ما قصة العربة التوسان قبل وقوع الحادث البشع؟
...................
جلس إليه : سراج النعيم
..................
(نادر) كان اسماً علي مسمي، كان نادراً في طباعه نادراً في أسلوبه، نادراً في مدرسته الفنية، لذلك كان فناناً ﻭﻓﻴﺎً مخلصاً للفن والفنانين إلى أن أستشهد في الحادث المؤلم بطريق التحدي قادماً من مدينة (عطبرة) بعد إحيائه حفلاً لطلبة كلية التربية بمدينة الحديد والنار.
وﺭﺣﻞ ﻧﺎﺩﺭ خضر دون أن يودع جمهوره الذي أحبه فبادله الحب بحب أعمق منه وظهر ذلك جلياً في رده عليهم من خلال استضافتنا له في صالون (نجم ومعجبون) في (الدار) التي وضع على صفحاتها مشواره الفني الحافل بالبذل والعطاء، هاهي ذكري رحيله تطل علينا بعد أيام بالرغم من أنه سيظل مقيماً في دواخلنا بما تركه من إبداع يمشي بيننا ، الإبداع الذي خلق به بصمة لا تشبه كل المدارس الفنية التي مرت علي عوالم الغناء السوداني.
ومن الملاحظ في نادر خضر أنه كان يهتم بمظهره بالضبط كالفنان الراحل أحمد المصطفي أي أنه ﻛﺎﻥ ﺃﻧﻴﻘﺎً ما حدا بالكثير من جماهيره تقليده في اقتناء الأزياء، وظهرت لهم أناقة الفنان النادر من خلال إطلالته عبر برنامج (أغاني وأغاني) الذي يعده ويقدمه الأديب السر أحمد قدور وتبثه قناة النيل الأزرق في شهر رمضان من كل عام ولم يكن (شليقاً) كبعض الفنانين المشاركين في البرنامج الذين يقاطعون مقدم البرنامج الموسوعة التاريخية التي كان عليهم الاستفادة منه بالإنصات، ولم يكن نادر خضر يفعل مثلهم ﺇﻻ ﻋﻨﺪﻣﺎ يوجه إليه الحوار وعندما يسأل يرد بأدبه المعهود فيه دون أن يخلق جلبة باعتبار أنه فنان مثقف يشد المتلقي بطريقته المشوقة التي يغلب عليها الطابع الحزين وكأنه يحمل في دواخله حزناً دفيناً أو كأنه يعيش قصة حب انتهت علي غير ما يهوي لذلك تحس أنه يعمل جاهداً علي مداواة جراحه وإخفاء أحزانه خلف صوته وأغنياته رغماً عن الألم الذي يبدو ظاهراً، وقد التمست ذلك في لقاءاتي المستمرة معه وليس توهماً حيث أنني في تلك اللقاءات تجرأت وسألته فيما لاحظته فكان شفيفاً في رده عليّ بالرغم من أنني كنت متخوفاً من أن أجرح مشاعره التي أعرف أنها مرهفة ويظهر ذلك حتى على مستوى أختياره للنصوص الخاصة به أو تلك التي غناها للفنان الكبير صلاح مصطفي فهي جميعها تمتاز بأنها ذات شجن وحنين.
فيما القي حادث مصرع المطرب نادر خضر بظلاله السالبة على المشهد العام لما حمله من سيناريوهات وحكايات أوردتها الصحيفة منذ اللحظة التي تم فيها الإعلان عنه.
ولم يكن (نزار رميت) على علم بأن الاشخاص داخل السيارة (اللاندكرورز) هم أصدقائه الأربعة بما فيهم الفنان الشاب نادر خضر، ولكنه رغماً عن ذلك عمل جاهداً علي إماطة اللثام عن الغموض الذي يكتنف الحادث.
