قرار عطلة (السبت) من سياسات نظام المخلوع عمر البشير
........
الإجازات تنهك الميزانيات في ظل ظروف اقتصادية قاهرة
.......
بقلم : سراج النعيم
.......
أتفق مع الأصوات المطالبة للسلطات المختصة في البلاد إتخاذ
قرار يقضي بإلغاء عطلة (السبت) نسبة إلى الظروف الاقتصادية القاهرة التي يمر بها السودان،
وهي لا تتوافق عادات، تقاليد وثقافات خاصة بتاريخ وموروثات شعوب مغايرة لنا، وهي غير
منفصلة عن الديانة الإسلامية، وخلاف ذلك كله فإنها ليست مجدية في بلد مازال يتلمس خطاه
الأولي نحو التأسيس لاقتصاد وفق سياسة جديدة، وبالتالي لا تصلح عطلة (السبت) في السودان
لما يعانيه من فقر مقدع أحدثه النظام السابق على مدي ثلاثة عقود من عمر نظام الرئيس
المخلوع (عمر البشير)، والذي انتهج من خلالها سياسات اقتصادية اتسمت بالفشل الذريع
بكل ما تحمل الكلمة من معني، وعلى هذا النحو اقترح عطلة (السبت)، ونفذها كسائر قراراته
غير المدروسة سياسياً، اقتصادياً، اجتماعياً، ثقافياً وفكرياً، وهو الأمر الذي أوصل
البلاد إلى مرحلة متأخرة ومتأزمة جداً في شتي مناحيها.
ما لا يعلمه النظام البائد أن الدول الإسلامية والعربية التي
تضيف يوم عطلة لعطلة (الجمعة) تهدف من ورائها إلى أن يحظى العاملين لديها باﻟﺮﺍﺣﺔ الجسدية
والذهنية بعد عناء عمل شاق خلال أيام الأسبوع، وهذا يعود إلى أنها بلدانا تركن لأوضاع
اقتصادية ممتازة، ولا تتأثر بإضافة يوم للعطلة الرسمية خاصتها، لأنها ليست لديها إشكاليات
اقتصادية، لذا اختارت يوماً إضافياً للعطلة، ومعظم تلك البلدان لم تختار (السبت) لدلالات
لها معني عميقة، بل اختارت (الخميس) باعتبار أنه نهاية الأسبوع، وبالتالي منحت راحة
إضافية للعاملين والموظفين في القطاعين الخاص والعام بعد إنجازهم اشغالهم الموكلة لهم
طوال أيام الأسبوع، لذا نحن بعيدين عنهم كل البعد، وذلك من واقع أن السودان بلدا فقيراً،
ويحتاج لأي وقت أو يوم للعمل بما في ذلك (الجمعة) حتي يستطيع تحسين أوضاعه الاقتصادية
التي لا تدع له فرصة للحاق بركب الدول المتطورة، ومواكبتها بالتنمية والإنتاج.
مما أشرت له، فإنني أؤكد تأكيداً قاطعاً أن قرار عطلة (السبت)
لم يكن مدروساً دراسة وافية ومستفيضة من كل نواحيها التي تضعها في الخانة الصحيحة،
وبالتالي فإنه ومن المؤكد أن عطلة (السبت) تركت تأثيرها (السالب) على الحياة حاضراً
ومستقبلاً، مما نجم عنها خللا اقتصادياً واجتماعياً عميقاً يصعب إصلاحه خلال سنوات
فقط، بل يحتاج إلى سنوات وسنوات طويلة لأنه النظام السابق لم يكشفه أو أكتشف، ولم تكن
لديه القابلية للتراجع عنه إلى أن تمت الإطاحة به، فهو قد جبل على الإصرار للاستمرار
في الأفكار الخاطئة، والتي دون أدني شك من بينها عطلة (السبت)، والتي لم ينظر إلى تأثيرها
على الجوانب السياسية، الاقتصادية، والاجتماعية، الثقافية والفكرية.
إن عطلة (السبت) أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط السودانية،
ورغما عن ذلك لم يتم الالتفات إليها من نظام الرئيس المعزول (عمر البشير)، والذي لم
يأبه بما تسفر عنه من نتائج، خاصة وأن البلاد تركن لظروف اقتصادية بالغة التعقيد، وهي
ظروفا قاهرة جداً، وتتطلب من الجميع العمل طوال أيام الأسبوع دون إنقطاع، وذلك من أجل
إنجاز الأعمال والمعاملات في كل المؤسسات، الشركات والمصارف في القطاعين الخاص والعام.
مما ذهبت إليه، يجب أن ننظر بمنظار فاحص لتأثير عطلة (السبت)
على الأسر السودانية ذات الدخول المحدودة، وقطعاً لم تكن تضع في حساباتها ميزانية لعطلة
(السبت)، مضافاً إليها عطلة (الجمعة)، ومما لا شك فيه أن ميزانيتها لا تخرج من نطاق
عطلة واحدة، لذا ظلت الكثير من الأسر المتأثرة باستمراريتها تطالب السلطات المختصة
بإلغائها لما تحدثه من خلل عميق ﻓﻲ الميزانية المجدولة طوال أيام الأسبوع، والذي ربما
يشهد فواتيراً جديدة تضاف للتي هي أصلاً هاجساً من الهواجس قبل الإطاحة بالنظام السابق
الذي أفقر الفقير وأثري الأثرياء، وعليه فإن الراهن الاقتصادي
يحتاج للتركيز على العمل أكثر من الإجازات، وذلك من أجل الإيفاد
بالالتزامات، وتمزيق الفواتير المتضاعفة يوما تلو الآخر، خاصة وأن كل رب أسرة كلما
مزق فاتورة من الفواتير أطلت عليه أخري، وأعنف من سابقاتها، لذا فمن الصعب جداً الإيفاء
بمستلزمات عطلة (السبت) في إطار ذلك الواقع المذري لما تضيفه من أعباء جديدة على كاهل
الناس الذين يجد البعض منهم أنفسهم مضطرين للعمل في الإجازات بما فيها عطلة (الجمعة)
دون الاكتراث لقرار عطلة (السبت) الصادر من السلطات المختصة، والذي يدخل الناس في حسابات
لم تكن موضوعة ضمن الميزانية في ظل ارتفاع جنوني في السلع الاستهلاكية، وليتها تتوقف
عند هذا الحد، بل هي زيادات يتفاجأ بها المواطن مع إشراقة شمس كل صباح، فبعض الشركات،
المؤسسات والتجار يتعاملون مع الأسواق حسب الامزجة الشخصية، مما يعني أن حقوق محمد
احمد الغلبان مهضومة بالقرارات السالبة، والتي لم يشارك في اتخاذها رغماً عن أنها قرارات
مصيرية، وتتعلق بتصاريف حياته اليومية.
إن عطلة (السبت) من الأخطاء الجسيمة للنظام البائد الذي لم
ير أن هنالك من هم مصادر دخلهم ضعيفة جداً، ولا تكفي لفرد واحد من الأسرة ناهيك عن
عائلة كاملة، وبالتالي فإن نظام العمل بالساعات لا ينجح في بلد فقير مثل السودان، والذي
لا تنطبق عليه المقاييس والمعايير الدولية خاصة وأنه مازال في طور النمو، ويحتاج للإنتاج
للاستفادة من أي وقت، ولا سيما فإن عطلة (السبت) تعد خللاً لعدم كفاية أيام الأسبوع
لإنجاز المهام.
فيما يجب إعادة النظر في عطلة (السبت)، وإجراء دراسة واقعية
ﻟﻤﻌﺎﻟﺠﺔ توقيت الدوام والانصراف من العمل، ﻭﺍﻹﻟﺘﺰﺍﻡ ﺑﺎﻟﻀﻮﺍﺑﻂ المنظمة له، فالعطلة لا
تتيح الفرصة الكافية، لذلك بما هو مجدول في أعمال كل منا خلال أيام الأسبوع القلائل،
خاصة وأن البلاد تمر بمرحلة حساسة بعد الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع (عمر البشير)،
وهي مرحلة لا تحتمل أي وقت ضائع دون إنتاج، لذا يجب إلغاء عطلة (السبت)، وإعادة النظر
في هذه التجربة الفاشلة، خاصة وإننا نختلف عن الدول المتبعة لنظام العطلة يومين خلال
الأسبوع، ورغماً عن ذلك نجد أن هنالك من يعملون يوم العطلة الرسمية المضافة أصلاً لعطلة
(الجمعة)، وذلك دون الالتفات إلى اصرار السلطات المعزولة للاستمرارية فيها، لذا يجب
أن يتم تعديل المرتبات، وإعادة النظر في الحوافز حفاظاً على حقوق العاملين والموظفين
في العطلة الإضافية باعتبار أنها إجازة كسائر الإجازات ذات الخصوصية في العمل.
إن ﺍﻟﻐﺎﺀ عطلة (السبت) يصب في مصلحة البلاد والناس والمجتمع
من الناحية الاقتصادية المتطلبة زيادة الإنتاج من أجل مجابهة المنصرفات، والتي تتطلب
مزيداً من الساعات في العمل، ﻟﺬﻟﻚ ﻳﺠﺐ إلغاء عطلة (السبت)، والاستمرار في العمل طوال
أيام الأسبوع، والاكتفاء بعطلة (الجمعة)، فالقرار لم يكن صاﺋﺒﺎً، وﻟﻢ يكن مبنيا ﻋﻠﻰ
ﺩﺭﺍﺳﺔ غير ﻣﻨﻄﻘﻴﺔ وﻣﻘﻨﻌﺔ، ﻟﺬﻟﻚ ﻭﺟﺐ ﺍﻟﻐﺎﺀ العطلة، وإعادة يوم (السبت) عمل ﻛﻤﺎ كان في
السابق.
وما لا يعرفه مشرع عطلة (السبت) أنها تمنح خلال الأسبوع للموظفين
والعمال مرة واحدة، ﻭﻫﻨﺎﻙ ﺛﻼﺛﺔ ﺍﺳﺘﺜﻨﺎﺀﺍﺕ في إطارها لدي بعض الدول العربية مثلاً ﻟﺒﻨﺎﻥ،
ﺗﻮﻧﺲ وﺍﻟﻤﻐﺮﺏ، إذ أنها تنتهج سياسة فرنسية، إما الدول الأوروبية فالعطلة لديها يومي
(السبت) و(الأحد)، والإجازات خلال الأسبوع تحكمها العادات، التقاليد والثقافات، المستمدة
من الأديان السماوية، فالديانة الإسلامية عطلتها بالنسبة للمسلمين (ﺍﻟﺠﻤﻌﺔ)، والديانة
اليهودية عطلتها (ﺍﻟﺴﺒﺖ)، والديانة المسيحية عطلتها (ﺍﻷﺣﺪ)، وهكذا تكون إجازة الدول
خلال أيام الأسبوع قائمة على أساس ديني، وهنالك دولا تؤجز ﻳﻮﻣﻲ (ﺍﻟﺨﻤﻴﺲ) ﻭ(ﺍﻟﺠﻤﻌﺔ)،
وآخري ﻳﻮﻣﻲ (ﺍﻟﺠﻤﻌﺔ) ﻭ(ﺍﻟﺴﺒﺖ)، ﺃﻭ ﻳﻮﻣﻲ (ﺍﻟﺴﺒﺖ) ﻭ(ﺍﻷﺣﺪ) ولكل دولة فلسفتها للاتجاه
على هذا النحو، لذا ما هي الدلالة التي ارتكز عليها النظام السابق لجعل (السبت) عطلة
رسمية في جميع أنحاء البلاد، مع التأكيد أن أغلب سكان السودان ينتمون إلى الديانة الإسلامية
التي تمنح المسلمين (الجمعة) عطلة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق