........
*الثقاه /سراج النعيم*
.......
يعتبر الدكتور الإعلامي المخضرم عمر الجزلي علماً في ذاكرة المتلقي، الذي يحفظ له تاريخ حافل بالبذل والعطاء الذي استمر أكثر من (50) عاماً، إذ أنه خلد إسمه ببرنامجه (أسماء في حياتنا)، والذي سجل من خلاله أكثر من (2500) حلقة مع شخصيات عظيمة جداً أمثال محمد مفتاح الفيتوري، عوض الله صالح، الرئيس الراحل جعفر محمد النميري، الشيخ أبوزيد، الشاعر المصري عبدالرحمن الابنودي، الأمير محمد الفيصل، أحمد المصطفي، الصادق المهدي، عون الشريف قاسم وآخرين، أي أنه ظل يوثق في كل المجالات في السياسة، الأدب، الثقافة، الفن، العلوم، والفكر.
وبما أنه ظل يوثق، فكان من الضروري التوثيق له تحفيزاً لأجيال تأتي من بعده، ويمتاز الجزلي بالوفاء، الإحترام والتقدير لكل الإعلاميين بلا أستثناء، ويطلق الأستاذية على الكبير والصغير في العمل الإعلامي، لذلك أهتم بالبرامج الوثائقية ووثق حتي للأغاني من خلال برنامج (أغنياتي وذكرياتي)، بالإضافة إلى التوثيق في ذاكرة الأمة السودانية (أسماء في حياتنا)، والذي وثق من خلاله للسياسيين، رجال الدين، الثقافة، الفكر، الفن، الأدباء، الشعراء، الفنانين، الموسيقيين والإعلاميين، وبالتالي يحق أن ينحت له تمثال في قلب الإذاعة السودانية، لأنه حفر اسمه عبر التاريخ، فالجيل الذي جاء فيه الجزلي هو درته، وظل حاضراً في ذاكرة الأجيال المتعاقبة، فهو مازال بنفس النشاط، الدأب، الهمة، الحماس والإيمان بالقضية، وأعتقد أن الرمزية في عمر الجزلي هي التي جعلت كل منا يحس إحساس مختلف لأنه ربط بين جيلين مختلفين في الإذاعة والتلفزيون، ومارس التقديم، الأداء، الإعداد والإخراج، وبالتالي خلد أسماء ضمن المبدعين الذين وثق لهم من خلال برنامج (أسماء في حياتنا)، فالدور الذي لعبه في مسيرة الدكتور الفنان الراحل عثمان حسين دوراً كبيراً بحيث استطاع استعادة أغنياته من جديد، بالإضافة إلى أحمد المصطفي، إبراهيم عوض، التاج مصطفى، عبدالعزيز محمد داوؤد وسيد خليفة، وعليه فإن وجود عمر الجزلي كان سبباً رئيسياً في صناعة النجوم، وظل يواصل إبداعه الإعلامي.
يعد عمر الجزلي رمز شامخ في حياتنا، واختيار برنامج (أسماء في حياتنا)، اختيار له دلالات ومعاني خاصة وأنه افني زهرة شبابه في الحركة التوثيقية من خلال الإذاعة والتلفزيون حتى أنه أصبح متمكناً في هذا الجانب الذي أضحي فيه خبيراً لا يشق له غبار، بالإضافة إلى أنه صاحب صوت متميز بكل أبعاده، ويجيد انتقاء المفردات المعبرة على مدي أكثر من (50) عاماً، واستطاع أن يواصل مشواره حتى أصبح ذاكرة في خارطة المجتمع السوداني، فالجزلي قمة من القمم الإعلامية في بلادي، قمة لا تخطئها العين لأنه قدم الكثير للإعلام السوداني، ولقبيلة المبدعين بصورة عامة، فهو قدم عبر الأثير المرئي والمسموع أهل السياسة، الاقتصاد، المجتمع، الثقافة، الفن والفكر، بالإضافة إلى أنه ظل يقدم النشرات الإخبارية بصوته المميز ولغته السليمة.
بينما تذكرني نبرات صوته بالشخصية العظيمة عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين خاصة حينما يقرأ نشرات الأخبار، فلصوته نكهة خاصة ومميزة.
*هل كنت تخطط لأن تكون مذيعاً بالإذاعة والتلفزيون؟*
لم أكن أفكر على الإطلاق أن أصبح مذيعاً، بل كنت أود أن أصبح ضابطاً في قوات الشعب المسلحة، هكذا كنت أحلم لدرجة أنني قدمت أوراقي للكلية الحربية إلا أن مشيئة الله جاءت هكذا، أي أنها قادتني إلى اكتشاف موهبتي الإعلامية عبر الأجهزة الإعلامية في العام 1967م حيث اجتزت معاينات الالتحاق بالإذاعة من خلال الوقوف أمام لجنة الأساتذة محمد خوجلي صالحين، يس معني، عبدالرحمن الياس ويوسف محمد العبيد.
من هم الإذاعيين الذين سبقوك على *مايكروفون الإذاعة السودانية؟*
سبقني الأساتذة عبدالكريم قباني، أيوب صديق وخليل الشريف.
*كيف بدأت مشوارك الإذاعي؟*
بدأت من خلال النشرات الإخبارية، ثم اتجهت إلى تقديم البرامج وأولها (كلام والحان)، (مسرح الفنون) و(سبعة في سبعة)، والأخير كانت تقرأ مقدمته الإذاعية الراحلة ليلي المغربي.
*متي اتجهت إلى الشاشة البلورية؟*
بعد أن ثبّت أقدامي في الإذاعة السودانية، وأصبحت متبحراً في العمل الإذاعي، والذي طلب مني في إطاره البروفيسور علي شمو مدير التلفزيون القومي آنذاك أن أعمل معهم في تقديم البرامج التلفزيونية في العام 1969م، وكان أن استجبت له فوراً، وأول برنامج قدمته حمل عنوان (بريد المشاهدين) مع أول مذيعة تلفزيونية (رجاء أحمد جمعة)، وعندما حقق هذا البرنامج نجاحاً أسندت إلى إدارة التلفزيون تقديم برنامج (سفر الخلود)، (خمسة فيديو) و(مشوار السهرة)، بالإضافة إلى قرأت النشرات الإخبارية، وأتذكر عندما توفي الرئيس المصري أنور السادات كنت أراجع في نشرة الأخبار بحديقة الإذاعة، وعندما انتهيت منها دخلت الاستديو لقراءة النشرة إلا أنني تفاجأت بنسيان أوراق النشرة في حديقة الإذاعة الأمر الذي اضطرني إلى قراءة النشرة من ذاكرتي.
*كم عدد البرامج الإذاعية والتلفزيونية التي قدمتها طوال مسيرتك الإعلامية الحافلة؟*
أكثر من (50) برنامجاً أشهرها برنامج (أوتار الليل) الذي يبث عبر اثير الإذاعة، والذي كنت أطرح من خلاله مواضيع حول الثقافة، الفكر، الأدب والفن، بالإضافة إلى برنامج (أغنياتي وذكرياتي).
*ماذا عن البرامج التلفزيزنية؟*
قدمت عبر التلفزيون عدد من البرامج في مقدمتها (الكاميرا تدور)، (سفر الخلود)، (خمسة فيديو)، (صور وأحداث) و(أغنيات للوطن) إلى جانب سلسلة حلقات من الولايات المتحدة الأمريكية مع عدد كبير من أعضاء الجالية السودانية، وبعض الجاليات العربية بواشنطن، وتناولت من خلالها الهجرة وهموم المهاجر.
*من هم أبرز نجوم الفن الذين وثقت لهم تلفزيونياً؟*
في العام 1979 وثقت إلى عميد الفن السوداني أحمد المصطفي، عثمان حسين، إبراهيم عوض، حسن عطية، التاج مصطفي وعبدالكريم الكابلي.
*هل وثقت لشعراء وفنانين عرب؟*
نعم وأبرزهم الفنانين المصريين الراحلين العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ، فريد الأطرش والشاعر الكبير عبدالرحمن الابنودي.
ماذا عن أسرتك؟
أسرتي امدرمانية ووالدي كان رجل أعمال، وله دور في حركة الاقتصاد السوداني، والذي كان يرتكز بالإضافة إليه إلى محمد أحمد البرير، حاج الشيخ عمر وعبدالله رحمة الله، والذين كان لهم مجلس للصلح بين الناس.
*ما هي الأسباب التي استدعتك للهجرة لأمريكا؟*
سفري لأمريكا نابع من أن معاناتي في السودان تفاقمت بشكل لا يطاق، إذ انني كنت أتعرض للظلم باستمرار، مما قادني للتفكير في الابتعاد عن جمهوري ووطني الذي أحبه حد الثمالة، وتزامن ذلك مع انتقال والدتي للرفيق الاعلي، وهي من وهبت لها كل عمري، وعندما توفيت إلى رحمة مولاه تخالجني إحساس بانني أصبحت إنساناً وحيداً، بعد أن فقدت الحبيبة، الصديقة والسند الذي أستند عليه نفسياً وروحياً، وبما أنها لم تعد موجودة قررت الهجرة إلى أمريكا للحاق بأبنائي الأعزاء محمد، عمار وصلاح الذين كانت توصيني بالذهاب إليهم للإقامة معهم، إلا انني كنت أرفض رفضاً باتاً الفكرة على أساس أنها كانت كل شيء في حياتي، وبالتالي لم أكن على أستعداد لأن أتركها خلفي، وأسافر إلى أبنائي في الولايات المتحدة الأمريكية.
*كيف يعيش الجزلي تجربة المرض في أمريكا؟*
تجربة مرضي من أصعب التجارب التي مرت على حياتي، وامتدت لسنوات طويلة، ولكن اكتشفت من خلالها أن الله المولي عز وجل سهل لي السفر إلى أمريكا لما ظللت أعاني من آلام في غاية الخطورة، ولم أكن أضعها في حساباتي، وأغلبها تطلب تدخلاً جراحياً عاجلاً ودقيقاً، وأنا أنتظر ما يقرره الأطباء الأمريكان، والذين تعددت تشخيصاتهم لحالتي الصحية، لذلك قررت عدم السماح للأطباء بالتدخل في جسدي جراحياً حتي أتمكن من العودة إلى مسقط رأسي الذي أحبه من كل قلبي.
كيف تنظر إلى وقفة أسرتك معك في فترة مرضك؟
لولا أسرتي، أبنائي وزوجتي (عواطف) لما استطعت أن أتابع علاجي الذي لم يكتمل حتي اليوم، فمازلت في إنتظار إجراء بعض العمليات الجراحية.
*ما هي الأسباب التي أدت إلى إيقاف برنامج (أسماء في حياتنا)؟*
من المؤسف أن إيقاف برنامجي التوثيقي تم في عهد تلميذي لقمان أحمد مدير الفضائية السودانية، فالبرنامج قبل وصوله لإدارة تلفاز السودان كان يبث بإشراف الأستاذ يس إبراهيم، ومن ثم الأستاذ السر السيد، والأخير كان يتصل بي هاتفياً لإشراكي في اختيار الحلقات، وأخر حلقات تم بثها كانت الأستاذ محجوب محمد صالح والفنان عبدالكريم الكابلي، كما لم يمنح الكابلي استحقاقه المالي لحلقات أجرتها معه الأستاذة الإعلامية سهام العمرابي.
*وماذا عن لقمان أحمد؟*
كنت أستاذه منذ أن كان طالباً بجامعه امدرمان الإسلامية، ودربته على العمل التلفزيوني من خلال إشرافي المباشر له كسائر الإعلاميين الذين مازالوا يكنون لي كل الإحترام والتقدير.
*ما هي وجهة نظرك في الفضائية السودانية بعد أن تولي إدارتها الإعلامي لقمان أحمد؟*
يجب رفع الظلم الواقع على الإعلاميين في التلفزيون القومي، والذي بذلوا من أجله الغالي والنفيس، وذلك يعود إلى أنهم أحبوا العمل فيه، لذلك يستحقون التكريم، اما بالنسبة للبرامج المبثوثة عبر تلفاز السودان، فلن اقيمها فهو أمر متروك للمتلقي الحصيف.
*ما الذي دار بينك والدكتور عبدالله حمدوك رئيس الوزراء؟*
لقائي بالدكتور عبدالله حمدوك كان لقاءً طيباً ودوداً منه، ومن اركان حربه حيث طلبوا مني العودة للوطن، والمشاركة الفاعلة في بناء الوطن.