الاثنين، 9 أبريل 2018

الموسيقار بشير عباس في حوار استثنائي حول رحيل العملاق وردي















...............................
أنا المستشار الفني لفنان أفريقيا الأول منذ ستينيات القرن الماضي
.............................
الفنانون الموجودين في باطن الأرض خيراً من أولئك الذين يمشون عليها
..............................
جلس إليه : سراج النعيم
...............................
حرص الموسيقار بشير عباس على سبر أغوار أعمق وأبعد في تجربة العملاق محمد وردي وذلك في ظل المناخ الجاد الصارم الذي أدخل عباس في موجة بكاء، بينما لم يستطع أن يحبس دموعه التي انهمرت مدراراً، وهو يقول : أعتقد أنه يمكن إيجاز علاقتي القوية مع وردي، ولكن كنت باستمرار أرى فيه أنه وظف منتوجه الإبداعي منذ البداية كفنان محترف لا يغفل عن تطويع الكلمات التي تمتاز بالبساطة في الطرح والتناول والتنوع الذي استمر فيه متفوقاً، فيما أخططه لنفسه حتى أنه كان مضرب مثل في القدرة على أداء ألوان وفنون غنائيه متعددة وبإحساس بالغ الثراء الفني، ويمكن أن أوتار آلة العود في غناء وردي لـ(نور العين) تفضح عشق الشاعر إسماعيل حسن وبالتالي تبقي هذه الأغنية ذات وقع خاص في نفسه، لذلك وقع اختياره لها لكي يشدو بها في مطار الخرطوم بعد عودته من هجرته المتصلة ثلاثة عشر عاماً.
وأردف : وعندما قدم تحفته الفريدة (جميلة ومستحيلة) للشاعر محجوب شريف كانت تمثل بالنسبة له مرحلة النضوج والاستقرار، وبها استقر به المقام مع نجوم القمة الغنائية في السودان حتى أن تجاربه مع اسحق الحلنقي، عمر الطيب الدوش، التجاني سعيد، صلاح أحمد إبراهيم وآخرين تحمل بين طياتها الاعتزاز والافتخار وكأنهم كانوا يؤطرون ما بين الشوق والحنين، وما بين الكبرياء وعزة النفس الأبية، وظهر ذلك جلياً في النصوص الغنائية التي كتبوا كلماتها ووضع الموسيقار وردي الحانها، وهي تمتاز بالتحريض الواضح للقلب والبحث عن الانتصار بعيداً عن التراجع في المبادئ، الغرامية التي تؤدي في الغالب الأعمَّ إلى الانهزام هكذا تجاوز منعطف الألحان التقليدية من خلال اصطناع ضروب لحنية من الاتساق بين اللحن والأداء والكلمة المغناة التي صورها برؤية تكاد تحقق الانتشار كلياً للأغنية السودانية، بل قل أنه تحقق فعلياً، ومن هنا نقلنا إلى مستويات راقية عبر الجوانب اللحنية ثم ما يليها من عمق في الأداء المؤثر في المتلقي، وهذا جعله يحس بالدور المتعاظم الملقي على عاتقه وبدوره الكامن للإسهام الإيجابي، لذلك طرق كل الأبواب الموصدة في بلدان مجاورة لاختراق هذه، الأمبراطوريات الكبرى وكان ذلك بمثابة مهاد سخي لبقية الفنانين.
وكشف الموسيقار بشير عباس السر الذي جعله يعزف للفنان محمد وردي آلة العود في ستينيات القرن الماضي، إذ قال : كانت فكرته فيما ذهبت إليه تنحصر في أنه كان يرغب في التركيز على الأداء دون الانشغال بالعزف، ومن ساعتها أصبحت المستشار الفني له أسوة بالفنان الكبير محمد عبدالوهاب الذي أحببت عبقريته وأغانيه، فيما أحب وردي كل ما هو أصيل في الموسيقى، وهو كان – عليه الرحمة – ذو ذوق (محافظ) في هذا الحقل، ولكل هذه الصفات تجد قلبي يخفق طرباً له، فهو كان مدهشاً وعظيماً، لأنه جعل الفنانين الموجودين في باطن الأرض خيراً من أولئك الذين يمشون عليها، وأن كنت لا أقصد بأي حال من الأحوال تقليل شأن الآخرين بقدرما أنني أثق في أن وجهت نظري هذه هي نفسها وجهت نظرهم.
وأردف : ومن الأشياء التي وقفت عندها لحظة تشييع جثمان الدكتور محمد وردي أنه صادف وفاة شقيقتي وفي تلك الأثناء تلقيت اتصالاً هاتفياً من ابنتي الدكتورة ألحان، هي تقول ليّ يا والدي : الآن اشاهد في التلفاز نقل مراسم تشييع الفنان محمد وردي بمقابر فاروق، وتسترسل في وصف المشهد دون أن تدري أن عمتها توفيت إلى رحمة مولاها، وكان جُل تفكيرها منحصراً في تعزيتي على فقدنا للفنان العظيم محمد وردي، وكنت لحظة ظهور اسمها على شاشة هاتفي الجوال اظن أنها تود تعزيتي في وفاة شقيقتي فقلت لها : رغماً عن أن التعزية تتعلق بالأخ والصديق محمد وردي إلا أنها صادفت هواً في نفسي للعلاقة العميقة التي جمعتني به طوال السنوات الماضية، وقد استطاعت أن تترجم شعورها في وفاة عمها فنان أفريقيا والوطن العربي لأنه فنان (ماساهل)، وحقيقة فقدته كثيراً جداً، ثم انخرط في البكاء عليه.
