........................
أسئلة القضاء الواقف تكشف (شهود الزور) في قضايا المحاكم
........................
الشهود يرتكبون جريمة خطيرة لإهدار الحقوق بغير وجه حق
........................
وقف عندها : سراج النعيم
.......................
عندما تغيب الضمائر والوازع الديني فإن العقول تصاب بالفساد ويقود ذلك البعض إلى أن يشهدوا في البلاغات القضايا (شهادة زور) مقابل مبالغ مالية تدفع لهم لصالح بيع ذممهم، وتغيير مسار هذه القضية أو تلك لصالح من لا حق له، أنهم يكذبون وأن كانوا يدرون فإنها مصيبة وأن كانوا لا يدرون فإنها مصيبة أكبر، وبالتالي يرتكبون جرماً دون الالتفات لخطورته وما يمكن أن يسببه من أضرار للأفراد والمجتمع، رغماً عن مآلات (شهادة الزور) وعواقبها الآنية والمستقبلية، إلا أن حدوثها وسط المجتمعات الإسلامية نادراً.
فيما أصبحت (شهادة الزور) تشكل خطراً علي بلاغات وقضايا يتضرر منها الضحايا وذلك من واقع أن الذمم تباع بمبالغ مالية، الشيء الذي يؤدي إلي تنامي الظاهرة التي يمتهنها البعض بالإدلاء بالشهادة زوراً في هذا البلاغ أو تلك القضية دون أن يكونوا طرفاً في أحداثها، ومع هذا وذاك لديهم الاستعداد التام لأداء (اليمين الكاذب)، وذلك دون الخوف من العواقب المترتب عليها (شهادة الزور)، وهذا يفرض علي الإنسان المتضرر طرح أسئلة في غاية الأهمية ما هي الأسباب التي تقود البعض إلي الأدلاء بـ(شهادات الزور)، وما هي كيفية الوصول إليهم، وهل شرع المشرع نصوصاً رادعة في القانون الجنائي لبتر الظاهرة من جذورها ، وما هي الطريقة التي تتيح للتحري أو المحاكم اكتشاف (شهود الزور)؟
وفي السياق قال الأستاذ عبدالله يوسف المحامي : من السهل اكتشاف (شهود الزور) الذين يشهدون في بلاغات وقضايا نسبة إلى ان حجة المستعين بهم ضعيفة ولا تكفي لأصدار حكم يصب لصالحه، وبالرغم من ذلك لا تزال الظاهرة محدودة ولا تصل إلي مستوى التأثير في مجريات سير العدالة، فالسلطات الرسمية في البلاد تجتهد للوصول إلي (شهود الزور) ومحاكمتهم في حال ثبت أنهم ارتكبوا ذلك السلوك المضلل للعدالة، وبالتالي تتم محاكمة أولئك الذين يدلون بمعلومات (كاذبة) أو يشهدون (شهادة الزور) للتأثير في هذا البلاغ أو تلك القضية، ودائماً ما يتم الايقاع بهم من خلال الأسئلة التي تجعل شاهد الزور يرتبك في ردوده، لذا لا يشكل (شهود الزور) قلقاً لوكالة النيابة والشرطة والمحاكم نسبة إلي أنها محصورة في شخصيات نفوسها ضعيفة.
وأضاف الدكتور محمد الزين : إن (شهادة الزور) تعتبر جريمة خطيرة يراد منها إهدار الحقوق بغير وجه حق، وعليه فإنها تحدث خللاً في المجتمعات وتهز أركانها فضلاً عن أنها تشيع ضعف الإيمان بين الناس، فالتشريعات منعتها وجعلتها جريمة يعاقب عليها القانون بنص المادة (104) من القانون الجنائي السوداني، وتنص على أن من يشهد (زوراً) ويدلي بأقوال (كاذبة)، وهو يعلم ذلك، أو يكتم أثناء الشهادة كل أو بعض ما يعلمه من وقائع في الدعوى بصورة تؤثر على الحكم فيها يعتبر مرتكباً لجريمة (شهادة الزور)، إذا ترتب على الإدلاء في (شهادة الزور) تنفيذ حكم على المشهود ضده يعاقب الجاني بالعقوبة المقررة للجريمة التي تم تنفيذها.
وعزا خبراء ظاهرة (شهادة الزور) إلي أن الظروف الاقتصادية القاهرة التي أدت إلى انتشارها وتناميها بصورة مقلقة جداً لأنها تخل بسير العدالة، وبالتالي يعاقب عليها القانون من واقع أنها جريمة يسجن في ظلها (شاهد الزور) مدة لا تتجاوز الخمسة أعوام أو بالغرامة أو بالعقوبتين معاً.
وتكثر الظاهرة في بعض القضايا لذا تضيع حقوق أبرياء بسبب (شهادة الزور)، وهذه الظاهرة موجودة ويجب معاقبة (شاهد الزور) في حال تم اكتشافه حتى نستطيع التخلص من هذه الجريمة التي يعمل مرتكبها على تضليل سير العدالة، لذا يجب توخي الحذر في القضايا التي يحدث بها تناقض في الأقوال.
فيما تنامت وتزايدت بشكل مطرد ومثير جداً للقلق أعداد المحكومين في قضايا الحق الخاص و(يبقي لحين السداد) المرتبط ارتباطا وثيقاً بكتابة أو تظهير الصكوك المالية التي تصب رأسا في نص المادة (179) من القانون الجنائي.
وتظل الظاهرة تشغل بال الكثير من الأسر التي يكون البعض منها قد دخل في معاملات من هذا القبيل الذي في إطاره منحت السلطة التنفيذية المدنية للقاضي الجنائي بينما نجد ان هنالك شريحة من الموقوفين لا تعرف ادارة السجون تصنيفهم من المحكومين في أحكام مختلفة وذلك لسبب في غاية البساطة في أنه يتمثل في أن المحبوسين وفقاً لما نحن نتطرق إليه في شان الشيكات المرتدة او تظهيرها من الخلف وهي المسألة التي تحمل بين طياتها الكثير من الغرابة في هذه القصة المثيرة جداً في قضية سيدة الأعمال التي تواجه المادة (179) من القانون الجنائي وهي المادة القائمة على نظام الاتهام من الفرد وهو نظام معروف عنه أنه نظام (لاتيني انجليزي) بحيث أن أي شخص في مقدوره فتح بلاغ جنائي بعد وضع الصك ضمن عريضته وبالتالي (يبقي المتهم لحين السداد) ومتي ما دفع المبلغ المعني يخلي سبيله في حين ان قانون أصول الأحكام القضائية وفي أول مادة فيه يقول: (الاصل براءة ذمة المسلم)، ولكن الحكم بالمادة (179) من القانون الجنائي جعلت السجون تكتظ بمحبوسي (ويبقي لحين السداد).
ومن هنا دعونا ندلف لأغرب قضية تمر بها سيدة أعمال معروفة في مجالها الاستثماري حيث أنها تواجه اتهاماً يتمثل في تظهيرها شيكاً يزعم الشاكي أنه كتبه زوجها الذي توفي إلى رحمة مولاه الشيء الذي استدعي المدانة إلى الوصول بقضيتها إلى المحكمة القومية العليا – الدائرة الجنائية -التي نقضت حكم محكمتي الاستئناف والموضوع.
الوقائع التي نحن بصددها دارت فصولها ما بين مدينة امدرمان وسجن النساء، وبطلتها سيدة أعمال ظلت خلف القضبان لفترة زمنية أمتدت إلى الثمانية أشهر بعد أن تمت محاكمتها تحت المادة (179) من القانون الجنائي الذي يندرج فيه نظام الحكم بـ(ويبقي لحين السداد)، وهو الأمر الذي ترك أثره اقتصادياً واجتماعياً خاصة وان القانون السوداني أولي الشيكات المرتجعة عناية خاصة وجعل ارتجاعها جريمة يعاقب عليها القانون.
ومن هذا المنطلق قالت : بدأت تداعيات قصتي أكثر غرابة واندهاشاً، ومكمن الغرابة في إدعاء الشاكي أن صاحب الشيك هو زوجي، ومصدر الاندهاش في الاتهام الذي طالني دون سابق إنذار حتى أن مسألة كتابة الصكوك المالية تمثل لي هاجساً في النشاط التجاري الذي لم اعتد عليها رغماً عما تقتضيه الظروف المحيطة بالسوق الذي أحياناً يعاني من شح في (السيولة)، مما يضطر أصحاب المعاملات التجارية للتعامل بنظام الشيكات الذي تعرضت في إطاره إلى مشكلة قائمة على أنني امتلك عقاراً تجارياً، وكان أن رهنته لأحد التجار لحوجتي لـ(سيولة) مالية من أجل سفري إلى دولة عربية، وذلك بغرض استجلاب سيارة من هناك، ولكي أحضرها لابد من أن يكون في معيتي مبلغ مالي حتى أكمل الصفقة التي توسط لي فيها شخص ما آتي إلى بتاجر مؤكداً أنه يساعد الناس بالمستندات الرسمية التي بحوزتهم، وعندما يعيدون المبالغ المالية المأخوذة منه يرد إليهم المستندات الرسمية الخاصة بـ(الرهن).
وتسترسل وعلى خلفية ما ذهبت إليه مسبقاً سألني التاجر في سياق هذه القصة ما هي قيمة المبلغ الذي أود أن أرهن في ظله عقارك ؟ فقلت : أرغب في أكثر من (20) ألف جنيه، فقال : أقل مبلغ أدفع به للدائن أكبر من ذلك بكثير، وكان أن قبلت بما أشار به باعتبار أن قيمة عقاري تساوي أكثر من (100) ألف جنيه، وكان أن استلمت المبلغ وشددت الرحال إلى مدينة خليجية والتي حزت فيها على سيارتي وقمت بإحضارها إلى السودان، وما أن فكرت في بيعها إلا وأقترح علىّ التاجر المرهون لديه عقاري إيداع السيارة خاصتي بطرفه على أساس أنني لا أعرف التعامل مع سوق السيارات، وكان أن قيم سيارتي بـ (70) ألف جنيه يخصم منها مبلغ الرهن، ويعطيني ما تبقي من جملة المبلغ والمستندات الرسمية، وحينما مرت أيام على بقاء السيارة معه دون جدوي، وجهت له سؤالاً مباشراً أين العربة الآن؟ فقال : في (الكرين) لأنها لم تبع فقلت له : طالما أن الأمر كذلك سلمني إليها وسوف أبيعها بطريقتي الخاصة، وبالفعل أستجاب إلى رغبتي، ولكن ماذا حدث بعد ذلك؟.
وتجيب سيدة الاعمال على السؤال بقولها: وفي سياق ذي صلة قمت ببيع العربة ماركة التايوتا 2005م بمبلغ (50) ألف جنيه إلا أن هذا المبلغ المالي الكبير ضاع مني في طريق عودتي إلى منزلي، وهو الأمر الذي جعلني مطاردة من الشاكي بتسديد قيمة الصك الذي أدخلت فيه السجن، والغريب في أمر هذا الشيك أنه لا صلة لي به من قريب أو بعيد وهو يعود إلى شخص اخر وفي هذا تأكيد على أنني لم أكتب هذا الصك، ولم أظهره، ولا يطلبني صاحبه مبلغاً مالياً، ولا أنا أعرفه لكي يسلمني شيكاً بقيمة هذا المبلغ الكبير، المهم أنه ألقي علىّ القبض، وتم إيداعي حراسة قسم الشرطة.
وتضيف: في تحريات الشرطة سئلت هل لي معرفة مسبقة بصاحب الشيك؟
فقلت : لا.
هل زوجك؟
فقلت : لا لأن زوجي متوفي.
هل تطلبيه مبلغاً مالياً؟
قلت: لا ولا أعرفه البتة.
وماذا بعد تحري الشرطة؟
قالت : تمت إحالة ملف القضية إلى المحكمة الجنائية للنظر في البلاغ الجنائي تحت المادة (179) من القانون الجنائي لسنة 1991م، في أول جلسة استمعت المحكمة لشاهد الدفاع وصاحب الشيك الضائع، وأفاد المحكمة بالآتي : (أقر أن هذا الصك المرقم بالرقم لكي، ولكنني فقدته ما استدعاني إلى إتخاذ الإجراءات القانونية، ولا علاقة ليّ بالمتهمة ولا أعرفها أصلاً، وليست ليّ علاقة زواج بها، ورأيتها لأول مرة في المحكمة).
وتستأنف سيدة الأعمال الحكاية في قضية ارتداد شيك لأنها لم تحرره أو تظهره حتى يستوجب عليها تغطيه قيمته المالية بطرف البنك المعنون له أو الصادر منه قائلة : لن ولم أفعل لعلمي التام بأن فعلاً من هذا القبيل يدخلني السجن، لذلك كنت في حيرة شديدة من أمري، إذ أنني لأول مرة في تاريخ حياتي أتعرض لموقف صعيب جداً من هذا النوع الذي سأل فيه مولانا الشاكي بعد أن أدي القسم موجهاً له خطابه الحاصل شنو؟ فرد عليه الشاكي قائلاً: المتهمة زوجها صاحب الشيك منحني الصك موضوع هذه القضية لصالح زوجته، وكان أن وقع على الشيك أمامي، وهي بدورها ظهرت الصك من الخلف، وتبلغ قيمته المالية أكثر من (34) ألف جنيه مقابل شراء (سكر).
وفي ردها على هذا الإتهام الذي دفع به الشاكي للمحكمة قالت : يا مولانا لا أعرف هذا الشاكي طوال حياتي، ولكن أعرف التاجر الذي رهنت لديه عقاري مقابل مبلغ الـ (40) ألف جنيه وذلك بواسطة جاري الذي يعمل في مجال (السمسرة)، ولا أعرفه بشكل مباشر إلى هنا تم إدخالي السجن في نفس اليوم، وفي اليوم التالي نقلت إلى المحكمة مرة ثانية حيث أحضر الشاكي (شهود زور) في هذا الإدعاء، وهما إثنين قاما بأداء القسم أمام مولانا وقالا : جاءت إلينا المتهمة برفقة زوجها، وكان أن أعطانا الصك ووقع عليه أمامنا وأمام الشاكي، وهي ظهرت الشيك من الخلف نظير إعطائها سلعة السكر، ومن هذا الواقع استلمت المتهمة الوصل بحضورنا فما كان من قاضي المحكمة ألا وسألني هل تعرفي هذين الشاهدين ؟ قلت له : يا مولانا لا أعرفهما، ولا أعرف الشاكي ولا أعرف صاحب الشيك، الشيء الذي حدا بمحامي الشاكي أن يقول: لا نريد حضور صاحب الصك أمام المحكمة ولا زوجها فقط نريد المتهمة التي تقف أمامنا ونحن نكتفي بهذا، لذلك لم أمنح خطاب للبنك الصادر منه الصك.
وأشارت سيدة الأعمال إلى أنه تمت محاكمتها قائلة: وقد قفل المحامي الذي يترافع عني ملف القضية رغماً عن أن مولانا قال له : هل لديك أي دفاع عن المتهمة؟ وقال له : لا، ولم أكن في ذلك الوقت أعلم ماذا يعني قفل الملف أو ولا المادة التي تتم من خلالها محاكمتي؟ لأنني لأول مرة أقف هذا الموقف، في حين أن قاضي المحكمة لخص القضية في الجلسة التالية التي أصدر فيها قراره بإدانتي بالتستر على صاحب الشيك الذي أدعى الشاكي أنه زوجي الذي لم أحضره أمام المحكمة، لذلك حاكمني بشهرين سجن تأديبية، وبعدها ينفذ فيّ (تبقي لحين السداد )، وقبل أن أكمل هذه الفترة المقررة من المحكمة مثلت أمامها بعد شهر من تاريخه، وفي هذه الجلسة سألني قاضي المحكمة ماذا فعلتي في موضوع قيمة الشيك الذي سيتم تنفيذه فيك (لحين السداد )؟ فقلت له : يا مولانا الشاكي الواقف أمامك هذا لو وقف إلى آخر يوم في حياته وأخر يوم في حياتي أنا لن أتحدث معه فقال ليّ مولانا : لماذا ؟ فقلت له : لأنه أدى القسم بالكذب وأي إنسان يفعل مثله لا أتحدث معه على أساس أنه لم يحترم قول الله – سبحانه وتعالى – وعلى هذا النحو وجهني قاضي المحكمة بأن أعمل إستئناف للحكم الصادر في مواجهتي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق