الاثنين، 18 نوفمبر 2019

سراج النعيم يكتب : الانفصال الصامت


دائماً ما تكون بداية الحياة الزوجية جيدة إلى حد ما إلا أنها ومع مرور الأيام يشير طرف منهما إلى أنه شرب المقلب ولم يكن يتصور أن التجربة كما رسمها في خياله، وغالباً يبدر هذا الحديث من السيدات اللواتي يؤكدن أن الأزواج الذين التقوا بهم في بداية الارتباط سيكونون على ذلك النسق إلى أن يفرق بينهم الموت، ولكن العوامل المحيطة بهم ومشاغل الحياة اليومية كفيلة بأن تغير فيهم، ويصبح الإهمال ليس كما كان في السابق.
وفي هذا السياق تقول احدي الزوجات كنت أعتقد أن الحياة الزوجية في سائر أنحاء العالم تمضي وفقاً لما اعيشها لدرجة إنني استسلمت للوضع الطبيعي لها، وعلى خلفية ذلك اقتنعت بشكل قاطع أن كل السيدات يشاركن أزواجهن في رسم المستقبل بالصورة التي تروق له ، ومع هذا وذاك لم أكن أضع في حساباتي أي رغبات شخصية، بل كان أكبر همي أن يحقق هو ما يصبو إليه، لذا لم أكن أطلب منه شيئاً، ولم يكن هو يسألني عن رغباتي، وبالتالي كنت أدور في فلكه، فيما يدور هو حول محيط عمله واهتماماته الآخري، ورغماً عن ذلك عجز أن يحتويني بالحب والحنان الذي صبرت في إطاره سنوات وسنوات، وعندما لم أحظى به اضطررت إلى طلب الطلاق.
ومما ذهبت إليه من نموذج، فإن نظرة المجتمع للسيدة المطلقة تظل نظرة سالبة، لذا نجد أن هذه النظرة الدونية تخيف وترعب المرأة من الأقدام على طلب الانفصال الذي بعده تحصل بامتياز على لقب (مطلقة)، مما دفع الكثير من الحرائر إلى تفضيل البقاء في المؤسسة الزوجية على أن ينفصلن انفصالاً صامتاً أو انفصالاً اكلنيكياً، وهو ما انطبق على حالة زوجة أكدت لي أنها ظلت تعيش مع زوجها حياة خرصاء منذ سنوات، وخلال هذه السنوات يعيش هو قصصاً من الحب وفي كل قصة كنت أعرفها أثور ثورتي، إلا أن الحال بقي كما هو مما اضطرني لطلب الطلاق، فما كان منه إلا وقطع صلته بهن ، لذا صرفت النظر عن الفكرة فلا يمكن أن أعود إلى منزل أسرتي في هذه السن، عموماً أصبحنا نعيش غرباء تحت سقف واحد وذلك من أجل أبنائنا.
من المعروف أن للحياة الزوجية عدداً من الوجوه، وهذه الوجوه لا يدركها إلا الزوجين اللذين إذا توافقا في الأفكار فإن العلاقة بينهما تستمر بكل ما فيها من تلقبات، إما إذا حدث العكس فإن الصورة المرسومة في المخيلة لا تكون تلك الصورة المثالية.
ربما تكون هنالك سيدة قوية في شخصيتها، وناجحة في حياتها العملية إلا أنها تشكو أيضاً من عدم إهتمام زوجها بها، ورغماً عن ذلك لا تؤيد فكرة الانفصال من زوجها الذي تعتقد أنه ليس زوجاً سيئاً بالمفهوم العميق، هكذا كانت تقول في قرارة نفسها على اساس أنه لا توجد زوجة سعيدة في حياتها ، وكلهن يصبرن من أجل تربية الأبناء الذين لا ذنب لهم، كما أن المرحلة التي وصلا إليها بعد استنفاذ كل محاولات تدخل الوسطاء، وإدارة الحوارات مع الأهل والأصدقاء تأتي بعد تأزم الموقف بينهما ، ووصلا إلى نقطة اللاعودة، وعليه يجد الزوج نفسه أمام خيار واحد لا بديل له سوى الانفصال.
إن مفهوم المؤسسة الزوجية تأثر كثيراً في ظل التطور التقني الذي افرزته (العولمة) ووسائطها المختلفة، والتي أضحت تشكل هاجساً لعدم الوعي بالاستخدام السالب لها ، الذي بدوره تسبب في عدم إدراك السيدات خطورة التواصل الإجتماعي مع الغرباء، مما يجعلهن يعيشن في عالم افتراضي لا صلة له بالواقع، وأغلب حالات الطلاق مؤخراً ناتجة عن  الاستمرار في حياة تشبه العدم، وذلك للحفاظ فقط على هيكل الحياة، أو العودة
إلى قبل التأسيس للحياة الزوجية، والبحث عن المستقبل المحكوم بنظرة المجتمع السالبة للسيدة المطلقة التي تتعرض للإيذاء النفسي في المحيطين الأسري والمجتمع مما يضيق عليها خيارات ما تأمل فيه من مستقبل قد يصبح من المستحيل الوصول إليه، وبالتالي فإن التفكير بهذه الصورة يقود إلى الاستنزاف نفسياً وجسدياً.
آخر المرسم
مما لاشك فيه فإن (الفساد) بصورة عامة وعلى وجه الخصوص الإقتصادى استشري في ظل نظام الرئيس المخلوع عمر البشير الذي لم يكتف بالممارسة، بل عمد إلى حماية من افسدوا في البلاد، إذ جمع بعض الوزراء، الموظفين، التنفيذيين والدستوريين بين الوظيفة والتجارة والسمسرة في الأموال العامة خاصة من ينتمون إلى النظام البائد الذي أفقر الأثرياء واثري الفقراء بالسياسات الإقتصادية المفتقرة للقيم، الأخلاق، المعايير والمقاييس، وفي ظل تلك الأجواء وجد المنتفعين ضالتهم من خلال واجهات تنظيمية سياسية تدعي في بادئ الأمر معارضتها، ومن ثم تتأقلم مع  الفاسدين ، وكل ذلك يجري تحت غطاء خدمة الوطن المفتري عليه ثلاثين عاماً متصلة، وخلال هذه الثلاثة عقود انشئوا المؤسسات، الشركات والمصارف المسهلة لهم إيداع الأموال العامة في خزائنهم، إذ أنهم كانوا يستغلون السلطات الممنوحة لهم وكافة التسهيلات في إطار المصالح الشخصية المتبادلة، وبالتالي لا ضرائب أو جمارك أو أى رسوم يدفعونها لخزينة الدولة، مما جعل الشعب السوداني منهكاً من التلاعب بأبسط مقومات حياته المعيشية اليومية إذ أنهم باتوا يسيطرون على السلع الاستهلاكية الضرورية المنفذة للحياة، ويتلاعبون بها كيفما يشاءون وكيفما يريدون.
ومما ذهبت إليه ظهرت أسماء في الأوساط السودانية دون سابق إنذار كرجال أعمال ومستثمرين لم يعرف عنهم أو أسرهم هذا الثراء الفاحش الذي فاحت رائحته لدرجة أنه اذكم الأنوف، وأمثال هؤلاء طبقة طفيلية وجدت الأرض خصبة لبذر بذور فسادها الذي قضي على الأخضر واليابس، وبالتالي لم يترك بنية تحتية للاقتصاد يمكن أن ترتكز عليها الحكومة الانتقالية خلال فترتها المحددة بثلاث سنوات، وأن كنت أرى أنها ليست كافية لإنجاز مهمتها بالغة التعقيد، لذا يجب الصبر عليها بقدر ما صبرنا على نظام الرئيس المخلوع عمر البشير طوال الثلاثة عقود الماضية التي تلاعب من خلالها بالقروض الخاصة بالمواد البترولية، وإستيراد القمح والدقيق للمستهلك السوداني الذى عاني معاناة شديدة من الأزمات المتوارثة وهي أزمات انتجها النظام البائد، لذا لا تحملوا الحكومة الانتقالية فوق طاقتها، لذلك لا تشغلوها عن وضع البرامج المعالجة للإشكاليات المتراكمة منذ ثلاثين عام تجاوزوا في إطارها كل ما هو في الإمكان، إذ أنهم حولوا الدولارات من البلاد للخارج تحت غطاء الاستيراد والتصدير، والذى يتم في ظله منحهم لها بأقل مما هو مطروح في السوق.



الجنرال حسن فضل المولى يكشف تفاصيل مديونيات الشاشة الزرقاء.. القناة تحتاج لأكثر من (أربعة مليار) جنيه للقمرين نايلسات وعربسات

وقف عندها : سراج النعيم

كشف الجنرال حسن فضل المولي، المدير العام لقناة النيل الأزرق التفاصيل الكاملة لمديونيات القناة مؤكداً أنه ظل يترفع  عن الصغار و الصغائر إلا إنه يجد نفسه مضطراً لبعض التوضيحات، مشيراً إلى أنه استلم إدارة القناة منذ العام 2006م، فوجدها تعتمد في تسييرها على التلفزيون القومي، ولم يكن لها أي عائدات قبل توليه لإدارتها، إلا أنه وبعد أشهر من تسلمه الإدارة أوقف الدعم الذي يقدمه لها التلفزيون القومي، وجعل قناة النيل الأزرق تعتمد اعتماداً كلياً على مواردها، وهو التحدي الكبير الذي واجهه رغماً عن أنه كان وقتئذ ضرباً من ضروب المستحيلات، إلا إنه و رغماً عن ذلك عمل على زيادة ساعات البث، وفك التشفير، وإنشاء إدارة خاصة بالتسويق، مما حقق ما يصبو إليه بفضل الله سبحانه وتعالي، والمجهود الذى بذله هو ومن عاونوه على هذا النجاح، وعليه وصلت عائدات قناة النيل الأزرق في العام الأول 2006م إلى مليونان وسبعمائة وخمسون ألفاً وسبعمائة اثنان وثلاثون جنيهاً، أى ما يعادل بالجديد ملياران وسبعمائة وخمسون مليوناً وسبعمائة اثنان وثلاثون ألف جنيه، وظل ذلك النمو متواصلاً إلى أن بلغ في العام 2018م (سبعة وخمسون مليوناً وثمانمائة وسبعة وخمسون ألفاً ومائتان وأربعة وأربعون جنيهاً) بالقديم، وبالجديد (سبعة وخمسون ملياراً وثمانمائة وسبعة وخمسون مليوناً ومائتين وأربعة وأربعون ألفاً)،  لتصل جملة المبالغ إلى (مائتان إثنان وأربعون مليونا وأربعمائة وثلاثة ألفاً وتسعمائة وستون جنيها) بالقديم، وبالجديد فإن المبلغ يصل إلى (مائتان إثنان وأربعون ملياراً وأربعمائة وثلاثة ملايين وتسعمائة ألف وستون ألفاً).
وقال : ومما أشرت له لم أنال سوي راتبي الشهري، وما قسمه لي مجلس إدارة قناة النيل الأرزق، وكان بإمكاني أن أفعل كما الآخرون، وأطالب بنسبة مقدرة مثلاً (10%)، إذ أن هناك مؤسسات شبيهة، إما أن تمنحك أسهماً أو نسبة، ولو اشترطت ذلك يومها لفعلوا، ولولا هذه الموارد المقدرة لكانت النيل الأزرق في خبر كان خاصة وأن الدولة لم تكن تقدم لها دعماً مباشراً أو غير مباشر، ومعلوم أن أوجه صرفها تخضع سنوياً للمراجع الذي تنتدبه الدولة، وفوق ذلك هناك مجلس إدارة يقوم على الشركاء الذين هم أحرص على مصالحهم من هذا أو ذاك.
وسخر الجنرال من محاولات الصاقه بالفساد في البلاد قائلاً : ورغماً عن التوضيحات سالفة الذكر نرحب بأي مراجعة من بعثة محلية أو إقليمية أو دولية لتقصي الحقائق حول أين تذهب موارد قناة النيل الأزرق؟ .
وفي رده على مديونيات قناة النيل الأزرق قال : لا أرى عيباً في الدين، ولكن العيب في الإستهبال، وأكل أموال الناس بالباطل، فموضوع مديونيات الأقمار ناتج عن تآكل الجنيه السوداني، والذي لا تكافئه نسبة الزيادة في أسعار الإعلان، علاوة على إرتفاع كلفة الإنتاج، مما أديا هذين السببين للاختلال، ومثالاً على ذلك كنا وحتى 12/10/2016م نحول للقمرين (نايلسات) و(عربسات) مبلغ (58.000) دولار بسعر (6.74) جنيهاً للدولار لتكون جملة المبلغ المستحق بالسوداني (270.920) ومع وقف بنك السودان للتحويل تضاعف المبلغ، ولو أردنا تحويله اليوم سنحتاج إلى أكثر من أربعة ملايين جنيهاً سودانياً (أربعة مليار) مع تعقيدات تتمثل في كيفية الحصول على الدولار، فالمشكلة في التحويل رغماً عن انخفاض أسعار الأقمار.
وحول الإتهام الذى طال السيد وجدي ميرغني الشريك في قناة النيل الأزرق قال : هنالك اتهاماً يسوق له البعض حول الطريق الذي سلكه السيد وجدي ميرغني للدخول شريكاً أكبر في قناة النيل الأزرق ، فشراكة وجدي ميرغني  في قناة النيل الأرزق لا لبس فيها، فهو أى وجدي فقد أشترى من حر ماله (54%) من أسهم القناة من الشيخ صالح كامل، والأخير لا تزال لديه أسهم في قناة النيل الأزرق، وبحكم معرفتي بالأخ وجدي ميرغني فهو أكبر من أن يسلك طريقاً ملتوياً للدخول في شراكة لا تسمن ولا تغني من جوع، إن لم تكن خاسرة ومجلبة للإزعاج والأوضاع، فالذي يعرف وجدي ميرغني عن قرب ليس أمامه إلا أن يحترمه ويجله، ويرفعه مكاناً علياً، فالرجل يسع الناس بأخلاقه قبل أن يسعهم بماله، ولا يعاديه إلا لئيم.
وأسترسل : إنني لم أكن يوماً سعيداً أو فرِحاً بإدارتي لقناة النيل الأزرق، وما استمراري فيها إلا التزام أخلاقي وفي أي وقت يطلب مني المغادرة أو أغادر من تلقاء نفسي فستكون فرحتي أكبر لأنني اتحاشي بكل قواي العقلية والنفسية أن أدخل في صدام أو صراع مع أحد، وأحرص على بذل الود والمحبة والمعزة ما استطعت إلى ذلك سبيلاً .
ومما ذهب إليه الجنرال حسن فضل المولي فإن مسألة مديونيات قناة النيل الأزرق أمر طبيعي في ظل الظروف الاقتصادية بالغة التعقيد، ولكن لابد من أن يعرف الناس من هو الجنرال حسن فضل المولى الذي عرفته منذ منتصف تسعينات القرن الماضي عندما كان نائباً للمدير العام ومدير البرامج لفضائية السودان الشريك الذي لم يحرك ساكناً لشراء أسهم الشيخ صالح ولا أدري ما هي فلسفته في ذلك!
إن الشيخ صالح كان يعلم تمام العلم أن الجنرال حسن فضل المولى إدارياً ناجحاً، ويحمل رؤية ثاقبة في إنتاج أفكار برامجية جذبت لقناة النيل الأزرق النشء والشباب من الجنسين داخل وخارج السودان إلى جانب أنه لم يغفل بقية الفئات العمرية الأخرى مستفيداً من علاقاته وهي العلاقات التي افتقدها تلفاز السودان حينما انتقل الجنرال من العمل الإعلامي به إلى السلك الدبلوماسي بسفارة جمهورية السودان بالقاهرة، فظهر تأثير ذلك الانتقال على العمل الإداري والبرامجي الذي انعكس على الشاشة، والتي أصبحت فيما بعد طاردة للمشاهد الذي لديه خيارات كثيرة في ظل فضاء مفتوح، وعليه فقد التلفزيون القومي بريقه والهالة التي كان يصنعها له الجنرال حسن فضل المولي بأفكاره المتميزة وعلاقاته الشخصية الممتدة فاستطاع أن يستقطب بها الكوادر المؤهلة لمشاركته النجاح تلو الآخر، وذلك بالطرح والتناول الجريء، واتخاذ القرار في الوقت المناسب.
وعندما عاد الجنرال من قاهرة المعز عادت للإعلام المرئي روحه وعافيته من خلال قيادته دفة العمل بقناة النيل الأزرق، والتي استطاع من خلالها وفي فترة وجيزة جداً أن يجعلها تتصدر قائمة القنوات الفضائية السودانية من حيث المشاهدة.
 وحينما التقيت بالصديق السكرتير الخاص بالدكتور الشيخ صالح كامل الشريك السابق لقناة النيل الأزرق وجهت له سؤالاً عن مدى رضي الشيخ صالح عن أداء الجنرال حسن فضل المولي فأكد بدون أدنى شك أنه راض تمام الرضاء من إدارة القناة.
وحينما فكر الشيخ صالح كامل بيع أسهمه بالقناة إلى الشريك الجديد كنت على قناعة تامة بأنه أى الشريك السوداني الجديد وجدي ميرغني لن يجازف بالمطالبة بتغيير الأستاذ حسن فضل المولى لاعتبارات كثيرة يكفي منها أنه سر النجاح الكبير الذي شهدته وتشهده قناة النيل الأزرق التي سخر لها خبراته الإعلامية لإنتاج أفكار برامجية تشد وتجذب أجيال تتفاوت أذواقها في ظل تنافس فضائي محموم يتحكم فيه المتلقي بإدارة الريموت كنترول متنقلاً بين القنوات الفضائية إلى أن يستقر به الحال في القناة التي تشبع رغبته أي أنه لا يمكن أن تفرض عليه ما لا يرغب فيه بالإضافة إلى أن الأغلبية العظمى من النشء والشباب من الجنسين يعيشون في العالم الافتراضي، عالم الإنترنت وثورته التقنية الحديثة التي أفرزت الكثير من الوسائط، لذلك لن يكون أمام الشريك الجديد حلاً سوى أن يكون الجنرال حسن فضل المولي الرجل الأول في اتخاذ القرار ولا ينازعه فيه حتى الشريكين إذا رغبا في أن تستمر القناة بكل هذا النجاح أو أنها ستنهار سريعاً إذا فقدت القيادة الرشيدة.
الخطوة التي أقدم عليها رجل الأعمال السوداني وجدي خطوة تستحق الإشادة باعتبار أنه جعل قناة النيل الأزرق سودانية مئة بالمائة من حيث الشراكة وهذه المبادرة كنا نأمل أن تكون من السلطات المسئولة عن الإعلام بالبلاد بأن تشتري الأسهم المعروضة للبيع لصالح الشريك الثاني تلفزيون السودان طالما أنه لا قدرة له مالياً للشراء فالعملية الشرائية مرت بطريقة لم تستوعب أبعادها على المدى القريب والبعيد معاً خاصة في ظل التوترات القائمة أصلاً وذلك من واقع الإشكاليات التي يواجهها الإعلام السوداني ومع هذا وذاك لا نحتمل النجاحات، وأشهد للأستاذ حسن فضل المولى أنه عمل جاهداً على الخروج بالقناة إلى بر الأمان.

بعد أطول حرب في القرن .. اتفاقية (نيفاشا) قادت جنوب السودان للانفصال

بقلم : سراج النعيم
إن نظام الرئيس المخلوع عمر البشير كان على قناعة تامة بأن توقيعه على اتفاقية (نيفاشا) ستقود جنوب السودان للانفصال، وهذه الخطوة لم تكن الحل الجذري للصراع التاريخي، الذي أحدث زعزعة ليس على مستوي السودان، بل على مستوي القارة، مثله صراعات شهدتها أفريقيا لسنوات وسنوات مثل يوغندا، الكونغو، رواندا، نيجيريا، وتشاد وغيرها.
ومن أجل استمرار الحرب الدائرة في السودان انتهج الاستعمار خطة جديدة في العام 1989م مرتكزاً على سياسة إضعاف الوجود الشمالي في الجنوب واللغة العربية، والاستعاضة عنها باللغة الإنجليزية، وعملت على ايقاف الدعوة لاعتناق الديانة الإسلامية، وبالمقابل شجعت البعثات التنصيرية المختلفة، مما وضع الحكومات السودانية المتعاقبة أمام معضلة حقيقية من حيث مفاهيم ارساها الاحتلال البريطاني في ذهنية الجنوبيين، وعليه فإن النزاع ظل قائماً لدرجة أنه اشتهر إعلامياً باطول حروب القرن، ورغماً عن الانفصال إلا أنه مازال يترك آثاره السالبة في الشمال، والذي تضرر ضرراً بالغاً منه، ومن السياسة الاستعمارية الإنجليزية في البلاد، إذ أنها شرعت قوانين للمناطق المنغلقة في العام 1922م، وتم تنفيذها عملياً في جنوب السودان، وعلى خلفية ذلك تم أبعاد الموظفين السودانيين والمصريين من الجنوب، ومن ثم أصدرت القرارات العامة في جنوب السودان، مما نجم عنها إعادة التوتر في المنطقة مجدداً، وفي العام 1982م صدر قرار يقضي بإعادة تدوير القوات العسكرية في جنوب السودان، وهذا القرار قاد عدد من الضباط الجنوبيين للهروب من الخدمة في القوات النظامية، وصادف ذلك محاولة تصدير البترول خاماً، وفي بداية العام 1972م وقعت اتفاقية نصت على منح الحكم الذاتي لمحافظات الجنوب الثلاث تحت إشراف المجلس التنفيذي الأعلى، كما نصت على تشكيل جمعية تشريعية، بالإضافة إلى أنها شملت على ملاحق ونصوص تتعلق بإعادة توطين اللاجئين وترتيبات وقف إطلاق النار وتشكيل قوة عسكرية محلية من 12 ألف رجل نصفهم على الأقل من أبناء الإقليم.
وعندما تم اكتشاف النفط، والذي على خلفيته بدأ نزاع بين الحكومة والتمرد، فالمواقع البترولية أضحت بؤرة للصراع الذي نتج عنه عنفاً في العام 1965م، كما ظهرت في الساحة حركات سياسية تطالب بانفصال الجنوب عن الشمال، وهو الأمر الذي قاد إلى السلطة العسكرية في العام 1969م، وذلك من واقع أن الجنوب شهد (فوضى) احدثتها الحركة المتمردة (الأنيانيا)، والتي اتجه في إطارها النظام المايوي لإيجاد الحلول لهذه الأزمة بالتهدئة، وإعلان العفو عن السياسيين والمتمردين الجنوبيين.
وفي العام ١٩٨٣م تمردت حامية مدينة (يور) التابعة للقوات المسلحة، ثم صدر البيان الأول لحركة تحرير السودان بزعامة العقيد جون قرنق الذي أبعد عن حركته الدعوة لانفصال الجنوب عن الشمال، مؤكداً بالوحدة، واستطاع أن يستقطب المقاتلين خلال ثلاثة أشهر وتجنيد كتائب كاملة من المقاتلين، ومن ثم وجد الدعم من النظام الليبي برئاسة العقيد معمر القذافي، وبذلك الدعم استطاع أن يصيب حقول التنقيب عن النفط باضرار بالغة ،
بالرغم من الإختلاف القائم حول مدينة (أبيي) إلا أنها تشهد تعايشاً بين القبائل المختلفة، والذي تم بين (المسيرية ودينكا نقوك)، والذي وُقّع بين الناظر (علي الجلة) والسلطان (أروب)، وقد أثنى على ذلك التعايش المفتش الإنجليزي في تقريره الصادر في العام (1920م _ 1921م)، بالإضافة إلى مدير مديرية بحر الغزال من خلال خطابه الذي القاه بتاريخ 21/7/1927م وأوصى بأن يستمر دينكا نقوك في مجلس ريفي المسيرية نتيجة لعلاقتهم الجيدة، إلا أن أصل الإشكالية يعود إلى عصر الاحتلال البريطاني، إذ أن المستعمر اجري استفتاء لدينكا نقوك، ومنحهم حق البقاء في الشمال أو التبعية للجنوب إلا أنهم اختاروا أن يكونوا تابعين لمجلس ريفي المسيرية، ورغماً عما أشرت إليه إلا أن المستعمر الإنجليزي سعي سعياً حثيثاً لإقناع (كوال أروب) سلطان دينكا نقوك بالانضمام إلى جنوب السودان بدلاً من البقاء في الشمال إلا أن جميع المحاولات باءت بالفشل الذريع، وفي العام 1943م توفي السلطان (كوال أروب)، وخلفه نجله (دينق)، والذي حاول المفتش البريطاني إقناعه بالفكرة القديمة المتجددة أثناء الاستعداد لمؤتمر جوبا في العام 1943م، ورغماً عن الرفض إلا أن الإنجليز ظلوا يحاولون في هذا الإطار إلى أن تم إجراء استفتاءات في السنوات (1950م و1951م و1953م و1954م و1955م)، إلا أنها لم تنجح، وانتهت بخروج بالاستعمار في العام 1956م.
وعلى خلفية ذلك هدأت الأوضاع في جنوب البلاد، إلا أنها تجددت مع انقلاب نظام الرئيس المخلوع عمر البشير على شرعية الإمام الصادق المهدي في الثلاثين من يونيو في العام 1989م، وعليه ابرمت اتفاقيات حول مدينة (أبيي) في العام 1997م، كما أنها وضعت جدول أعمال في العام 2000م بغرض إيجاد الحلول للاشكالية كجزء من تنفيذ اتفاقية الخرطوم للسلام المؤكدة إن مدينة (أبيي) موطناً للمسيرية ودينكا نقوك، وهي ليست جزءاً من الجنوب، وأنها منطقة تعدد عرقي وثقافي، وهي واحدة من المناطق الأقل نمواً في البلاد، وأن لها إشكالية خاصة، ورغماً عن ذلك أخذت القضية بعداً آخراً عندما شرعت أمريكا في عمل تسوية للقضية عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، إذ أنها أثارت صراعاً حاداً بين النظام البائد والحركة الشعبية لتحرير السودان، مما نجم عن ذلك تدخل المبعوث الأميركي آنذاك وطرح رؤية للحل سُميت بالورقة الأميركية، وذلك في 2004م، وهدد الطرفين قائلاً: (إن الإدارة الأميركية تحمّل المسؤولية في حال انهيار المفاوضات لأي طرف يعوق مسيرة السلام)، مما أدي إلى أن تصبح الورقة الأميركية جزءاً من اتفاقية (نيفاشا)، وهي من الاتفاقيات الخطيرة التي تثبت مبدأ الاستفتاء، والذي حُدد له العام 2011م تزامناً مع استفتاء الجنوب ولم ترسم حدود جغرافية لمدينة (أبيي)، وترك الأمر برمته للجنة من الخبراء، ورئيس اللجنة سفير أميركي سابق بالسودان، ونائبه من جنوب أفريقيا وثلاثة أعضاء من دول الإيقاد، إلا أن اللجنة فشلت في مهمتها، وبالرغم من فشلها إلا أنها رسمتها وفق الحدود واعتبرته تغولاً على الأراضي الشمالية، فيما باركته الحركة الشعبية لتحرير السودان، مما أدي إلى حدوث اشتباكات في ديسمبرمن العام 2007م واشتدت في العام ٢٠٠٨م، وعلى خلفية ذلك اتفق نظام الرئيس المعزول عمر البشير ودولة الجنوب على إحالة ملف النزاع إلى هيئة تحكيم دولية بلاهاي في العام ٢٠٠٨م، مما أدي بنظام حكم المؤتمر الوطني الفشل لحل الإشكالية بطريقته التي تعد سابقة خطيرة تاريخياً نسبة إلى أنها جعلت السودان لقمة صائغة للانقسامات، والمطامع الخارجية، إذ أنها احتكمت إلى هيئة التحكيم الدولية، وهو الأمر الذي وضع القضية موضع شد وجذب بين طرفي الصراع، وبالتالي مضي نظام المعزول عمر البشير نحو الفشل الذي لم تجد في إطاره الحلول الجذرية للصراعات الدائرة في جنوب السودان، جبال النوبة، النيل الأزرق، أبيي، دارفور وشرق السودان، وهي بلاشك لا يمكن أن تنتهي من خلال اتفاقية (نيفاشا) الموقعة بين الحكومة والحركة الشعبية، أو غيرها من التفاهمات السياسية، وذلك يعود إلى أن ما يستند عليهم النظام السابق ما هم إلا جزء أصيل من الأزمات المتتالية في البلاد، وبالتالي لا يمكن أن يكون الداء هو الدواء الناجع، علماً بأن ما يجري من أحداث قائم على أسباب كثيرة منها تعميق الأنظمة المتعاقبة على حكم السودان، والمصالح المحلية، الإقليمية والدولية في مناطق الصراعات للإشكاليات المبنية على أن الحكومات تهمشهم، ووجدوا في هذا الجانب المساندة من الخارج الذي دعم أطراف الصراع، بالإضافة إلى السيطرة التامة على آليات التسوية

سراج النعيم يكتب : اكتشاف ما تخبئه النفس


دائماً ما يتبادر إلى ذهني سؤالاً ملحاً، وهذا السؤال يتمثل في كيفية صناعة الشخصية القيادية المتصفة بـ(الهيبة) و(القوة) في الحياة عامة ، وفي المجال الذي اختارته له موهبته خاصة؟ الإجابة تكمن في الصفات المتجذرة في الإنسان بـ(الفطرة)، ولا يمكن اكتسابها بأي وسيلة من الوسائل، وإذا حاول فإنه بلا شك سيفشل، وبالتالي يمكن للمرء أن يكتشف ما تخبئه النفس في دواخله من إبداع، ومن ثم العمل باجتهاد من أجل تنميته، وهو قطعاً يجعله ذو (قيمة)، (هيبة)، و(قوة) في محيط (الأسرة)، (العمل)، و(المجتمع).
وبالمقابل من لا يتحقق له ذلك، فإنه يكون إنساناً (هزلياً)، (ضعيفاً) و(منهزماً)، ومثله يحتاج إلى عزيمة وإصرار للابتعاد عما يركن إليه، فالإنسان يختلف عن الآخر من حيث المقاييس والمعايير، فهنالك من يكتسبها بالتقدير والاحترام للغير (إيجابياً)، وهنالك من يخذلهم بأفكاره (سالباً)، مما يجعل منه إنساناً مهزوزاً في حياته، وقابلاً لأن يكون محل (سخرية)، (استهزاء) و(تندر)، وربما يدفع ذلك البعض للتطاول عليه كلما طرح موضوعاً للنقاش، والأدهى والأمر في الشخصيات المتسمه بهذه الصفات أنها مستسلمة، وتتحكم فيها الظروف المحيطة بها، وعلى رأسها الأوضاع الاقتصادية، وأمثال هؤلاء يعلمون أن ما يفعلونه يقلل من قيمتهم وهيبتهم وسط الناس إلا أنهم مضطرين أن يمارسوا هذا الفعل المنافي لطبيعة الإنسان وبالتالي يهضمون حقوقهم المكفولة شرعاً بالديانة الإسلامية، والتي أوضحتها لهم بجلاء، خاصة وأن الإنسان عزيز، وكرمه الله سبحانه وتعالي، وعليه السؤال الذي يفرض نفسه لماذا يخضع الإنسان ذاته لـ(الإذلال) و(الإهانة) من أناس ربما لا يسوون شيئاً مقابل ما يمتلكه هو من (موهبة)، (إمكانيات) و(طاقة) غير مكتشفه، وذلك يعود إلى ركونه لحيز ضيق جداً، ربما هو الذي جعله يفكر بشكل سالب.
فيما يكمن مفهوم كيفية صناعة الذات القوية على اكتشاف الموهبة أولاً، ومن ثم العمل على تنميتها، وذلك من خلال الاكتساب المعلوماتي بالإطلاع والثقافة والتطور والمواكبة خاصة وأن العالم أصبح منفتحاً على الآخر، والذي بدوره تسيطر عليه ثورة التقنية الحديثة والمعلومات المتدفقة عبر (العولمة) ووسائطها المختلفة، والتي أصبحت مع مرور الزمن تصنع للبعض (كاريزما)، (هيبة) و(قوة)، إلا أن البعض لا يوظفها توظيفاً صحيحاً للمحافظة على (خصال)، (قيم)، و(أخلاق) يحتاج إليها المجتمع، لذا على الشخصية القيادية أن تكون صاحبة مواقف قوية، ولا تجامل على حساب الديانة الإسلامية والوطن والمجتمع، وأن لا تتنازل عن حقوقها الدستورية والقانونية، لكي تستطيع أن تضع بصمتها الإيجابية في الحياة.
من أقوي وأيقظ الشخصيات تلك التي تمتلك (كاريزما) تعبر بها عن قدرتها على جذب من حولها، خاصة إذا كانت هذه الشخصية (متفائلة)، (حيوية)، (مبتسمة)، و(واثقة) في النفس، وفي (أقوالها، (أفعالها)، (مواقفها) و(مبادئها)، والتي يجب أن لا تتغير أو تتزحزح أو تتنازل عنها، خاصة وأن كلمة (كاريزما) في الأصل مشتقة من الكلمة اليونانية (charizesthai)، وتعني إبراز الشخصية المعنية للصفات الإنسانية المميزة.
وحينما نعود لمصطلح (كاريزما) نجد أن أول من أستخدمه هو عالم الاجتماع الألماني (ماكس فيبر)، وذلك من خلال مؤلفه الشهير (القانون في الاقتصاد والمجتمع)، لذا نجد أن أعداد بسيطة لها القدرة على القيادة وفقاً للمعني الحقيقي للمصطلح، وبالتالي تكون لديهم القدرة على التأثير في من هم في محيطهم بـ(الكاريزما) المتطلبة في الإنسان أن يكون اجتماعياً لإيصال الدعم الإنساني تأكيداً على أهمية الآخر في حياته، والذي يحتاج منه أن يظهر له الثقة بتحريك المشاعر الايجابية خاصة وأن الشخصية ذات المواصفات القيادية غير قابلة للانتقاص من قدر الآخرين، والذين ربما تكون لديهم ذات (الكاريزما) إلا أن الظروف المحيطة بهم وحدها التي وضعتهم في درجة أقل لعدم قدرتهم على زيادة قوة شخصياتهم، وامتلاك القناعة الكافية، والاتّصاف بالجد والالتزام بخط صارم وجاذب في ذات الوقت، ومقنع للناس الذين ينتظرون منك إيجاد الحلول الناجزة للإشكاليات التي تعترض طريقهم ما بين الفينة والأخرى، بالإضافة إلى امتلاك القدرة على التشجيع والتحفيز وكسر الجمود من خلال الاستماع وترتيب الأحداث حسب الأسلوب المناسب لها مع الأمانة والصدق في التواصل مع من حولك، بالإضافة إلى اشعارهم بالاهتمام والتميز.
