة في الكون.
عندما قررت الطالبة (منار) فتح قلبها للشاب (عمر) لم يأت إلى الجامعة في ذلك، وحينما جاء لم يحرص على الالتقاء بها إلا في نهاية الدوام الدراسي، واكتفي بإلقاء التحية عليها، والذهاب إلى أصدقائه ليعكس لهم ما اسفر عنه طرقه باب زميلته (منار)، فما كان منهم إلا أن نصحوه بأن لا يمنحها إحساس إمكانية الاستغناء عنها، مما حدا بالطالبة (منار) أن تسأل نفسها لماذا لم يهتم بها، كما أهتم بها في ذلك اليوم الذي عبر من خلاله عن إعجابه بها، والذي بات محفورا في ذاكرتها، فلم تكف عن التفكر فيما طرح عليها، وأصبح يأخذ منها حيزا كبيرا، وأضحت هائمه في محيطه، وعندما التقت بزميلتها (فيروز) قالت : أنا على أهبة الاستعداد لخوض التجربة.
فما كان منها إلا أن عبرت عن سعادتها بما وصلت إليه صديقتها، قائلة : هل أنتي مهيأ للالتقاء به، والتحدث معه حول احاسيسك ومشاعرك؟.
قالت (منار) : نعم
فيما اخبرت (فيروز) زميلها (عمر) بما وصلت إليه صديقتها (منار)، فما كان منه إلا وعبر عن فرحته الغامرة، وأضحي يلتقي بها، ولا يفارقها إلا عند الذهاب إلى المنزل، ويظل على تواصل معها فيما تبقي من ساعات بالاتصالات الهاتفية، الرسائل النصية، الماسنجر والواتساب، ومع مرور الأيام تعمقت العلاقة بين (منار) وزميلها (عمر)، والذي أصبح يقضي جل أوقاته معها داخل الحرم الجامعي وخارجه.
المدهش في هذه القصة هو أن الطالبة (منار) قصدت زميلتها (فيروز) في يوم من الأيام، واخبرتها باستغراب شديد بأن شابا يدعي (جمال)، ويدرس في كلية الطب، جاء إليها وعبر عن إعجابه الشديد بشخصيتها، وقال : ظللت اراقبك من على البعد، فأنا أحبك حد الثمالة، لذا صبرت للوصول لهذه اللحظة، وبعد صراع مرير مع نفسي قررت مصارحتك بما يعتمل في دواخلي، فأنا أحبك حب لا استطيع وصفه.
قالت (فيروز) : ما رأيك في ذلك؟
قالت (منار) : لو كنت أملك إجابة لما حضرت إليك، ووضعت هذه المعضلة على منضدتك لمساعدتي للخروج من هذه (الورطة).
قالت (فيروز) : انصحك بالاستمرار مع (عمر) وأن تخبر (جمال) بأنك مرتبطة.
قالت (منار) : وضحت له هذه الحقيقة إلا أنه اصر إصرارا شديدا على موقفه، وقال : (مهما كلفني حبك من ثمن لن أتنازل عنه).
قالت (فيروز) : حاولي إقناعه بأنك على علاقة حب مع زميلك (عمر).
قالت (منار) : رفض فكرة ارتباطي بآخر، والإقتناع بما ذهبت إليه، لذا ظل يتواصل معي بصورة مستمرة، ويتصل بي هاتفيا، ويرسل الرسائل النصية، الماسنجر والواتساب دون أن يكل أو يمل.
قالت (فيروز) : هذا الأمر في غاية الغرابة.
عندما مضت أيام على طرق الطالب (عمر) باب زميلته (منار) إلا وطرأت على حياتها تغييرات.
قالت (فيروز) : ماذا فعلتي مع الحبيب الجديد؟
قالت (منار) : مازال على اتصال بي، واصبحت مضطره للتحدث معه لأنه قال : إذا تخليت عنه (سينتحر)، ويبدو أنه صادق في مشاعره واحاسيسه اتجاهي.
