من المعروف أن الإنسان، ومنذ خلق البشرية ولد حراً في فكره ومعتقده وحركاته وسكناته، وظل على ذلك النحو يبحث بحثاً مضنياً عن الحرية، وفي هذا الإطار يتمرد على كل ما هو مقيد لها، ويظل يقاوم مهما كانت القوي المنوط بها ممارسة هذا الفعل المنافي لطبيعته، والذي دائماً ما يمني النفس بواقع خال مما لا يتوافق مع واقعه الحر، الأمر الذي يدفعه للبحث عن تنسم الحرية، التي ربما تقوده نحو صراع مستمر إلى أن يسلم الروح إلى بارئها، هكذا هو حال الإنسان في الحياة متمرداً على قيودها و ساعياً سعياً حثيثاً عن حريته المطلقة رغماً عن أن (الأنظمة) أو (اللوائح) أو (القوانين) التي يشرعها البشر تتعارض أحياناً مع ما يصبو اليه، والتي بموجبها تتم المعاقبة بالحرمان عن الحرية، أي أن الإنسان يتم وضعه في مكان محدد، فلا يستطيع الفكاك منه لأي سبب من الأسباب، وهو ما يعرف بـ(السجن) أو (الحراسة) أو (الزنزانة)، أو (المعتقل)، وعليه يجد نفسه موضوعاً بين أربعة جدران، و مرغماً على البقاء في المكان المحدد والذي هو بعيد كل البعد عن الحياة الحرة، وهي دون أدني شك لا تتناسب مع طبيعته، وذلك بغض النظر عن أنه ارتكب جرماً أم لا.
المتأمل لمن يخطئون أو يتجاوزون الأنظمة واللوائح والقوانين يجد أنهم فعلوا ذلك بحثاً عن حياة كريمة لا قيد أو شرط فيها ، فالقيود والشروط تكبل الحرية، لذا على الإنسان أن يعرف جيداً أن بحثه عنها قد يوقعه في محظور أو ما هو غير مسموح به، هكذا هو الإنسان يحاول بشتي السبل عاملاً عن الانعتاق من القيود التي ربما وضعته فيها الظروف و التي قد تكون (سياسية)، (اقتصادية)، (اجتماعية)، (ثقافية) وغيرها، لذلك تجد الإنسان يفكر عميقاً في كيفية الهروب من محبسه بغض النظر عن أنه فاقد الحرية اي أنه قد يكون مسجوناً من طرف السلطة القضائية أو النيابة أو الشرطة أو أي جهة أمنية مخول لها ذلك، ومع هذا وذاك يبحث الإنسان عن الحرية بأي ثمن من الأثمان، ولعل هذا البحث تجلي في سورة سيدنا (يوسف) عليه السلام، حيث أنها صورت البحث عن الحرية تصويراً بليغاً، إذ أنها بدأت بحلم، وانتهت بتغييره، ومن عجائبها أن (قميص) سيدنا يوسف عليه السلام كان دليلاً على براءة إخوته، وبراءته هو شخصياً من تهمة حاولت زوجة العزيز الصاقها به، وهو ذاته الذي أعاد به (بصر) والده يعقوب عليه السلام، وهي من القصص الراسخة في المخيلة، وذلك نسبة إلى أنها تدعو إلى أن يتقي الإنسان الله سبحانه وتعالي، وأن يصبر ولا (ييأس) أو (يقنط) من رحمته، فلا يضيع أجر من صبر صبراً جميلاً، فليس كل جميل قد تكون نهايته سعيدة كما حدث مع سيدنا يوسف عليه السلام، والذي قاده حب والده (يعقوب) عليه السلام إلى أن يلقي به في غياهب (الجب)، ومن ثم العمل في قصر العزيز خادماً، ومن بعد ذلك تم إدخاله السجن، وإذا كان هذا هو ما تعرض له سيدنا يوسف عليه السلام، فما بال من يفقدون حريتهم من أناس عاديين لا حول ولا قوة لهم إلا بالله، وبالتالي يفكرون ملياً في الهروب من ذلك الواقع حيث ينجح البعض منهم أو يفشل، فتتم إعادته لخلف القضبان مرة أخري مع تشديد القيود والرقابة، وربما توقيع بعض الجزاءات من قبل الجهة المنوط بها تنفيذ حبسه لكي يكون عظة وعبرة لمن يفكر في الانجراف وراء ذلك التيار.
من المعلوم أن وجود الإنسان في المكان المقيد لحريته وفقاً للقانون يدعه يبحث عن استبيان أين تكمن الحقيقة؟، وهي ما تكشفها التحريات المتعلقة بهذه التهمة أو تلك، وفي الأصل المتهم برئ حتي تثبت إدانته من السلطة القضائية، والتي يتأتي أمرها فيما بعد بالحبس بعد النطق بالحكم حسب الجرم، والذي يوجد في إطاره قانوناً ينظيم عمل السجون وكيفية تعامل إداراتها مع السجناء أو المنتظرين، وعليه من يفكر في الهرب فإنه يعرض نفسه للخطر وفقدانه فرصة الإصلاح والتهذيب والتأهيل الذي سوف يجده خلال قضائه فترة الحبس في هذا السجن أو ذاك، ومع هذا وذاك فإن السجون تنقسم إلى سجون (اتحادية)، (ولائية)، (مصحات)، (دور التربية)، ومعسكرات مفتوحة و شبه مفتوحة.