بينما يجب على الشخصية القيادية استخدام المهارات العاطفية والاجتماعية في فن الإدارة، فهي تؤثر في من حوله وتجذبهم إليه، وبالتالي تنشأ بينه وبينهم علاقات متينة في الإطار العام والخاص ، مما يتيح له التحكم فيهم عند الحاجة إليهم، سواء كان ذلك بـ(اللفظ) أو (النظَر)، فهي أقوى الطرق للاتصال والتواصل.

ما هو المصير الذي سيؤول إليه الرئيس المخلوع (عمر البشير)؟

ما هو المصير الذي سيؤول إليه الرئيس المخلوع (عمر البشير)؟
بقلم : سراج النعيم
السؤال الذي يتبادر لأذهان السودانيين بصورة شبه عامة، ما هو المصير الذي سيؤول إليه الرئيس المخلوع (عمر البشير)، والذي دار في إطاره جدلاً واسعاً حول تسليمه للمحكمة الجنائية الدولية من عدمه أو محاكمته في الداخل، وهو التحدي الذي ينتظر الحكومة المدنية المشكلة بموجب الاتفاق بين المجلس العسكري السابق، وقوى إعلان الحرية والتغيير، وهو الاتفاق الذي لبي مطالب الثورة الشعبية ، خاصة وأنه ضحي تضحية غالية من أجل الوصول لهذه المرحلة المفصلية من تاريخ السودان الحديث، أي أنه صبر وثابر وناضل للإطاحة بنظام الرئيس المخلوع (عمر البشير)، والذي ظل يتقلد مقاليد الحكم ثلاثة عقود من التسلط ، الجبروت بلا رحمة أو رأفة؟، عموماً يظل السؤال قائماً إلى أن يقدم (البشير) ورموز نظامه الفاسد إلى محاكمات عادلة ترد للشعب السوداني كرامته.
ومما ذهبت إليه، فإن (البشير) جاء لسدة الحكم في الثلاثين من يونيو من العام ١٩٨٩م بالانقلاب العسكري على شرعية الإمام الصادق المهدي، زعيم حزب الأمة القومي المنتخب، وعليه فإن ما قام به ورفاقه يعد تقويضاً للنظام الدستوري في البلاد، مما يعني أنه في إمكان الإمام الصادق المهدي المطاح بحكومته الشرعية اتخاذ الإجراءات القانونية ضده، ومن سانده على ارتكاب الجرم نسبة إلى أنه ورفاقه عرضوا البلاد إلى عدم استقلالها، وعلى خلفية ذلك ظل النظام السابق يشرع في القوانين لحماية نفسه، وهي قوانيناً تعتبر من يعارضه سياسياً مقوضاً للدستور بشكل مباشر أو غيره، ويعتبر نظام (البشير) ذلك النهج جرماً جنائياً تصل عقوبته حد الإعدام أو السجن مدى الحياة.
من المعروف أن الأنظمة الديكتاتورية دائماً ما تفصل القوانين لتتوافق مع ما يضمن لها البقاء في السلطة أطول فترة ممكنة، وذلك بعيداً عن الانقلابات العسكرية أو الثورات الشعبية، مما يجعلها تخطط تخطيطاً أمنياً تلصق من خلاله التهم للخصوم السياسيين الألداء، وهي قطعاً ترمي من وراء ذلك إلى إبعادهم عن المشهد السياسي، إلى جانب أنها تكمم افواه المعارضين، الإعلاميين، الصحفيين والنشطاء حتى لا يبدون آرائهم في سياسيات النظام الفاشلة، وبالتالي ظل يمارس اصنافاً من القمع مستقلاً سلطات القبض أو الاعتقال منتهكاً بذلك لحقوق الإنسان.
وعندما أتطرق لهذا الملف، فإنني أتناوله من واقع أن هنالك ضحايا كثر تعرضوا للتهديد والإرهاب الفكري بالسياسات القمعية المنتهكة للحقوق المشروعة، والتي في إطارها ارتكبت مجازر تاريخية في حق الصحف عموماً، والتي على ضوئها تكبدت خسائراً مالية كبيرة، ولم يأبه بما حدث، وعليه درج النظام البائد على توجيه التهم للسياسيين، الإعلاميين، الصحفيين والنشطاء، ومن ثم القبض أو الاعتقال والإيداع في الحراسات أو المعتقلات، وبعد التحريات معهم تحول البلاغات إلى المحاكم المتخصصة، وبما أنها تندرج في الإطار السياسي يتم شطبها، وإخلاء سبيل المتهمين، هذا يعد ضرباً من ضروب استغلال السلطات، وذلك وفقاً للقانون المفصل لحماية نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، فمن المعروف أن الأنظمة الديكتاتورية تفصل القوانين لتتوافق مع ما يضمن لها بقاءها بعيداً عن الانقلابات العسكرية أو الثورات الشعبية، وبالتالي تعمل على لصق التهم وفقاً لما هو مشرع، وذلك لترهيب الخصوم السياسيين الألداء، وترمي لإبعادهم عن المشهد السياسي، وعدم إبداء آرائهم في سياسات النظام البائد، ومن يخالف ذلك يعرض نفسه للخطر بالطرق المشروعة أو غيرها، وهي أساليب تدعو إلى انتهاك حقوق الإنسان، وبالتالي لعبت الميديا الحديثة دوراً طليعياً في الإطاحة بالنظام السابق، فهي ارعبت واخافت نظام الرئيس المعزول (عمر البشير)، مما دفعه إلى سن تشريعات تمثلت في قانون جرائم المعلوماتية، ومن ثم خصص لها نيابة ومحكمة، وهي كانت قوانيناً للتخويف من كشف (الفساد) المستشري في مفاصل الدولة، والتي فتح في ظلها عدداً من البلاغات، عموماً