واستطرد : يكفي وردي أنه كان مشدوداً بحبه للوطن الذي يأتي إليه ويقدم روائعه ويقف قليلاً مع أحاسيس ومشاعر جماهيره العريضة حيث أتضح ذلك لدى عودته قادماً من الولايات المتحدة الامريكية عبر مطار القاهرة في يوم الأربعاء الثاني والعشرين من مايو 2002م ، حيث استقبلته امواج بشرية متلاطمة بباحة مطار الخرطوم، وبذلت الشرطة السودانية بكل مسمياتها جهوداً مقدرة في تهدئة هذه الحشود التي ظلت بانتظار صعود العملاق حقاً محمد وردي إلى خشبة المسرح ومضت الساعات والجمهور يعبر عن حبه وإعجابه بترديد روائعه وقد تناقلت هذا الحدث مجالس المدينة والوسائط الإعلامية بمسمياتها المختلفة، وفي تمام الساعة التاسعة مساء صعد هو إلى المسرح وسط عاصفة من التصفيق، فيما أرتفعت الأصوات وهي تهتف (بالروح بالدم نفديك ياوردينا)، ولم يتمالك هو نفسه وسالت دموعه مدراراً لرؤيته هذا الكم الهائل من أبناء السودان الأوفياء يسعدون بعودته، حينها أمسك المايكروفون وغني أغنية (يا نور العين) للشاعر الراحل إسماعيل حسن وبعدها صدح بأغنية (يابلدي ياحبوب) للشاعر سيد احمد الحردلو، وكان الملفت للأنظار في تلك اللحظة أولئك الذين نقلوا الحفل عبر الهواتف السيارة إلى أهلهم ومعارفهم وأصدقائهم الذين لم يحضروا لظروف حالت دون ذلك.
وأضاف : أنا في غاية السعادة أن يكون بعض مستقبلي من النشء والشباب، ومن المشاهد والمواقف التي مرت عليه أي وردي وسمعته يرددها بنفسه هي قوله : ( كنت أغني في مدينة بورتسودان عام 1961م، وفجأة توقف صوتي نهائياً، فقمت بتأجيل الحفل حتى تم علاجي من الالتهاب الحاد ومن ثم أقمت الحفل للمرة الثانية.
ومضى بالقول : وردي له قصة مع إذاعة ركن السودان فعندما أراد تسجيل أغنيته الجديدة التي تحمل عنوان (مافي داعي)، فما أن بدأ العازفين في العزف إلا وتفاجأ بانقطاع التيار الكهربائي مما جعله ينتظر حتى طال انتظاره ولكن لارتباط العازفين بأعمال أخرى تأجل التسجيل لليوم التالي، وفي الزمان والمكان المحددين جاء وردي ومعه فرقته الموسيقية، وأيضاً تكرر نفس المشهد، ولكنه في هذه المرة لم يطل كثيراً، فبعد دقائق معدودة جداً عاد التيار الكهربائي ، وعلى بركة الله –سبحانه وتعالى – استعد مهندس الاستديو والفرقة الموسيقية، وما هي إلا دقائق وتوقفت ماكينة التسجيل حيث حدث لها عطب طاريء لم يكن في الحسبان، حينها لم يتمالك وردي نفسه وكان حاضراً معه الفنان الراحل حسن عطيه، فما كان منهما إلا وقالا بصوت واحد (مافي داعي) نسجل الأغنية اليوم على الأقل
ويشير بشير عباس إلى أن أبلغ ما قاله وردي من الابعاد المهمة لأحاديثه وأقواله التي لها أثرها في عكس التقدم المأمول فيما يتمتع به الفنان من ثقافة هائلة أنه قال : ( لو لم أكن فناناً لتمنيت أن أصبح فناناً، كما تمنيت أن أقدم نشيد وطني للأستاذ محمد عبدالوهاب.
وعن الواقع الجديد والمكانة التي حازها في نفوس الجماهير السودانية والأفريقية والعربية قوله : ( في أول مرة أواجه فيها الجمهور شعرت بالرهبة إلى أن انسجمت مع الجمهور وزالت رهبتي) وعندما يستقبلني الجمهور بالدموع والفرح كذلك ابادله نفس الشعور فأنا منه وإليه وهم حبي وحياتي وفني وطمبوري وكثرة المشغوليات تحول بيني وبين الرد على المعجبين لأنني ليس لدي سكرتير.
وأضاف : الأحاسيس والمشاعر عند وردي تعتمد على القدرات والملكات الذاتية، والتي يختلف في توظيفها عن الآخرين في إحياء روح الحب، وله رؤية تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك رهافة حسه : (لولا الحب ما كنت فناناً وموسيقاراً، فأنا أحب الله، الوطن، أهلي، أسرتي وجمهوري وأحب الذي عمق في داخلي هذه المعاني في كيفية الوصول للقمة واسهامي في التقدم الحضاري للامة، واستطعت بالجهد والعرق وحب فني وجمهوري بالتواجد في القمة، ومع هذا وذاك تمثل الثقافة للفنان صمام الأمان للاستقرار والعطاء المميز.
واسترسل : وبما أن كل الصفات المميزة اجتمعت في الموسيقار وردي فهي كانت المعبر الحقيقي الذي تسلح به كفنان أحترم الفن وقدر المتلقي ولا سيما أن من أصعب الأشياء التحدث عن زميل، ولكن وردي كان واضحاً وصريحاً حيث قال في حق الموسيقار محمد الأمين : (الفنان محمد الأمين قمة من قمم الغناء في السودان)، وعن ما هو المنظور الذي جعله يستنتج أن تجاعيد وجهه تشبه (خريطة السودان) قال : إن طفل صغير التقاني ذات مرة ومعه والدته جاءاً لتحيتي، والسؤال عني فظل ذلك الطفل يحدق في وجهي بشكل جعلني أقف عنده كثيراً وسرعان ما قال الطفل لأمه : إن وردي وجهه يشبه (خريطة السودان) يكفي هذا أن يجعلني أكثر الناس سعادة لأنني مسكون لدرجة الجنون بالسودان هذا الوطن الذي منحني كل الحب والتقدير، وجعلني بحب أبنائه رمزاً من رموزه لذلك أفخر كثيراً به وبأهله.
وذكر : كانت هجرته لأجل علو أسم السودان بين الدول الأفريقية والعربية، فكانت أول زيارة له للقاهرة في صيف عام 1959م، وهناك أحي حفلاً ساهراً كبيراً بمفرده على مسرح (أوديون) بالعاصمة المصرية، وقد قامت إذاعة (ركن السودان) بتسجيل الحفل كاملاً، وكان أن أستمع إليه المتلقي عبر برنامج (ليالي السودان) وذلك في نفس التاريخ، وأغلب الأغنيات التي تغني بها كانت من كلمات الشاعر الراحل إسماعيل حسن باستثناء الأغنية الوحيدة النوبية، وهي بالرطانة (الليلة أويلا) تحيه منه لأبناء المنطقة الشمالية، وقد برع في أغنية (القمر بوبا) التي أعاد كل مقطع من مقاطعها أكثر من مرة.
ويذكر بأن وردي من الفنانين الذين ظلوا قابضين على جمر الفن، ويعمل من أجل رفعة الغناء والمحافظة على كيان الفنانين حيث قدم عدداً من الألحان لبعض الفنانين أشهرها (والله مشتاقين) للدكتور الفنان عثمان مصطفي و(أيامك) للفنان صلاح بن البادية، ولعل آخر ألحانه قدمها للفنان الشاب طه سليمان بعنوان (الدموع) للشاعر اسحق الحلنقي.
ووردي عرف عنه عشقه للآلة الشعبية آلة (الطمبور) التي يزين بها جدار منزله، وسبق أن قال في خصوصها : (هي الآلة الوحيدة التي أحملها في كل رحلاتي الخارجية والداخلية، وأدندن بها لأطرب بها نفسي).
وتوقف عباس كثيراً في أغنية (بعد أيه) قائلاً : هذه الأغنية كانت أول حالة رفض في دنيا الغناء، إذ قال عنها النقاد آنذاك أن الحالة في تلك الفترة كان معروف عنها الإستسلام والإستكانة تماماً للمحب، ولكن وردي وإسماعيل حسن في (بعد ايه) كانا مميزين، وهي تكاد تحكي قصة في أرض الواقع، هكذا عشنا خيال شاعر، وهكذا عشنا مع اللحن والأداء المميز.
وتابع : كانت الإذاعة قدمت لنا مطرباً جديداً وبنموذج فريد، فكان هو محمد وردي الذي أطل من بين وسط عمالقة ذلك العصر الفنانين إبراهيم الكاشف وأحمد المصطفي والتاج مصطفي وعثمان حسين وإبراهيم عوض مختصراً المسافات في طرح الجديد، وبفكرة مبتكرة تحمل في حناياها مضموناً ومعني عميق، وبعدها صار وردي مستقلاً ذاتياً بالوجود الدائم بالأعمال الغنائية الجديدة التي تجد طريقها مباشرة إلى قلوب معجبيه، فكان كالزلزال الذي أحدث تغييراً كبيراً في المحيط الغنائي بصورة عامة متمحوراً بعيداً عن عناصر التكوين القابع في مكانه محدثاً نقلة نوعية في الحركة الفنية، وبالتالي نجح في يوليو من العام 1957م في خلق أرضية متينة وجديدة في الفن عموماً راسماً تاريخاً جديداً بأدوات غرس الأحاسيس والمشاعر، وبتميز صوته عن غيره حيث وصل إلى أسمي مكانه وإلى درجة كبيرة من الفهم في التجويد والتنوير، وأخذ يغوص في عوالم لا يستطيع غيره التطرق لها في اختيار النصوص الغنائية وفي الألحان وفي طريقة الأداء، فكل ما قدم عملاً جديداً يكون إضافة لرصيده الفني ويكتسب به جمهوراً جديداً وخبرة وقد تجلي في قوننتها.
عرباً نحن حملناها ونوبة
وختم الموسيقار عباس بقوله : لقد استوعب وردي درس النجاح جيداً خاصة وأنه ذاق مرارته وحلاوته حيث عمل له في هدوء تام كما ظل هو دائماً حيث قال : هذا النجاح يشعرني بأنني محمولاً على ريح بجناحيها لا تدور في بحر من الفراغ لأنني كنت أسبح في الاتجاه الصحيح وأسعى لتجويد فني قبل أن يري النور، ومن هنا نلتمس أنه لا يعرف سوي النجاح الذي يغري إحساس الفنان الذي يقدر ويحترم نفسه وجمهوره وفنه بالبذل والعطاء، وهما كانا قناعة في رؤيته الثاقبة التي استطاع بها الاندماج في إيقاع الفن المتطور والمتزن، ليكتسب ايقاعه عنفواناً جارفاً لا ينجو منه أحد، وأكثر ما توقفت عنده المقدمة الموسيقية للمقطع الشعري الذي يقول فيه الشاعر الراحل مرسى صالح سراج : -
حين خط المجد في الأرض دوربه
عزم ترهاقا وإيمان العروبة
عربا نحن حملناها ونوبة
فهذا الايقاع راقص يتحرك فيه الرجال في شكل دائري متماسكين على الكتوف وحركة الارجل تضرب برفق على الأرض.

