جلس إليه : سراج النعيم
بعد مرور سنوات من الإطاحة بنظام الرئيس المعزول عمر البشير استطاعت (الدار) أن تستنطق الإعلامي حسن البشير، القيادي بالفضائية السودانية، والذي أجاب على أسئلتها بكل شفافية.
في البدء أين أنت من المشهد الإعلامي؟
موجود في عملي الإعلامي بالتلفزيون، والذي انشغلت في ظله بالإعداد للبرامج، وذلك حسب ما هو متاح في الساحة السياسية.
رأيك بصراحة فيما يدور سياسياً منذ العام 2019م؟
بعد التغيير الذي حدث لنظام الحكم في البلاد كان يفترض في الأحزاب والتنظيمات السياسية أن تدير المرحلة الإنتقالية بصورة شفافة جداً، وأن تتفق على برنامج إنتخابي، فالمرحلة الإنتقالية ليست مرحلة حكم لحزب أو تنظيم سياسي، لذلك كان عليها التركيز على أربعة قضايا أساسية في الفترة الإنتقالية، هي برنامجها الإنتخابي، معاش الناس، الأمن والسلام، ولكن بكل أسف دخلت في محاصصات وخلافات كانت سبباً مباشراً في إجهاض الفترة الإنتقالية.
كيف تنظر إلى دور الأجهزة الإعلامية في هذه المرحلة الإنتقالية؟
(الحال من بعضه)، فالإعلام متعدد ومتشعب جداً، ومع هذا وذاك لم يعد الإعلام موحداً، فإذا نظرنا إلى الصحف، فإننا سنجد أن دورها أصبح قليلاً جداً، وهذا يعود إلى أنها تأثرت بوسائط التقنية الحديثة، والتى باتت تسيطر على المشهد سياسياً، اقتصادياً، اجتماعياً، أمنياً، ثقافياً وفكرياً، بالإضافة إلى أنها أثرت في القنوات الفضائية، وذلك منذ أن ظهر الموبايل (TV)، والمواقع الإلكترونية، وامتد تأثيرها للإذاعات بصورة عامة، وعلى وجه الخصوص الإذاعات الرسمية، وهي منابر إعلامية كان يفترض فيها أن تكون ثابتة خاصة وأن المتلقي يعتمد عليها في استغاء المعلومة الموثوق بها، ويتخذ على إثرها القرار، ويكون رأيه فيما هو مطروح.
ماذا عن الإذاعة، التلفزيون القومي ووكالة الأنباء (وسونا) في هذه المرحلة الإنتقالية؟
هي أجهزة رسمية، لذا يفترض فيها التعبير عما يدور في أروقة الحكومة، وهذه الفرضية تحتم عليها عكس نشاطها، ونشاط وزاراتها، القوات المسلحة، الشرطة والأمن، بالإضافة إلى دورها التثقيفي والترفيهي.
أين الأجهزة الإعلامية من خطاب العنصرية الطاغي في الأوساط السودانية بعد إسقاط النظام البائد؟
بكل أسف لعب بعض قادة الرأي والمسئولين دوراً في التدهور الذي يشهده الخطاب عبر الوسائل الإعلامية، وعلى وجه الخصوص الخطاب المنطلق من منصات السوشال ميديا، والتى كان يفترض فيها التركز على الخطاب القومي، فالمسئول الذي يتبوأ منصباً يتبوأه باسم السودان، وبالتالي فإنه يمثل الشمال والجنوب، الشرق والغرب، فلماذا يسعى البعض لحصره في نطاق القبيلة؟، وهو أمر جعل بعض القبائل تقدم على الدفاع عن أبنائها على أساس الاستهداف، وهو بلا شك تفكير (سالب)، ويشير بوضوح إلى أن القانون في خطر، لذا يجب إفساح المجال إلى سيادته، فإذا اجرم أي إنسان بغض النظر عن القبيلة المنتمي إليها يجب أن يطبق فيه القانون، وتقديمه إلى محاكمة عادلة، وأن لا تترك الحكومة مجالاً للمحسوبية والقبلية، والتى يقول في ظلها البعض : (هذا الولد ولدنا، ونحن نطالب بحقه)، لذا على المسئولين في الأجهزة العدلية النظر لهذا الأمر من باب أنه أمر خطير جداً، وسيقود إلى المزيد من التدهور، وستصبح الدولة (هشة)، ولا تستطيع الحكومة أن تفرض سيطرتها، لذا السؤال كيف يبقى إنساناً خلف قضبان السجن دون أن يحسم ملف قضيته، أو يعرف ما الجرم الذي ارتكبه؟، فإذا تم التعامل مع المجرم بالقانون، فإن القبيلة لا تتدخل نهائياً، وعليه يجب أن نفطن إلى هذه النقطة الهامة عند فتح البلاغات، إلقاء القبض والمحاكمات.
ما هي وجهة نظرك في تقديم أمريكا أوراق إعتماد أول سفير للسودان بعد (25) عام للبرهان، ومن ثم سفره للمشاركة في الأمم المتحدة؟
أمريكا تتعامل مع كل الدول حسب مصالحها، فليس لديها عدو دائم، أو صديق دائم، فهي في إمكانها التعامل مع الصين، وتجدها في نفس الوقت عدواً لها من خلال ما هو ظاهر عبر الأجهزة الإعلامية، وفي الحقيقة هي أكبر متعاون معها في الميزان التجاري، كما أنها تحارب روسيا في الظاهر، في حين أنها تستورد منها ما تحتاجه، وهكذا تتعامل مع إيران، تركيا ومصر، والأخيرة تعاملت معها رغماً عن أنها جاءت إلى سدة الحكم بإنقلاب على شرعية الرئيس المصري محمد مرسي، وفتحت للسيسي كل الإتجاهات، لذا الناظر بمنظار فاحص إلى السياسة الأمريكية والأوروبية في المنطقة، سيجد أنها قائمة على المصلحة، فليس هنالك ما يسمى بالديمقراطية، فالديمقراطية على الورق فقط، لذا تتعامل الولايات المتحدة مع الدول وفقاً للمصلحة، وليس مهماً لديها إذا كان حاكمها (عسكري) أو (جن أحمر).
ما هي قرأتك للاستقبال الذي حظي به الدكتور محمد طاهر ايلا في شرق السودان؟
ذلك الإستقبال يؤكد أن الناس رجعت إلى (قبيلتي وقبيلتك)، وهذا أن دل على شيء، فإنما يدل على أنهم احبطوا من التغيير الذي حدث في إبريل من العام 2019م، والذي كان يفترض فيه أن يغير الوضع الراهن إلى الأفضل، لذا يرى البعض في الشرق بأن البلد تمضي من فشل إلى فشل، فليس هنالك قيادة تفكر، أو تضع خطة للنهوض بالبلاد، لذلك بات الكثير من السواد الأعظم يعقد مقارنة ما بين فترة حكم ايلا للشرق، وما يجري في الوقت الحاضر، فوجدوا أنه كان الأفضل، وبالمقابل فإن عمر البشير نفسه كان حكمه للسودان الأفضل بدليل أنه ترك قطعة (الخبز) بجنيه، وصارت بعد الإطاحة به بخمسين جنيه، هكذا بدأ البعض يقعد المقارنة ما قبل وبعد، فالناس كل مايهمها هو الأوضاع الاقتصادية، المعيشية والأمنية، فهي تحكم على الحكومة فاشلة أم لا.
هل تعزو الارتفاع الخيالي للأسعار بالأسواق إلى فشل وزير المالية أم الحكومة؟
في الأساس لا توجد حكومة حتى نقول إنها فاشلة أو ناجحة، فقد وقع إتفاق للسلام في جوبا، ولم ينفذ، ومع هذا وذاك لا توجد دولة ولا حكومة، فالوزراء بدون وزارات، والمؤسف حقاً هو أن الناس تنتظر شيء ما إلا أن هذا الشيء (مجهول)، واستشهد بما قاله الدكتور عبدالله حمدوك في آخر النفق لا يوجد ضوء، فالوضع الاقتصادي يتغير عندما يكون هنالك إنتاج وصادر، إلى جانب فتح أسواق جديدة للمزارع، فالمزارع عندما ينتج، وتكون فاكهته في منطقة (ابوجبيهة) جاهزة، ولا يستطيع تصديرها بسبب إرتفاع سعر (الكرتونة)، والتى هى أغلى من الفاكهة، فإذا اتجهت الحكومة إلى التصدير، فإن فيه الحل الانجع، فقطعة (المنقة) سعرها دولار أمريكي في الولايات المتحدة وأوروبا، وإذا اتجهت إلى تصدير الخضار، فإن قطعة (الأسود) بدولار أمريكي أيضاً، لذلك على الحكومة أن تفتح أسواق للتصدير، وأن تعقد اتفاقيات تكاملية، وإلا فإن الفشل سيظل يلازمها رغماً عن أن السودان بلد غني بالثروة الحيوانية، الصمغ العربي وغيرها من الموارد التى في إمكانها أن ترفع من شأن الاقتصاد السوداني، وينعكس ذلك بصورة إيجابية على المواطن.
كيف يمكن للإعلام أن يلعب دوراً ريادياً في هذه المرحلة (الحرجة) التى تمر بها البلاد؟
الإعلام هو القائد الحقيقي لهذه المرحلة، لذلك على المنشغلين به أن لا يحبطوا الناس، فمن الملاحظ بأن البعض ينقل صورة (سالبة) عن الوضع، في حين يستوجب عليه الإلتفات للإيجابية حتى نمضي للإمام، فلابد من التفاؤل للنهضة بالسودان، واقترح أن تلجأ الحكومة إلى عمل مشروعات ناجحة للشباب، للمزارعين والرعاة، أي أن تخرج بهم من الإنشغال بالسياسة، تعيين رئيس وزراء وتشكيل الوزارات، علماً بأنه مضي على البلاد سنة بدون حكومة، ورغماً عن ذلك تجد الناس عائشة، والوضع أفضل من فترة الحكومة الإنتقالية برئاسة الدكتور عبدالله حمدوك، فالوضع بعده يشهد إستقرار نسبي مع الإقرار بأن البلاد فيها غلاء فاحش في الأسعار، ورغماً عن ذلك هنالك إستقرار في الوقود، الغاز والخبز، مما يؤكد بأن الوضع بدون حكومة أحسن، (فماذا يريد المواطن بالحكومة إذا كانت لا تضيف)، لذا أتمنى صادقاً أن يخرج الإعلام من الخرطوم، وينقل نبض الشارع من الولايات لإيصال صوت مواطنها وفقاً لسؤاله كيف هو عائش بدون حكومة؟.
رأيك في مبادرة الشيخ الجد الطيب، والشيخ حمد الجعلي؟
هي مبادرات ليس فيها إختلاف، وأيضاً مبادرة التوافق الوطني، فقط يجب دمجها جميعاً في مبادرة واحدة، وأن يتفق الناس على أن تكون الحاضنة السياسية الشعب السوداني، ولا تكون هنالك محاصصات سياسية، بل يتم تعيين الكفاءات بعيداً عن الأحزاب والتنظيمات السياسية، والتى يجب أن تتفرغ للإنتخابات، وأن تطرح برنامجها الإنتخابي، وأن لا تتصارع حول دخولها الحكومة في هذه المرحلة الإنتقالية، (الزول يطردو بالباب، داير يجي داخل من الشباك)، لذا على الأحزاب والتنظيمات السياسية أن تنسى فكرة مشاركتها في الحكومة الانتقالية، وأن تلتفت إلى برنامجها الإنتخابي، وأن تبحث عن جماهيرها، ومن يفوضه الشعب السوداني سيكون له الحق في إدارة دفة البلاد.
هل تعتقد بأن الدكتور عبدالله حمدوك يمكن أن يعود مرة ثانية رئيساً للوزراء؟
من جرب المجرب، أحاطت به الندامة، فالدكتور عبدالله حمدوك جاءته فرصة ذهبية، وكان عليه إجماع، ولكن كان متردد في إتخاذ القرار، ولعب به البعض يميناً وشمالاً، وبدلاً من أن ينفذ خطته الإنتقالية لجأ إلى تنفيذ أشياء ليست من مهامه في هذه المرحلة، وعلى سبيل المثال تفكيره في وضع دستور للبلاد، ولم يلتزم بالوثيقة الدستورية، ولم يركز على أمن البلد، معاش الناس، الإنتخابات وتكوين المفوضيات، بالمقابل عمل على النوع، الحريات الجنسية وسيداو، وهي أشياء لم يسمع بها الشعب السوداني، مما أدي إلى فشله، فهو بها لم يكن لينجح أصلاً. في الختام ماذا تريد أن قائل؟
أتمنى الاستقرار للسودان، وأن ينعم الشعب السوداني بالسلام.