.........................
الساعدي سدد طعنات لحراسه الشخصيين بسبب (خروف طرابلس)
.......................
خطاب القذافي الشهير (زنقة.. زنقة) جعل نجله يصبح حرساً شخصياً له
......................
جلس إليه : سراج النعيم
......................
لا يدري السودانيون الذين قتلوا، أو سلبوا، أو نهبوا، أو نجوا من جحيم
نيران القذافي أو الثوار الذين أطلقوا علي أنفسهم ثورة (17 فبراير) أن
الأحداث الدامية التي شهدتها ليبيا ما هي إلا مصادفة للخروج من المستقبل
إلي الحاضر المرير، وذلك بالعودة إلي ماضي المستعمر القديم في محاولة لا
تعرف أين تركض، وهي موضوعة على حافة الهاوية، وذلك يلخص في الإنفلات الأمني
الذي راح ضحيته الكثير من السودانيين الأبرياء الذين كل ذنبهم، أنهم كانوا
يبحثون عن أوضاع اقتصادية أفضل مما هم عليه، إلا أنهم لم يخطر ببالهم أنه
كان ينتظرهم مصير مجهول، مما أستدعي ثمة احاسيس محكومة بالإعدام رمياً
بالرصاص بالأسلحة الخفيفة والثقيلة معاً، أو السلاح الأبيض الذي كان
يستخدمه بعض اللبيبين الذين لم يتمكنوا من اقتناء أسلحة نارية من مكاتب
الأمن الداخلي أو أقسام الشرطة لحظة انفجار الأوضاع.
ومن هنا تبدأ
الافكار تتقافز على المخيلة بشكل أكثر وضوحاً، فالواقع ينبئ بأن الوضع
يزداد سوءاً يوماً بعد يوم، وذلك لمجرد أن الطرفين يعملان وسط دوي الانفجار
الإنساني والأخلاقي، لذلك كان بداخلي إيمان يقيني كبير يؤكد لي في كل لحظة
أن ليبيا سقطت في بئر عدم الاهتمام بالتوقع لما تنبئ عنه مواقف سياسية
محددة، تفرز تداعيات لا تتوافق مع تفكير المجتمع البسيط الذي لا يهمه كل ما
يدور من أحداث بقدر ما يهمه أن يعيش حياته مستقراً في أمن وسلام، هكذا
أبتدر الشاب السوداني (صديق النور) مأساة السودانيين بليبيا لاقترابه بشكل
مبديء من مركز القرار بالنظام الحاكم، وإنشائه صداقات مع بعض الثوار، وذلك
من واقع أنه كان يعمل محاسباً مالياً مع العميد مهندس الساعدي نجل الرئيس
الليبي معمر القذافي.
وقال : لم نحزن على خلفية انفجار الأوضاع بليبيا
حزناً انسانياً صافياً، إنما سجنا أنفسنا في كيفية الخروج من هذا الواقع
الملغوم منذ اللحظات الأولى، فأنا أمضيت في مدينة (زوارة) الواقعة غرب
طرابلس (12 عاماً)، شغلت من خلالها رئيس الجالية السودانية بشعبية النقاط
الخمس، وهي زوارة، صبراتة، العجيلات والجميل زلطن، إلي جانب أنني كنت منسق
الشباب والرياضة، وما أن انطلقت شرارة الثورة الأولى بمدينة (بنغازي)، إلا
وكونا غرفة طوارئ لإجلاء السودانيين عبر الطرق المؤدية إلي تونس، رغماً عن
أنه واجهتنا بعض الصعاب، منها عدم رغبة البعض في العودة للوطن بحجة أنه ليس
لديهم شيئاً يشجعهم على ممارسة هذا الفعل، حتي ولو كانت تلك الأحداث
الدامية تقودهم إلي الموت والهلاك، ضف إلي ذلك أن بعض الأسر المقيمة
لفترات زمنية طويلة بليبيا لا ترغب في أن تشد الرحال للسودان، إلا بعد أن
تحمل معها كل المغتنيات الخاصة بها التي تعتبرها كل حصاد غربتها علي مدي
سنوات طويلة.
وفي ذات السياق أشار إلي أنه أتصل عليه البعض من
السودانيين الذين اجبروا على الإنضمام لكتائب القذافي، مؤكدين له أنه تم
أخذهم للمشاركة في الحرب التي شنت على ثوار ثورة (17 فبراير) باجدابيا، فلم
يكن أمامهم مفر سوى الاستجابة لذلك، إلا أن الكتائب التابعة لنظام الحكم
المحلول استخدمتهم كدروع بشرية، فكان أن قتل منهم أعداد كبيرة جداً.
وأردف : عندما تسألني عن الساعدي نجل الرئيس الليبي، أقول لك بكل صدق أنه
يتعامل بصورة سيئة يبدأها بأفراد حراسته الخاصة، وفي كثير من الأحيان
يتجاذب معي أطراف الحديث، وأتذكر أنه ذات مرة أنه طلب من حراسه الشخصيين،
طلباً غريباً هو أن يحضروا له خروفاً من (طرابلس)، وهي تبعد عن مدينة زوارة
(100) كيلو، وعندما نفذوا توجيهاته حرفياً ارتدى (برمودة) وحمل سكينه
وتوجه إلي الخروف محاطاً بالحراس الخاصين، وذبح (الخروف) بنرجسية، وما أن
اشبع رغبته، إلا ووجه آلته الحادة (سكين) إلي حراسه الشخصيين، مسدداً بها
طعنات قاتلة لهم جميعاً، الأمر الذي أضطر البعض منهم للفرار من أمامه بحكم
أنه لديه سلطات تخول له قتل أي إنسان لا يلبي مطالبه، خاصة وأنه يتعاطى
المخدرات بشراهة، ما يجعله يتصرف مع المحيطين به في تلك الأثناء تصرفات
أطفالية، تغيب معها كل المعايير العقلية والأخلاقية، فكانت هذه التصرفات هي
الطامة الكبرى، لأنه يبرز كل حدث في سياق (قزم)، ويحصر جل تفكيره في
(الشهوات) و(الغرائز)، ما حدا به أن يكون إنساناً متسلطاً بصورة همجية،
عاملاً بذلك على إخضاع الآخرين لرغباته التي تطل بقوتها الأحادية، واستطاع
أن يرسخ هذه المفاهيم، ولم يكن الساعدي يتوخى الاستقرار بليبيا، لأنه لا
يركن لمسرح الحياة المحلي، هكذا هي استراتيجياته.
وتابع : ومن عملي معه
بمدينة زوارة، فهو رجل لا يحتمل بتاتاً، لذلك ومن وسط هذا الخضم الداخلي
والخارجي المتلاطم، كان حائراً من تصاعد وتيرة التظاهرات، ثم استمرار
الثوار في معاركهم ضد كتائب القذافي، وهم الثوار الذين أفزرتهم ثورة (17
فبراير)، والتي جعلت الساعدي المتعجرف يصبح ياوراً لوالده، وربما كلكم
لاحظتم وقوفه خلف القذافي عندما كان يهدد في شعبه ويرسي لهم دعائم ما يخطط
له ورفع شعاراً واضحاً حمله خطابه الشهير (زنقة.. زنقة.. دار.. دار..
والخ..)، والذي ما أن فرغ من تلاوته، إلا وقام نجله الساعدي بتقبيله، وكنت
أنا أعمل جاهداً على استغلال علاقتي بالطرفين النظام الحاكم وثوار ثورة 17
فبراير لصالح السودانيين، فكان أن تمكنت من إقناع الكتائب الليبية، والشباب
الثائر على نظام الحكم بالبلاد، وذلك بمنح بعض السودانيين بطاقات تسهل
مهمة تنقلهم بين المدن المسيطر عليها هذا الطرف أو ذاك، فالقصف كان وما زال
عشوائياً، مما أدى إلي تدمير الكثير من منازل السودانيين في مختلف المدن،
فللمرة الاولى تغيرت كل هموم واهتمامات الشعب الليبي، وأخذت لوناً وشكلاً
ومضموناً اخراً.
ومضي : بدأت تتوطد علاقتي بنجل الرئيس الليبي من خلال
عملي باللجان الثورية الشعبية التابعة لنظام الحكم بالبلاد، فهي أتاحت لي
فرصة التعرف عليه عن قرب إلي أن عرض عليّ العمل معه بواسطة عقيد بجهاز
الأمن الخارجي، فلم أتوانى بالموافقة ولو لكسر من الثانية.
واستطرد :
الساعدي القذافي مدلل جداً ولا يعجبه العجب، لذلك أنزعج جداً عندما ذكرت
صحيفة (ديلي مرور) البريطانية : (إن الساعدي نجل العقيد القذافي رئيس
الاتحاد الليبي لكرة القدم، على وشك أن يصبح المالك الرابع لنادي
(بورتسموث) الإنجليزي خلال ستة أشهر)، الأمر الذي اعتبره الساعدي افشاء
لإسراره قبل أن يعلن عنها هو شخصياً، فالمحادثات التي أجراها وقتئذ مع وفد
(فراتون بارك الاعلى السيد على آل فرج)، كانت محاطة بسرية تامة من الطرفين،
خاصة وأن نادي (بورتسموث) مديون ديوناً تقدر بـ (60) مليون جنيه استرليني،
الشيء الذي جعل أحدى الصحف الليبية تؤكد أن وتيرة الصفقة تسارعت منذ صدور
قرار التصفية، حيث من المتوقع أن يكون قد انجز (95) في المائة منها.
فلنقل أننا كنا أمام حالة من حالات الانفلات الأمني المرتبط بالقدرة علي
التصالح مع التاريخ والتسامح مع الخصوم السياسيين والمفكرين، بحيث يظل
التاريخ في النهاية هو التاريخ الذي انفجرت على إثره الأوضاع بليبيا، وأكد
(صديق النور) أن الأحداث بليبيا كانت لا تطاق نهائياً، فهي أخذت طابعاً
أخراً، وحكاية هذه الأحداث الدامية، حكاية من حكايات لا يمكن أن يتصورها
عقل، فما حدث بالضبط لم يكن حدثاً عادياً، أو مجرد ظاهرة وتذهب بمرور الزمن
إلي غير رجعة، مشيراً إلي أنه عندما بدأت التظاهرات كان يقضي في إجازة عن
عمله مع الساعدي نجل العقيد معمر القذافي، بالمقابل أحدث غياب الأمن كل
الفوضي التي شاهدها العالم بصورة عامة، ولكن ما لم يشاهده أفظع بكثير، خاصة
وأن التظاهرات بدأت بمهاجمة مواطني مدينة (زوارة) لمؤسسات الدولة، ثم
اضرموا فيها النيران، بما فيها مديرية جهاز الأمن الداخلي، وحينما وجد
الشباب والنشء الليبي أن الظروف الراهنة في حاجة للمزيد من الفوضى لم
يتوانوا ولو للحظة واحدة، ولم ينصاعوا لميكانيكية القياسات الصارمة، فما
كان منهم إلا وأن استولوا على الأسلحة الخفيفة والثقيلة، كما أنهم ظهروا في
الطرقات العامة، وهم يرتدون (البزات) العسكرية برتب كبيرة مثلاً تجد شاباً
لا يتجاوز العشرين عاماً برتبة عميد، ومن هذه المشاهد قتل الكثير من
السودانيين الذين أجبر البعض منهم بالانخراط مع الثوار، أما بالنسبة للنظام
الحاكم، نظام الرئيس معمر القذافي، فإنه يأتي إلي السودانيين المقيمين
بالمدن الليبية المختلفة في منازلهم، ويقولون لهم أما أن تكونوا معنا أو
ضدنا، وكل خيار أمر من الثاني، لأنك لو رفضت الفكرة المطروحة عليك سيقتلونك
بلا رأفة أو رحمة.
ومن هذا المنطلق قد توافق هذا الرجل أو تخالفه
الرأي حول نظريته لحل القضايا العالقة، فاليوم الذي توجهت فيه معه إلي
قريته السياحية بمدينة زوارة، تكشفت ليّ كل الحقائق المسكوت عنها، فهذه
القرية تتم فيها كل الممارسات الغير مشروعة، إذ يأتي إليها من يعقد معهم
صفقاته المشبوهة تحت غطاء أنهم سياح، وهو دائماً ما يبرمج حساباته على
تلبية طموحاته ورغباته الشخصية، حتى لو كانت تتعارض مع أهواء الآخرين وربما
هذا ما أفلح فيه الغرب بغرس هذه الأفكار المخالفة للدين والفكر والفلسفة
في عقلية الساعدي، الذي أنبهر بالحضارة والثقافة الغربية البالية، وذلك على
حساب الحضارة والثقافة الإسلامية والعربية، وبالتالي أجزم جزماً قاطعاً
بأن الغرب نجح نجاحاً منقطع النظير، في فرض أسلوب حياته وقيمه وأخلاقه، حيث
أنها سيطرت علي عقل الساعدي القذافي، الذي أصبح بمرور الزمن يخضع خضوعاً
تاماً لهم، ماحياً الذات متقبلاً التبعية، وهكذا استطاع الغرب أن يرسخ
اقدامه عن طريق غزو عقلية الساعدي القذافي فكرياً وثقافياً ورياضياً والجذب
بالجنس الآخر.