درج
الكثير من الساخرون علي البسطاء بأن يضحكوا ويتندروا عليهم للظروف التي فرضتها عليهم
الحياة وأمثال هؤلاء يمكننا أن نطلق عليهم المستهزئون بأحاسيس ومشاعر المحتاجين.
كثيراً
ما أشاهد شخصيات في المجتمع يعتبرهم الناس (مضحكاتية) ويظهرون لهم عكس ما يضمرونه في
غيابهم ويعتبرونهم أدوات للتسلية وتقضية الوقت علي حسب عقولهم الناقصة فكرياً وثقافياً.
كلما
شاهدت أولئك الناس في مكان ما أجد نفس الشخصيات تسخر منهم بدواعي المداعبة ولكنهم في
الحقيقة يتندرون عليهم بمقابل مالي بسيط لا يعوض الكرامة الإنسانية خاصة وأن المال
لا يدفع به إلا أمام رهط من الحاشية المحيطة بهذه الشخصية أو تلك بغرض إشاعة الخبر في مجالس المدينة وهكذا يصبح الأمر بالنسبة
للطرفين واقعاً مستسلماً به فيلعب المستلم دور المهرج لإسعاد الدافع المتفرج.
ومن
هنا تجدني في غاية الحزن علي عقول لا تدرك أهمية احترام الإنسان الذي كرمه الله سبحانه
وتعالي فالبعض يزله بالمال من أجل إسعاد أنفسهم وليس مهماً أحاسيس ومشاعر الآخر الذي
تحكمه ظروف اقتصادية وحدها التي وضعته في هذا الموقف.
علي
من انعم عليه الله سبحانه وتعالي بالمال أن لا يستغله لإيذاء أصحاب الحاجة باستغلال
حاجتهم للمال وليعطي بيمناه دون أن تعلم يسراه حتى يكون ذلك في ميزان حسناته كصدقة
لقول الله سبحانه وتعالي : (قول معروف ومغفرة خير من صدقةٌ يتبعها أذي والله غني حليم).ٍ
ومن
خلال ذلك يتضح بجلاء أن من يقدمون الصدقة لمن هم في حوجة لها يجب أن لا تكون بدوافع
اللعب علي الأحاسيس والمشاعر لكي لا ينظر إليهم الناس بمنظار النقص الذي في الغالب
الأعم يساهم في المزيد من الانحراف نحو الهاوية.
ويبدو
أن هنالك من فيه نقص يحاول إكماله بالاستهزاء بالإنسان الضعيف وذلك علي أساس أنه أقل
منه مكانة دون أن يعلم بأن السخرية في حد ذاتها لا تجوز شرعاً ويأثم فاعلها بما يهبه
من مال للمساكين.
ودائماً
ما يمنح الساخرون هذا الشخص أو ذاك حفنة من الجنيهات أو الدولارات أو أي عملة أجنبية
أخري بعد أن يرفه عنه وبالتالي لا يعتبر ذلك المال صدقة أو يوضع في ميزان حسناته بحسب
نيته.
أخاف
علي من يمارسون ذلك الفعل بجهل أن يركنون إليه دون أن يجدوا من ينبههم لقوله تعالي
: (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون)
وقوله : ( من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها
وما له في الآخرة من نصيب).
وهذا يؤكد أن الصدقة لا يشترط فيها أن يتم التندر أو السخرية أو الأذية
لقوله تعالي : ( يا أيها الذين أمنوا لا يسخر قوم من قوم عسي أن يكونوا خيراً منهم).
وربما
يكون أصحاب الحاجة أفضل من أولئك الذين يسخرون منهم ففي الصحيح رأي سعد رضي الله عنه
أن له فضلاً علي من دونه إذ قال سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام : (هل تنصرون وترزقون
إلا بضعفائكم) رواه البخاري.
وهذا يشير إلي أن المقارنة معدومة بين ما يجري آنيا وما مضي فالفرق شاسعاً
والهوة كبيرة ولا يمكن ردمها إلا بتوعية من حادوا عن الطريق ففي صحيح مسلم رحمه الله
( إن امرأة كان في عقلها شئ فقالت : يا رسول الله إن لي إليك حاجة فقال رسول الله صلي
الله عليه وسلم : يا أم فلان انظري أي السكك شئت حتى أقضي لك حاجتك فخلا معها في بعض
الطرق حتى فرغت من حاجتها ومن هنا يجب أن نتأمل منهج سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم
المنهج الذي فيه دروس وعبر حيث أنه لم يعرض عنها أو يغضب بل استجاب لها وخيرها في اختيار
الزمان والمكان وساعدها فيما ترغب.
ويعتبر
منهج سيد البشرية منهجاً يجب أن يقتدي به كل إنسان دون أن يجعل سعادته علي حساب أحاسيس
ومشاعر المحتاجين .
وليت
الأمر توقف في المحيط المحلي بل هنالك من يصطحب معه من يرفه عنه ويسليه في تسفاره
فلماذا
يحاول البعض أن يذلوا الإنسان الذي كرمه الله لقوله سبحانه وتعالي : ( ولله العزة ولرسوله
وللمؤمنين) و( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم
علي كثير ممن خلقنا تفضيلا).