تضرر الشعب السوداني ضرراً بليغاً من القوانين المشرعة من نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، إذ أنه كان بمثابة صك للسلطات الرسمية لممارسة القمع، القهر، والظلم، وحماية النظام السابق، وقد ظل في هذا الإطار يعاني الناس منها لسنوات، فلا يمضي يوماً إلا ويكون من يعارضون النظام البائد حاضرين لدي الأجهزة الأمنية، وهي كانت تمارس ضغوطاً على من يقف ضد نظام البشير، مما يؤكد أنه كان يرتكب جرماً فادحاً في حق إنسان السودان، وقد بدأت المضايقات ومع هذا وذاك خاصة من يفتحون الملفات الساخنة المتصلة بالفساد الذي تشهده معظم مفاصل الدولة العميقة، والذي لم يسلم منه حتي الحقل الصحي، ومن نماذجه مستشفي الخرطوم بحري، والذي أتذكر في ظله أن شخصية مرموقة سألتني، هل تدري ماهية خطورة فتح ملف من هذا القبيل، وهل تعلم من يقف وراء شركات الأدوية، والشركات الأمنية المتعاقدة مع بعض مستشفيات ولاية الخرطوم وغيرها من الأسئلة؟، والتي لم أجد لها آنذاك إجابة، بل أتضحت لي الرؤية بعد أن بدأت معي بعض المضايقات من خلال الرقابة الأمنية والاستدعاءات أو القبض وفتح البلاغات، هكذا كان النظام المعزول يصفي حساباته مع من يقف ضد مصالحه، والتي درج على انتهاجها على مدي ثلاثين عام، مما يجعل الكثيرين يداومون ذهاباً وإياباً ما بين الأجهزة الأمنية، النيابة والمحكمة، وهي كانت عبارة عن (جرجرة) بدليل أنها يتم شطبها، مما يعني أن نظام الرئيس البشير يستغل السلطات مطوعاً لها لصالحه، لذلك واجه هو تهماً تتعلق بجرائم حرب، وإبادة جماعية في إقليم دارفور المضطرب منذ العام ٢٠٠٣م، والتي صدر بموجبها مذكرة اعتقال من قبل المحكمة الجنائية الدولية، والتي طالبت بعد خلعه تسليمه إليها للنظر في التهم الموجهة إليه، خاصة وأنها تعد انتهاكاً لحقوق الإنسان، والذي ظل صابراً على الظلم الذي تعرض له، لذا على السلطات الإسراع في وضع حد للجدل الدائر حول محاكمة البشير حتى يخفف ذلك على أسر الضحايا شمالاً وجنوباًـ شرقاً وغرباً، وبالتالي يجب محاكمة (البشير) ليس على جرائم غسيل الأموال وحيازة النقد الأجنبي فقط، إنما محاكمته في الجرائم المتهم في إطارها من المحكمة الجنائية الدولية، خاصة وأن جرائمه المرتكبة ضد الإنسانية تتعلق بجرائم إبادة جماعية، جرائم حرب شهدها إقليم دارفور المضطرب منذ العام ٢٠٠٣م، بالإضافة إلى أنه وقف حجر عثرة أمام الحريات الشخصية، الإعلامية والصحفية، وعليه فإن محاكمته تصب في صالح التغيير الذي ينشده الشعب السوداني عموماً، كما أنها تحفظ لأسر الضحايا حقهم الذي كفلته لهم الاتفاقيات والمعاهدات الدولية والدستور والقانون السوداني، وبالتالي فإن الجدية في محاكمة البشير ورموز نظامه مكسباً كبيراً للسودان الذي ظل خارج منظومة المجتمع الدولي على مدى ثلاثة عقود، وبالتالي يحتاج إلى رفع اسمه من قوائم سجل حقوق الإنسان، الإرهاب بعد أن تم الزج به ورموز من نظامه السابق في السجن الاتحادي (كوبر)، والذين يجب أن تكون محاكمتهم محاكمة عادلة على كل ما ارتكب من انتهاك في حق إنسان السودان، فمحاكمتهم يجب أن تكون علناً، وقطعاً ستكون فتحاً جديداً للسودان، خاصة وأنني لا أومن بمقولة (عفا الله عما سلف)، وذلك من أجل إعادة العلاقات الدبلوماسية مع الأمريكان، الأوروبيين، الآسيويين، العرب والإفارقة.
إن المحكمة الجنائية الدولية تختص بالنظر في القضايا المرتكبة في حق الإنسانية، وبالتالي محاكمة البشير ورموز نظامه الفاسد مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بحقوق لها علاقة بالحق العام والخاص، وعليه يجب أن تكون محاكمة البشير ورموز نظامه المعزول عادلة حتى يتمكن كل سوداني متضرر من أخذ حقه كاملاً لا منقوصاً وبالقانون، وكان يفترض أن تبدأ محاكمة المخلوع عمر البشير ورموز نظامه السابق أولاً بتقويض النظام الدستوري في البلاد في ٣٠ يونيو ١٩٨٩م بالانقلاب على الشرعية، ومن ثم جرائمه في إقليم دارفور المضطرب منذ العام ٢٠٠٣م، بالإضافة إلى جرائم قتله لشهداء رمضان، والمتظاهرين العزل، وغيرها من الجرائم المستمرة منذ تقلده نظام الحكم في البلاد قبل ثلاثة عقود.

azsuragalnim19@gmail.com

*الدكتور أسامة عطا جبارة يشرح الإقتصاد السوداني في ظل الحرب*

..........  *تواصل شبكة (أوتار الأصيل) الإخبارية، وصحيفة العريشة الرقمية نشر الحوار الهام مع الخبير في الإقتصاد العالمي الدكتور أسامة عطا جب...