ومن هنا ندلف مباشرة إلى الرواية، إذ قال (رميت) : بدأت رحلتي من منطقة (العبيدية) التي شددت الرحال منها في تمام الساعة الثانية عشر والنصف، ولم أكن على اتصال بهم منذ عشرة أيام لأنني كنت مشغولاً بإدارة أعمالي التجارية، ولم تكن لدي خلفية بوجودهم في مدينة (عطبرة)، ولو كنت أعلم ذلك كان سأذهب اليهم ولن أدع (نادر خضر) إلا بعد أن يأتي معي في سيارتي عموماً أثناء استقلالي لطريق التحدي تفاجأت بهذا الحادث المروري المروع أمامي في الساعة الثالثة والربع صباحاً بالتمام.
ووصف الكيفية التي وجد عليها السيارة (اللاندكروزر)، وهي مصطدمة بالمقطورة الخاصة بالشاحنة قائلاً : لابد من التأكيد أن السيارة والشاحنة كانتا في طريقهما إلى الخرطوم لأنهما كانتا متجهتان ناحية الجنوب، وما لم يشر إليه في الحادث المروري هذا هو أن الشاحنة تحمل حاويتين، والعطب الذي تعرضت له ظاهراً من خلال الإطار الخاص بالمقطورة التي تقف في قلب الطريق من الشمال إلى الجنوب أي أن الإطار انفجر في تلك اللحظة، فلم يفعل السائق شيئاً سوي أنه أوقفها في هذا المكان مستسلماً لهذا الظرف الطارئ، والدليل على ذلك العطل أن سائق الشاحنة لم يكن موجوداً لأنني أول ما قمت به هو بحثي عنه حتي يساعدنا في إيجاد الحل، لأنه وكما ذكرت في معرض تناولي لهذا الحادث أن المقطورة يوجد بها إطار أصابه (عطب) صورته دون أن اعلم أن السيارة اللاندكروزر فيها (نادر)، (محمد)، (فارس) و(وليد)، ولكن بحكم تسفاري الكثير من والي ولاية نهر النيل أشاهد حوادث مماثلة له، ولأخطاء الوقوف في الطريق دون وضع (عواكس) أو أي شىء يمكنه تنبيه من يستقلون الطريق إلى أنه توجد هنالك عربة متعطلة، كالذي حدث بالضبط في حالة أصدقائي الذين كانت أبواب سيارتهم (اللاندكروزر) مغلقة رغماً عن الاصطدام القوي.
وأضاف : ومما ذكرت مسبقاً قال ليّ المهندس الذي كان يرافقني في هذه الرحلة : (يا نزار يجب أن نفتح باب اللاندكروزر الخلفي حتى نعرف أن كان من بداخله في حاجة إلى إسعاف أم لا، وهذا هو الخيار الأرجح)، فالحادث كبير، وكبير جداً، فيما كان هنالك سيارة (توسان) وقفت أمام سيارتي (الأكسنت) مباشرة، بالإضافة إلى شاحنة نقل صغيرة ماركة (دينة)، ولفت نظري أنه كان غاضباً، وهو يبحث عن سائق الشاحنة قبل أن يحضر إلى الحادث، وقال : (لن أترك سائق الشاحنة، فهم قضوا علينا في هذا الشارع)، هكذا قال بنفس النص، فهو عندما ترجل عن عربته كان همه الأكبر العثور على سائق الشاحنة الذي لم يكن له أثر، وكان أن توجهنا جميعاً صوب السيارة اللاندكروزر، وقمنا بفتح بابها الواقع في المقصورة الثانية من الناحية الشمال، وكان أن أضاءوا إنارة هواتفهم السيارة لمعرفة أن كان من داخلها أحياء أم أموات؟ خاصة وأن تظليل (اللاندكروزر) يحجب الرؤية إلى جانب أن الظلام يعم المكان، والغريب في ذلك أن الباب الأمامي والخلفي من الناحية الشمال لم يصابا في الاصطدام بالشاحنة.
وزاد : المهم أننا فتحنا الباب الشمالي للسيارة اللاندكروزر، وكان حيدر محمد محجوب الذي عرفت اسمه من خلال هذه الصحيفة يضيء بهاتفه الجوال داخل السيارة، وقال لي أنني أشاهد أناس متوفين، وعندما فكرت في مشاهدة هذه الجثث منعني محمد الذي كان معي رفيقاً في هذه السفرية، وقال ليّ دعك بعيداً، ونحن سوف نشاهد ونحكي لك، ولم أكن أعرف ما هو السبب؟، علماً بأنني أعرف المتوفين الأربعة، ولو كان كشفوا ليّ الإنارة على أي واحد منهم كنت عرفته حتى ولو كانت ملامحه مختفية تماماً، وكان أن نفذ فكرته ثم عاد إلىّ وقال الناس الموجدين داخل السيارة اللاندكروزر (ميتين)، وبالتالي ليس فيهم أحد تنبض فيه الروح لكي نقوم بإسعافه إلى أقرب مستشفي، فما كان مني إلا وقلت له الخير فيما اختاره الله، ولكن يجب أن نتصل بالشرطة، وكان أن استخرجت هاتفي الجوال من جيبي وأبلغت شرطة النجدة في تمام الساعة الثالثة والثلث صباح (الأحد)، وكان أن وجدت رداً منهم فقلت لهم يوجد حادث مروري في طريق التحدي في المسار الذي تمضي فيه السيارات من الشمال إلى الجنوب في الكيلو (59) الأقرب إلى منطقة الجيلي بـ (14-15) كيلو متر تقريباً لأنه بعدها بمسافة توجد لافته مكتوب عليها وداعاً ولاية نهر النيل.
وأشار (رميت) إلى أنه أجرى اتصاله بشرطة النجدة، وأوضح لهم من هو الشخص المبلغ وبيانات بطاقته قائلاً : وقبل أن استرسل في رسم صورة تقريبية للحادث المروري، قالوا ليّ سوف نتصل عليك، إلى هنا أنتهت المكالمة الهاتفية، وفي الساعة الرابعة إلا عشر دقائق تلقيت اتصالاً هاتفياً من رقم هاتف أريبا قال محدثي من الطرف الآخر معك شرطة مرور الخرطوم بحري، فقال ليّ أين الحادث؟ فقلت : الحادث في الكيلو (59)، وأردف قائلاً : هذه المنطقة لا تتبع لنا، وهي تتبع إلى شرطة مرور شندي، ولم أكثر معه الحديث وأغلقت الهاتف دون أن أعرف ما هي الخطوة التالية، ولكنني عكست وجهة نظر شرطة مرور الخرطوم بحري، وقلت لهم بالحرف الواحد : (يا جماعة الناس ديل قالوا إن هذه المنطقة لا تتبع لهم، مع العلم أن السيارة اللاندكروزر دخلت في المقطورة من الخلف بصورة يصعب معها جرها بالأيدي أو بالسيارات الصوالين التي كنا نستقلها في تلك اللحظة المؤلمة جداً).
واستطر قائلاً : قلت لمن كانوا معي في مكان الحادث سأذهب إلى منطقة (الجيلي) وأبلغ نقطة الإرتكاز الموجودة هناك لأنها أقرب منطقة إلى الحادث، وكان أن توجهت إلى هناك، وبعد البوابة مباشرة على يدي اليمني وجدت عربة إسعاف وماكينتها تعمل والإنارة الداخلية مضاءة، ولكنني لم أجد فيها شخصاً، فيما كان تقف إلى جوارها عربة شرطة بها فرد من أفرادها، والذي أخطرته بالحادث المروري ومكانه، فقال : (خيراً وسنتصرف)، وعلى خلفية ذلك ظللت واقفاً لدقيقة أو دقيقتين، ثم تحركت في نفس مساري عائداً إلى الخرطوم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق