دائماً ما تكون بداية الحياة الزوجية جيدة إلى حد ما إلا أنها ومع مرور
الأيام يشير طرف منهما إلى أنه شرب المقلب ولم يكن يتصور أن التجربة كما رسمها في
خياله، وغالباً يبدر هذا الحديث من السيدات اللواتي يؤكدن أن الأزواج الذين التقوا
بهم في بداية الارتباط سيكونون على ذلك النسق إلى أن يفرق بينهم الموت، ولكن
العوامل المحيطة بهم ومشاغل الحياة اليومية كفيلة بأن تغير فيهم، ويصبح الإهمال
ليس كما كان في السابق.
وفي هذا السياق تقول احدي الزوجات كنت أعتقد أن الحياة الزوجية في سائر
أنحاء العالم تمضي وفقاً لما اعيشها لدرجة إنني استسلمت للوضع الطبيعي لها، وعلى
خلفية ذلك اقتنعت بشكل قاطع أن كل السيدات يشاركن أزواجهن في رسم المستقبل بالصورة
التي تروق له ، ومع هذا وذاك لم أكن أضع في حساباتي أي رغبات شخصية، بل كان أكبر
همي أن يحقق هو ما يصبو إليه، لذا لم أكن أطلب منه شيئاً، ولم يكن هو يسألني عن
رغباتي، وبالتالي كنت أدور في فلكه، فيما يدور هو حول محيط عمله واهتماماته
الآخري، ورغماً عن ذلك عجز أن يحتويني بالحب والحنان الذي صبرت في إطاره سنوات
وسنوات، وعندما لم أحظى به اضطررت إلى طلب الطلاق.
ومما ذهبت إليه من نموذج، فإن نظرة المجتمع للسيدة المطلقة تظل نظرة سالبة،
لذا نجد أن هذه النظرة الدونية تخيف وترعب المرأة من الأقدام على طلب الانفصال
الذي بعده تحصل بامتياز على لقب (مطلقة)، مما دفع الكثير من الحرائر إلى تفضيل
البقاء في المؤسسة الزوجية على أن ينفصلن انفصالاً صامتاً أو انفصالاً اكلنيكياً،
وهو ما انطبق على حالة زوجة أكدت لي أنها ظلت تعيش مع زوجها حياة خرصاء منذ سنوات،
وخلال هذه السنوات يعيش هو قصصاً من الحب وفي كل قصة كنت أعرفها أثور ثورتي، إلا
أن الحال بقي كما هو مما اضطرني لطلب الطلاق، فما كان منه إلا وقطع صلته بهن ، لذا
صرفت النظر عن الفكرة فلا يمكن أن أعود إلى منزل أسرتي في هذه السن، عموماً أصبحنا
نعيش غرباء تحت سقف واحد وذلك من أجل أبنائنا.
من المعروف أن للحياة الزوجية عدداً من الوجوه، وهذه الوجوه لا يدركها إلا
الزوجين اللذين إذا توافقا في الأفكار فإن العلاقة بينهما تستمر بكل ما فيها من
تلقبات، إما إذا حدث العكس فإن الصورة المرسومة في المخيلة لا تكون تلك الصورة
المثالية.
ربما تكون هنالك سيدة قوية في شخصيتها، وناجحة في حياتها العملية إلا أنها
تشكو أيضاً من عدم إهتمام زوجها بها، ورغماً عن ذلك لا تؤيد فكرة الانفصال من
زوجها الذي تعتقد أنه ليس زوجاً سيئاً بالمفهوم العميق، هكذا كانت تقول في قرارة
نفسها على اساس أنه لا توجد زوجة سعيدة في حياتها ، وكلهن يصبرن من أجل تربية
الأبناء الذين لا ذنب لهم، كما أن المرحلة التي وصلا إليها بعد استنفاذ كل محاولات
تدخل الوسطاء، وإدارة الحوارات مع الأهل والأصدقاء تأتي بعد تأزم الموقف بينهما ، ووصلا
إلى نقطة اللاعودة، وعليه يجد الزوج نفسه أمام خيار واحد لا بديل له سوى الانفصال.
إن مفهوم المؤسسة الزوجية تأثر كثيراً في ظل التطور التقني الذي افرزته
(العولمة) ووسائطها المختلفة، والتي أضحت تشكل هاجساً لعدم الوعي بالاستخدام
السالب لها ، الذي بدوره تسبب في عدم إدراك السيدات خطورة التواصل الإجتماعي مع
الغرباء، مما يجعلهن يعيشن في عالم افتراضي لا صلة له بالواقع، وأغلب حالات الطلاق
مؤخراً ناتجة عن الاستمرار في حياة تشبه
العدم، وذلك للحفاظ فقط على هيكل الحياة، أو العودة
إلى قبل التأسيس للحياة الزوجية، والبحث عن المستقبل المحكوم بنظرة المجتمع
السالبة للسيدة المطلقة التي تتعرض للإيذاء النفسي في المحيطين الأسري والمجتمع
مما يضيق عليها خيارات ما تأمل فيه من مستقبل قد يصبح من المستحيل الوصول إليه،
وبالتالي فإن التفكير بهذه الصورة يقود إلى الاستنزاف نفسياً وجسدياً.
آخر المرسم
مما لاشك فيه فإن (الفساد) بصورة عامة وعلى وجه الخصوص الإقتصادى استشري في
ظل نظام الرئيس المخلوع عمر البشير الذي لم يكتف بالممارسة، بل عمد إلى حماية من
افسدوا في البلاد، إذ جمع بعض الوزراء، الموظفين، التنفيذيين والدستوريين بين
الوظيفة والتجارة والسمسرة في الأموال العامة خاصة من ينتمون إلى النظام البائد
الذي أفقر الأثرياء واثري الفقراء بالسياسات الإقتصادية المفتقرة للقيم، الأخلاق،
المعايير والمقاييس، وفي ظل تلك الأجواء وجد المنتفعين ضالتهم من خلال واجهات
تنظيمية سياسية تدعي في بادئ الأمر معارضتها، ومن ثم تتأقلم مع الفاسدين ، وكل ذلك يجري تحت غطاء خدمة الوطن
المفتري عليه ثلاثين عاماً متصلة، وخلال هذه الثلاثة عقود انشئوا المؤسسات،
الشركات والمصارف المسهلة لهم إيداع الأموال العامة في خزائنهم، إذ أنهم كانوا
يستغلون السلطات الممنوحة لهم وكافة التسهيلات في إطار المصالح الشخصية المتبادلة،
وبالتالي لا ضرائب أو جمارك أو أى رسوم يدفعونها لخزينة الدولة، مما جعل الشعب
السوداني منهكاً من التلاعب بأبسط مقومات حياته المعيشية اليومية إذ أنهم باتوا
يسيطرون على السلع الاستهلاكية الضرورية المنفذة للحياة، ويتلاعبون بها كيفما
يشاءون وكيفما يريدون.
ومما ذهبت إليه ظهرت أسماء في الأوساط السودانية دون سابق إنذار كرجال
أعمال ومستثمرين لم يعرف عنهم أو أسرهم هذا الثراء الفاحش الذي فاحت رائحته لدرجة
أنه اذكم الأنوف، وأمثال هؤلاء طبقة طفيلية وجدت الأرض خصبة لبذر بذور فسادها الذي
قضي على الأخضر واليابس، وبالتالي لم يترك بنية تحتية للاقتصاد يمكن أن ترتكز
عليها الحكومة الانتقالية خلال فترتها المحددة بثلاث سنوات، وأن كنت أرى أنها ليست
كافية لإنجاز مهمتها بالغة التعقيد، لذا يجب الصبر عليها بقدر ما صبرنا على نظام
الرئيس المخلوع عمر البشير طوال الثلاثة عقود الماضية التي تلاعب من خلالها
بالقروض الخاصة بالمواد البترولية، وإستيراد القمح والدقيق للمستهلك السوداني الذى
عاني معاناة شديدة من الأزمات المتوارثة وهي أزمات انتجها النظام البائد، لذا لا
تحملوا الحكومة الانتقالية فوق طاقتها، لذلك لا تشغلوها عن وضع البرامج المعالجة
للإشكاليات المتراكمة منذ ثلاثين عام تجاوزوا في إطارها كل ما هو في الإمكان، إذ
أنهم حولوا الدولارات من البلاد للخارج تحت غطاء الاستيراد والتصدير، والذى يتم في
ظله منحهم لها بأقل مما هو مطروح في السوق.