..............
برغم تباين وجهات النظر حول أسباب (الأحباط)، (اليأس) و(العبوس) الذى يكسوا وجوه معظم السودانيين بشكل ملحوظ منذ سنوات مضت، إلا أن أسبابه وبما لا يدع مجالاً للشك (اقتصادية)، إذ يواجه الإنسان صعوبات بالغة التعقيد كلما فكر فى توفير مستلزمات المعيشة اليومية، فهو يتفاجأ مع إشراقة شمس كل صباح بـ(غلاء فاحش) فى الأسعار، وهذا الارتفاع الجنوني يقابله دخل محدود لا يوازي حجم الانفاق لذا تجدهم من كثرة التفكير فى إيجاد الحلول يدخلون فى حالة نفسية عميقه من واقع صعوبة المرحلة التي تمر بها البلاد اقتصادياً.
إن المراقب لمشهد الشعب السوداني سيجده من أكثر الشعوب صبراً على الإبتلاء، وذلك بدليل صبره على النظام الحاكم (30) عاماً، وبالرغم من صبره سالف الذكر إلا أن المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم) فى البلاد مازال يطمع فى استمرارية النظام بترشيح المشير (عمر البشير) رئيس السودان فى الإنتخابات القادمة دون أن يكافئوا المواطن الصبور بتوفير أدني مقومات الحياة الكريمة خاصة وأن البلاد تعيش أوضاعاً اقتصادية قاهرة ويشهد الشعب فى ظلها أزمة تلو الآخري، وبالتالي تنعكس على مزاجه العام، والأمر الذى ربما قاده للاستسلام (للعوز) و(الفقر) قسراً، وليس بإرادتهم فهو مسير وليس مخير لأن الحل بيد من أوصلنا لهذه المرحلة المتأخرة من التأزم الاقتصادي، لذا من الطبيعي أن يولد ذلك الواقع المذري حالة من (الاكتئاب) و(الإحباط) الذى جعل الكثير من الاناس يظهرون بوجوه ( عبوسة)، بالإضافة إلى أن نظرتهم للحياة، للحاضر، للمستقبل نظرة (تشاؤمية) نسبة إلى أن الحلول الموضوعة على منضدة أصحاب الشأن غير مبشرة بالخروج من هذه الأزمات.
ومما ذهبت إليه فإن وضع الحكومة ينتقل من فشل إلى أخر ومعظم المشاريع التي دخلت حيز التنفيذ لا تنبىء بالنجاح ﻭكيف يحالفها النجاح وليس هنالك ﺪﻳﻤﻘﺮﺍﻃﻴﺔ فى الطرح والتناول ﻛﻤﺎ ﺍﻟﺤﺎﻝ فى ﻇﻞ هذا النظام الذى كشف عن فساده الذى أدي إلى تأثر (محمد أحمد الغلبان) بضغوط الحياة ومتطلباتها اليومية خاصة أن هنالك شريحة أختفت من المشهد ألا وهي الشريحة المتوسط في الدخل، أى أن هنالك شريحة ثرية ثراء فاحش وأخرى مغدعة فى (العوز) و(الفقر)، وهي فى الغالب الأعم تعاني من تكاليف المعيشة باهظة الثمن أى أنها لا تستطيع توفير الحد الأدنى من العيش الكريم، وكلما تأملت ذلك الواقع المذري الذى نركن له فى ظل ظروف إقتصادية (قاهرة) جعلت البلاد بلا موارد إنتاج مما قاد للإعتماد كلياً على (الجبايات) التي أضحت مصدر دخل لا يغطي الإنفاق الحكومى المسير لدولاب الحكم فى البلاد ناهيك عن مخصصات الوزراء والمسئولين والدستورين مضافاً إليها المؤتمرات ونسريات السفريات الخارجية، ومع هذا وذاك يتبادر إلى ذهني أسراً تعاني الأمرين بحثاً عن قوت يومها، ومع هذا وذاك تدعو الله العلي القدير أن لا تكون حدثت زيادات فى الأسعار، فتضاعف عليها (الفاتورة) مقابل مصدر دخل ضعيف جداً لا يوازي الصرف اليومي، وإذا كان ما أشرت له ينطبق على من يمتهنون الأعمال الحرة، فما بالك بالموظف والنظامي فى (الجيش) و(الشرطة)!.
السؤال الذى يطرح نفسه بقوة هل سأل المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم) نفسه يوماً واحداً عن أطفالاً كثر يبكون بحرقة كلما أخذوا جرعات (الكيماوي) والذي يشعرون فى ظله وبعده بالألم الذى لا يتحمله إنساناً كبيراً، وآخراً يبكي من (الجوع) لعدم وجود (خبز)، بالإضافة إلى طفله تبكي لأنها لا تمتلك المبلغ الذى يجعلها تواصل دراستها كباقي زميلاتها اللواتي أنعم على أسرهن المولي عز جول بالمال الوفير، وأخري اطلت على الدنيا يتيمة (أم) توفيت أثناء الولادة، إلى جانب أخرى تبكي لأن والدها العائل الوحيد مريض ولا يستطيع الذهاب للعمل لتلبية المستلزمات المعيشية اليومية، وهكذا المصائب تتوالى علي الشعب السوداني ولا حلول جذرية سوي التخدير والاعتماد كلياً على المواطن الذى إذا لم يخرج للعمل يوماً واحداً (يشل) ميزانية الحكومة.
إن الواقع الذى نعيشه اليوم واقعاً مؤلماً ومريراً رغم الصبر على الإبتلاء بـ(ساسة) لا يتجاوز تفكيرهم حدود البقاء على كرسي السلطة دون الالتفات إلى معاناة الشعب السوداني، وهذا الواقع جعل الكثير من الشباب والشابات يهاجرون بصورة شرعية أو غيرها، فكم من شاب أو شابة واجهوا الحياة دون سند يقودهم للطريق الصحيح، إذ أنهم يجدون جميع الأبواب مغلقه أمامهم، مما يضطر البعض منهم للانضمام إلى أطفال الشوارع الذين يقتاتون ما تبقي من فضالات الأطعمة ويفترشون الأرض ويلتحفون السماء حتى فى الشتاء القارص جداً، والأخطر فى هذه الحالة أن بعض الفتيات ينحرفن عن جادة الطريق، وما أكثرهن فى هذا الزمن الذى انجبن فى إطاره العديد من الأطفال (اللقطاء)، والمحظوظ من أولئك الأطفال أن يجد أسرة تتبناه إلا أنه رغماً عن ذلك يصطدم فى المستقبل بأنه نتاج ثمرة (الخطيئة).
ويستمر واقعنا المرير بكل ما تحمل الكلمة من معني حيث تجد أن هنالك تلميذاً أو طالباً يجمع مبلغ تناول وجبة الأفطار بصعوبة شديدة ليشارك به مع زملائه في المدرسة أو الجامعة فى ظل ظروف اقتصادية بالغة التعقيد، فيما نجد أن هنالك مريضاً يعاني الأمرين من أجل تلقي العلاج أو شراء الدواء الذى أصبح باهض الثمن للارتفاع الجنوني فى سعر الدولار، وتجد هنالك أيضاً (أباً) أو (أماً) مصابين بـ(السرطان) أو (الفشل الكلوي) أو غيرها من الأمراض المستعصية، هكذا عاش العديد من الأطفال حياتهم بلا (أب) أو (أم)، وربما بدون (مأوي) أو سند يقوم بدور (الأب)، لذا يكون الحاضر والمستقبل مظلمان جداً، إذ يعيش الكثير على باب الكريم، لذلك السؤال أين الحكومة وأين وزاراتها ومؤسستها من هؤلاء أو أولئك الذين يركنون لحياة أشد قسوة وايلاما، هل سأل المسئولين أنفسهم كيف هي حياتهم، وكيف هي حياة أولئك المعذبون فى الأرض؟؟؟؟؟.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق