ما يحدث في السودان من (فوضي) لا يحدث في أي دولة في العالم
نظام الرئيس المخلوع عمر البشير عطل الإذاعة خلال ثلاثين عام
على الدولة التدخل عاجلاً لحسم (فوضي) الساحة الفنية
لا يمكن إيقاف الغناء (الركيك) إلا بإنتاج ما يوازيه من غناء (جاد)
صدفة جمعتني بليلي المغربي في (أنا ما جاييك شايل أفراح)
جلس إليه : سراج النعيم
فتح الفنان الكبير أحمد شاويش النيران في كل الاتجاهات فيما يدور في الساحة الفنية، بالإضافة إلى أنه كشف خفايا وأسرار تنشر لأول مرة حول تجربته الإذاعية، والثنائية مع سيدة المايكرفون الراحلة ليلي المغربي، فإلى مضابط الحوار.
ماذا في دواخل أحمد جاويش؟
سعيد جداً بأن التقى بك أخي سراج النعيم، لانني أعتقد أنك أمل مشرق لحركة الفنون، ودائماً ما أتحدث عنك حديثاً طيباً في حضورك وغيابك.
ماذا عن إختيارك للنصوص الغنائية؟
قطعاً أجيد أختيار النصوص، وابذل قصارى جهدي فيها، وأحاول بمواهبي المتعددة تجويد ما انتجه للمستمع، والذي بدأته بمستمع واحد، وذلك بالاطلالة عبر الإذاعة والتلفزيون، وأكدت وأمنت على ذلك عبر صفحات الجرائد، وهي سلطة رهيبة جداً، ولا يطل من خلالها إنسان إلا إذا جلس في كرسيها الساخن.
وماذا؟
أعتقد بأن الصحفي الذي يمتلك ناصية الصحافة هو الذي يستثمر الأوقات، وهو ما فعلته أنت باستقلال علاقتي بك وحبك لي، وحبي لك.
أين أحمد شاويش من الساحة؟
أجمل شيء هو أنك اسميتها الساحة، فهذه الساحة ضلت طريقها، وضاع خفيرها الذي كان يحرس بابها.
كيف تنظر إلى الإذاعة والتلفزيون؟
التلفاز يسجل حضوراً طاغياً في البيوت، إما الإذاعة فمازالت تحتفظ بالمستمع الذي يحبها.
ما هي وجهة نظرك فيما تشهده الحركة الفنية؟
أصبحت (فوضى) وتحتاج إلى إعادة نظر، وترتيبها بما يتوافق مع المنتوج الرصين، والذي يتطلب وقوف (الفه) في بابه، أي أن تتخذ السلطات إجراءات حازمة ضد المتفلتين، خاصةً وأن الساحة تفتقر لشخص يمكن أن يسمع الناس كلمته، وبما أنه غير موجود فإن على الدولة التدخل عاجلاً وحسم (الفوضي).
هل للمتلقى تأثير في إستمرار (فوضى) الحركة الفنية؟
الغريب جداً أن؛ المتلقي يعبر صراحةً عن عدم ارتياحه لما يدور فيها، وما يطرح من غناء، إلا أنه وفي كثير من الأحيان يعلى من شأن بعض انصاف المواهب، وهو ما افتقدنا الكثير من الأصوات الجميلة، وإذا وجدت تلك الأصوات المساحات، فإنها ستكون جزء أصيل من تاريخ الأغنية السودانية، إلا أنها اختفت وافسحت المجال لأصوات ضعيفة، وهي أصوات أطلق عليها مجازاً (FM) باعتبار أنها تغني في (الصيوانات)، ومن يستمع لها لا يخرجها من نطاق الحي الذي يقيم فيه، هكذا أصبحت كل المسألة مرتبطة بالماديات، لذلك عليهم إعادة حساباتهم.
أين أنت من الساحة الفنية؟
أنتجت أعمالاً من خلال الإذاعة السودانية، ووعدتني إداراتها ببثها في عيد الفطر المبارك.
ماذا عن الجديد من الأغاني؟
لدى الكثير من النصوص والالحان الجديدة، وسوف ابدأ في إنتاجها بعد العيد بإذن الله.
لماذا لم تنتجها قبل ذلك؟
لا يمكن أن أنتج أعمالي في ظل أزمات اقتصادية طاحنة، فالمتلقي ليس لديه الإستعداد للاستمتاع إلى أحمد شاويش في هذا التوقيت، ومن يفكر في الاستماع فإنه يفكر ألف مرة في كيفية العودة إلى منزله في ساعة متأخرة من الليل، لذلك لا أستطيع الإجابة على هذا السؤال إلا عملياً، لأنني إذا قلت لك لدى نصوص والحان جميلة، فإن سؤالاً يتبادر إلى ذهنك، من الذي قال لك أنها جميلة؟ فالمتلقي وحده الذي يحكم عليها، واتمنى أن يكون حكمه لصالحي، عموماً ساطرح الجديد بنفس مستوى الأعمال السابقة.
ماذا فعلت أنت عندما كنت في الإذاعة، وهي صوت من أصوات الدولة؟
كانت معطلة تماماً خلال ثلاثين عام من حكم الرئيس المخلوع عمر البشير، وهي أعوام شهدت (فوضى) في كل شيء، واستمرت هذه الفوضى في الاقتصاد، وأشياء اخري، وعندما نتحدث عن الغناء يجب أن نعود للوراء للإجابة على أسئلة أين كان يغني الفنان وكيف؟، وهي أسئلة لا يمكن الإجابة عليها إلا إذا كانت هنالك لجان للنصوص، الالحان والأصوات، وهي وحدها القادرة على أن تسيطر على زمام الأمور في البلاد، خاصةً في الإذاعة، التلفزيون، القنوات الفضائية والإذاعات، ولكي يتحقق هذا الأمر لابد من أن تتدخل الدولة تدخلاً مباشراً، وأن تفرض سيطرتها على الحركة الثقافة والفنية بإصدار القوانين، وفرض الرقابة على المنتوج الثقافي والفني، فالآن لا ضابط ولا رابط، كما يتم السطو على أغاني الفنانين الكبار، وهؤلاء أو أولئك لا يمكن أن يكون لهم رصيد فني، فالفنان الذي يبدأ بأغاني الفنانين الكبار، ويستمر في ترديدها فإنه يسعى للكسب الرخيص دون التفكير في إنتاج الخاص، وأن طال به الزمن أو قصر فإنه إلى زوال.
وماذا؟
هذا الذي يحدث في السودان لا يمكن أن يحدث في أي دولة في العالم، لذلك لابد من لجان للنصوص، الألحان والأصوات، وأن تصدر الدولة قرارات لصالح الحركة الثقافة والفنية في البلاد حتى لا يظل سؤال كيفية إيقاف الغناء (الركيك) في (الصيوانات) قائماً؟، الإجابة عندي ببساطة شديدة يحتاج إلى عدد هائل من أفراد الشرطة خاصةً وأنها تمنح الإذن بالغناء في مناسبات الأفراح إلا أنها لا تعرف ما الذي يغنيه المغني، لذلك يجب أن تقف السلطات وقفة قوية، وأن تتخذ قرارات حاسمة لإيقاف (عبث) الساحة الفنية، وأن تفرض على المواهب الانضمام لاتحاد الفنانين أو اتحاد الخرطوم جنوب أو مراكز الشباب بولاية الخرطوم، لأن في هذه الكيانات سيجدون الشعراء، الملحنين والفنانين، ولكن هذا الإنسان لن يكون حريصاً على ذلك طالما أنه ياخذ مبالغ مالية ضخمة في حفلات الأفراح بمجهود قليل بالغناء من الساعة التاسعة مساء إلى الساعة الحادي عشر مساء، ومن ثم يستقل عربته ويعود إلى منزله، فما الذي يدفعه للاجتهاد وهو يكنز الأموال بسهولة، وهذا الاستسهال جعل الكثير من الأصوات الجادة تنزوي، لأنها عندما كانت في سن العطاء لم تنتج مخزوناً فنياً خالداً في ذاكرة الامة، لذلك لم يعود الناس حريصين على الارتباط معهم لإحياء حفلاتهم، كما كانوا يفعلون معهم قبلاً، ولا سيما فإن هذا الأمر يدخلهم في حالة نفسيه سيئة جداً، وللأسف الشديد ينزون، ولا يجدون أحداً يسأل عنهم نهائياً.
كيف تنظر إلى وسائط التقنية الحديثة، وتأثيرها على الحركة الثقافية والفنية في البلاد؟
الوسائط تروج إلى نفسها، ولا تعلى من شأن إنسان، بقدر ما أنها تفتح الأبواب مشرعة للنشر والبث إيجابياً وسلبياً، وفي كلتا الحالتين تتربى عليها الأجيال، وبالتالي فإن من ابتكرها يهدف للكسب المادي، وليس مهماً لديه إيجابياتها أو سلبياتها، ومع هذا وذاك لا يمكن إيقافها، أو محاربة المنتوج (الركيك) إلا من خلال إنتاج ما يوازيه من أغاني تحافظ على الذوق العام، إما إذا كنت تريد أن تكون وصياً أو أستاذاً على الناس، فأنت مهما فعلت لا تستطيع ايقاف ذلك الانتاج، فوسائط التقنية الحديثة عندما اوقفتها الدولة بقطع (الإنترنت) عن الناس، فكروا واستطاعوا من خلال ذلك التفكير الوصول إلى مبتغاهم، فالإنسان ذكي جداً، ويستطيع إيصال صوته مهما حاصرته، لذلك لابد من إنتاج أغاني جادة توازي الإنتاج (الركيك)، وبالتالي فإن المسئولية مسئولية شخصية، فأنا مثلاً سجلت أعمالاً في التلفزيون القومي قبل سنوات خلت، وهذه الأعمال تسمع إلى يومنا هذا، لذلك يجب أن يكون لدي الفنان سؤال داخله (ماذا بعد ذلك؟).
ماذا عن الإعلامية الراحلة ليلي المغربي؟
عندما جئت للمنوعات في الإذاعة السودانية وجدت أمامي ليلي المغربي، السر محمد عوض، علي الحسن مالك، برعي محمد دفع الله، العاقب محمد الحسن، علي مكي وآخرين.
من أين جئت للإذاعة السودانية؟
جئت إليها خريجاً من معهد الموسيقى والمسرح، وخرجت منها فناناً معافى.
هل تعاملك مع ليلي المغربي مجاملة؟
لا لم تكن محطة ليلي المغربي فيها أي مجاملة، وكلما جاءت ذكري وفاتها السنوية يتحدث الناس عن أغنية (انا ما جاييك شايل أفراح تملأ الدنيا) أو (العمق العاشر)، وبالتالي فهي محطة كبيرة جداً في حياتي الفنية والإعلامية، فليس من السهل أن تجد أغنية تظل شعار للمحطة الإذاعية (البيت السوداني)، فليلي المغربي ملكة المايكرفون، وهي من تسجل حضور طاغياً.
ما الذي التمسته في ليلي المغربي؟
تستمع لك بغض النظر عمن أنت، وتعطيك النصح بدون أن تجرح مشاعرك، وهي لا تستضيف أي شخص في برامجها وسهراتها، ناهيك أن تدفع بنصوصها لفنان، لذلك تبقى ليلي المغربي محطة كبيرة في حياتي، وهي عندما تولى فناناً اهتماماً فإنه يرجى منه، وفي مرة من المرات قالت : (أحمد شاويش امسكوا الخشب)، فهي كانت دفعاً لي للإمام.
ماذا عن نصوص ليلي المغربى؟
وصلتني نصوصها ببساطة شديدة رغماً عن أن الشاعر لا يعطي نصاً غنائياً لفنان لو لم يكن مقتنعاً بأنه سيوصله إلى المتلقي.
هل كنت تعلم بأن ليلي المغربي شاعرة؟
لا لم أكن أعرف، ولكن بالصدفة أكتشفت أنها تألف الأشعار، وحتى هذه الصدفة لا تدع الشاعر يمنحك نصاً غنائياً لو لم يكن واثق من أنك ستوصله للجمهور.
مقاطعاً ما الكيفية التي وصلتك بها نصوص ليلي المغربي؟
في يوم من الأيام كنا في المنوعات بالإذاعة السودانية، وكان معنا الفنان الطيب عبدالله والراحل إبراهيم حسين وآخرين، وفي ذلك اليوم لم تكن الإعلامية الراحلة ليلي المغربي تعرف شخصاً اسمه (أحمد شاويش)، وكان أن غني كل من أشرت لهم، ومن ثم دفعوا لي بالعود لكي أغنى فرفضت، وفي هذا اليوم كان ميلاد فنان في حياة إذاعية كبيرة جداً، وكان ثمرة هذا اللقاء أن أسجل أغنية (أبقى فيني وإلى)، وكان الفني آنذاك عبدالمجيد غرندل، والمشرف عطية الفكي، وهي من كلمات المكاشفي محمد بخيت، وبعدها أصبح بيني وليلي المغربي لقاءات من خلال المنوعات، هي مذيعة وأنا مخرج، وليلي المغربي شاعرة وأحمد شاويش محلن وفنان.
هل عند اكتشافها أنك ملحن وفنان دفعت إليك بالنصوص؟
أولاً لا بد من التأكيد بأنك لكي تلحن نصاً غنائياً لابد من أن تتصالح مع نفسك، وأن تعيش وتحس النص، وعندما فعلت ذلك ليس لأن النص من تأليف ليلي المغربي، بل لأنها نصوص تستحق، بدليل انها وجدت قبولاً منقطع النظير
لذلك كانت (انا ما جاييك شايل أفراح تملأ الدنيا).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق