الدكتور القانوني عادل عبدالغني يتحدث للأستاذ سراج النعيم |
واصل الدكتور القانوني الشهير عادل عبدالغني
كشف أسرار وخفايا تنشر لأول مرة حول إتهام أربعة سودانيين بقتل الدبلوماسي الأمريكي
جون غرنفيل البالغ من العمر (38) عاماً، المسئول في الوكالة الدولية للمعونة الأمريكية
وسائقه السوداني، إلي جانب أنه وضع تفاصيل حول قضايا أخري ترافع فيها عن متهمين في
جرائم ضد النفس البشرية والمال داخل وخارج السودان.
نواصل معك ما انقطع من حوار هل ترافعت
في قضية خارج حدود الوطن؟ قال : نعم ترافعت في قضية تندرج في (احتيال) باسم زعيم أفريقي
شهير، وتتعلق هذه القضية ببيع (غبار الذهب) في دولة غرب إفريقيا، والمثير في هذا الاحتيال
أنه تم بطريقة غريبة جداً، حيث تطلب العصابة ترحيل (غبار ذهب) علي أساس أن فيه نسبة
تركيز عالية، الأمر الذي قاد طبيبتين سودانيتين ورجل أعمال إماراتي إلي الوقوع في
(الفخ)، ظناً منهم بأن العصابة الإفريقية صادقة وعليه جرت أحداث هذه القصة ما بين بوركينا
فاسو وتوغو ومالي والامارات، وتشير الوقائع إلي أن الطبيبتين ورجل الأعمال الإماراتي
كانوا على قناعة تامة بالفكرة، التي دفعوا في إطارها مبالغ مالية كبيرة، وبما أنني
كنت أتولي الدفاع عن إحدي الطبيبتين، اضطررت إلي أن أسافر إلى بوركينا فاسو، وفي مطارها
أثبت إلى الطبيبتين ورجل الأعمال الاماراتي أنه تمت خدعتهم بما يسمي بـ(غبار الذهب)،
وأن ما تم بيعه لهم عبارة عن صفائح أتربة عادية جداً، وداخل المطار قمت شخصياً بالاعتداء
على رئيس العصابة صفعاً بعدد من الكفوف، وللأسف من بين أفرادها هنالك سوداني، ثم شددت
الرحال إلي دولة الامارات حيث كانت هناك المحاكمة ، علي خلفية فتح رجل الأعمال
الاماراتي بلاغاً بدولته، وترافعت في ظله بإمارة (دبي) عن إحدى الطبيبتين السودانيتين،
وبعد عدة جلسات، أصدرت المحكمة قرارها القاضي ببراءة الطبيبة السودانية، التي كانت
ضحية عصابة (غبار الذهب).
ما هي أطول قضية مرت عليك في المحاكم؟
قال : أطول قضية، هي التي بدأت بها حياتي المهنية، والتي لم تنتهي حتى الآن، وهي من
وجهة نظري قضية بسيطة، تتمثل في إخلاء منزل ورثة قبل (36) عاماً، وتتلخص القضية في
أن الدعوى رفعت ضد موكلي، الذي كان يعمل بإحدى المؤسسات التابعة لدولة مجاورة، والذي
طالبه ورثة صاحب العقار المتوفى بإخلاء المنزل، علماً بأنهم كانوا أطفالاً آنذاك، لذا
كانت هذه القضية يغلق ملفها ويفتح، وهكذا إلى أن تخرج هؤلاء الأطفال من الجامعات، فمنهم
من أصبح طبيباً، ومنهم من أصبح ضابطاً، ومنهم من أصبح قانونياً، وعلي ما أعتقد أنهم
أخلوا المنزل بإرادتهم، ولكن القضية لم تنتهي حتى الآن.
ما هي القضية العالقة في ذهنك؟ قال : دون
أدني شك أول جريمة قتل أترافع فيها بالمحكمة للدفاع عن المتهم، الذي كان من جزيزة (توتي)،
ودفاعي الوحيد في هذه القضية من شقين، يتعلقان بنتيجة واحدة، وهما الاستفزاز الشديد،
والمعركة المفاجئة، وكان أن ذهبت إلى المحكمة مترافعاً في القضية، فالمتهم قتل المجني
عليه في محل خاص ببيع (الفول)، لذا كان السؤال هل إنتهي الاستفزاز وفقد عنصر المفاجأة،
بعدما أحضر المتهم (سكيناً) من على بعد (200) متر؟ وعليه تقدمت في هذه الدعوى
الموضوعة علي منضدة قاض صديق، وكنا نسكن سوياً في منزل واحد، وفي يوم الحكم صحي مولانا
من النوم باكراً وصلى الصبح، ثم جلس على الكرسي، فسألته لماذا صحيت من النوم قبل شروق
الشمس؟ قال : لدى قضية، فأردفت هل هذه القضية قضيتنا؟ فقال بامتعاض شديد : (ايوه)،
فما كان مني إلا وسألته سؤالاً آخراً كيف هو موقفنا فيها؟ ، فاجاب بامتعاض أكثر : جيد،
وعندما وقفنا أمامه في المحكمة أصدر حكمه على المتهم، بالإعدام شنقاً حتى الموت، وبما
أن هذه القضية الأولي التي أترافع فيها عن متهم، لذلك ارتكبت فيها خطائين، الخطأ
الأول هو أنني ذهبت إلى المحكمة العليا بالنقض مباشرة، معتقداً أن القضية تحول لها
من المحكمة الإبتدائية لتأييد الحكم، لذلك كنت وفي الشهور الأولى اسأل عنها، فيأتي
اليّ الرد بأنه لم يتم النظر في النقض بعد، وهكذا إلى أن بدأت دوائر المحاكم العليا
الإقليمية، دائرة في بورتسودان ودائرة في الدامر، وكنت كلما اسأل عن القضية يقال ليّ
أن القاضي الذي ينظر في النقض نقل إلى إحدى دوائر المحكمة العليا، عندها أصبحت أسأل
عن القضية كل أربعة أشهر، وصادف ذلك اليوم أن ذهبت إلى المحكمة في قضية أخرى، فوجدت
أن القرار صدر في القضية سالفة الذكر، وعندما طالعت القرار وجدته قراراً غريباً جداً،
وجاء الرأي الأول مؤيداً قرار المحكمة الإبتدائية القاضي بإعدام موكلي، والقاضي
الذي أيد القرار هو صديق لقاضي محكمة الموضوع، وهما يتشابهان في طريقة التفكير، والإثنين
يميلان إلى التجريم، بالرغم من أنهما شاطران في مهنتهما، أما القرارين الآخرين، فقال
الرأي الثاني : (إن المدان يستفيد من الاستفزاز المفاجئ)، فيما قال الرأي الثالث :
(إن المدان لا يستفيد من الاستفزاز المفاجئ، ويلغي قرار الإعدام شنقاً حتى الموت، على
أن يستفيد من المعركة المفاجئة)، وعليه أصبحت الآراء ثلاثة آراء مختلفة، المهم أن إثنين
منهم اختلفا في الأسباب، واتفقا في النتيجة، وكان أن رجحا الكفة لصالح المدان، وكان
أن أخذت القرار وتوجهت به مباشرة إلى السجن (الاتحادي) كوبر بالخرطوم بحري، وعندما
دلفت إلي داخل السجن توجهت ناحية موكلي وعكست له القرار، إلا أنه قابل ذلك القرار ببرود
شديد، أي أنه كان عادياً جداً، ولم ترتسم علي وجهه علامة الفرحة، بل قال ليّ بالحرف
الواحد : (شنو يعني أنت قائل، هو صاحبك القاضي دا ذاتو لما كان بقرأ في الحكم، ما كنت
أنا ثابت أكثر منه)، وأن كان حديثه هذا غير صحيحاً، فذلك القاضي متمرس، وكان ثابتاً
جداً، والشئ الثاني الذي قاله موكلي : (الحياة ذاتو أنا تاني طعمها عندي شنو)، فأنا
منذ أن دخلت الزنزانة، تم تنفيذ حكم الإعدام قصاصاً في (73) مداناً من أصدقائي، وهم
الذين أكلت وشربت معهم داخل السجن، بحيث أنني كنت اسمع يومياً باب الزنزانة يفتح لإعدام
واحداً منهم، (يعني بعد دا ما فارقه معاي)، وفي تلك اللحظة جاءت طائرة غريبة الشكل،
وحلقت على مستوى منخفض جداً، ثم اتجهت ناحية الشمال الغربي، فاتضح أنها الطائرة التي
أرسلها الرئيس الليبي معمر القذافي لتضرب القنابل في الإذاعة السودانية، ومنزل السيد
الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي، ومن تلك اللحظة فارقت موكلي ولم التق
به مرة ثانية.
ما هي نصائحك للمحامين الجدد؟ قال : أولاً
القراءة بصورة مكثفة جداً، وأن تشمل كل ضروب المعرفة، وذلك لسببين الأول تقوية الأدوات
اللغوية بالأدب والشعر والفلسفة، لماذا؟ الإجابة تكمن في أنها تعين المحامي حينما
يترافع في القضايا أمام القضاء، وانصح أن تكون هنالك لغة ثانية الإنجليزية أو الفرنسية
أو الصينية أو أن يجمع بينهن جميعاً، وإلى حد ما اللغة الروسية، وإذا اجاد المحامي
لغتين، فإنه يضمن التواصل مع قضايا غير مطروحة بلغات غير العربية، وتفتح له أبواب رزق
في إتجاهات أخرى، خاصة وأن العمل مع الشركات الأجنبية أصبح متاحاً، إلي جانب أنه ربما
يترافع في قضايا عالمية، فهنالك الكثير من القضايا المفتقرة إلى الكوادر القانونية
المؤهلة لعدم إلمام المحامين باللغات التي قادت الكثير منهم إلى ارتكاب أخطاء جسيمة،
مثلاً هنالك محامي عرض له عقداً باللغة الهندية وفي الصفحة (60) على ما أذكر، يوجد
شرط جزائي يشير إلي أن المحكم في هذا العقد شخصاً واحداً، وهو مدير إدارة العقود في
الشركة صاحبة التعاقد مع الشركة السودانية المستفيدة من السلعة، وبالتالي الشركة الهندية
أخلت بالعقد، مما جعل الشركة السودانية تخسر في هذه الصفقة (3) ملايين دولار، لأن المحامي
لم ينصح بتوقيع العقد في السودان، وأن تكون دراسة اللغات التي أشرت إليها في القانون
وأن تكون دراسة مستمرة، لأن هذه المهنة مهنة المعرفة، فأنا مازلت وبرغم السنين الطويلة
في المحاماة، أذهب إلى من أعتقد أنه أعلم مني في القانون، وأسأله في الكثير من المسائل
القانونية، إلى جانب أنني أجري إتصالات ببعض الزملاء مشاوراً إياهم في بعض القضايا
التي أترافع فيها، ودائماً المحامي يستصحب أنه فوق كل ذي علم عليم.
كيف تنظر إلي عدم المصداقية في مهنة المحاماة؟
قال
: من المهم جداً
أن يكون المحامي صادقاً مع موكله، ومع أي جهة يتعامل معها، لأن نهاية المحامي (الكذب)،
فأنت حينما تكون في المحكمة ترصدك الأعين، بما فيها أعين القاضي، والجمهور الذي ربما
فيه من هو افهم منك في القانون، فمن يأتي إلي أروقة المحاكم يكون مهتماً، لذا على المحامي
أن يبتعد ابتعاداً تاماً عن (الكذب)، وانصحه أن لا يتطلع إلى الكسب المادي السريع،
لأنه إذا فكر علي هذا النحو، فإنه يقع في الأخطاء.
