توثيق : سراج النعيم
لزم العملاق الموسيقار عبد الكريم الكابلي سرير المرض بالمستشفي بمقر إقامته بمدينة (فرجينيا) بالولايات المتحدة الأمريكية، فالرجل يمر بأزمة صحية، لذا ندعو له العلي القدير أن يلبسه ثوب الصحة والعافية، وأن يعود إلى جمهوره أكثر إبداعاً، فهو من أولئك الذين حفروا أسمائهم في دواخل الناس بأحرف من نور.
من جانبي ظللت ارسم تواصلاً مع الفنان الكبير المثقف عبدالكريم الكابلي قبل وبعد مغادرته للولايات المتحدة الأمريكية، وخلال ذلك أدرت معه حوارات شفيفة حول مسيرته الفنية، وحصيلته الثقافية في شتي مناحي الحياة.
متى عرفت أنك تحمل في دواخلك موهبة فنية في الغناء والتلحين؟
بدأت أكتشف موهبتي عندما كنا في المراحل الدراسية بالأناشيد، والتي أكد لي حولها أستاذي بالمدرسة أنه كان يقف أمام عدد من التلاميذ المختارين للكورال، فيسمع ﺻﻮﺗﺎً ﻧﺪﻳﺎً ينبعث ﻣﻦ ﺩﺍﺧﻞ الفصل، وكنت اعمل جاهداً على معرفة مصدر الصوت إلا أنني كنت اصمت، هكذا إلى أن تعرف على موهبتي، فما كان مني إلا ووقفت مع المجموعة المكون منها الكورال أمام زملائي بالفصل.
ما الإحساس الذي خالجك في تلك الأثناء؟
ﻟﻢ ﺃﻛﻦ ﺃﺩﺭﻙ ﻛﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻻﺣﺴﺎﺱ، ولكن ﺗﻌﻠﻤﺖ ﺑﻌﺪ ذلك كيفية العزف ﻋﻠﻰ (ﺍﻟﺼﻔﺎﺭﺓ) بشكل بارع جداً للدرجة التي عندما استمع فيها إلى أي لحن أعزفه بمهارة عالية بما في ذلك الألحان الأجنبية، وعلى خلفية ذلك أصبحت لي ﻓﻘﺮﺓ ﺛﺎﺑﺘﺔ ﻓﻲ المسرح المدرسي، واطرح من خلالها مقطوعات موسيقية في الاحتفالات.
كيف تعلمت العزف على آلة العود؟
بما أنه كانت تربطني صلة قرابة بالدكتور ﻣﺤﻤﺪ ﺃﺣﻤﺪ ﺧﻠﻴﻔﺔ الذي ﻳﻤﺘﻠﻚ والده ﺁﻟﺔ ﻋﻮﺩ كنا نغتنم فرصة غيابه من المنزل، ونعزف عليه، وكنت آنذاك بالصف الرابع في المرحلة الأولية.
وماذا بعد ذلك؟
استفدت من تجارب أساتذتي الكبار، فأصبحت أغني لزملائي.
هل واصلت في ذات الإطار؟
عندما خلصت دراستي تم توظيفي بالجهاز القضائي، فيما ظللت أغني ما بين الفينة والأخرى للأصدقاء، ولم أكن أفكر في ممارسة الغناء احترافياً خوفاً من نظرة المجتمع السالبة.
هل احترفت الفن بعد أن تغيرت نظرة المجتمع للفن؟
توفي والدي عليه الرحمة، وﻋﻤﺮﻱ وقتئذ ( 13 ﻋﺎﻣﺎً)، وبما أنني مازلت صغيراً تولي تربيتي ﻋﻤﻲ في مدينة سواكن، لذلك لم أفكر في احتراف الغناء تقديراً واحتراماً له، فاستمريت في وظيفتي بالسلطة القضائية إلى أن تعرفت على الفنان عمر الشريف صاحب الخامة الصوتية الجميلة، وتعاونت معه في عدد من الأغاني، ثم ألفت عملاً غنائياً للفنان عبدالعزيز محمد داؤود تحت عنوان ( ﻳﺎ ﺯﺍﻫﻴﺔ )، هكذا ظللت أألف في الأغاني إلى أن شددت الرحال إلى منطقة ( مروي )، وكتبت ﺍﻭﺑﺮﻳﺖ ( ﻣﺮﻭﻱ).
من المعروف أنك من أشد المعجبين ﺑﺎﻟﺮﺋﻴﺲ المصري الراحل ﺟﻤﺎﻝ ﻋﺒﺪﺍﻟﻨﺎﺻﺮ إلي ماذا تعزو ذلك الإعجاب؟
هذه الأحاسيس نابعة من أنه ظل ينادي بالقومية العربية، فألفت قصيدة تمجد الخط الذي اختطه إلى نفسه زعيماً : ( ﺃﻗﺒﻞ ﺍﻟﺼﺒﺎﺡ ﻣﺸﺮﻗﺎً، ﻭﺯﺍﻫﺮ ﺣﺪﺙ ﺍﻟﺒﻄﺎﺡ ﻋﻦ ﺯﻋﻴﻢ ﺯﺍﺋﺮ ﻋﺰﻣﻪ ﺭﻳﺎﺡ ﻣﻠﻬﻢ، ﻭﺛﺎﺋﺮ ﺃﺳﻤﺮ ﺍﻟﻮﺷﺎﺡ ﻭﺃﺳﻤﻪ ﻧﺎﺻﺮ)، وكان أن وضعت لها لحناً، وعندما زار السودان في العام 1960م ﻟﺤﻨﺖ أيضا قصيدة ( ﺁﺳﻴﺎ ﻭ ﺃﻓﺮﻳﻘﻴﺎ )، ولم أكن أود أن أقدمها بصوتي ﺍﻻ ﺃﻥ ﺍلأﺳﺎﺗﺬﺓ بوﺯﺍﺭﺓ ﺍﻻﺭﺷﺎﺩ ﺍﻟﻘﻮﻣﻲ حثوني بإصرار شديد على تقديمها بصوتي، وكان أن استجبت لهم مقدما للأغنية من على خشبة ﺍﻟﻤﺴﺮﺡ ﺍﻟﻘﻮﻣﻲ، وهي كانت إطلالتي الأولي في عالم الغناء، وﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻨﺎﺻﺮ.
هل بعد ذلك الظهور واصلت في الغناء؟
نعم تلك الإطلالة حفزتني على الاستمرارية حيث أنني في نفس العام بدأت ﺍﻟﺮﺣﻼﺕ الفنية، وكان أن سافرت إلى إنجلترا، والتي سبقني إليها الفنانين الراحلين أحمد المصطفي وعثمان حسين.