......
انضمام الصديق الفنان الراحل محمود عبدالعزيز للحركة الشعبية جاء عبر استقطابه من طرف ياسر عرمان كما تطرقت للمحادثة الهاتفية التي دارت بينه والدكتور الراحل جون قرنق من واقع أن (الحوت) كان واضحاً في خوض التجربة السياسية مؤكداً أن أسباب الانضمام للحركة الشعبية نابعة من الطرح الثقافي والفني في برنامجها عقب توقيع اتفاقية نيفاشا.
وقال لي الأسطورة محمود عبدالعزيز : (لماذا لا انضم للحركة طالما أن الدكتور جون قرنق أكد تحول الحركة المسلحة إلى حزب)، وعندما التمس الحوت أن الحركة لم تف بما وضعته علي منضدته لم يتوان ولو لكسر من الثانية في إعلان انسلاخه منها، مشيراً إلى أنها حادت عن طرح قرنق الوحدوي، وهو الطرح الذي قاده للإقدام على الانسلاخ منها، لأنه كان يحلم بتوحد شطري السودان الشمالي والجنوبي، ولم يكتف بالحلم، بل حث شعرائه على تأليف نصوص غنائية يترجم بها ما يصبو إليه على أرض الواقع إلى جانب أنه شجع شعب الجنوب علي السعي الحثيث للوحدة من خلال الأغاني التي ألفها فكانت أغنية (في مدينة جوبا) و(يا جونقلي حاشا ما نسوك)، وهما الأغنيتين اللتين قام بتصويرهما مخرج الروائع شكر الله خلف الله، وتم بثهما من علي شاشة تلفاز السودان، وقد وجداً تفاعلاً كبيراً، ولكن رغماً عن التزام الفنان محمود عبدالعزيز بالفكرة إلا أن الحركة الشعبية كانت تهدف من استقطابه لكسب ود جماهيريته العريضة، وبالتالي قرر الانسلاخ نهائياً وترك الحركة الشعبية بعد أن خيبة آماله، ويقول : (الحركة الشعبية لم تكن بحجم الطموح، ولم تنفذ البرنامج الذي رفعت شعاره خاصة فيما يخص الأنشطة الاجتماعية والثقافية والفنية).
وأكتسب الحوت في السياسة تميزاًَ ونجاحاً كبيراً، وظهر ذلك من خلال الانضمام للحركة الشعبية، والتي حينما تجاوزت الفكرة المرسومة في مخيلته رفض الفكرة نهائياً معلناً عدم رجوعه إليها، ولم يحدد وجهته الحزبية، فيما كثف نشاطاته السياسي من أجل وحدة السودان، وأكد الحوت أنه من الاستحالة أن يكرر التجربة السياسية، لأنه يدرك جيداً أن الانتماء السياسي يتطلب تنفيذ الشعارات على أرض الواقع، وهو ما لم تفعله الحركة الشعبية، وذلك لعدم إنزال البرنامج على أرض الواقع، مما قاد الإخوة الجنوبيين لاختيار الانفصال عن الشمال.
وبهذا الوضوح أصبح الفنان الراحل محمود عبدالعزيز فارساً يشق أزمنة جاء إليها من حي (المزاد) بالخرطوم بحري ليذيع صيته في كل أرجاء السودان الذي أحبه، فعمل له بكل وفاء وإخلاص من أجل أن يظل موحداً، ويسنده في ذلك وعي فكري، فجاءت إبداعاته كالأمطار التي ارتوت بها الحركة الفنية من خلال نصوصه، الغنائية، ألحانه وموسيقاه، والتي تمثل صولجان يحمل به السحر الذي لا يعرفه سوي جمهوره الذي ظل يشد من أزره في أحلك الأوقات، فلم يخيب ظنهم معلناً منذ الوهلة الأولي عن وجود إنسان قبل أن يكون فنان كبير، وإنسان هذه لأنه كان كسحابة بيضاء تحلق لترسم في صدر السماء مكانة لنجم جديد، فازدهر كنخلة باسقة بالحب والأمنيات.
أينما حط الحوت رحاله تحتشد حوله أسراب العصافير والحمام مترجماً بوضوح شديد دلالة أن تكون الأغنية منسجمة مع روح العصر ومواكبة مع آفاقه، وكل متغيراته البيئية والمناخية، مما جعل جيوش العشاق تردد حكايات وأنغام هذا الفنان الأسطورة الذي لا يساوم بحفنة جنيهات رغماً عن تأكيد شهرته، وبرزت نجوميته في الفضاء الواسع ليكون بهذا امتداداً طبيعياً لكبار الخالدين واضعاً حداً للتأويل والتشكيك، وكان يجابهها بالصمت، ويعمل ويدع الآخرين يتحدثون ويطلقون حوله الشائعات المغرضة، وأن كنت لا أري ثمة أي أسرار أو تكهنات، إنما هي الصدمة الغنائية، فتعالوا معي لكي نواصل تقلب صفحات وصفحات من رحلة سفير الأغنية السودانية أو فنان الأجيال).
وواصلت سلسلة حواراتي حيث سألته عن انضمامه للحركة الشعبية ألا تعتقد أن هذه الخطوة قد تخصم من رصيدك لما تلاقيه من محبه؟ فقال : (كما أسلفت فإن الحركة الشعبية رفعت في بادئ الأمر شعارات، وهذه الشعارات حسبت أنها ستكون دافعاً للوحدة، والتي عملت من أجلها في القطاع الثقافي، ولكن الحركة الشعبية لم تلتزم بالفكرة التي طرحها على الدكتور جون قرنق.
وفي رده على سؤال طرحته عليه بكل صراحة كيف تنظر للفنان الذي يغني للأنظمة السياسية والأحزاب؟ قال : (بكل تأكيد لا أري غضاضة في أن يتجه الفنان على هذا النحو خاصة إذا كانت قناعته السياسية هي التي دفعته في هذا الاتجاه، فالفنان في النهاية إنسان يعبر عن ذاته، وينتمي لما هو يعتقد فيه خيراً لأبناء وطنه، وعندما أنضممت للحركة الشعبية كنت أهدف للوحدة، لذا عندما لم تحققها الحركة انسلخت منها.
مما ذهبت إليه مسبقاً وجهت دفة حواري مع الفنان الراحل حول رؤيته لمستقبل الفنان السياسي؟ فقال : (الفن ليس بمعزل عن السياسة، والفنان السياسي يجب أن ينحصر تفكيره في خدمة الإنسانية بحكم أنه مؤثر في جمهوره على الأقل مع التمسك بفكرته القومية، فالتجارب الحزبية أثبتت فشلها، والدليل على ذلك الأثر العميق الذي خلفته الحركة الشعبية سلبياً في المجتمع إن كان في شمال السودان أو جنوبه في عدم تطبيقها للشعارات التي يستفيد منها إنسان الجنوب.
🛑 Awtar Alaseel news https://www.facebook.com/groups/sraj2222/
🛑 alarisha news
http://alarisha.net/wp-admin/customize.