وماذا عنك؟ قال : في بداية عملي استطعت
أن أشتري عربة واتزوج، ربما ذلك لأن الحياة آنذاك كانت سهلة، لذا كنت عائشاً في العشرة
سنوات الأولى حياة كريمة، ولم أكن أفكر في جني المال، بقدر ما كنت أهتم بالقضايا،
لأنني أؤمن إيماناً تاماً أن المحامي حينما يجعل جمع المال دافعاً له، سيرتكب أخطاء
جسيمة وبالذات في مسائل التوثيقات، ومثل هذا المحامي يكون مصيره السجن، وأن لا يتلاعب
بحقوق الناس، نسبة إلي أن مهنة المحاماة تكفل له حياة كريمة، وربما تتقدم إلى ميسورة،
حيث أنها يمكن أن تصبح مترفة، وذلك حسب الرزق الذي كتبه له الله سبحانه وتعالي، فهنالك
كثير من المحامين الكادحين انتصروا للمهنة.
هل المحامي يضع أسعاراً للقضايا؟ قال
: نعم يمكنه أن يترافع في جريمة القتل بـ(300) ألف جنيه، أو بـ(100) الف جنيه أو (مجاناً)،
فأنا كنت أعمل في قضية قتل (مجاناً)، المتهم فيها محامي، لم يمارس المحاماة كثيراً،
وهذه القضية لها أكثر من ست سنوات، وبالرغم من ذلك لم اتغيب خلالها عن جلسة واحدة،
وليست هنالك تسعيرة ثابته، إنما من حق المحامي الإتفاق على الاتعاب التي يراها مناسبة،
و أن لا يرخص نفسه، وأن يراعي الاعتبارات الإنسانية والظروف المادية للموكل، أما إذا
كان موكله ميسور الحال فيعلي له الاتعاب، حتى يعوض قضايا أخرى عمل فيها (مجاناً).
هل في الإمكان استلام قضية ليس فيها أي
فرصة دفاع عن المتهم؟ قال : نعم وربما تكون واضحة المعالم، ولكن هل نقول إلى أهل المتهم
ولدكم دا مدان وامشوا حضروا له الكفن من الآن، أنا شخصياً تعرضت إلى مثل هذه القضية
مرتين، إحداهما قضية ما يسمى بالدبلوماسي الأمريكي جون مايكل غرنفيل، التي كان فها
المتهمين معترفين باركتابهم الجريمة، بل متفاخرين بها، لكن من بينهم متهم واحد هو الذي
جاءني أولاً، ومهما كانت نواياه فإنه كان لحظة ارتكاب الجريمة نائماً، حيث أنه خلد
إلى النوم داخل عربة قبل نصف ساعة من تنفيذ جريمة القتل، وفي مكان آخر خلاف المكان
الذي وقعت فيه الجريمة، وأنا رأيت أن في ذلك دفاعاً جيداً جداً، ولم أكن أرغب في التناقض
مع دفاع الزملاء، وفي نفس الوقت جاء اليّ المتهمين الآخرين، عندها فكرت في القضية عسى
أن يجد الله سبحانه وتعالى لهم مخرجاً، فاتجهت إلي التفكير مع أسرهم، علي أن أمضي في
القضية بالرغم من أنه توجد فيها مسائل صعبة، هي أننا على علم بأنهم ارتكبوا الجريمة،
وأنه لا يوجد أي مصوغ قانوني، وفي نفس الوقت نريد أن نقف معهم، باعتبار أنهم شباب ولديهم
أسر، لذلك تواصلت مع والدة القتيل الأمريكي جون مايكل غرنفيل، أما القتيل السوداني
(عبدالرحمن عباس) اعرف والده، وكان أن اتصلت به، فابدأ ليّ أنه ليس لديه أي مانع في
إعفاء الجناة، ومن هنا قمت بكتابة مذكرة إلى والدة القتيل الدبلوماسي الأمريكي (غرنفيل)،
وبعثت بها عبر مكتب وكالة المعونة الأمريكية بالخرطوم، وكتبت في المذكرة لوالدة (غرنفيل)
: (أحسب أنك مسيحية متدينة، وأعتقد أنك من هذا المنطلق لا تؤمني بالإعدام، وأن كان
الأمر كذلك، فأنا إنابة عن أسر المتهمين بجريمة مقتل ابنك (غرنفيل)، أطالبك
بالعفو، علماً أن القانون السوداني يمنحك حقك كاملاً، ويعدم لك الجناة شنقاً حتى الموت،
ولكن يبقى السؤال ينفذ فيهم حكم الإعدام أم لا الإجابة عندك أنتي، أي أنه كلمة منك
تقودهم إلى حبل المشنقة، وكلمة أخرى تنقذهم من ذلك الحبل، فإذا أنتي لا تؤمني بعقوبة
الإعدام، فانتظر منك أن تعفين عنهم، وكان أن جاءني الرد حاسماً بأن لا أتحدث في عفو
والدة الأمريكي (غرنفيل) للجناة السودانيين، وأنني لو لدي أي شئ يتعلق بهذه القضية
يجب ان أتحدث مع محامي الإتهام، وكان أن قلت لهم جداً، المهم أنهم ردوا علىّ عبر محامي
(غرنفيل)، وحوي الرد على أن القانون الجنائي السوداني ليس فيه عقوبة السجن المؤبد،
فنحن كنا نريد أن تكون هذه العقوبة مشرعة في القانون السوداني حتى نطالب بها، وذلك
من أجل أن يظل الجناة خلف القضبان مدى الحياة، حتى لا يرتكبوا جريمة قتل مرة أخرى،
لكن وعلى ضوء ما ذكرته في مذكرتك، يمكننا أن ننظر في العفو عن الجناة، بالشروط الآتية
:-
1- يقر المتهمين
بأنهم قتلوا نتيجة فهم خاطئ للقرآن والإسلام.
2- ان يعتذروا للشعب
الأمريكي علي قتلهم إبن مسالم من أبنائه جاء للمساعدة في السودان.
3- ان يعتذروا للشعب
السوداني علي قتلهم إبن مسالم من أبنائه كان يخدم في الشعب السوداني.
4- ان يقروا ويعلنوا
في المحكمة أنهم لن يقتلوا أي شخص مرة ثانية.
5- ان يقرأوا الآية
الكريمة (من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنّما قتل النّاس جميعاً، ومن أحياها
فكأنّما أحيا النّاس جميعاً).
فيما كنت فرحاً بهذه الشروط، باعتبارها
المخرج الوحيد للجناة من حبل المشنقة، لذلك توجهت بها مباشرة إلى السجن الاتحادي (كوبر)،
وعندما عرضتها عليهم رفضوها وقالوا : (لو قام تاني سنقتله)، الأمر الذي حدا بي أن أذهب
من هناك إلى أسر الجناة الذين رحبوا بالشروط، علماً أن أهلهم شيوخ من بينهم الشيخ الراحل
أبوزيد، زعيم أنصار السنة في السودان، والذي قال ليً : (هذا كلام طيب)، وتبعه في
ذات الإتجاه السيد عثمان يوسف، وهو من قيادات الحركة الإسلامية في السودان،
بالإضافة إلي عمك والد مكاوي، عندها أدرنا حوارات مع أبناءهم للمرة الثانية، إلا أنهم
رفضوا الشروط، ولكنهم استفادوا من طول مدة الزمن، التي مكنتهم من الهروب من السجن بغض
النظر عن الكيفية التي هربوا بها، بعدها أصبح لدينا المتهم الذي كان نائماً داخل العربة
في مكان غير مسرح الجريمة، ولم يصحوا إلا بعد تنفيذ الجريمة ، وهو الوحيد الذي ألقى
عليه القبض بعد هروب المتهمين من السجن.
ما هي أشهر القضايا التي توليت فيها الترافع
عن متهمين؟ قال : هي تلك القضايا المدونة في مجلة السوابق القضائية، والتي تعتبر مراجعاً،
ومن ضمنها قضية عن الملكية الفكرية، وتتعلق ببراعة الاختراع، وهي عبارة عن قضية لتسجيل
جهاز قياس ذكاء الأطفال المتخلفين والطبيعيين، ومحورها يدور في الاعتراض على تسجيل
البراءة، لا يرتبط بالمصلحة الشخصية، كما في القضايا المدنية، وإنما يجوز لأي شخص الاعتراض
على تسجيل الاختراع، لأنها حق إنساني، وهذه القضية قضية باحثة سودانية، قامت بعمل رسالة
ماجستير وعربت من خلالها استانفر بيني ، وهو عالم نفس فرنسي، متخصص في الطب النفسي
للأطفال، وعليه سجلت رسالة الماجستير والمخرجات الخاصة بالرسالة كبراءة اختراع، فيما
كانت هنالك باحثة سودانية أخرى، استخدمت السودنة التي حدثت في جهاز استانفر بيني، في
مركز قياس الأطفال الذي يخصها بالخرطوم، عندها قامت الباحثة برفع دعوي قضائية لمنع
زميلتها من استخدام جهاز قياس ذكاء الأطفال، فما كان مني إلا واعترضت على أساس أنه
لا يحق للمصنفات أن تسجله لها كبراءة اختراع، وكان الهدف الرئيسي من هذه القضية هو
هل لأي شخص مصلحة في ذلك أم لا وهل له الحق في مقاضاة من يستفيد من براءة ذلك الاختراع،
والحكم الذي صدر في هذه القضية هو أن موكلتي لها الحق في إبطال براءة الاختراع، ودار
نقاش حول هل هذا يرقي إلى درجة اختراع جديد، وهو عبارة عن سودنة للاختراع الفرنسي،
الذي تم تحويله قبلاً إلى مصري، ومن ثم هذا المصري إلى سوداني؟.
ماهي تفاصيل قضية هروب أبوبكر
عبدالرازق من الحراسة؟ قال : قضية هروب السياسي أبوبكر عبدالرازق من حراسة جهاز الأمن،
بعد أن وجد بابها مفتوحاً، فخرج بهدوء دون أن يشعر به أحداً، وعندما ألقي القبض عليه
لم يكن هنالك أمر قبض صادر في مواجهته من مدير جهاز الأمن، بل اعتقله ضابط آخر، وعندما
ألقى القبض عليه بعد الهروب وفتح بلاغ ضده ، كان أن قدمت دفوعاتي في سياق أن إجراءات
القبض غير قانونية، ولا توجد حراسة قانونية، وحسناً فعل أن أطلق ساقيه للريح، أما بالنسبة
للرأي العام، على رأسها تأتي قضية الدكتورعبدالهادي التي كانت مفتوحة ضده قضية قتل،
ومن ضمنها مواد تتعلق بالاجهاض.
أين أنت من قضايا جرائم المعلوماتية؟
قال : هي نوعان إحداها جرائم المعلوماتية المتعلقة بالتقنية العالية، وهي تتعلق بجرائم
الشبكات والإنترنت مثلاً أرسل لك فيروس يدمر موقعك، أو اخترق به الإيميل الخاص بك،
واتمكن على ضوء ذلك أخذ كل المعلومات المتعلقة بك، وعليه أقوم بالتصنت إليك، وإذا تحسست
تصبح الجريمة أكبر من ذلك بكثير، أما النوع الثانى من هذه الجرائم، فإنها جرائم تقليدية،
لكن استخدمنا فيها التقنيات الحديثة لزيادة فعالية تلك الجريمة مثلاً أكتب أن فلان
الفلاني حرامي، وأنشره عبر الإنترنت، فإن ما نشر اشانة سمعة عادية، إلا أنه تمت تقويته
بالنشر عبر وسائط المعلوماتية، مثلاً الاحتيال الذي اخترق في ظله الباسوير الخاص بك،
وأرسل من خلاله رسائل الى آخرين، أطالبهم بأن يرسلوا ليً مبالغ مالية في الفندق الذي
يقيم فيه هنا أو هناك، وهي تعتبر جريمة احتيال عادية، إلا أن المتهم استخدم فيها انتحال
شخصيتك، وأدوات التقنية الحديثة، هذا النوع من الجرائم ليس جرائم معلوماتية في حد ذاتها،
إنما هي جرائم مقوية بالمعلوماتية، وقانون جرائم المعلوماتية يعتمد علي الوثائق المستخرجة
من وسائط التقنية الحديثة، وفي رأيي أن هذا نهج خاطئ، لأنه يفترض في القانون أن يتركها
لوسائل الإثبات العامة، مثلاً سراج النعيم أساء اليّ في صفحته الشخصية بـ(الفيس بوك)،
عليه أحضر أي خبير مختص في التقنية وادعه يطالع الإساءة، ثم السؤال هل صفحة (سراج النعيم)
يمكن لأي شخص أن يدخل إليها، إذا قال أنها مؤمنة، نراجع هل هو دخل على الصفحة بعد النشر
إذا فعل فإنه شاهدها، السؤال هل هو لديه الإمكانية في إزالة النشر ولم يزله، فانه مسئول
عنه مسئولية تامة، فأنا أعتقد أن قانوننا فيه خلل في التشريعات، ويحتاج إلى مراجعة
في هذه الجزئية.
هل من حق السلطات المنفذة لقانون جرائم
المعلوماتية احتجاز الهواتف السيارة؟ قال : هناك بعض الإجراءات تنفذ بشكل خاطئ مثلاً
شرطي المرور إذا وجدك غير رابط الحزام، فإنه لا يسألك عن الحزام، إنما يسألك عن الرخصة،
وإذا شاهدك تتحدث بالهاتف، فإنه لا يسألك عن المخالفة، إنما يسألك من رخصة القيادة،
ثم رخصة العربة، أي ذلك الفرد يبحث عن أخطائك لتكبير الجريمة، لأنه لو اكتفى بالمخالفة
التي اوقفك في إطارها، فإنه يكون قد أدى واجبه على أكمل وجه، ومن الأمثلة فإن هنالك
من يشاهد مثلاً فتاة ترتدي بنطال، فإنه لا يكتفي بتوجيهها، بل يسعى إلى تجريمها بأن
يستلم منها هاتفها الشخصي ويبدأ في البحث عن صور أو افلام مخلة بالآداب العامة، ومثل
هذه المسائل أعتقد أن فيها مسعى للتجريم، وتحضرني واقعة في القانون المصري، أن أحدهم
أتهم فلاحاً بسرقة بقرته، فكان أن أصدر أمر تفتيش وتم بموجبه تفتيش منزل الفلاح، وكان
أن دخلوا غرفة النوم ورفعوا (المخدة)، فوجدوا قطعة (حشيش)، فتح بموجبها بلاغ جنائي
تحت مادة المخدرات والمؤثرات العقلية، فسمية قضية (البقرة) التي وجدت تحت (المخدة)،
فأنت تبحث عن بقرة ما الذي جعلك تبحث تحت (المخدة)، فأنت يجب أن تركز على الجريمة التي
أتيت من أجلها، ما لم ترد إليك معلومة عن جريمة أكبر من تلك الجريمة، مثلاً قتل أوابتزاز
وإلى آخره، لكن لا تبحث عن اخطاء الآخرين، ومثل هذا النهج يجب أن يتم فيها تدريب الفرد
التنفيذي، وأن كان فيها تحسناً وهذا التحسن يحمد لقياداتها التنفيذية.
كيف تختار المحامين الجدد؟ قال : منذ
(36) عاماً، ظللت أشرف على تدريب المحامين الجدد، ودائماً ما أختار المحامي المتدرب
وفق معايير، هذه المعايير نمت وتطورت بمرور الزمن، فاتضح أنني دربت أكثر من (200) قانوني
وقانونية منهم من يعمل في السلطة القضائية، ومنهم من يعمل في النيابة ومنهم من يعملون
في الإستشارات القانونية، داخل وخارج السودان ، وبنموء الوسائط الاجتماعية قامت مجموعة
منهم بعمل مجموعة على تطبيق (الواتساب) أطلقوا عليها إسم (أبناء الدكتور عادل عبدالغني)،
وبدأت في التزايد إلى أن إنضم إليها معظم من تدربوا علي يدي، ثم إنضم إليها من عملوا
معي، حتى من هم كانوا في السكرتارية أو الكتبة، ثم برزت وسطهم إحدى الاستاذات، واخترحت
تكريمي، وتلقفه عدد من الأساتذة والاستاذات وهم جميعاً لا يعملون معي في المكتب، والقضاء
والمستشارين، وتداعوا إلى هذا التكريم الذي جمعوا في إطاره مبالغ مالية طائلة من حر
مالهم، ووضعوا برنامج لهذا التكريم، وهو لا يتعلق بعملي في المحاماة، ولا يتعلق بأي
انجازات حققتها، فمهنة المحاماة مهنة لا نكرم في ظلها، لأنه إذا كانت هنالك إخفاقات
أو نجاحات، فهي شخصية، وهذا التكريم يندرج في إطار تدريبي لهم في المهنة، هو أنني بذلت
مجهوداً كبيراً فيه واعتز بذلك، حيث أنني دربت عدد كبير جداً من القانونيين والقانونيات،
الذين يحتلون مناصب متقدمة في كافة المجالات القانونية، وهم جميعا متميزين،كل في مجاله،
وإذا احصيت لك نجاحاتهم في العالم لا أستطيع، ونتيجة تدريبي المستمر أصبت بالضغط والسكري
و(القرحة)، بالإضافة إلى الشد والجذب المهني، فمثلاً متدرب معك في المكتب عمره عام
أو عامين في المهنة، فإنني أكون في حالة متابعة له إلى أن يعود من المحكمة إلى المكتب،
وهذه الأشياء تراكمت عبر السنين، فأنا
الآن اتعاطي حوالي العشرة حبات يومياً، علماً بأنني ليست لدي أي أمراض وراثية، ولكن
أعتقد أنها مكتسبة من هذا الضغط الكبير، ولأجل ذلك قبلت التكريم، على الأقل إرضاء إلى
هذه الأمراض، بالرغم من أن تلاميذي لم يكونوا ممرضين، ولكن هي نتيجة الضغوط المهنية.
ما هي رسالتك في ختام هذا الحوار؟ قال
: هي أنني منذ أن كنت في الثانوي العالي، اخترت أن أكون محامياً، وعندما دخلت الجامعة
كنت أكتب الرغبة كلية القانون، وعندما تخرجت عملت محامياً، رغم أنه عرضت علىّ وظائف
عدلية كثيرة منها القضاء إلا أنني رفضت، رغم عظمة هذه المهنة، وطلب مني العمل في النيابة،
إلا أنني رفضت تماماً، وطلب مني أن أعمل في وزارة الخارجية فرفضت، وجاءتني عروض كثيرة
خارج السودان، إلا أنني رفضت تماماً، أولها المستشار القانوني للحرس الملكي السعودي،
في العام 1983م، وعرض عليّ أن أكون مستشاراً قانونياً لبعض الأجهزة داخل دولة السودان
فرفضت، لماذا؟ لأنني وجدت نفسي في مهنة المحاماة ولا أرغب في أي مهنة خلافها، وإذا
علمت أن أحد المحامين الذين يعملون معي في المكتب قدموا للقضاء أو النيابة أو خلافهما
من المهن القانونية نحتفل به ونخرجه، وإذا لم يقبل نطلب منه أن يعتزل العمل معنا، لماذا؟
لأنني أرغب في المحامي الذي يريد مهنة المحاماة، وأنا لا أدرب أي شخص عمل في حياته
عملاً خلاف المحاماة، ودائماً أركز على خريجي الجامعات الجدد الذين لم يلوثوا بأي عمل
غير مهنة المحاماة، فمثل هذا المحامي اليافع تستطيع أن تشكل عقليته.