قالت (فيروز) : هذه الازدواجية في المشاعر والاحاسيس خطأ كبير، لذلك يجب أن تركزي مع (عمر) وتتركي(جمال) فورا.
ولم تأخذ (منار) بالنصيحة التي أزجتها لها صديقتها (فيروز)، والتي سألتها بعد مرور أيام من الحوار الذي دار بينهما، هل حسمتي مسألة مع من ترغبي في الاستمرار معه؟
قالت (منار) : نعم اتخذت قراري القاضي بترك (عمر)، والاكتفاء بخوض التجربة الحب مع (جمال).
قالت (فيروز) : لا يمكن أن تتخذي هذا القرار غير المنصف، خاصة وأن (عمر) بادر أولا بالتعبير عما يجيش في دواخله.
قالت (منار) : بعد تفكير عميق وجدت أن (جمال) متوافقا معي فكريا، والأنسب للمستقبل إذا ربنا وفقني في الاستمرار معه رغما عن علمي التام بأن (عمر) يحبني جدا.
قالت (فيروز) : ارتكبتي خطأ فادح بهذا القرار
قالت (م) : هذا القرار قائم على ميل قلبي إلى (جمال)، فلا تلوميني فيما لا أملك رغما عن إنني كنت أتمني صادقة أن يقع اختياري على (عمر)، والذي أبلغته بقرار التخلي عنه، فلم يصدق نهائيا بانني تنازلت عن حبه لصالح (جمال)، فقال : طالما أنك اختارتي (عمر)، فإنني أتمني صادقا بأن تكوني سعيدة في حياتك، ومن ساعتها أصبحت ألتقي بمن اختاره قلبي، وأنا سعيدة جدا معه خاصة وإنني اكتشفت أنه إنسان رومانسي جدا، وممتلي بالحيوية، ويجيد إيصال مشاعره واحاسيسه.
مرت الأيام، الشهور والسنين، فحان موعد التخرج من الجامعة، فقالت (منار) إلى حبيبها (جمال) : لابد من أن تأتي إلى أسرتي لخطبتي منها رسميا.
قال (جمال) : فاتحت والدتي في موضوع خطوبتي منك إلا أنها رفضت الفكرة على أساس أنها أعطت كلمة لخالتي بأن أتزوج ابنتها، ولكن سأحاول إقناها بك، ونتزوج بإذن الله.
قالت (منار) : تمام سأنتظر أسبوعين، ولكن عليك الإسراع بإقناعها، وعندما انتهت المهلة، سألته هل وصلت إلى نتيجة مع والدتك، لانني بعد أيام سأشد الرحل إلى منطقتي؟.
قال (جمال) : لم ترفض والدتي فكرة ارتباطي بك، إنما ترفض فكرة السفر إلى أهلك، لذلك قررت أن تتم خطبتي من ابنة خالتي.
قالت (منار) : هذه غلطتي نعم غلطتي، وسأتحمل تبعاتها المستقبلية، لانني لم احكم صوت العقل، بقدر ما انني حكمت قلبي، والذي قادني إلى اختيارك أنت بكل ضعفك وهوانك، فأنا الآن في غاية الندم كون انني اخترتك، وتخليت عن الإنسان الذي احبني حبا صادقا، وكان على استعداد لأن يضحي من أجلي.
عموما توجهت (منار) إلى زميلتها (فيروز)، وسألتها عن آخر مستجداتها مع حبيبها (جمال)؟
قالت (منار) : ليتني عملت بنصيحتك في اختياري لمن احب، فقد اتضح بأن (جمال) تتحكم في قرارته والدته، وليست لديه شخصية مستقلة.
قالت (فيروز) : هل معني هذا أنك ستعودي الى حبيبك الأول (عمر)؟
قالت (منار) : كنت اتمنى أن أكون جرئية في العودة إليه رغما عن علمي التام بأنه لن يقبل بعد أن تركته لصالح زميله (جمال)، فأي إنسان في مكانه لن تسمح له كرامته بأن يفعل.