صلاح بن البادية وسراج النعيم والحارث




















الحلنقي وسراج النعيم توثيق





















على خلفية إثارة طفل سوداني رعب الشرطة الأمريكية بـ(الايبولا) ... أسرة الإعلامية إحسان عبدالمتعال تصرف النظر عن مقاضاة أمريكا

...............................
القنوات الفضائية والإذاعات والصحف الأمريكية تنقل الحدث المثير
....................
نيويورك/ الخرطوم : سراج النعيم
..............................
صرفت أسرة الإعلامية السودانية إحسان عبدالمتعال النظر من اتخاذ إجراءات قانونية في مواجهة السلطات الأمريكية، بسبب الطفل المريض آنذاك (جعفر خالد بلال) وكانت الشرطة الأمريكية حاصرت منزل الإعلامية إحسان عبدالمتعال وزوجها الدكتور وليد مبارك بعد أن طلبت الأسرة الاسعاف.
وكشفت المذيعة إحسان عبدالمتعال أحمد المقيمة بالولايات المتحدة الأمريكية عن اللحظات المرعبة التي أمضتها هي وأفراد أسرتها بسبب اتهام السلطات الرسمية الأمريكية لنجل صديقهم السوداني (خالد بلال)، والذي شد الرحال من السودان إلى الولايات المتحدة ترافقه والدته إلي أمريكا شاكياً من الحمى المتكررة ونقص الدم.
وقالت : عندما حطت الطائرة التي تقله ووالدته رحالها بالأراضي الأمريكية توجها من مطار (نيويورك) إلي منزلنا بنفس المدينة مباشرة، وبدورنا قمنا بالاتصال بعربة الإسعاف لنقل المريض إلى المستشفي إلا أنه وبعد أقل من عشر دقائق تفاجآنا بثلاثة عربات إسعاف تقف أمام منزلنا ثم ترجل منها طاقمها الذي بدأ أفراده باستجوابنا حول الحالة المرضية القادمة من السودان فأعطتهم والدته كل المعلومات التي ترجمها لهم من اللغة العربية إلي الإنجليزية زوجي الدكتور وليد مبارك، وما أن تلقوا تلك المعلومات إلا واظهروا اهتماماً بالغاً وكبيراً بالمريض السوداني.
وأضافت : أكثر ما لفت نظري هو أن الطاقم الطبي الأمريكي الذي طوق منزلنا بسيارات الإسعاف كان يرتدي (كمامات) واقية من انتقال العدوى، وعلي هذا النحو تم أخذ الطفل السوداني المريض في سيارة إسعاف لوحده إلى المستشفي التي حينما وصولها كانت المفاجأة الثانية والمثيرة للاهتمام بأن شارع منزلنا بمدينة (نيويورك) امتلأ بعدد كبير من عربات الشرطة والإسعاف الأمريكيتين، وتبدو علي وجوه رجال الشرطة والإسعاف حالة من الفزع والخوف الشديدين باعتبار أن الحالة الصحية القادمة من السودان ربما قد تكون مصابة بمرض (الإيبولا) المرض الذي شغل العالم علي أعلي مستوياته وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبره وحشاً كاسراً.
وأردفت : وحينما وصل المريض السوداني إلى مستشفي ( brook dale hospital) تم إجلاء عدد كبير من المرضي وحجز المريض السوداني في جزء من المستشفي أي تم عزله وحيداً لحين إجراء الفحوصات الطبية، بينما أبعدت والدته (رباب) وابنة شقيقتي (نانسي معاذ) المرافقتين له في جزء آخر من المستشفي.
واسترسلت : أما بالنسبة لنا في المنزل بمدينة (نيويورك) فتمت محاصرته بعدد كبير من سيارات الشرطة والإسعاف الأمريكيتين من الخارج، وكان أفراد الشرطة والصحة يستوضحون زوجي الدكتور وليد مبارك كل ربع ساعة عن عدد أفراد الأسرة، وكم فرد جاء قادماً مع المريض من السودان، وما هي أعراض المرض المصاب به وإلي آخره من الأسئلة؟؟.
واستطردت : ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد إنما طالبونا وبأمر شديد اللهجة بعدم تحرك أي فرد من أفراد الأسرة خارج المنزل إلى أن تصلهم معلومات من الجهات المعنية أو أنهم مضطرين إلي أخذنا جميعاً إلي المستشفي ووضعنا في منطقة عازلة في حال التأكد من المرض.
وتابعت : وما أن مر علي ذلك دقائق إلا وجاءت إلينا عدد من القنوات الفضائية والإذاعات والصحف الأمريكية أبرزها قناتي ( CBS NEW YORK) و( 12 channel top news) وجميعهم أجروا معنا حوارات حول اتهام السوداني (خالد) بمرض ( الايبولا ) المرض الذي شغل الرأي العام منذ ظهوره في أفريقيا.
ومضت : وبحمده تعالي بعد إجراء الفحوصات تأكد بما لا يدع مجالاً للشك أن السوداني (خالد) خالٍ تماماً من مرض ( الإيبولا) والحمد لله.
وأشارت إلي أن زوجها الدكتور وليد مبارك ظل ينفي نفياً قاطعاً لوسائل الإعلام الأمريكية إمكانية إصابة الطفل القادم من السودان بمرض (إيبولا) قائلة : إن الدكتور وليد مبارك عدد لكل وسائل الإعلام الأمريكية الاختلاف في أعراض المرض وما هو المرض الذي يعاني منه المريض السوداني مؤكداً أن السودان الدولة الإفريقية لا تقع في الدائرة الجغرافية للدول الحاملة لمرض (الإيبولا).
وذكرت : وعضد نفي زوجي الدكتور وليد الأطباء الأمريكان الذين شخصوا حالة الطفل مؤكدين أنه خالٍ من مرض (الايبولا) الذي أفزع الولايات المتحدة وحكومتها علماً بأن هناك حالة واحده في مدينة (تكساس) الأمريكية وقد توفي المريض بها إهمالاً بعد حوالي السبع ساعات.
وعادت إلي الأجهزة الإعلامية الأمريكية قائلة : أكدت كل وسائل الإعلام الأمريكية عدم حمل الطفل (خالد بلال) للمرض إلي جانب أنها أشارت بأنه قادم من أواسط شرق إفريقيا، وعلي خلفية هذا الحدث تم استبعاد السودان من بين الدول الحاملة لمرض (الإيبولا).
وأوضحت : وبما أن من أفراد أسرتنا أطباء مميزون ونوابغ في الحقل الطبي كانت ابنة شقيقتي الدكتورة (سماح إبراهيم) تتابع معنا ما يجري عبر الهاتف وتعطينا الإرشادات في كيفية التعامل مع الحالة المرضية المصنفة من أمراض المناطق الحارة وقد استفاد الأطباء الأمريكان من توجيهاتها ضف إليها زوجي الدكتور وليد مبارك وتمكنوا بفضل الله وجهودهم من نفي الإصابة مبكراً.
وبينت : تأكد تأكيداً جلياً بأن المتهم زوراً وبهتاناً (خالد) لا يحمل في جسده الطاهر أي نوع من الأمراض التي أخافت الإنسانية بعد أن أجريت له كل الفحوصات اللازمة التي أكدت أنه مصاب بالحمى والملاريا اللذين يعتبران من أمراض المناطق الحارة التي يجهلها الأمريكان ويجهلون طريقة التعامل معها لذلك صنفوها بما يتوفر لهم رغماً عن أنهم يمتلكون احدث المعامل مع وجود كادر من الأطباء المؤهلين إلا أنهم لا يعرفون كيفية التعامل مع أمراض المناطق الحارة بالشكل الأمثل لذلك جاء الاهتمام بهذه الحالة نسبة إلي أن مرض (الإيبولا) أفزع الأمريكان خاصة بعد اكتشاف عدد من الحالات في مدينة (تكسا) الأمريكية ويعتبر مرض فيروس (إيبولا) المعروف قبلاً باسم حمى (إيبولا النزفية) هو مرض وخيم يصيب الإنسان وغالباً ما يكون قاتلا ويصل معدل الوفيات التي تسببها الفاشية إلى 90% وتندلع أساساً فاشيات حمى (الإيبولا النزفية) في القرى النائية الواقعة في وسط أفريقيا وغربها بالقرب من الغابات الاستوائية المطيرة وينتقل فيروس الحمى إلى الإنسان من الحيوانات البرية وينتشر بين صفوف التجمعات البشرية عن طريق سرايته من إنسان إلى آخر ويُنظر إلى خفافيش الفاكهة المنحدرة من أسرة (Pteropodidae) على أنها المضيف الطبيعي لفيروس حمى (الإيبولا) يتطلب المصابون بالمرض الوخيم رعاية داعمة مركزة. وليس هناك من علاج أو لقاح نوعيين مرخص بهما ومتاحين للاستخدام لا للإنسان ولا للحيوان.
وقال المختصون : مرض فيروس الإيبولا (EVD) أو حمى الإيبولا النزفية (EHF) هو أحد الأمراض البشرية التي تحدث بسبب الإصابة بفيروس الإيبولا وتبدأ الأعراض عادةً بالظهور بعد يومين إلى ثلاثة أسابيع من الإصابة بالفيروس، وتتمثل في حمى والتهاب الحلق وآلام العضلات وصداع وعادةً ما يتبعها غثيان وقيء وإسهال، ويصاحبها انخفاض وظائف الكبد والكلية ويبدأ بعض الأشخاص بالتعرض لمشاكل النزيف في هذه المرحلة.

الموسيقار بشير عباس في حوار استثنائي حول رحيل العملاق وردي






...............................
أنا المستشار الفني لفنان أفريقيا الأول منذ ستينيات القرن الماضي
.............................
الفنانون الموجودين في باطن الأرض خيراً من أولئك الذين يمشون عليها
..............................
جلس إليه : سراج النعيم
...............................
حرص الموسيقار بشير عباس على سبر أغوار أعمق وأبعد في تجربة العملاق محمد وردي وذلك في ظل المناخ الجاد الصارم الذي أدخل عباس في موجة بكاء، بينما لم يستطع أن يحبس دموعه التي انهمرت مدراراً، وهو يقول : أعتقد أنه يمكن إيجاز علاقتي القوية مع وردي، ولكن كنت باستمرار أرى فيه أنه وظف منتوجه الإبداعي منذ البداية كفنان محترف لا يغفل عن تطويع الكلمات التي تمتاز بالبساطة في الطرح والتناول والتنوع الذي استمر فيه متفوقاً، فيما أخططه لنفسه حتى أنه كان مضرب مثل في القدرة على أداء ألوان وفنون غنائيه متعددة وبإحساس بالغ الثراء الفني، ويمكن أن أوتار آلة العود في غناء وردي لـ(نور العين) تفضح عشق الشاعر إسماعيل حسن وبالتالي تبقي هذه الأغنية ذات وقع خاص في نفسه، لذلك وقع اختياره لها لكي يشدو بها في مطار الخرطوم بعد عودته من هجرته المتصلة ثلاثة عشر عاماً.
وأردف : وعندما قدم تحفته الفريدة (جميلة ومستحيلة) للشاعر محجوب شريف كانت تمثل بالنسبة له مرحلة النضوج والاستقرار، وبها استقر به المقام مع نجوم القمة الغنائية في السودان حتى أن تجاربه مع اسحق الحلنقي، عمر الطيب الدوش، التجاني سعيد، صلاح أحمد إبراهيم وآخرين تحمل بين طياتها الاعتزاز والافتخار وكأنهم كانوا يؤطرون ما بين الشوق والحنين، وما بين الكبرياء وعزة النفس الأبية، وظهر ذلك جلياً في النصوص الغنائية التي كتبوا كلماتها ووضع الموسيقار وردي الحانها، وهي تمتاز بالتحريض الواضح للقلب والبحث عن الانتصار بعيداً عن التراجع في المبادئ، الغرامية التي تؤدي في الغالب الأعمَّ إلى الانهزام هكذا تجاوز منعطف الألحان التقليدية من خلال اصطناع ضروب لحنية من الاتساق بين اللحن والأداء والكلمة المغناة التي صورها برؤية تكاد تحقق الانتشار كلياً للأغنية السودانية، بل قل أنه تحقق فعلياً، ومن هنا نقلنا إلى مستويات راقية عبر الجوانب اللحنية ثم ما يليها من عمق في الأداء المؤثر في المتلقي، وهذا جعله يحس بالدور المتعاظم الملقي على عاتقه وبدوره الكامن للإسهام الإيجابي، لذلك طرق كل الأبواب الموصدة في بلدان مجاورة لاختراق هذه، الأمبراطوريات الكبرى وكان ذلك بمثابة مهاد سخي لبقية الفنانين.
وكشف الموسيقار بشير عباس السر الذي جعله يعزف للفنان محمد وردي آلة العود في ستينيات القرن الماضي، إذ قال : كانت فكرته فيما ذهبت إليه تنحصر في أنه كان يرغب في التركيز على الأداء دون الانشغال بالعزف، ومن ساعتها أصبحت المستشار الفني له أسوة بالفنان الكبير محمد عبدالوهاب الذي أحببت عبقريته وأغانيه، فيما أحب وردي كل ما هو أصيل في الموسيقى، وهو كان – عليه الرحمة – ذو ذوق (محافظ) في هذا الحقل، ولكل هذه الصفات تجد قلبي يخفق طرباً له، فهو كان مدهشاً وعظيماً، لأنه جعل الفنانين الموجودين في باطن الأرض خيراً من أولئك الذين يمشون عليها، وأن كنت لا أقصد بأي حال من الأحوال تقليل شأن الآخرين بقدرما أنني أثق في أن وجهت نظري هذه هي نفسها وجهت نظرهم.
وأردف : ومن الأشياء التي وقفت عندها لحظة تشييع جثمان الدكتور محمد وردي أنه صادف وفاة شقيقتي وفي تلك الأثناء تلقيت اتصالاً هاتفياً من ابنتي الدكتورة ألحان، هي تقول ليّ يا والدي : الآن اشاهد في التلفاز نقل مراسم تشييع الفنان محمد وردي بمقابر فاروق، وتسترسل في وصف المشهد دون أن تدري أن عمتها توفيت إلى رحمة مولاها، وكان جُل تفكيرها منحصراً في تعزيتي على فقدنا للفنان العظيم محمد وردي، وكنت لحظة ظهور اسمها على شاشة هاتفي الجوال اظن أنها تود تعزيتي في وفاة شقيقتي فقلت لها : رغماً عن أن التعزية تتعلق بالأخ والصديق محمد وردي إلا أنها صادفت هواً في نفسي للعلاقة العميقة التي جمعتني به طوال السنوات الماضية، وقد استطاعت أن تترجم شعورها في وفاة عمها فنان أفريقيا والوطن العربي لأنه فنان (ماساهل)، وحقيقة فقدته كثيراً جداً، ثم انخرط في البكاء عليه.
واستطرد : يكفي وردي أنه كان مشدوداً بحبه للوطن الذي يأتي إليه ويقدم روائعه ويقف قليلاً مع أحاسيس ومشاعر جماهيره العريضة حيث أتضح ذلك لدى عودته قادماً من الولايات المتحدة الامريكية عبر مطار القاهرة في يوم الأربعاء الثاني والعشرين من مايو 2002م ، حيث استقبلته امواج بشرية متلاطمة بباحة مطار الخرطوم، وبذلت الشرطة السودانية بكل مسمياتها جهوداً مقدرة في تهدئة هذه الحشود التي ظلت بانتظار صعود العملاق حقاً محمد وردي إلى خشبة المسرح ومضت الساعات والجمهور يعبر عن حبه وإعجابه بترديد روائعه وقد تناقلت هذا الحدث مجالس المدينة والوسائط الإعلامية بمسمياتها المختلفة، وفي تمام الساعة التاسعة مساء صعد هو إلى المسرح وسط عاصفة من التصفيق، فيما أرتفعت الأصوات وهي تهتف (بالروح بالدم نفديك ياوردينا)، ولم يتمالك هو نفسه وسالت دموعه مدراراً لرؤيته هذا الكم الهائل من أبناء السودان الأوفياء يسعدون بعودته، حينها أمسك المايكروفون وغني أغنية (يا نور العين) للشاعر الراحل إسماعيل حسن وبعدها صدح بأغنية (يابلدي ياحبوب) للشاعر سيد احمد الحردلو، وكان الملفت للأنظار في تلك اللحظة أولئك الذين نقلوا الحفل عبر الهواتف السيارة إلى أهلهم ومعارفهم وأصدقائهم الذين لم يحضروا لظروف حالت دون ذلك.
وأضاف : أنا في غاية السعادة أن يكون بعض مستقبلي من النشء والشباب، ومن المشاهد والمواقف التي مرت عليه أي وردي وسمعته يرددها بنفسه هي قوله : ( كنت أغني في مدينة بورتسودان عام 1961م، وفجأة توقف صوتي نهائياً، فقمت بتأجيل الحفل حتى تم علاجي من الالتهاب الحاد ومن ثم أقمت الحفل للمرة الثانية.
ومضى بالقول : وردي له قصة مع إذاعة ركن السودان فعندما أراد تسجيل أغنيته الجديدة التي تحمل عنوان (مافي داعي)، فما أن بدأ العازفين في العزف إلا وتفاجأ بانقطاع التيار الكهربائي مما جعله ينتظر حتى طال انتظاره ولكن لارتباط العازفين بأعمال أخرى تأجل التسجيل لليوم التالي، وفي الزمان والمكان المحددين جاء وردي ومعه فرقته الموسيقية، وأيضاً تكرر نفس المشهد، ولكنه في هذه المرة لم يطل كثيراً، فبعد دقائق معدودة جداً عاد التيار الكهربائي ، وعلى بركة الله –سبحانه وتعالى – استعد مهندس الاستديو والفرقة الموسيقية، وما هي إلا دقائق وتوقفت ماكينة التسجيل حيث حدث لها عطب طاريء لم يكن في الحسبان، حينها لم يتمالك وردي نفسه وكان حاضراً معه الفنان الراحل حسن عطيه، فما كان منهما إلا وقالا بصوت واحد (مافي داعي) نسجل الأغنية اليوم على الأقل
ويشير بشير عباس إلى أن أبلغ ما قاله وردي من الابعاد المهمة لأحاديثه وأقواله التي لها أثرها في عكس التقدم المأمول فيما يتمتع به الفنان من ثقافة هائلة أنه قال : ( لو لم أكن فناناً لتمنيت أن أصبح فناناً، كما تمنيت أن أقدم نشيد وطني للأستاذ محمد عبدالوهاب.
وعن الواقع الجديد والمكانة التي حازها في نفوس الجماهير السودانية والأفريقية والعربية قوله : ( في أول مرة أواجه فيها الجمهور شعرت بالرهبة إلى أن انسجمت مع الجمهور وزالت رهبتي) وعندما يستقبلني الجمهور بالدموع والفرح كذلك ابادله نفس الشعور فأنا منه وإليه وهم حبي وحياتي وفني وطمبوري وكثرة المشغوليات تحول بيني وبين الرد على المعجبين لأنني ليس لدي سكرتير.
وأضاف : الأحاسيس والمشاعر عند وردي تعتمد على القدرات والملكات الذاتية، والتي يختلف في توظيفها عن الآخرين في إحياء روح الحب، وله رؤية تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك رهافة حسه : (لولا الحب ما كنت فناناً وموسيقاراً، فأنا أحب الله، الوطن، أهلي، أسرتي وجمهوري وأحب الذي عمق في داخلي هذه المعاني في كيفية الوصول للقمة واسهامي في التقدم الحضاري للامة، واستطعت بالجهد والعرق وحب فني وجمهوري بالتواجد في القمة، ومع هذا وذاك تمثل الثقافة للفنان صمام الأمان للاستقرار والعطاء المميز.
واسترسل : وبما أن كل الصفات المميزة اجتمعت في الموسيقار وردي فهي كانت المعبر الحقيقي الذي تسلح به كفنان أحترم الفن وقدر المتلقي ولا سيما أن من أصعب الأشياء التحدث عن زميل، ولكن وردي كان واضحاً وصريحاً حيث قال في حق الموسيقار محمد الأمين : (الفنان محمد الأمين قمة من قمم الغناء في السودان)، وعن ما هو المنظور الذي جعله يستنتج أن تجاعيد وجهه تشبه (خريطة السودان) قال : إن طفل صغير التقاني ذات مرة ومعه والدته جاءاً لتحيتي، والسؤال عني فظل ذلك الطفل يحدق في وجهي بشكل جعلني أقف عنده كثيراً وسرعان ما قال الطفل لأمه : إن وردي وجهه يشبه (خريطة السودان) يكفي هذا أن يجعلني أكثر الناس سعادة لأنني مسكون لدرجة الجنون بالسودان هذا الوطن الذي منحني كل الحب والتقدير، وجعلني بحب أبنائه رمزاً من رموزه لذلك أفخر كثيراً به وبأهله.
وذكر : كانت هجرته لأجل علو أسم السودان بين الدول الأفريقية والعربية، فكانت أول زيارة له للقاهرة في صيف عام 1959م، وهناك أحي حفلاً ساهراً كبيراً بمفرده على مسرح (أوديون) بالعاصمة المصرية، وقد قامت إذاعة (ركن السودان) بتسجيل الحفل كاملاً، وكان أن أستمع إليه المتلقي عبر برنامج (ليالي السودان) وذلك في نفس التاريخ، وأغلب الأغنيات التي تغني بها كانت من كلمات الشاعر الراحل إسماعيل حسن باستثناء الأغنية الوحيدة النوبية، وهي بالرطانة (الليلة أويلا) تحيه منه لأبناء المنطقة الشمالية، وقد برع في أغنية (القمر بوبا) التي أعاد كل مقطع من مقاطعها أكثر من مرة.
ويذكر بأن وردي من الفنانين الذين ظلوا قابضين على جمر الفن، ويعمل من أجل رفعة الغناء والمحافظة على كيان الفنانين حيث قدم عدداً من الألحان لبعض الفنانين أشهرها (والله مشتاقين) للدكتور الفنان عثمان مصطفي و(أيامك) للفنان صلاح بن البادية، ولعل آخر ألحانه قدمها للفنان الشاب طه سليمان بعنوان (الدموع) للشاعر اسحق الحلنقي.
ووردي عرف عنه عشقه للآلة الشعبية آلة (الطمبور) التي يزين بها جدار منزله، وسبق أن قال في خصوصها : (هي الآلة الوحيدة التي أحملها في كل رحلاتي الخارجية والداخلية، وأدندن بها لأطرب بها نفسي).
وتوقف عباس كثيراً في أغنية (بعد أيه) قائلاً : هذه الأغنية كانت أول حالة رفض في دنيا الغناء، إذ قال عنها النقاد آنذاك أن الحالة في تلك الفترة كان معروف عنها الإستسلام والإستكانة تماماً للمحب، ولكن وردي وإسماعيل حسن في (بعد ايه) كانا مميزين، وهي تكاد تحكي قصة في أرض الواقع، هكذا عشنا خيال شاعر، وهكذا عشنا مع اللحن والأداء المميز.
وتابع : كانت الإذاعة قدمت لنا مطرباً جديداً وبنموذج فريد، فكان هو محمد وردي الذي أطل من بين وسط عمالقة ذلك العصر الفنانين إبراهيم الكاشف وأحمد المصطفي والتاج مصطفي وعثمان حسين وإبراهيم عوض مختصراً المسافات في طرح الجديد، وبفكرة مبتكرة تحمل في حناياها مضموناً ومعني عميق، وبعدها صار وردي مستقلاً ذاتياً بالوجود الدائم بالأعمال الغنائية الجديدة التي تجد طريقها مباشرة إلى قلوب معجبيه، فكان كالزلزال الذي أحدث تغييراً كبيراً في المحيط الغنائي بصورة عامة متمحوراً بعيداً عن عناصر التكوين القابع في مكانه محدثاً نقلة نوعية في الحركة الفنية، وبالتالي نجح في يوليو من العام 1957م في خلق أرضية متينة وجديدة في الفن عموماً راسماً تاريخاً جديداً بأدوات غرس الأحاسيس والمشاعر، وبتميز صوته عن غيره حيث وصل إلى أسمي مكانه وإلى درجة كبيرة من الفهم في التجويد والتنوير، وأخذ يغوص في عوالم لا يستطيع غيره التطرق لها في اختيار النصوص الغنائية وفي الألحان وفي طريقة الأداء، فكل ما قدم عملاً جديداً يكون إضافة لرصيده الفني ويكتسب به جمهوراً جديداً وخبرة وقد تجلي في قوننتها.
عرباً نحن حملناها ونوبة
وختم الموسيقار عباس بقوله : لقد استوعب وردي درس النجاح جيداً خاصة وأنه ذاق مرارته وحلاوته حيث عمل له في هدوء تام كما ظل هو دائماً حيث قال : هذا النجاح يشعرني بأنني محمولاً على ريح بجناحيها لا تدور في بحر من الفراغ لأنني كنت أسبح في الاتجاه الصحيح وأسعى لتجويد فني قبل أن يري النور، ومن هنا نلتمس أنه لا يعرف سوي النجاح الذي يغري إحساس الفنان الذي يقدر ويحترم نفسه وجمهوره وفنه بالبذل والعطاء، وهما كانا قناعة في رؤيته الثاقبة التي استطاع بها الاندماج في إيقاع الفن المتطور والمتزن، ليكتسب ايقاعه عنفواناً جارفاً لا ينجو منه أحد، وأكثر ما توقفت عنده المقدمة الموسيقية للمقطع الشعري الذي يقول فيه الشاعر الراحل مرسى صالح سراج : -
حين خط المجد في الأرض دوربه
عزم ترهاقا وإيمان العروبة
عربا نحن حملناها ونوبة
فهذا الايقاع راقص يتحرك فيه الرجال في شكل دائري متماسكين على الكتوف وحركة الارجل تضرب برفق على الأرض.

azsuragalnim19@gmail.com

*الدكتور أسامة عطا جبارة يشرح الإقتصاد السوداني في ظل الحرب*

..........  *تواصل شبكة (أوتار الأصيل) الإخبارية، وصحيفة العريشة الرقمية نشر الحوار الهام مع الخبير في الإقتصاد العالمي الدكتور أسامة عطا جب...