قالت (فيروز) : دعي أمر (عمر) لي، فساخبره بما حدث معك من (جمال) عسى ولعل أن ينسي ما مضي، ويفتح معك صفحة جديدة.
قالت (منار) : حتى لو سامحني لن اسامح نفسي، لذلك ارجو أن لا تخطريه نهائيا، فأنا لا استحقه، وقررت الاستقر في مسقط، وأي إنسان يطرق بابي للزواج سأقبل به بدون تفكير، وفي الغالب الاعم سيطلبني احد أقاربي من البلد.
وفي الصباح اليوم التالي ستفت شنطها بملابسها، وودعت خالتها التي استضافها طوال سنوات دراستها بالجامعة، ثم توجهت مباشرة إلى الميناء البري، وطلبت من صديقتها (فيروز) أن ترسل لها الشهادة إلى العنوان الذي وضعته بطرفها.
وأثناء ما هي في الميناء البري تفاجأت بحبيبها السابق (عمر) يؤكد لها بأنه جاء إليها بعد أخبرته زميلتها (ف) بما حدث من زميله (جمال)
قالت (منار) : أخطأت في المفاضلة بينك وبينه، لذلك سأتحمل ما اقترفه قلبي لوحدي.
قال (عمر) : سأسامحك
قالت (منار) : اخطأت في حقك خطأ فادح لا يمكن أن أسامح نفسي عليه
قال (عمر) : يمكنني أن أسامحك
قالت (منار) : إذا فعلت أنت، فلن اغفر لنفسي مدي حياتي
قال (عمر) : كلنا خطأون وخير الخطأون التوابون، لذا أرجو أن لا تسافري.
قالت (منار) : سأسافر إلى منطقتي، ولن أعود لانني اتخذت قراري النهائي، ولا رجعه منه، وودعته وصعدت للبص السياحي.
قال (عمر) : تأكدي بانني مازلت احبك.
قالت (منار) : أتمني صادقة أن تبحث عن فتاة تشبهك، وتتوقف معك فكريا، فالحب لوحده لا يكفي.
قال (عمر) : لن اختار غيرك.
قالت (منار) : دعني اسافر، وربما أعود فيما بعد.
قال (عمر) : سانتظرك.
قالت (منار) : لا بأس سأعود، وأن عدت فإنني سأعود من أجلك.
عموما تحرك بها البص السياحي نحو مسقط رأسها، وبعد أن أمضت شهور عادت من منطقتها إلى الخرطوم، واتصلت بزميلها (عمر)، وعندما التقت به أكدت له بأنها عادت من أجله، وعبرت عن سعادتها كون أنه سامحها، وليكن في علمك أن زميلتي (فيروز) اصرت إصرارا شديدا على عودتي إليك.
قال (عمر) : ساشد الرحال إلى منطقتك لطلب يدك رسميا من أسرتك.
قالت (منار) : على الرحب والسعة، وقد هيأت والدتي، وتأكد تأكيد قاطع بانني نسيت زميلنا (ج)، ولم تعود له أي مساحة في دواخلي، وبت كأنني لا أعرفه، أو أنه مر في يوم من الأيام على حياتي.
ومن ذلك اللقاء الذي جمعه بحبيبته (منار) اتصل بزميلتها (فيروز)، وقال : سأسافر إلى منطقة زميلتك (منار) لخطبتها من أهلها، وسافرت (منار) وبعد أيام لحق بها (عمر)، وبعضا من أفراد أسرته، والتي خيرته في البقاء معهم أو أن يسافر إلى مسقط رأسه، فما كان منه إلا والتفت إلى زوجة المستقبل
فقالت (منار) : سأذهب معك إلى أي مكان تختاره، فأنا في النهاية زوجتك.
قال (عمر) : لولا عملي لكان عشت معك وسط اهلك، وكان أن أكمل مراسم زفافه، ثم عاد بزوجته إلى الخرطوم، وسكنت معه في منزل أسرته التي فرحت بها فرحا لا يوصف.